إن قضية المصداقية واللامصداقية في القول الجمالي من خلال التعبير البلاغي يؤكد لنا ان المسألة مسالة فنية تقنية بحتة وترتبط بنوعية القنوات التبليغية التي يستعملها الكاتب عن قصد لتأكيد وجهة نظره أثناء تحرك عملية القراءة والانتقاد. فيكون إصدار الحكم النقدي النهاءي على النص المستهدف قراءته ودراسته منبنيا على أساس بلاغي ينطلق من حيثيات القواعد البلاغية في علم البيان وعلم المعاني وعلاقتها بالمحسنات البديعية ،وكل هذا يرتبط ارتباطا عضويا بمجمل الشخصية الفكرية والموهبة الابداعية والحالة النفسية للكاتب وقدرته على تفجير ذاكرته في اتون التناص/او مايسمى بتداخل النصوص المتراكمة في الذاكرة أو ما يسمى بالتناص: intertextuality، مما يخول للكاتب المبدع التوقيع ببصمته المتميزة على وثيقة النص المراد منه نفث روح التأثير على بصيرة المتلقي انطلاقا من تراكمات تم التحصيل عليها أثناء عملية القنص المطالعاتي وفق وتيرة انتقايئة خاضعة لمعايير ذوقية تربى عليها الكاتب في مشوار حياته . إن الإحساس بجمالية العلاقة الكائنة بين الفاظ او توليفات عبارية بعينها دون غيرها إنما يجرنا إلى الإعتراف بالتأثير السحري لجمالية الأسلوب التي تعمد الكاتب صناعتها لأجل تحقيق مراده في تبليغ رسالته الرمزية عبرها.وهذا يوقظ فينا تساؤلا داخليا عميقا يتحول إلى أفكار عميقة تغوص بدورها في إشكالات أخرى كثيرة التشابك والتعقيد. ولا يعيب النص أبدا إشكال الغموض وعدم الدقة و تجاوزه لكل القوالب البلاغية الجاهزة. لأن الهدف الذي يسعى إلي تحقيقه واضح ودقيق جدا لكل ذي خيال عميق وحدس لاسطحي. وهذا التعبير بمقدار ما يكون صارما وركيكا ومستفزا بسطحيته المباشرة ،ومزيفا للمأرب الذي يتوخى الكاتب الرديء تبليغه من خلاله ،ومزعجا لسيولة الواقع الفني مجافيا للحقيقة الجمالية ،بمقدار مايكون هذا التعبير مصدرا للكذب والمغالطات،فاشلا في ميدان البلاغة تنهار معه كل هالة جمالية لم تسقط على بال كاتب من الدرجة المتأخرة إبداعيا. علما أن هناك خطابات من النوع الإخباري المباشر قد التزمت أسلوب التقرير والتوكيد لكنها تحمل في طياتها مقابل هذه المباشرة صورا عادية جدا ،إلا أنها تفاجئنا بجماليتها الممتعة كونها قد انطلقت من مفهوم (السهل الممتنع) وذلك راجع لقدرة الكاتب السردية ونبرته الكلامية المتجددة والمتميزة النابعة من شخصية محبوبة أصيلة تكره ان تقذف أحجار الملل إلى القارئ...إننا غالبا ما نعجب من طبخ بعض النساء فنجزم بطيبوبة قلبها واناملها الذهبية ويديها الماهرتين.نفس الانطباع يمكن اسقاطه على الكاتب الذي يخط بيده كل فكرة وشعور نابع من قلبه. إن طبيعة الديناميكية الكلامية تندمج مع شتى المواقف والمشاعر ومختلف شرائح المتلقين. لعل العصافير تقع في شباك الاقتناع على الرغم من اختلاف مشاربها و أذواقها. فتصبح الرغبة في التكيف مع السياق الانفعالي والتأمل العقلي بشكل انسجامي هي الخطوة الفعالة التي تنسج نسيجا بلاغيا جميلا تنبثق منه تجربة نفسية فريدة تنتج حركة نقدية فنية فريدة من نوعها.على أساس اعتبار ان عملية التاثير و التأثر بين الذات والواقع نابعة عن الشخصية الأصيلة للكاتب وجوهره التحليلي العميق في محاولة إسقاط مواقفه في قالب جميل لإبداع تجربة تعبيرية جذابة تجمع بين المتعة الفنية والتعلم الفكري. إن اولئك الوضعيين الذين أدمنوا على النظرإلى الأشياء بمزاج سطحي والحكم عليها من خلال عين أحادية، يرفضون بشتى الأشكال تصريحا أوتلميحا لكل ما من شأنه أن يساهم في تحفيز السبات الوجداني وحيلولة القارئ دون الإنخراط العقيم في الشخير السلبي ،وذلك ليعي الإنسان ذاته والإنسجام الجمالي الذي يدور في الفضاء بعلاقته مع مكونات الكون. وهم بهذا إنما يكرسون بجمودهم الفكري الجاف الذي يؤمنون به حد العمى .الإيمان بالظواهر المادية والتعلق بوصف تفاصيلها وفق معايير صارمة توصف بأنها قابلة للقياس والملاحظة. مما يؤكد انهم سطحيون حتى النخاع لأن المغامرة الوجدانية في الأعماق لا تنقاد لهم.كما انهم ترابيون أكثر من التراب نفسه، مفرطون في التمسك بأصلهم المادي الترابي الصرف.فتصيب رؤيتهم ضحالة مقززة فيتسطح خيالهم وينكمش وجدانهم للاسف ويريدون بكتاباتهم ان يصيبوا الناس بعدوى التقلص الرؤيوي والانكماش الوجداني ، فتصبح مشاعرهم مجرد مكعبات جليدية في ثلاجة عبيطة. بعد ذلك يضعف حدسهم وتغيب كل روحانيتهم في ظلام العدم وانطماس الهوية الحقيقية للإنسان ذو الشخصية الكاملة.عندئذ لا بأس عندهم إذا فقدوا موهبة الذوق الجمالي الحقيقي النابع عن الفطرة السليمة. يستطيع الشاعر أن يصير مفكرا ، ولكن يصعب على العالم أن يصير مفكرا خاصة إذا كان عالما متطرفا في وضعيته الأمبيريقية، منطويا على ذاته ،يحاول تقليص مساحة تواجده داخل قوقعته الموضوعية التي فصلها عن كل معاني الحياة الإجتماعية والعاطفية . وإن تخصصه الصامت في شعبة علمية محددة ومقننة مع انعزاله التام عن ميدان المطالعة الحرة والتثقيف الذاتي بواسطة لغة فنية بلاغية. جعلت منه نافرا من الإبداع الخيالي لشاعرية الأدب والفن ،رافض للمطالعة الخارجية كي تساعده على اكتساب الحس الجمالي والتثقيف الذاتي بواسطة قراءة موسوعية تتذوق من كل فن طرفا، وكونه لا يستطيع أن يتقن التفكير التأملي ليصير مفكرا له إحساس مرهف بالعالم ومجرياته. إنما يفقده الرؤية الثاقبة للأمور ،فتنعدم لديه الرؤية الشمولية تجاه الكون. ويبقى علمه حبيس جدران مختبره ليس إلا. والسبب في ذلك أن لعنة التخصص الذي رفع شارة الانفصال انبثقت عن رغبة انفصالية عن الرغبة في تحصيل الحقيقة في إطارها الكلي .فأصبحت الرؤية تجزيئية تشتيتية خاصة و آنية تتميز بالتشيؤ عوضا عن تحولهاإلى نظرة جامعة مانعة شاملة وأبدية تتميز بالتعميم والتجريد. بينما نرى ان العمل الفني ينضح بالإبداع لأن منطلقه روحي فسيح منبني على أصوات كلمات محسوسة يجمعها إطار عامر بالعناصر الجمالية البلاغية فأضحى لوحة فنية تسر الناظرين بألوانها المتناغمة متكاملة في سحنة تقاسيمها. اتحد فيها العالم النفسي الوجداني بالعالم العقلي المعرفي التأملي. واختلط فيها لعب الأطفال بحكمة الشيوخ الناضجين.لتتسربل الفكرة باجنحة الروح تطير وفق حاجة القارئ لعنصر الخيال. كما أنها تدك تراب الأرض دكا إذا رغب القارئ في تلمس أرض الواقع كي يقارنه بواقعه الكئيب.ويبقى المتلقي يترنح نشوانا بنشوة مباحة في فضاء ممتع. فيه خليط من المحسوس والمجرد/الأرض والسماء/ الواقع والخيال/ الحقيقة في حضورها وغيابها. إن الإشكالية في البلاغة الجمالية للتعبير لا تكمن في انتقاء الكلمات و إنما في الوضع الملائم الذي يتاح فيه لكلمة معينة ان تتخذ لها كرسيا للاستقرار بين مثيلاتها من أخواتها.بعبارة اكثر وضوحا: أنها محاولة لخلق سياق علائقي مفعم بعلاقات إنشائية حيوية جديدة تزين الأسلوب بشكل تكثيفي يقوم بعملية تفكيكية لرواسب تلوثت سلفا و تهدم اطلالا مدنسة طال جثومها على صدر المفاهيم الايجابية. ومن ثم تقوم بتطهير ما تلوث واهترأ.ليتوجه من الإيمان بكابوس اليأس والتشاؤم نحو معانقة الامل والتفاؤل.وهذه الموهبة في تشكيل أسلوب حي لا يتأتى سوى لشخص متفرد بتراكمات مطالعاتية يتمخض عنها اكتساب لذكاء لغوي _وجداني يعقبه تسلم ازمة حدس التذوق الجمالي للنصوص بفضل الحصول على هوائيات خاصة تحمل ملكة مكتسبة في النقد يلتقط من خلالها الناقد ذبذبات العلاقات الكائنة بين اللفظ والمعنى وتساعده في صياغة التعبير الجميل.فترى أن اللغة الخامة تنقاد للكاتب الماهر الذي اصبح قادرا على ركوب حصان البلاغة القزحية التي تنقر الفكار بدلال وترمي بشباكها الحبرية لأجل تصيد نبضات الخواطر واللحظات الزمنية الهاربة من قبضة التوثيق مثل عصافير سجينة في أقفاص تواقة للهروب والطيران في سماء الحرية .كما أن هذا الحصان يساعده في استكشاف خفايا الشعور العميق في اللاشعور وتفتح له آفاقا رحبة في التركيب اللغوي البارع لإثارة التدفقات الباطنية للكاتب والقارئ معا وسط فوضى من نصوص سابقة ومجازات موحية تأثرا بها سلفا. فحاول بشكل سحري أن يجمع بين هذا المزيج العشوائي في بنية تركيبية واحدة قاسمها المشترك هو تسخير الجمال اللغوي لمعنى الفكرة العقلية أو الصورة الوجدانية المراد تبليغها للمتلقي بجاذبية متألقة منقطعة النظير .مع تهييء المناخ الملائم لانوجاد المقام لتذوب كل الإختيارات التعبيرية الجزئية في وحدة متماسكة. إن التركيب البلاغي يحاول أن يجعل أسلوب الكاتب شاملا كلي الدلالة،فيختصر الطريق على التجربة التعبيرية للمبدع والتجربة الاستقبالية لمستهلك الإبداع. وخلال هذه العملية المعقدة يكتشف القارئ ذو البصيرة النافذة خيوطا متداخلة بين ماهو نفسي فكري وبين ماهو ثقافي اجتماعي معاش. وهذه النظرة الكلية تجنبنا تلك النظرة التجزيئية المشؤومة للرؤية المادية المكتفية بتوصيف التفاصيل المادية للظاهرة البعيدة عن عمق القيم التي لها علاقة وطيدة بتلك الظاهرة المادية. لابد من ردم الهوة التي اصطنعها الإنفصاليون بين ماهو مادي وماهو روحي في ذات الوحدة الكائنة.مع تهييء جو الاتصال بينهما حتى يتم ترجمة الحقيقة حول ذلك الكائن من خلال الصورة التعبيرية الجميلة بشكل تطمئن له الذات القارئة عوضا عن حصار الظاهرة داخل سياج مادي كئيب ينذر بضياع المعنى من وراء وجود تلك الظاهرة . فيذوب جليد المظهر للظاهرة بفضل تحرك آلة الدفء الشعوري الذي هو بمثابة زيت الشعلة المعنوية التي تضفي سلطة التأثير الفعال على الأخرين لتتفاعل مع بحر المواقف النفسية العديدة التي فرضت نفسها وفق الأبعاد الفكرية الحبلى بالحكمة المنبثقة عن الكاتب نفسه .مما يخلق عنصر التعجب والاندهاش لدى القارئ لأنه أمام انهيار جبل الاعتياد والتعود الرتيب على أسلوب ما. فإذا بمفاجأة الانزياح اللغوي- على غرار الانزياخ الثلجي الذي يدفن معالم الجبل المعتادة – فيباغتنا بهيجان في الأندرينالين الذي يوقظ أعصابنا ويزيد من حدة التوتر مما يوقظنا من عملية الاسترسال في سبات الملل فيخلق لدى القارئ رغبة في التجدد وعشقا للجمالية البلاغية لنفض الغبار عن كل العراقيل الرتيبة التي تقف حاجزا امامه للغوص في جوهر الامتاع والمؤانسة. يقول الله تعالى:{قل موتوا بغيظكم} وكأنني بالغيظ أتخيله غازا مسموما يختنق معه كل من تتنفس رئتاه هواء ملوثا بمادة كيميائية مسمومة إسمها: تحدي الله/ نطح الرأس مع الجدار/ شرب ماء البحر /وضع قطرات الخل الحامضة في العينين وكأن الحقد على دين الله حركة كيميائية لامرئية تتطرق لعنة قاتلة على الحجر الموجود في رأس كل وضعي أمبيريقي عنيد فيصيبه مرض الإسهال عندما يسمع شيئا اسمه الروح أو الغيب أو الدينإن عاشق السباحة على المستوى السطحي يخاف ان يموت غرقا إذا هو قام بمغامرة السباحة في العمق . لقد خلق الله داخل اللغة نظاما بديعا تتعجب منه .إذ يتحول مجرد قول كلمة إلى فعل يغير وجه التاريخ المعتاد/كن فيكون/.بحيث زودها بنظام مركب برمجه بقدرته سبحانه على الشاشة الفطرية للإنسان منذ نعومة أظافره .هذا النظام المركب يحمل نسيجا حيويا من الدلالات والمعاني ذات الأصل الروحي لأنها انبعثت من باطن الذات الانسانية وتجسدت في أشكال مادية محسوسة في شكل خطوط مكتوبة أو أصوات مسموعة تسمى ألفاظا وهي تتغير بتغير السياق اللغوي والثقافي الذي ينتمي إليه تجمع بشري ما. وهناك من الاستعارات/وهي توليفات لغوية تم انتقاء كلمات محددة فيما بينهما تجمعهما علاقة خاصة جدا/ وهناك من التشبيهات والمجازات والصور البليغة ما يتغير معناه حسب المناخ الطبيعي والواقع الجغرافي.ففي الصحراء مثلا نقول عن شيء ينعش إحساسنا : {يثلج صدري} كتعبير عن الارتياح لأن الثلج مادة مفقودة في البلدان الساخنة ويكون البرد مرادا يشتاق الصحراوي إليه من فرط المعاناة التي يتلقاها من الشمس الحارقة وتطارده بحرارتها..بينما نلاحظ انه في البلدان الباردة تعبر عن الشعور بالارتياح من خلال استعمال تعبير بلاغي من قبيل{ سخن أو دفأ قلبي}rechauffer mon cœur-heart warmth كون هذه البلدان تحاول /خياليا/مجازيا/بلاغيا تجاوز البرد الذي تعاني منه والحصول على عنصر الدفء والحرارة المفقودين هناك.إذن فالتعبير المجازي لا يتحقق معناه إلا وفق السياق الثقافي والوجدان الجماعي .إذن فخلق الصورة الفريدة بين الألفاظ لا تنساب دلالاتها بشكل مالي مقبول إلا من خلال طبيعة الذات الكاتبة الراغبة في تبليغ رسالتها عبر إسقاط نفحات صادقة من إشراقاتها الروحانية وتدفقات تبدو تلقائية عفوية لكنها مصطنعة وتم التخطيط لها بإحكام ،إذ تنم في مقام الكلام عن شخصية بارعة في المجال اللغوي .ذات حبلى بمواقف قادرة على صياغة الأفكار والعقول بفعل تأثيرها الفعال في المتلقي. ولهذا قيل يوما لفيلسوف :لماذا تقول ما لا يفهم؟ فرد عليه : وأنت لماذا لا تحاول فهم ما يقال؟. لا يمكن أن تحتج على أسلوب كتابي معقد يتخذه كاتب ما تعبيرا عن شخصيته المتميزة في الكتابة.لأن عدم فهمه ليست مشكلته و إنما مشكلة القارئ السطحي الذي لا يريد أن يفهم أو لربما ان آليات القراءة العميقة والثقافية تعوزه لأنه لا يساير الوتيرة المطالعاتية التي تميز قراء المرحلة الراهنة. ولهذا تسائل رومان جاكوبسون:{ ما الذي يجعل من رسالة لفظية أثرا جماليا فنيا؟ } هناك حاجة داخل النفس تلح على التزود بطاقة المال حتى تحافظ على توازنها الفطري من الانحراف عن جادة الطبيعة الانسانية السوية. وهذا دليل على ان للذات أشواقا وللحواس ضرورات لا مفر منها كي تملأ فراغ النفس والروح والحواس. وما إشباع الحاجات النفسية بالجمال المباح والمحترم والملتزم طبعاما هو سوى تحقيق لإرادة الفطرة و إتمام لعملية النضج العاطفي والفكري الشامل مرورا بمرحلة الاندهاش والتعجب في انزياح لغوي يصيب المنطق بالتلعثم مثلما يصيب الانزياح الثلجي الهارب منه بالحصول على فرصة النجاة.سيقتلك المنطق المتلعثم لأنه يخلط بين الأضداد العنيفة ويجمع بشكل سحري غريب بين شتى الصيغ: إثبات/نفي- فعل/اسم - الانتقال السريع من وظيفة الإخبار المعقول المسؤول إلى وظيفة الانشاء الذي يتسامى نحو منتهى الطوباوية / استعمال عنصر الدراما لتخليد لحظة ما و أسطرتها/ لأسر لحظة يريد الزمن تبديدها كي ينساها الناس سريعا / الخيال الجميل للهروب من الواقع المرير/ إضفاء دعابات لعب الأطفال والمزاح اللغوي لإزالة صرامة الجد على التعبير والتخفيف من درجة الضغط على القارئ، وما استخدام عنصر السخرية إلا جزء من هذه الدعابات . كل ذلك يحدث أمام أعيننا ونحن نرى طواحين القواعد اللغوية المعتادة تنهار وتتحطم ليحل محلها أجنحة زئبقية خلابة مثل نبض هارب مع الصدى يأخذ بألباب القراء لنه مشهد ديد خلاق يدق ناقوس النفس لتفتح له باب الاستقبال ويتفضل بالجلوس على كرسي الاسترخاء والتناغم في صورة نهضة من سبات طال امده وفي شكل انبعاث عميق لبركان الذات الخامد يعيد له الحياة مرة أخرى.إن الموكب الجمالي في التعبير البليغ يتحرك في ملكوت الوجدان والعلاقة التبادلية للضمور والفكر تصفق عليه بمنتهى الحرارة.فكل شيء قد انصهر في بركان الذات من المعادن الوجدانية الرخيصة والنفيسة معا.لتتفجر الذات ويتمخض عنها علاج دوائي لا يباع في الصيدليات وبلسم شافي لأصلاح الذوات الأخرى مع إيقاظ وعيها من غفلة اعتياد القبح والرداءة والتكرار الممل ليس في المظاهر فقط بل في المواقف والجواهر والسلوك أيضا.لهذا فالوظيفة الانزياحية التفكيكية للغة البلاغة الابداعية إنما هو اختزال لعملية التقليد العقيمة و إعادة لصياغة قوالب الكتابة وفق متطلبات الزمان والمكان والحال. مثلها مثل الإفتاء في النوازل الفقهية. و إن الهدف العام لجمالية التعبير البلاغي هو هدف تربوي إصلاحي يدعم عملية الارتقاء بالروح والرقي بالانسان نحو المستوى المطلوب من التوازن والاعتدال ورهافة الاحساس والمواقف النزيهة.لقد شبه علماء البلاغة من بينهم عبد القاهر الجرجاني التعبير البلاغي الجميل خاصة عندما يستعمل الطباق والمفارقات الساخرة بشجرة فواكه تحمل أغصانها فواكه متنوعة فاختصرنا الطريق للحصول على الفواكه التي نحتاج إليها من شجرة واحدة.بحيث اننا استغنينا عن مساحة أرضية شاسعة ولائحة طويلة من أسماء أشجار الفاكهة الموجودة في العالم.تكفينا شجرة واحدة فقط يزدان جمالها بألوان فاكهية متعددة فنستطيب منظرها ونتلذذ بمذاقاتها. وهذا هو حال الحكمة المختصرة في بيت شعري أو سطر نثري أو مثل شعبي : مثلها في ذلك مثل ذلك الجهاز الاليكتروني التسجيلي الصغير جداusb .لقد جعلنا هذا الجهاز نستغني عن الأوراق والحبر وارتياد مكتبات العالم .إن الحكمة إضاءة فكرية وقوس قولي يسلط الضوء على مهارته الإيجازية الرائعة المشحونة بالحيوية الفعالة عوض الاكتفاء بالسرد الألي لجمل جافة ليس فيها نسيما وجدانيا يمر من خلالها ويهب على الغفلة الروحانية للسطحيين المنعدمي الخيال. .تركيز شديد في طاقة المعنى يقتصد الزمن والفضاء ليحتوي بشكل سحري كل مجلدات العالم المكتوبة ، ذؤابة ساخنة تلم شمل أشعة الشمس الفكرية للبشر. يقول الله تعالى:{ ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب}.انه اختصار لنصيحة / امر إلاهي بالتخلص من مرتكبي الجرائم جنائيا وعقابيا وذلك لأجل كبح جماح الاستهتار في المرة المقبلة. ليكون المعاقبون عبرة لغيرهم.ولكي تنطفئ نار الفتنة المشتعلة بسببهم. ومن ثم ستعود الحياة الطيبة السعيدة إلى الناس . حكيم السكاكي: [email protected]