أصدرت وزارتي الداخلية و"العدل والحريات" في بلاغ مشترك تقول فيه ب (تقديم للعدالة ومعاقبة كل من يثبت في حقه التورط في طبع وتوزيع بطائق تحت تسمية "البطاقة الخاصة بالشرفاء" تحمل صورة للمنتسبين، مخططة باللونين الأحمر والأخضر، ومختومة ببعض الرموز المشابهة للبطائق المهنية المخصصة للموظفين العموميين)، كما أورد البلاغ السالف الذكر بكون (عدم مشروعية هذه التصرفات ومخالفة للقانون) لذلك (فقد أعطيت التعليمات من الوزارتين في الشأن للسيدات والسادة الولاة والعمال والوكلاء العامين للملك ووكلاء الملك قصد التصدي لمرتكبي هذه الأفعال، سواء منهم الدين يشرفون على تسليم هذه البطائق من أجل ابتزاز المواطنين، أو لحامليها الذين يحاولون استغلالها لقضاء أغراضهم الشخصية). هذا ما جاء بالتحديد في بلاغ الوزارتين وأمام هذا القرار قد يتساءل الرأي العام المتتبع للقضايا السياسية والقانونية وحتى الثقافية والدينية في البلاد مستغربا، لما اصدار هذا القرار من قبل وزارتي الداخلية و"العدل والحريات" في هذا الوقت بالتحديد؟ وما الرسالة التي يراد منه –القرار- ايصالها للرأي العام؟ وهل القرار يتعلق بإلغاء هذه البطائق التي تمارس الميز والتفاضل بين المواطنين على أساس عرقي-ديني أم مجرد معاقبة مزوري البطائق الغير الشرعية؟ وبالتالي تمويه المواطنين عن الميز الحقيقي الذي تراعيه الدولة ومؤسساتها؟ فالحديث عن الأبرتايد في المغرب هو حديث عن وجود تمييز وتفاضل لفئة ما من المواطنين على حساب مواطنين آخرين، مع العلم أنهم لا يختلفون عن بعضهم البعض في شيء إذا تناولنا هذا من حيث مبدأ المواطنة والمساواة في الحقوق والحريات، وهذا التمايز قد يكون عرقي كما قد يكون ديني، وقد يوكن كذلك لغوي وثقافي وتاريخي، وأخطر في الأمر عندما يكون هذا التمايز والتمييز مشرعن من طرف الدولة وتراعيه مؤسساتها. وحديثنا عن أن الدولة تشرعن نظام الأبرتايد في المغرب بمختلف صنوفه ليس حديثا "أسطوريا" بل هو أمر حقيقي ظاهر في سياسات الدولة المغربية وكل وسائلها الايديولوجية بتعبير ألتوسير، فبعد أسابيع مضت صوتت الأغلبية في الحكومة التي تقودها العدالة والتنمية في شخص "لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان" وبإيعاز من الداخلية برفض مشروع قانون الذي قدمه الفريق الاشتراكي بالبرلمان القاضي ب "منع الأسماء والألقاب التمييزية في الحالة المدنية، والسماح بتسجيل الأسماء الأمازيغية"، وهذه المسألة الخطيرة عندما تمر مرور الكرام دون الوقوف إليها، وزادت خطورتها عندما التزمت معها الصمت القوى الحقوقية والديمقراطية المدنية والسياسية في البلاد، وتعاملت معها على أساس أنها مسألة "عادية" في حين أن الأمر يضرب في جوهر المواطنة والمساواة بكل ما يتشعب عن هاتين الأخيرتين من حقوق وحريات فردية كانت أو جماعية، مما يكرس ويشرعن بشكل واعي من قوى "التشرعية" في البلاد للتمايز العنصري الواضح على أساس النسب مهما كانت "التبريرات" التي قدمتها هذه الأغلبية في رفضها لهذا القانون إذا كنا نتحدث عن الحقوق والحريات والمساواة بين المواطنين من حيث مبدأ المواطنة. ففي الوقت الذي كانت تنتظر الهيئات الحقوقية والديمقراطية إصدار القانون يمنع التمييز على أساس النسب وإلغاء كل صنوف التمييز العنصري العرقي وما يترتب عن هذا من التفاضل وتخويل الامتيازات بين المواطنين من خلال "بطائق الشرفاء" التي تضرب بشكل سافر في مبدأ من المبادئ الدولة الديمقراطية التي هي المواطنة والمساواة، ورفع هذا التمييز عن التسجيل الأسماء الأمازيغية التي تقدم العائلات في اختيارها لتسمية أبناؤها، زادت السلطات التشريعية برفض القانون، وعملت بشكل واعي لشرعنة التمييز على أساس النسب والألقاب والأسماء، مما يتضح أن التمييز العنصري من هذا النوع هو اختيار سياسي للدولة المغربية وحكومتها وليس ممارسة ادارية تقدم عليها مصالح الحالة المدنية هكذا عفويا. ولتمويه الرأي العام واستغباءه أصدرت وزارتي الداخلية و"العدل والحريات" قرار مشترك يقول بمعاقبة كل من يوزع "بطائق الشرفاء" وحامليها، وكأن الأمر يتعلق بإلغاء هذه البطائق التي تمارس الميز العرقي-النسبي بين المواطنين، في حين أن الأمر لا يكاد أن يكون مجرد تمويها للرأي العام والقوى الحقوقية والديمقراطية بعد منع القانون السالف الذكر، ويزيد في شرعنة هذه البطائق التمييزية بين القانونية والمزورة، مع العلم أن المشكل يكمن في هذه البطائق في حد ذاتها، ولو كانت هناك ارادة حقيقية من الدولة في وفق هذا التمييز من خلال هذه البطائق بين المواطنين، لكانت قد أصدرت قرار يقول بإلغاء هذه البطائق كليا، لأنها تضرب بشكل سافر في مبدأ المواطنة والمساواة بين المواطنين، وأن حامليها ليسوا أفضل من غيرهم من المواطنين حتى يتفردوا بهذه الصفة التي هي خدعة أقرت في تاريخ المغرب مع الدولة المرينية من أجل كسب الشرعية الدينية، أو أن حاملي هذه الصفة من أصحاب الدماء الزرقاء وليس الحمراء، لهذا كان يجب على الدولة أن تقوم بإلغاء هذه البطائق وليس أن تكتفي بمعاقبة من يوزع هذه البطائق بصفة غير قانونية وخارجة عن القانون كما ذكر في بلاغ الوزارتين. بهذا القرار يريد المخزن أن يتفرد هو وحده بهذه الصفة "الانتماء إلى سلالة الأشراف" وبالتالي يحاول أن يردع كل من ينافسه فيها، لأن الأمر يتعلق بمدى استمرار السلطة التي تستمد من هذا النسق التاريخي المأدلج الذي أعطانا هذا التماييز، وهو –المخزن- الذي يحق له تخويل هذه الصفة لمن يرى يتماشى وتوجهه السياسي والإيديولوجي حتى لا تصبح شروعيته ومشروعيته في التفرد بالسلطة موضوع جدال وصراع بين من يحمل صفة انتماءه لسلالة جده الرسول (ص) كما ذكره محمد السادس في إحدى خطبه الماضية، أو جده الأول -إدريس الأول- كما ذكره الحسن الثاني في كتابه "التحدي". بهذا تكون الدولة المغربية قد أقرت بشكل واعي بوجود التمايز الأبرتايدي العرقي بعدما اتخذت قرار معاقبة مزوري هذه البطائق بدل إلغائها نهائيا حتى يمكن لنا الحديث عن دولة المواطنة بكل مقوماتها من حيث الحقوق والحريات الفردية والجماعية.