أرحى موسم “الثورات” والانتفاضات بأن موعد ميلاد حقبة سياسية ديمقراطية قد حان، وتهيأت له الشروط من إرادة الشعوب، ومن قدرة فاعليتهم على صنع ما كان في الماضي القريب في حكم المستحيل، كل هذا كان فصلا من فصول الأمل الغامض في ميلاد غد مختلف، عجل به شباب شجاع في مجموعة من البلدان على مستوى شمال إفريقيا والخليج العربي، ومن هذا المنطلق انخرط الشباب المغربي هو الآخر في معمعة الحراك وبسقف مطلبي واضح و”متميز” عن باقي الشعارات التي كانت ترفع في مجموع بلدان الحراك الاجتماعي والتي وصلت في البعض منها إلى حد المطالبة ب”إسقاط النظام”، تونس ومصر وسوريا نموذجا. وقد تبين للعموم من خلال هذا الانخراط الواعي من طرف الشباب المغربي في المطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وبالشكل الذي لا يدع مجالا للشك قدرة فئة الشباب في بلوغ التغيير المنشود. باعتبارهم على مر التاريخ البشري طرفا ثابتا في الصراع والتطور الذي شمل كل المجتمعات الإنسانية، وتضحياتهم شاهدة على ذلك. ونظرا للأهمية الكبيرة التي يكتسيها الشباب بما يتطلعون إليه من مثل وقيم إنسانية كونية، وبما يمتلكونه من حماس وإرادة في التغيير المنشود، هم الفئة القادرة على صناعة التغيير، وفي طبع مسار وتاريخ الشعوب، باعتبارهم الفئة الأكثر نشاطا ودينامية والأكثر استعدادا للانخراط في كل النضالات والمعارك التي تخوضها الشعوب من أجل التحرر وبلوغ الوطن الذي يتسع للجميع دون تمييز، وطن يستجيب لمطالب كل فئاته دون تردد. بهذه الإمكانيات يصبح الشباب هي الفئة التي تجسد المستقبل وهي الفئة المستعدة دائما لإغناء القيم الديمقراطية والحداثية والعمل على تنزيلها إلى واقع مادي ملموس. وفي سياق عز الحراك الاجتماعي المغربي مع حركة 20 من فبراير، وبالنظر الى ما أبانت عنه فئة الشباب من إمكانيات هائلة للتحليل، وفهم عميق للأحداث والوقائع، تولدت معه قناعة كبيرة لدى القائمين على تسيير الشأن العام، مفادها أن فئة الشباب لا يمكن أن تترك لمصير مجهول وبدون تأطير، لما قد يشكل ذلك من خطر على المجتمع والدولة نفسها. وفي خطوة هي الأولى من نوعها اتجاه التجاوب الايجابي مع تطلعات الشباب المغربي المؤمن بإمكانية التغيير ، جاء التنصيص الدستوري بشكل صريح على إحداث “مجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي”، وذلك بغرض توسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد، تحت بند المساواة وتكافؤ الفرص وتمهيد الطريق نحو إشراك الشباب في اتخاذ القرارات السياسية والاستراتيجية. عله يكون مدخلا لإعادة الاعتبار لفئة الشباب لمحو آثار التهميش الذي لحقه لعقود، واستكمالا لمسيرة النضال والتغيير الذي انخرط فيها الشباب المغربي. وفي هذا الإطار وإيمانا منا كشباب وبما تضمنته وثيقة دستور 2011 من إمكانيات للتغيير والتقدم نحو الغد الأفضل، تأتي معركة مجموعة من الشباب المنتمين إلى حزب “الأصالة والمعاصرة” حول تأسيس منظمة شبابية ديمقراطية ومستقلة. وذلك من أجل تحسيس الشباب بأهمية النضال في سبيل الولادة السليمة لإطارهم الشبابي المنتظر، النضال من أجل الولادة الطبيعية والغير المشوهة، والتي ستستجيب حتما لانتظارات الشبيبة البامية نظرا لطبيعة المرحلة التي يمر منها الوطن، إذ في هذا الاطار قرر مجموعة من الشباب المنتمي إلى الحزب المبادرة الى تنظيم مجموعة من الندوات الفكرية التواصلية مع كل شباب الحزب إيمانا منهم بالديمقراطية التشاركية وبالإضافات النوعية لنقاشات شباب الحزب الواعي والمنظم والطموح، وذلك عبر مختلف جهات الوطن، وهذا ما سيتضح فعلا من خلال طبيعة النقاش الذي كان الشباب يفتحونه مع مجموعة من الشباب الذين أبانوا عن وعي وتأطير سياسي محترم، وهذا سيتضح أيضا من خلال كثافة المشاركين في هذا النقاش شباب يمثلون جل الجهات، وقد كان يصل الحضور إلى معدل 12 جهة مشاركة عند كل ندوة. البداية طبعا كانت من ندوة “الرحامنة” وذلك بالنظر الى الدلالات الرمزية التي يوحي بها المكان لدى كل شباب الحزب، فقد نظمت الندوة تحت عنوان أية منظمة شبابية نريد؟ والتي كانت فيها الدعوة صريحة من خلال المداخلات والنقاش الى محاولة ” ملامسة الإشكالات في عمقها وتقديم إجابات شافية لتجنيب أن تكون هذه المنظمة مجرد رقما آخر، ينضاف إلى المشهد السياسي الشبابي في المغرب، بل الطموح من خلال هذه التجربة هو التميز شكلا ومضمونا وقطع الطريق عن الولاءات والإملاءات ورفض منطق الإقصاء والاحتكار”. بعدها مباشرة سيلتحم شباب الحزب في ندوة أخرى، هذه المرة في فاس بولمان، وذلك من أجل فتح النقاش والتواصل مع أكبر قاعدة شبابية حزبية ممكنة لتبادل الأفكار حول المنظمة الشبابية التي يريدها شباب الحزب، وتوصيات الندوة الثانية بفاس لم تبتعد كثيرا عن خلاصات الندوة الأولى بإقليم “الرحامنة”، والتي كانت جلها تنصب حول بناء تنظيم شبابي ديمقراطي مستقل. لتأتي بعدها الندوة الثالثة ب”المضيق” تحت عنوان: “من أجل تنظيم شبابي ديمقراطي تقدمي ومستقل”، وكأن موضوع الندوة هاته يأتي كإجابة مباشرة وشافية ومقنعة حول السؤال الذي سبق أن طرحناه في الندوة الأولى في الرحامنة حول أية منظمة شبابية نريد؟ من خلال كل هذه الندوات اتضح أن شباب الحزب المؤمنين بالعمل الجماعي كان هدفهم دوما، محاولة التواصل مع أكبر قاعدة شبابية ممكنة عبر مختلف بقاع المغرب العميق لإيصال “أفكار” هادفة ومحاولة نشر قيم الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، والتي هي بمثابة مدخلا أساسيا لكل نضال شبابي في الحاضر والمستقبل، كل هذا طبعا بعيدا عن منطق الوصاية، وسياسة الإملاءات التي تنخر وما زالت جسد العمل الحزبي والسياسي بالمغرب. كان هدف الشباب العمل على إيصال فكرة لكل شباب الحزب، مفادها عدم استسهال أمر بناء شبيبة ديمقراطية ولو في تجربتها الأولى، لكونها تجربة مؤسسة )بكسر السين الأول (. ولا يمكن لنا في كل الأحوال أن نختزل ديمقراطية المنظمة الشبابية فقط في مجرد عملية شكلية تنجز بقوانين: القانون الأساسي والنظام الداخلي… كنا نلح ونؤكد على مسألة أساسية في كل النقاشات المطروحة، مفادها أن البناء الديمقراطي والمستقل لمنظمة الشباب لا تعني الانفصال عن الحزب والخروج عن مرجعيته وهويته الإيديولوجية التي تؤطرنا جميعا، بل تعني من جملة ما تعنيه ضمان أدنى شروط إنتاج القرار الحزبي الشبابي، وذلك عبر توفير الجو المناسب للتحرك والابداع من أجل أداء المهام الملقاة على عاتق الشبيبة، وطرح مسألة الاستقلالية على هذا المستوى هي عملية تشكل جزءا لا يتجزأ من مسيرة بناء الحزب نفسه واستكمالا لهياكله التنظيمية، والعمل على جعل إطاراته الموازية تنظيمات قوية تشتغل في كنفه ولصالحه وخدمة لمصالحه الاستراتيجية وتكريسا لقوته وتجذره وسط الجماهير الشعبية. كل هذه الخطوات النضالية والعمل الميداني المقدم من طرف شباب “حزب الأصالة والمعاصرة” يأتي بالتزامن مع أشغال اللجنة التحضيرية الوطنية المكلفة بتحضير أوراق المؤتمر، لتشكل هذه الندوات بغناها الفكري بوصلة ونبراسا يمكن الإستعانة به من طرف ممثلي كل شباب الحزب في اللجنة التحضيرية الوطنية المنكبة على تحضير أوراق المؤتمر التأسيسي كما سلف الذكر، ومن هنا يبدو أن “معركة” بناء شبيبة حزبية ديمقراطية ومستقلة لم تنتهي بعد فهي مستمرة، بالرغم من ان جل الاستنتاجات قد توحي لنا بشكل شبه نهائي بأن الحزب قد حسم في طبيعة المنظمة الشبابية التي يريدها أن تولد، ولعل في المؤتمر التأسيسي لمنظمة النساء لخير دليل لفهم فلسفة الحزب في خلق تنظيماته الموازية . هذا الوضع طبعا لن يثنينا كشباب طموح ننتمي إلى هذا الحزب من مواصلة الضغط الايجابي على قطب التنظيم وعلى قيادة الحزب من أجل الاستجابة لتطلعات كل الشباب في تنظيم شبابي ديمقراطي ومستقل. معركتنا مستمرة من أجل منظمة مستقلة تكون عبارة عن أداة سياسية فاعلة وفضاء رحبا للاشتغال والإبداع لكل الشباب المؤمن بمشروع الحزب الديمقراطي الحداثي، الذي هو السبيل الوحيد نحو بناء مغرب يتسع للجميع ضدا على القوى التي تريد العودة بالمغرب الى الوراء، وضدا كذلك على من يريد أن يُملك الوطن للعائلات، هي معركة شبابية إذن لولادة منظمة قوية، تعمل إلى جانب الحزب وتساعده على الوفاء بمهامه التاريخية التي أتى من أجلها وهي “إعمال خلاصات تقريري الخمسينية وهيئة الإنصاف والمصالحة الصادرة عن هيئة الانصاف والمصالحة وتقريري الخمسينية في أفق إقرار جيل جديد من الإصلاحات يدعم جهود التنمية المستدامة، وينهض بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويعزز ويطور مكتسبات دولة الحق والقانون ويطور أداء المؤسسات، في سياق بناء مغرب قوي بأصالته وبانفتاحه على العصر والحداثة”. وبالاستجابة لهؤلاء الشباب الفاعل والطموح، يكون الحزب فعلا قد ساهم من موقعه في بناء أداة سياسية شبابية قوية ستشكل قيمة مضافة إلى المشهد الحزبي الشبابي الوطني، قادرة على المساهمة في تأطير وتعبئة المواطنين والمواطنات للنهوض بتحديات التنمية والإصلاح والتحديث. وبالاستجابة لتطلعات الشباب يكون حزب الاصالة والمعاصرة قد وفى بوعده اتجاه الشباب وذلك بالعمل على الرفع من مستوى تأطيرهم وانخراطهم في جميع مناحي الحياة العامة، بما فيها الثقافي والسياسي…ويكون كذلك قد جسد تصور الأمين العام السابق للأمم المتحدة حول أهمية إشراك الشباب في كل مراحل إنتاج القرارات والعمل على دمجهم في الحياة السياسية، بما يشكلونه من قوة كبيرة من حيث الكم والكيف إذ يقول: “لا أحد يولد مواطناً صالحاً، ولا أمة تولد ديمقراطية، وإنما المواطنة والديمقراطية هما عمليات متواصلة التطور على امتداد الحياة، وبالتالي يجب إشمال الشباب بها منذ ولادتهم. فالمجتمع الذي يقطع نفسه عن الشباب يقطع نفسه عن ما يمده بالحياة، ويكون مكتوباً عليه أن ينزف حتى الموت”. فإذا كان المجتمع الذي يقطع نفسه عن الشباب، يقطع بالضرورة حسب “كوفي عنان” عن ما يمده بالحياة ويحكم على نفسه بالنزيف حتى الموت…فماذا يمكننا القول عن الحزب الذي لا يستجيب لتطلعات شبيبته وآمالهم ؟؟؟ هذا سؤال آني لا يقبل التأجيل نتركه رهن إشارة كل شباب الحزب الطموح للتفاعل والنقاش، وكلنا يقين وأمل أن يعي الشباب من داخل الحزب بأهمية التجربة الأولى لشبيبتهم، التي يجب أن تكون تجربة رائدة وقوية، تجربة يتم فيها القطع نهائيا مع ثقافة “الشيخ والمريد” التي تجعل جل الشباب ينفرون من السياسة والعزوف عن كل ما يرتبط بها، نريدها إضافة نوعية للمشهد السياسي الحزبي بالمغرب، وأداة قوية في يد الشباب لتنزيل شعار الحزب “ممارسة السياسة بشكل مغاير” وأن تكون شبيبة فاعلة وليست شبيبة مفعول بها سياسيا. وفي الختام نحن الشباب المتشبثين بمشروع الحزب الديمقراطي والحداثي، لنا ثقة كبيرة في مناضلي الحزب وقياديه المعروفين بمواقفهم الشجاعة اتجاه فئات الشباب والنساء، حتما لن يشرفهم أن تكون هذه التجربة الشبابية مجرد تجربة عددية تنضاف الى ما هو كائن، شبيبة بمثابة رقم آخر ينضاف إلى الأرقام المؤثثة للمشهد الحزبي الشبابي الوطني لن يشرف حزب “الاصالة والمعاصرة” ولا يشرف تاريخ مناضليه ورصيدهم الكفاحي.