احتفل فرع الجمعية المغربية لحقوق الانسان باليوم العالمي للمرأة 8 مارس وذلك بتنظيم لقائين هامين : 1. اللقاء الأول كان بتنسيق مع النادي الصحي بثانوية البادسي ذلك تنظيم لقاء للتعريف بحقوق المرأة والطفل عبر مختلف القوانين الوطنية والاتفاقيات الحقوقية الدولية ذات الصلة ، وقبل ذلك استمتع الجميع بفيلم من تشخيص التلميذات وتلامذة النادي بثانوية البادسي بالحسيمة في نقل معاناة المرأة في دراما فنية جميلة أثارت إعجاب جميع الحاضرين الذين تابعوا فصولها بكل شغف وسط التصفيقات الحارة، وخصوصا أعضاء وعضوات مكتب فرع الجمعية المغربية لحقوق الانسان ومدير الثانوية ورئيس جمعية أباء التلاميذ فضلا عن التلاميذ والتلميذات الذين حضروا بكثافة حيث امتلأت بهم القاعة الجميلة للثانوية والمجهزة جيدا بمختلف الوسائل التقنية . بعد عرض الفيلم قام رئيس الفرع للجمعية المغربية لحقوق الانسان بالحسيمة بإعادة قراءة مقاطعه بالاعتماد على المواثيق الدولية لحقوق المرأة والقوانين المحلية مؤكدا أن الفيلم جسد بنجاح فائق حقيقة الصراع الدائر بين ثقافتين تعكسان تباين واضح في المنظور الثقافي وهو صراع بين المنظور التقليدي الذي كان يسجن المرأة في دونية ممقوتة وبين المنظور الحقوقي المعاصر الذي يفتح يوما بعد يوم أبوابا جديدة لتحرر المرأة وانعتقاها من براثن العبودية والاستغلال . وكان لافتا الحضور المكثف للتلاميذ وانضباطهم التلقائي وذكائهم المتميز في متابعة الأنشطة وحيويتهم التي توحي أن درجة من التطور يحدث في ذهنيات الناشئة وقابليتهم في تلقي المعارف والثقافات وخصوصا حقوق الإنسان ، وفي هذا السياق لا يمكن نسيان المجهودات الجبارة التي يقوم بها النادي الصحي وجمعية آباء التلاميذ ومختلف الاداريين والأساتذة في خلق أرضية ازدهار فضاء المعرفة والحوار وسط الناشئة فهنيئا لهؤلاء التلاميذ على نجاحهم في إرساء لبنات التواصل الحضاري فيما بينهم . 2. في المساء ، واستكمالا لأشواط البرنامج ، احتضن مقر الفرع للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالحسيمة ندوة حقوقية وفكرية حول مدى ملائمة القوانين الوطنية مع الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق المرأة في ضوء واقع النساء في المغرب. في البداية استعرض رئيس الفرع علي بلمزيان في افتتاح الندوة مظاهر صارخة لانتهاك حقوق المرأة عموما وبالريف على وجه الخصوص وتسائل عن اسباب غياب الاحصائيات والمؤشرات سواء الرسمية وغير الرسمية .حيث أن الدولة التي وقعت على عدد من الاتفاقيات والبروتوكولات الاختيارية ،رغم تحفظها على بعض المواد ، تظل ملزمة بتقديم الدعم لمشاريع النهوض بالحقوق الانسانية للمرأة ، ولفت الانتباه إلى أن ظاهرة تعنيف النساء تظل غير واضحة بالأرقام والمؤشرات مع الوعي التام بوجود عنف جسدي ونفسي وجنسي واسع يطال المرأة في مختلف مناحي الحياة ، وإذا كان القانون حاسما في إنتاج اثر إيجابي على واقع المرأة داخل المجتمع فإن تحفظ الدولة على العديد من بنود الاتفاقيات وضعف ترسانته القانونية وعدم تطابقها مع القانون الدولي يزيد في تكريس ظواهر التمييز السلبي والإقصاء والعنف . ذكر ببعض فصول القانون الجنائي الذي لا يزال لا يتعرف بالعنف الزوجي والاغتصاب الذي يحدث من طرف الزوج حيال زوجته وسط مؤسسة الزواج، وسرد في هذا السياق دراسة لجمعية حقوقية لاحظت أن بعض ضباط الشرطة القضائية ووكلاء الملك يضعون شروط تعجيزية أمام المعنفات أثناء تقديمهن لشكاوى أمام القضاء وفي ذلك تكريس لثقافة رجعية تعتبر العنف الزوجي شأن أسري مما قد يعرض حياة العديد من النساء للخطر وفي ذلك خرق للمادة 21 و22 من الدستور الذي يؤكد على الحق في السلامة الجسدية .. من جانبه اعتبر ذ. محمد زياني أن دستور 2011 جاء في سياق الضغط الذي حمله الحراك الشعبي ، واعتبر أن الفصل 19 من الدستور الذي ينص على إحداث هيئة المناصفة كرس مكسبا واضحا للحركة النسائية رغم وجود تحايلات تجعل إمكانية الالتفاف عليه واردا بالنظر لوروده معلولا مع قرينة مانعة وهي ثوابت الأمة التي تجعل من تنزيل هذا الفصل أمرا مستعصيا لتضاده مع سمو المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ولا سيما حقوق المرأة .ولا حظ أن دور الحركة النسائية سواء أثناء لإعداد الدستور وبعد تنفيذه لم ترق إلى مستوى الضغط اللازم من أجل أن يكون الدستور ديمقراطي شكلا ومضمونا يحترم سمو المواثيق الدولية على القوانين الوطنية .. ولاحظ كذلك أن موازين القوى لعبت دورها في خروج هذا الدستور حاملا لمكاسب تعطى بيد ويحتمل أن تنزع بيد أخرى في أية لحظة ، مما يتطلب حسب المتدخل الانخراط الفاعل للحركة النسائية ومختلف القوى الديمقراطية في الحراك الشعبي لتعديل بعض المضامين وخلق التوازن في تنزيل مقتضى المناصفة .. ذ. عبد المجيد أزرياح أكد في تدخله أن معاناة المرأة تفترض من الجميع أن يرفع من رنين أجراس الخطر لكون المؤشرات تفيد أن هضم حقوق المرأة يتم على جميع المستويات وفي مختلف المناطق الحضرية والقروية ..واستعرض في سياق آخر مقتضيات من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة مقارنة إياها مع المشرع المغربي ولا سيما القانون الجنائي الذي يبدو أنه دون مستوى السقف الذي تقترحه الاتفاقية لتحرير النساء من حيف الظلم والاعتداءات اليومية ، وقدم أمثلة حية لمعاناة النساء أمام المحاكم جراء تكريس القوانين لظاهرة الافلات من العقاب . وفي معرض مناقشته للفصل 475 الملغى من القانون الجنائي بضغط من الحركة النسائية والحقوقية بالدرجة الأساسية ، أكد أن هذا الالغاء لن يغير كثيرا من معاناة المرأة أمام المحاكم طالما لم يتم استصدار نص واضح مستوحى من المواثيق الدولية لحقوق المرأة ويضح حدا للافلات من العقاب من أجل تغيير العقلية الذكورية والسلطوية المنتشرة في المجتمع والدولة ، واعتبر أن الاشتراطات التي أوحى بها الدستور الحالي تفرغ الاتفاقيات الأممية من مضامينها الحية وتجعل التصديق عليها من طرف الدولة هو فقط للتباهي بها أمام المحافل الدولية .. وفي ختام كلمته نوه بدور الحركة النسائية والحقوقية لكن طالبها بتعزيز أفق المرافعة والمحاججة والالتجاء للاساليب التقنية الحديثة من أجل الكشف عن المؤشرات الخطيرة التي توحي أن واقع المرأة لا يشهد أي تحسن ملموس بالنظر لما تدعيه الدولة من تعزيز ترسانتها القانونية بجملة من المقتضيات النابعة من الاتفاقيات والمواثيق الدولية . بدورها أكدت ذ. الزهرة قوبيع أن القوانين المحلية ما تزال تشوبها كثير من التضاد مع المواثيق الدولية لحقوق المرأة ، واعتبرت أن قطاع واسع من الجمعيات النسائية كانت تتشكك في نوايا المشرع الدستوري أثناء إعداده نظرا لكونه لم يكن يتماشى مع مقتضيات احترام الارادة الشعبية وبالتالي كان من غير الجدوى الرهان كثيرا على إحداث نقلة دستورية نوعية على صعيد المساواة والمناصفة . وفي سياق آخر كشفت الفاعلة النسائية عن معاناة النساء أمام المحاكم والمستشفيات حيث لا زالت ظاهرة الولادة في الشوارع منتشرة وما تزال الأمية في تصاعد بشكل كبير وسط النساء وأعطت بعض الأرقام المخيفة عن تمدرس الفتيات حيث لاحظت أنه بناء على الاحصائيات الرسمية نفسها يوجد أكثر من نصف الفتيات في الريف خارج المدرسة ومحرومة من حقهن في التمدرس مما يشكل خطرا محدقا بمستقبل النساء والمجتمع عموما ، وتساءلت بكل اندهاش كيف أن الدولة توقع على الاتفاقيات الدولية التي تنص على الحق في التمدرس والصحة والعدالة ومع ذلك يجري الالتفاف على هذا الحق على صعيد الواقع الفعلي الذي تعيشه المرأة والطفل ..وبدورها سجلت أن تحفظ الدولة على الكثير من مواد اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ولا سيما المادة الثانية منها تفرغ هذا التصديق من معناه الأخلاقي والقانوني .. ذ. سعيد بخرو كان المتدخل الرابع الذي عرج عن المستجدات التي حملتها مدونة الأسرة في الجانب المتعلق بعقود الزواج ولا سيما العقود التكميلية ، وقبل ذلك قام بسرد كرونولوجي لتاريخ العقود في المغرب وذهب بعيدا في البحث في التاريخ القديم من خلال فقه النوازل الذي حصر الاتجاهات المتصارعة في ثلاث مذاهب كانت على درجة من التناقض بحيث كشف وجود اتجاه كان ميالا إلى نوع من صون الحقوق الانسانية للمرأة نظير ما كان يتشبث به إبن عرضون وهو فقيه من الريف وبالضبط من غمارة الذي أفتى بمبدأ المناصفة وتوزيع الأملاك حسب الرؤوس بصرف النظر عن جنس الوارث وتعرض الفقيه لهجوم من طرف فقهاء فاس لدرجة أنه اتهم بالزندقة والخروج عن تعاليم الاسلام ، هذا المفكر الذي كان يحمل بوادر تحديث تنويري جنيني رز بشكل مبكر و لم ينل ما يستحقه من الاهتمام بحيث ظل منتوجه القانوني والثقافي شبه مجهول ولم يحض حسب المتدخل بأي عناية من طرف الدولة والنخب القانونية .. ولا حظ نفس المدخل أن مدونة الأسرة إن كانت قد جاءت بالعديد من المقتضيات الهامة ، غير أن الثقافة السائدة وسط المجتمع والذي تغذيها المؤسسات التقليدية الرسمية أفرغت تلك المكتسبات وصارت كما لو أنها مرفوضة من طرف البية الشعب . ولاحظ المتدخل بصفته عدل ومتخصص في الميدان غياب العقود المعززة بالشروط سواء تعلق الأمر بالأملاك المشتركة أو جوانب أخرى لها صلة باحترام ميثاق التراضي بين الطرفين الزوج والزوجة ، وفي بعض اللحظات النادرة يقول المتدخل تدون شروطا في جوانب شكلية لا تستقيم مع المضمون الحي للمدونة في شموليتها أو مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق المرأة .. ومن جانبه أكد الأستاذ علي جابة في تدخله أن الدستور الجديد 2011 الذي هو وليد تحولات إقليمية وجهوية كان لها أثرا حاسما في تعزيزالعديد من المكتسبات التي جاء بها دستور 2011، وإن كان قد نص على أن الاختيار الديمقراطي لا رجعة فيه وأن تواصل بناء الدولة الديمقراطية يسودها الحق والقانون المتمثل في تشكيل حداثة مؤسساتية دستورية المبنية على المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة وإرساء دعائم مجتمع متضامن يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية ومقومات العيش الكريم في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة ، وأنه عرج على تفعيل ذلك في مقتضيات الباب الثاني المتعلق بالحريات والحقوق الاساسية اللفصل التاسع عشرة منه الذي نص بالحرف:"يتمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الواردة في هذا الباب من الدستور وفي مقتضيات أخرى وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية كما صادق عليها المغرب وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها ..." " وتسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء وتحدث لهذه الغاية هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز .." فإن تفعيل مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء منوط بهيئة تقتسم مع الهيئة المرتقبة هذه المهمة وهي المنصوص عليها في المادة 161 من الدستور المتمثلة في المجلس الوطني لحقوق الانسان ، ولم يوضح الدستور دور هذه الهيئة في السهر على مقتضى المناصفة بناء على ما ورد في المادة 164 والتي تجعل من محاربة جميع اشكال التمييز المنصوص عليها في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق المرأة مقيدة ببعض الثوابت التي تحد من سمو المواثيق والاتفاقيات الدولية على الدستور وتفرغ مبدأ المناصفة من محتواه ليبقى رهينة المجلس الوطني لحقوق الإنسان كهيئة قائمة الذات والهيئة المرتقبة ، وقد يفهم من هذا المقتضى ما يفيد وجود نوع من عدم الوضوح في ترجمة المضامين الحية للاتفاقيات والمواثيق الدولية والحقوق الطبيعية للنوع الاجتماعي . وتساءل المتدخل في سياق آخر عن تفعيل مبدأ المناصفة في الوقت الذي لا تزال هناك بعض المناشير الصادرة من وزارة العدل كانت موجهة إلى السادة وكلاء الملك لدى المحاكم والقضاة المكلفين بالتوثيق والنواب الخصوصيين في التوثيق عن زواج الشرفاء والشريفات ، هذا المنشور الصادر في 28 شتنبر 1971 والذي نص على منع زواج الشرفاء والشريفات مع غيرهم من الأشراف والعوام إلا من إذن من نقيب الشرفاء .. وأكد أنه لا يعلم في ما إذا كان المنشور قد نسخ أم أن العمل به ما زال ساري المفعول ، نفس الشيء ينطبق على المنشور 11.60 بشأن زواج وطلاق الجنود والضباط الذي يستوجب قبل إجراءهما توفر الجنود على بطاقة الإذن العسكرية لتوثيق ذلك ، والدورية رقم 2.94.44 موجهة من وزير العدل إلى القضاة المكلفون بالتوثيق الذي شدد بمقتضاها على السهر على تنفيذ التعليمات الواردة فيه بدقة وصرامة ومراقبة العدول مراقبة شديدة حتى لا يتكرر منهم كل زواج للعسكريين لا يتوفرون على رخصة بذلك . في الوقت الذي يجري فيه الادعاء بالمناصفة ما يزال هناك نوع من التمييز شبيه "بسيد وعبد وضيع" على منوال ما كان سائدا في عصر الفيودالي وتساءل المدخل عن فحوى هذه المناصفة في الوقت الذي يحتفظ فيه بممارسات ونصوص تقيد الحق في المواطنة .