عرف دور المساجد بالريف خلطا ظاهريا بين الديني و الدنيوي بعد نهج الدولة المغربية لما سمي بسياسة إعادة هيكلة الحقل الديني الذي جاء ردا مباشرا للأحداث الإرهابية بالبيضاء لتعزيز الدولة رقابتها على الفكر المروج داخل المساجد الذي من شأنه أن يروج قيم التطرف داخل المجتمع وعيا من النظام السياسي أن للمسجد دور هام في تعبئة و تجييش مشاعر من يقصدونها بعد تحوير المفاهيم الدينية لتحويلها إلى أداة تسييس لفكر متطرف مناف للطرح الرسمي الذي تروجه الدولة من فوق المنابر لتحصين شرعيتها السياسية المنبنية على العروبة و الإسلام و النسب الشريف و إمارة المؤمنين التي أضفت عليها طابع القداسة بإستصناع شرعية مقدسة بترويج أن ولي الأمر هو الساهر و الضامن لسريان كلمة الله في أرضه . و هذا التداخل بين الديني و الدنيوي أفرز تسابقا لكل حركات الإسلام السياسي للإستحواذ و السيطرة على المساجد لتمرير خطاباتها السياسية التي تخول لها ضمان مصالحها السياسية المؤقتة بعد تحويل المسجد من مكان للتعبد و ربط الاواصر الروحانية بين العبد و ربه إلى مكان لترويج البرامج السياسية و تغليفها بالطابع الديني الدعوي بعد الخلط الَبيِن بين الطقوس التعبدية و التعبئة للبرامج السياسية عبر إستغلال المقدس الديني لمآرب سياسيوية دنيوية . و فيما يلي أهم الإنزياحات للمسجد بالريف كمؤسسة تفرز خطابا سياسيا له ثقل كبير في معادلة التحصيل الإنتخابي و تحقيق الأهداف الإستراتيجية للتكتلات السياسية التي تعتمد على المسجد للنجاح في ممارستها السياسية : _ مساهمة المساجد بالريف في إنجاح مخططات التعريب الرسمية عبر التمهيد للأعربة الرسمية المكرسة في المنظومة التربوية و ذلك من خلال دور " المسيد " أو التعليم الأولي داخل المساجد لتهييء الأطفال دون السادسة للتعريب الرسمي في المدارس العمومية بعد تلقينهم لغة ليست بلغة أمهم و تحفيظهم للذكر بشكل سماعي و دون أي مراعاة لأهمية فهم الأطفال للمفاهيم و اللغة التي كتب بها القرآن الكريم . _ الترويج للطرح المخزني و تغليب السياسي على الديني بإستغلال هذا الاخير كوسيلة دمغجية لخلط المفاهيم و تعليب فكر الدولة على شكل خطب دينية لا تقبل التشكيك و اللغو و التشكيك ، بل يتعدى الامر إلى إعادة سيناريو تعامل المخزن مع ظهير 16 ماي 1930 ، ففي كل مناسبة لتخليد ذكرى الإستقلال الغير المحقق في 18 نونبر يعتمد الخطيب إلى ترويج المغالطات المكرسة في التاريخ الرسمي بعد التنكر للأمجاد و الملاحم الريفية و إنساب البطولات إلى ماسمي بالحركة الوطنية . _ تصوير النظام السياسي كمعطى قدري و إختيار رباني بعد الترويج لثقافة الخضوع و الخنوع للحاكم ( ولي الأمر ) و تحويل المساجد الريفية إلى أبواق سياسية تهتف بالإستقرار الوهمي و الرخاء الغير المعاش ، و ذلك من خلال تسبيق الهدف الإستراتيجي للمخزن على الهدف الطقوسي للمصلين و إضفاء الطابع القدري على الوضع السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي و تفسير الإخفاقات بكونها أوامر إلاهية تمتحن صبر و إيمان عامة الشعب . _ تكريس الإنفصام في وسائل الخطاب داخل المسجد بعد الإعتماد على لغة فصحى قريبة من لغة المعلقات التي لا يفهمها جل الريفيين بذلك تكون إمكانية الفهم مستحيلة بسبب عدم توحيد لغة المخَاطَب و المتلقي ( المخاطِب) لتبقى الخطب مجرد تمرير لإشارات سياسات رسمت في دهاليز في وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية المهندس الفعلي لخطب المساجد . _إستغلال المساجد لتجنيد الناس للذود عن الطرح الرسمي طالما دعت الضرورة ذلك ، كترويج الموقف الرسمي من قضية الصحراء و الدور المحوري الذي لعبته المساجد بالريف في الإستفتاء على الدستور الممنوح لفاتح يوليوز و كذا الدور السلبي لها في تكميم الافواه بالإدعاء أن التظاهر و الإحتجاج من تمظهرات الفتنة و العمالة الأجنبية ( نموذج دور المساجد إبان اوج حراك 20 فبراير ) _ تجاسر الأئمة و الخطباء و إقحام انفسهم في تحليل المعطيات الظرفية السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية ، مع العلم ان مستواهم المعرفي و التعليمي لا يتعدى في احسن الاحوال مستوى الإعدادي ، و بذلك تكون جميع تفسيراتهم مخالفة للعقل و مجانبة للمنطق العقلاني . _ إفراز خطاب يقوم على مبدا الرغبة الدفينة لإنسلاخ الريفيين عن همومهم بعد إعطاء الاولوية للقضايا لا تمت للمجال الجيوسياسي الريفي بصلة ، و ذلك من خلال التركيز على القضية الفلسطينية و الهتاف بسقوط امريكا و تصوير الغرب كشيطان سياسي فتان . _ تصارع مكونات الإسلام السياسي في التحكم في خطابات المساجد عبر تجنيد أجهزتها الدعوية للترويج لبرامجها السياسية و إستغلال قداسة المسجد و خصوصياته في نهب الناس من خلال تنظيم حملات التبرع داخل المساجد بشكل منتظم ، و ظهور غول السلفيين في الآونة الأخيرة تجتاح الذهنية الريفية و فكرها عبر إستغلال المقدس فيما هو سياسيوي . كما لا تفوت الإشارة إلى الدور الكبير الذي تلعبه المساجد في تشتيت وحدة المجتمع الريفي بعد ظهور تحالفات عائلية في لجن مسيرة للمساجد بعد تكريس ثقافة الصراع و التطاحن بين العائلات لتعم الدسائس المقولبة لإعلاء عائلة على أخرى و تفرز هذه التحالفات إستحالة الإتحاد و إلتفاف الريفيين حول حاجياتهم الاولية و الراهنية من تطبيب و تعليم و حق في العيش الكريم ، دون إغفال الإشارة إلى الدور السلبي لهذه التحالفات التي تستثمر من الاجهزة المافيوزية التي تنهب الريف لتستغل الصراعات و تترجم إلى وسيلة فعالة حاسمة في الإنتخابات . و على سبيل الختم فإن إستغلال المساجد في خضم القصور المعرفي لعامة الريفيين و إتخاذ قداستها كمطية لتحقيق الاهداف السياسية الضيقة و توتيد القهر الممنهج من طرف النظام السياسي ، لن يفرز إلا إعلاءا للإستبداد السياسي بتكريس ثقافة القطيع الغير القادر على الفصل بين الشان الرباني و بين الشان الممارساتي السياسي ، و إن مضي النظام السياسي في تسخير خطابات المساجد لتعليل الوضع المعتل أصلا دليل على إقتناع المخزن بنجاعة الدور المنوط بالخطاب التأسلمي المسفسط الذي يروج الوهم بغلاف المقدس ، و إن الراهنية تقتضي الفصل الآني بين المسجد كبناية سياسية و أخرى كمكان للإشباع الروحي و هذا لن يتاتى إلا من خلال الفصل بين الديني و السياسي عبر تخليق الحياة السياسية بواسطة نظام علماني يقطع مع بيع الوهم للريفيين من اعلى المنابر بالمساجد بإستغلال الجهل و العزف على وتر النازع المقدس .