تسعدني كثيرا زيارتك في زنزانتك عبر الأثير،بباقة كلمات... في ليلة باردة،وممطرة،..فاجأ السجان المعتقلين بمخفر الشرطة عندما فتح باب الزنانة،الليلة الأخيرة لأبريل هذا العام، يرمي بقلم الرصاص بداخلها، مهشم الرأس، وعليه علامات رضوب في عنقه..سارعت عيون السجناء كلها تلاحق المشهد،إلى أن إستقر القلم بوسط الزنزانة بعدما دار على جسده مرات ومرات. فراح الواحد منهم ينظر للآخر..فهبوا لحظة واحدة بإستثناء معتقلة أحتفظت بجلستها القرفصاء يريدون إلتقاط القلم..فسمعوه يئن..مغمض العينين،يتنفس، فأمر أحدهم أن يلتقط القلم بهدوء مشيرا أنه يتألم،وأنه ربما مغمي عليه.. ورد الثاني يستهزأ من السجين -''إنه مجرد قلم الرصاص يا صاحبي،هل طلب منكم أحدا قلما من السجان.. وإذا بالسجين الأول يمسك الثاني بقوة من دراعه،يحاول أن يبعده.. -''قلت لك أنني أسمع أنين القلم، وارقب رأسه وكأن السجان أو النطاق داسه برجله، أنظر إنه يتنفس..أنتظر سأفتح عينه،إنه مغتقل مثلنا..هل طلب منكم أحدا قلما من السجان،.. رد السجناء وبإشارة الرأس تقول لا..فتابع السجين الكلام. -''لو كان أحدكم طلب قلما من السجان لجاءه بقلم جاف،ولجاوره السجان فوق رأسه حتى يكتب مايريد أن يكتب،..أنظروا إنه قلم الرصاص..معتقل مثلنا.. نطقت السجينة من مكانها تسأل.. -'' سجين مثلنا؟..هل فقدت عقلك وهل يسجن القلم..؟ وما هي تهمته..؟ ألا يكون ألقي عليه القبض في حضن أمرأة متزوجة مثلي ضبطوني متلبسة في حضن رجل متزوج ..أو مثلك سكران.. ..أو ذا المسكين الذي أمامك وجدوه بدون تعريف وطني.. إلتقط السجين القلم بلطف .. مدده فوق راحتيه.. يرد بعطف.. -''مسكين أنت أيها القلم ..سلخوك أنت الآخر..وهشموا رأسك..ماذا فعلت وأية تهمة إتهموك..أنا أيضا أشبعوني ضربا فوق الركبتين،أشبعوني بصقا على الوجه..فقط لأنني سخنت الرأس ببعض القنينات الحمراء.. صمت كبير خيم على الزنزانة..لحظات يتابع فيها السجناء، مشهد السجين يدوح بالقلم كما لو أنه يحمل رضيعا، بلطف..ويسأله.. -ماذا تريد أن تقول شيئا..هل عدت إلى رشدك،..على السلامة..ماذا..؟ ثم يقرب راحتيه جهة أذنه اليمنى يسأل ويجيب.. -''ماذا قلت..؟ -''قلت لفقوا لك التهمة..؟ كما يقولها أي سجين ..هذا رد أي سجين يا حبيبي.. إسألني أنا الذي لا تسطيع أالزنزانة أن تتحمل وحشتي ... لا يمكن أيها القلم لابد وأنك فعلت شيئا، أو على الأقل يفعلونه لك..بماذا إتهموك..و أية تهمة لفقوا لك..على الأقل هذا الرصاص الذي أنت دائما متلبس به..قل ولا عليك الحرج..فأنت قلم الرصاص قلبك أبيض تكتب وتمحي..عندما كنت في المدرسة كان أعز قلم بين أقلامي قلم الرصاص ويوما حاولت أن أكتب به حصة الإملاء،فعاقبني المعلم، وهو يقول لي :''لا يكتب الإملاء بقلم الرصاص أيها الأبله.. لم يتوقف السجين، يلف الزنزانة من ركن إلى ركن والقلم ممدد فوق راحتيه..لازال يلاطفه..وصوت السجان من جديد يفتح الباب لمعتقلين جديدان يدخلان الزنزانة،..والسجين بسرعة يبعث إليه بالسؤال.. -''وقل أنت يا سجاننا، بالمناسبة..ماذا فعل هذا القلم..يأيه تهمة أعتقلتموه.. السجان وهو يصد الباب: -''وهل هذا سوقي أنا..إسأله يقول لك.. -''أسأله..؟ وأنتم هشمتهم رأسه وهشمتم خشمه،..هل تركتم له بما يرد به.. وقفا السجينان الجديدان يرقبان بدورهما المشهد..وينظران إلى السجناء الأربعة والسجينة جالسين على الأرض..وإذا بالسجين يخاطبهما وهو يقترب منهما،..يسأل -''ماذا جاء بكما أنتما الآخرين إلى هنا..لا تقولا لي كما القلم أنكما مظلومين.. فرد الأول منهما، -'' ألقي علينا القبض معتصمين بالقرب من البرلمان..مابه قلمك هذا مهشم.. فضحك السجين ضحكة مسموعة ينظر إلى باقي السجناء يسألهم.. -''هل سمعتم أنه يسألني عن هذا القلم أنه قلمي..؟ ردوا عليه وقولوا له أن هذا القلم المسكين المحطم الرأس، ويئن في يدي ليس قلمي يا صاحبي .. هذا القلم منذ قليل وقبل وصولكما رمى به السجان هنا كما ألقى بك أنت وصاحبك..لا تقل شيئا قرب إلي..قرب أذنك أكثر، أنه يئن، من شدة الضرب..أسمع أنه يتنفس،.. تطوع المعتقل دون تردد..فأقسم لصاحبه وأذنه ملتصقة بالقلم.. -''والله معه الحق،..القلم وكأنه يئن..والحرارة تنبعث من فمه..ناولني من فضلك القلم لا تخف ..إنا دكتور مختص في طب العظام، معطل عن العمل..على الأقل نشتغل بالسجن ريثما يحن علينا الله بعمل.. تراجع السجين إلى الوراء..قرب راحتيه أكثر إلى صدره..يسأل المعتقل ويطيل السؤال.. -''ماذا قلت..طبيب..؟ -''نعم طبيب لا تصدق إسأل صديقي.. -''ومتخصص في العظام..ومعطل عن الشغل..يا سلام عليك أيها الطبيب مرحبا بك..أحبكم كلكم أنتم من تعتصمون بالقرب من البرلمان..كلكم ظرفاء والله..عندما يشتد بي ضيق الدنيا..أدخل وسطكم، وأعتصم معكم، كل مرة بشهادة..مرة مهندس،ومرة قانوني ومرة مربي وكل مرة مع مجموعة..أعتصمت يوما مع المكفوفين..وتعمدت الكفاف والعفاف..أكلت وشربت معكم الخير والخمير،أكلت معكم العصا كم مرة يا أخي..يحسن عونكم مع زرواطة المخزن..تفضل يا دكتور تفضل خذ القلم للتو وكأنه قال شيئا،وكأنه قال لي أنهم لفقوا له التهمة.. أخذ المعتقل، الطبيب، القلم بدوره فوق راحتيه بلطف وعناية..فمدده فوق راحة وصار يجس نبضه..فبدأ السجين يغني: جس الطبيب لي يوما نبضي،..فقلت له يا سيدي إن التألم في كبدي..فاترك يدي ياسيدي فاترك يدي.. -''نبضه جيد يا دكتور..؟ -''الحمد لله ومضبوط تقريبا تسعين دقة في الدقيقة..فقط درجة الحرارة مرتفعة بعض الشيء..بفعل الرضوب في العنق..والضرب على الفم..الرصاص لم يضع منه..وليست به كسور.. -''الحمد لله كنت أعتقد أنهم أقلعوا أضراسه..إسأله يا دكتور ..هل يشعر بالخير وهل تحسنت صحته.. سأل المعتقل الدكتور السجين.. -'' وأنت ما هي تهمتك..قلت أنك تشاركنا الإعتصام بالقرب من البرلمان وكأنني رأيتك في مكان ما بالعاصمة.. -'' أنا تهمتي سكران في الشارع العمومي..يرمي بي هذا الحائط إلى ذاك الحائط.. -''أنا خضار متجول،..أبيع خضروات المواسم بأبواب مساجد المدينة..معروف عند المصلين،رجل أمين..فقط مبلي هذه البلية الحارة..واليوم قبيل العصر، داهمتني حملة أعوان السلطة..فسحبوا مني عربتي،..فاتجهت مباشرة إلى القائد أستعطفه وأبكي عليه..وكم أقسمت بأن لا أعود إلى هذه الحرفة وأنني سأبحث عن حرفة أخرى..أنا حرفي كبير بسبع صنائع والرزق ضائع.. ووعدني بتسلم العربة في الغد..فلم أجد بدا من معاقرة الخمرة أنسي بها، شربت كثيرا حتى ضعت عن القبلة..مصيبتي كفالة السراح التي سيطلبها مني الوكيل العام غدا في المحكمة..من أين لي بألف درهم يا دكتور لن أصورها أبد الدهر حتي يغفر لي الله كل ذنوبي..فورقة مائه درهم لا أراها إلا في قمطر البقال..ما أسترزقه بالنهار يروح به الليل..وقدر علي اليوم أن أبيت مرة أخرى في السجن،..ليلة أعتقال قلم الرصاص.. نطقت السجينة من جديد تسأل المعتقل الطبيب.. -''هل صحيح يا دكتور أن القلم يتنفس،..وقلبه ينبض،..هل لديه قلب ورئة مثلنا.. -''نعم صحيح..تفضلي خذيه فوق راتيك.. ستسمعين.. أخذت السجينة القلم بدورها..وهي تقول.. -'' والله إن الأمر صحيح أنظروا إنه بدأ يتحرك..باسم الله الرحمن الرحيم.. فنهرها السجين الأول لا تقولي باسم الله الرحمن الرحيم أهو جني..أنه مثلنا معتقل.. لكن يا إلهي أية تهمة يكون القلم متهم بها..أريد أن أعرف يا دكتور.. إقترب كل السجناء إلى جنب السجينة يلتفون حولها بفضول شديد..ولحظة واحد قالوا جميعا ودفعة واحدة.. -''والله العظيم إن القلم حي يرزق..المسكين أسبعوه هراوة حتى عاد لا يعرف رأسه من رجله.. فضمته السجينة إلى صدرها..وهي تنظر إليه..تخاطب السجناء بهمس إبتعدوا من فضلكم دعوا الرجل يرتاح قليلا..يصبح ويقتح إن شاء الله ألا تنامون..الفجر قرب يؤذن وأنتم تصدعون الوقت..فبدأت هي الأخرى تسأل القلم.. هل أنت الآن بخير..ما هي تهمتك..؟ قربت أذنها أكثر تسأل وترد.. -ماذا قلت أتهموك بالكتابة.. رق السجين الأول لحال السجينة فظل لوحده قريبا منها..يرمقها بحدة..ويسألها بالنقط غوق الحروف، ماذا قال لك أتهموه بالكتابة..إسأليه ماذا كتب.. ضمت السجينة القلم أكثر إلى صدرها تقول إلى السجين -''خفض صوتك ..لا ترفعه ، دع الرجل يرتاح ربما القلم يشكو من ألم في الرأس..وتخاطب القلم.. -أرتح يا حبيبي، وماذا كتبت..ألا تكون راسلت أنت الآخر أمرأة متزوجة وكتبت لها أنك تحبها وعبرت لها عن كثير إشتياقك إليها..سيتهمونك أنت أيضا بالخيانة الزوجية والقساد..قل ماذا كتبت ؟ يرد السجين الأول.. -''أي حب هذا فالدقة هنا للقلم ليست دقة الحب..أنها دقة أخرى أليس كذلك يا دكتور..قل لها يا دكتور..السجينة مسكينة غارقة في الحب.. وتعتقد أن كل الغرقى في بحر الحياة بسبب الحب.. فرد عليه المعتقل صاحب الدكتور: -'' ومن يدري..ربما اعتقل القلم بسب حب كبير للكتابة..'' فعقبت السحينة -''قل له يا محترم..صاحبنا يعتقد أن الحب لا يوجد إلا بين الرجل والمرأة..القلم المسكين وجدوه مغرما أكثر من اللازم بالكتابة..فالتفتت تنظر مرة أخرى بحب للقلم وكأنها تخاطب وليدها بين ذراعيها.. -''ماذا كتبت يا حبيبي..؟ ماذا قلت؟ '' فقربت أذنها أكثر إلى القلم تردد بهمس ماذا؟ فلت تكتب نصوصا في الأشياء..أي أشياء،هذه التي كتبت..؟ أقترب المعتقل الطبيب إلى السجينة وجلس بجوار السجين الأول..يسأل ويرد -''ماذا قال لك يكتب نصوصا في الأشياء،..جميل إذن..الأشياء يا سيدتي وسادتي السجناء، الأشياء علم من علوم الحياة..حرام عليهم يعتقلون من يفيدنا في الأشياء،..أنه علم قائم الذات ونعاني كثيرا من نذرة العلماء في هذا الميدان.. وإذا بطائر السنونو يعلن حضوره بالزنزانة وهو يدخلها من الشباك فغير المشهد وأتحف الزنزانة بديكور آخر وهو ملتصق برجليه فوق الجدار..فتحولت أعين السجناء إلى الطائر جامدين في مكانهم والسجين الأول يخاطبه.. مرحبا بك أيها السنونو أنت الآخر..ما هي تهمتك..ألا تكون متهما بالتحليق خارج القفص أو خارج السرب تطالب بالطيران بحرية.. وعقبت عليه السجينة..هذه المرة بصلابة.. -'' ليس كل من دخل هنا متهما يا صديقنا،..ألم تلاحظ أن الطائر دخل من الشباك،لو عرف أن هذا المكان زنزانة ما طاف به أبدا..وهل يحب الطائر القفص،..هدوء من فضلكم..نريد أن ننام.. وإذا بالقلم يهمس للسجينة.. -''ما إسمك يا نبيلة.. فتعحبت السجينة ترقب فيما إذا كان أحدا قد سمع القلم يتكلم -''غريبة أيها القلم لقد نطقت إسمي،إسمي نبيلة هل تحتاج شيئا شبيك لبيك.. -''لا لست محتاجا لغير الحرية..الحرية يا نبيلة..الحرية..يانبيلة.. سينفجر الرصاص بداخلي من ضيق وظلام الزنزانة.. -''نعم يا حبيبي القلم الرصاص،الحرية الحرية..سينفجر الحب بداخلي أنا أيضا سينفجر.. المصطفى الكرمي. سهول تادلة. -المغرب- 04 ماي 2011.