في خضم النقاش الريفي الراهن، حول مرض السرطان المنتشر على نطاق واسع بالريف، والذي أخرجته بقوة إلى الساحة مجموعة من حالات الإصابة، ومنها حالة الشهيدة "فاطمة أزهريو"، انعقدت في العاصمة الهولندية يوم فاتح مارس 2014 ندوة دولية تحت عنوان "استعمال الغازات السامة بالريف والطريق الى العدالة الدولية"، عرفت مشاركة مجموعة من الباحثين والمختصين، وحضور مجموعة من المهتمين من إعلاميين وناشطين، وأثارت بالتالي نقاشا مستفيضا حول جوانبها وتداعياتها، بين ما هو سلبي في نظر البعض، وما هو إيجابي في نظر البعض الآخر. ولم يتسنى الحضور للإدلاء بدلونا في الموضوع لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية، لذلك نود المساهمة في هذا النقاش من خلال الأسطر أسفله التي نأمل من خلالها أن نعكس وجهة نظرنا حول بعض النقاط باختصار شديد، خاصة في الشق المتعلق بمحاولة تبرئة الطرف الرئيسي في هذه الجريمة، والمتمثل في المخزن المغربي طبعا. فقد لاحظنا من خلال وسائل الإعلام التي قامت بتغطية الندوة / الحدث، استثناء الدولة المغربية المتمثلة في المؤسسة الملكية، من التهديد / التلويح بالمقاضاة على المستوى الدولي، واقتصر الأمر على اسبانياوفرنسا، وطرف ثالث أثير لأول مرة وهو ألمانيا. والأنكى هو اعتبار "المغرب صاحب حقوق تاريخية لا يرغب في المطالبة بها" في تحويل خطير للمؤسسة الملكية من جلاد مسؤول عن كل ما جرى إلى ضحية ذات حقوق تاريخية. وهذا التحوير يطرح الكثير من علامات الاستفهام، بالنظر إلى ثبوت مسؤولية النظام المغربي إلى جانب الجهات الأوروبية في تلك الجريمة التي راحت ضحيتها دولة كاملة هي جمهورية الريف، بالإضافة إلى نتائجها الكارثية على الإنسان الريفي الذي لا يزال يعاني من آثارها إلى يومنا هذا. وبالنظر إلى أصابع الاتهام الموجهة للنظام العلوي، الممثل في تلك المرحلة التاريخية في شخص السلطان يوسف، كطرف مسؤول عن جريمة قصف الريف والريفيين بالغازات السامة في عشرينات القرن الماضي من خلال مشاركته مع إسبانيا وفرنسا لسحق وتدمير الريف بالغازات السامة المحرمة دوليا، من أجل إنهاء تواجد دولة الريف الحداثية والمستقلة، بما في ذلك من خطر على دويلة السلطان، الخادم الوفي لفرنسا مصالحها. وهذه الجريمة ليست سوى نزر يسير من جرائم المخزن المغربي في الريف على مر التاريخ، وهي جرائم ثابتة بالقرائن والدلائل المختلفة، وبالتالي تتناسل الأسئلة حول السر وراء تبرئة المخزن في الندوة المذكورة. وكيف حاولت هذه الأخيرة تبرئة ذمة المخزن بطريقة ذكية من خلال الإشارة إلى صمت الدولة المغربية التي لم تطرح لحد الآن هذا الملف، بل واعتبارها صاحبة حقوق تاريخية لا ترغب في المطالبة بها. لكن ما يريد هؤلاء تجاهله "عن قصد طبعا" هو أن المغرب طرف في الجريمة وهو جزء من المشكل من أساسه، وبالتالي لا يمكن بأي حال الأحوال المراهنة عليه كجزء من الحل كما يحاول أن يوهمومننا أصحاب الندوة، فهل يعقل أن نقاضي فرنساواسبانيا والمانيا دون المسؤول المباشر عن الجريمة الذي هو المخزن العلوي؟ ومن هو الشخص المعنوي الممثل قانونيا للضحايا، الذين هم سكان الريف، دوليا ما دامت القضية ذات أبعاد دولية؟ ومن سيمثل الريفيون قانونيا في هذه الدعوى ضد أطراف دولية ينظمها قانون دولي لا يعترف إلا بالدولة كشخصية معنوية؟ أليس المخزن العلوي في نهاية المطاف هو الذي سيتفاوض باسمنا مرة أخرى على طاولة واحدة مع بقية الأطراف لنعيد بالتالي نفس سيناريوهات الماضي المشؤومة؟ إن المخزن المغربي دائما يحاول تبرئة ذمته من جرائمه التي اقترفها في حقنا، تارة بالاعتماد على أساليب المكر والخدع والتزوير، وتارة أخرى عن طريق الاستعانة بالأقلام المأجورة، لكن لم يخطر ببالنا يوما أن يبرأه الريفيون أنفسهم.خاصة أولئك الذين كنا نأمل فيهم كل الخير لهذا الريف الجريح وكنا نراهم تلك الشمعة التي ستضيئ هذا الوطن المظلم! إن حقيقة الغازات السامة على الريف ومشاركة السلطان العلوي فيها، هي إحدى أكبر الحقائق التاريخية التي يمكن أن تهدم كل تلك الجسور الوهمية التي يحاول المخزن بنائها مع الريف، ويمكن أن تكون الضربة القاضية التي سيتلقاها النظام وخونته من الريفيين، إذا استثمرناها في الاتجاه الصحيح الذي يخدم قضيتنا. لكن هيهات هيهات، فمهما حاول المخزن إخفاء حقيقته ومهما حاول إظهار محبة مزيفة للريف، ومهما حاول خدامه الأوفياء من بني جلدتنا الذين يقتاتون على م0سينا أن يبرؤوه، أمثال صاحب جمعية الريف للدفاع عن ضحايا الغازات السامة "إلياس العمري" الذي استعمل هذا الملف من أجل المتجارة بمعاناتنا، والتقرب من أسياده لخدمة مشروعهم القذر في الريف... مهما حاولوا، يبقى الريف تلك الغصة التي ستنهي الكيان الوهمي المغربي.