"ما قدهم الفيل زيدهوم الفيلة".. هارون الرشيد والسلطان الحسن الأول    ‬برادة يدافع عن نتائج "مدارس الريادة"    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة ...المغرب يشارك في فعاليات حدث رفيع المستوى حول الأسر المنتجة وريادة الأعمال    مجلس النواب يصادق على مشروع قانون الإضراب    المخرج شعيب مسعودي يؤطر ورشة إعداد الممثل بالناظور    أكرم الروماني مدرب مؤقت ل"الماص"    الجيش الملكي يعتمد ملعب مكناس لاستضافة مباريات دوري الأبطال    تبون يهدد الجزائريين بالقمع.. سياسة التصعيد في مواجهة الغضب الشعبي    حصيلة الأمن الوطني لسنة 2024.. تفكيك 947 عصابة إجرامية واعتقال 1561 شخصاً في جرائم مختلفة    بركة: أغلب مدن المملكة ستستفيد من المونديال... والطريق السيار القاري الرباط-البيضاء سيفتتح في 2029    وزير العدل يقدم الخطوط العريضة لما تحقق في موضوع مراجعة قانون الأسرة    الحصيلة السنوية للمديرية العامة للأمن الوطني: أرقام حول المباريات الوظيفية للالتحاق بسلك الشرطة        الاعلان عن الدورة الثانية لمهرجان AZEMM'ART للفنون التشكيلية والموسيقى    أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية .. رأي المجلس العلمي جاء مطابقا لأغلب المسائل 17 المحالة على النظر الشرعي        البيضاء: توقيف أربعيني متورط في ترويج المخدرات    هولندا: إدانة خمسة أشخاص في قضية ضرب مشجعين إسرائيليين في امستردام    آخرها احتياطيات تقدر بمليار طن في عرض البحر قبالة سواحل أكادير .. كثافة التنقيب عن الغاز والنفط بالمغرب مازالت «ضعيفة» والاكتشافات «محدودة نسبيا» لكنها مشجعة    الصناعة التقليدية تجسد بمختلف تعبيراتها تعددية المملكة (أزولاي)    المغرب يستورد 900 ألف طن من القمح الروسي في ظل تراجع صادرات فرنسا    جمهور الرجاء ممنوع من التنقل لبركان    وزارة الدفاع تدمج الفصائل السورية    مراجعة مدونة الأسرة.. المجلس العلمي الأعلى يتحفظ على 3 مقترحات لهذا السبب    الدورة العاشرة لمهرجان "بويا" النسائي الدولي للموسيقى في الحسيمة    العلوم الاجتماعية والفن المعاصر في ندوة بمعهد الفنون الجميلة بتطوان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية : البحاثة محمد الفاسي : مؤرخ الأدب والفنون ومحقق التراث    تفاصيل الاجتماع الأول لفدرالية الصحافة الرياضية بالمغرب    يوسف النصيري يرفض عرض النصر السعودي    الشبكة الدفاع عن الحق في الصحة تدعو إلى التصدي للإعلانات المضللة        توقيع اتفاقية بين المجلس الأعلى للتربية والتكوين ووزارة الانتقال الرقمي    "أفريقيا" تطلق منصة لحملة المشاريع    إلغاء التعصيب ونسب الولد خارج الزواج.. التوفيق يكشف عن بدائل العلماء في مسائل تخالف الشرع ضمن تعديلات مدونة الأسرة    أول دواء مستخلص من «الكيف» سيسوق في النصف الأول من 2025    مجلس الحكومة يتدارس أربعة مشاريع مراسيم    الملك يشيد بالعلاقات الأخوية مع ليبيا    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    الإصابة بالسرطان في أنسجة الكلى .. الأسباب والأعراض    نظرية جديدة تفسر آلية تخزين الذكريات في أدمغة البشر    العصبة تكشف عن مواعيد مباريات الجولة ال17 من البطولة الاحترافية    "فيفبرو" يعارض تعديلات "فيفا" المؤقتة في لوائح الانتقالات    الإعلان عن تشكيلة الحكومة الفرنسية الجديدة        عودة نحو 25 ألف سوري إلى بلدهم منذ سقوط نظام الأسد    مستشار الأمن القومي بجمهورية العراق يجدد موقف بلاده الداعم للوحدة الترابية للمغرب        "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    المغرب يشارك في أشغال الدورة الأولى لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب بالرياض    اختطاف المخيم وشعارات المقاومة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الولوج إلى أسرار الجمالية اللغوية والعمق الروحي للتصوير البلاغي.ج1
نشر في أريفينو يوم 29 - 01 - 2013


[email protected]
-1 هاجس عشق كل ما هو مادي تدفع الوضعيين لاتهام التعبيرالبلاغي بتهمة الروحانية والتحليق في فضاء الميتافيزيقا:
تتلعثم النبرة الوضعية في اتخاذ موقف استهزائي من كل لغز شعري.فتتعثر الخطوة التقنينية للغة في مأزق حرج حينما تدحض أية محاولة للإنخراط في لعبة كلمات هد فها العام هو التركيز على تشكيل اللحظة الميتافزيقية الغنية بمقومات وجدانية تتكلل بتاج الكتابة الفنية/الذاتية الإنطباعية حيث تحلو النزهة اللغوية في حديقة الصور البلاغية بمناظرها الجميلة وألوان شتى من ورود الحكمة الممتعة، بعيدا عن مناخ الكتابة الموضوعية/الموضوعاتية المراد منها الإكتفاء بنقل الخبر فقط أو بتقرير مفصل مباشر لظاهرة محددة. وفي هذا الصدد يقول طوماس براط في كتابه: {تاريخ الجمعية الملكية للعلوم بلندن لأجل تحسين المعرفة الطبيعية} سنة 1667 :{…إن الجمعية رأت واجب فصل معرفة الطبيعة عن ألوان البلاغة وتقنيات التخييل والخداع المبهج المسيطر على مضمون الحكايات الخيالية}، والسبب من وراء هذه النزعة/ الرغبة الإنفصالية القوية بين اللغة الطبيعية واللغة البلاغية المصطنعة والمتميزة بلكنتها الهوياتية الثقافية/النفسية ،يعود إلى اقتناع مسبق للعلماء الطبيعيين بأن البلاغة بصورها الغريبة وقدرتها على المراوغة وبالتالي تعمدها إلى تضييع الزمن وعدم اقتصاده في توصيل المعلومة،إنما يتمأسس على هوس باللغة عينها إلىحد عشقها وكغاية في عمق ذاتها. وغرض هذا الهوس هو خداع اللغة الطبيعية في نظر العلماء الطبيعيين واصطناع حد ود وهمية بين اللغة والحقيقة. وبالتالي وجب إدانة كل محاولة نفاقية تتقن اللف والدوران في إطارها اللفظي الدائر في حلقة مفرغة لوضع المدان وراء قضبان الإتهام بالغلو في الذاتية والتطرف النرجسي الذي يوصم غالبا بالغرور والكبرياء والإعجاب بالنفس من قبل نقاد الكتابة الفنية المتمركزة هواجسها في اقتناص لحظات جميلة من خلال توليفات بلاغية تحطم كل القيود التقديسية للإطار اللغوي الموروث والحواجز التنميطية للهيكل اللغوي التقليدي. وما التعبير المجازي والتجميل اللغوي عبر تكريس صوربلاغية ومحسنات بديعية،في نظر الجمعية العلمية البريطانية التي ذكرناها آنفا، سوى أكاذيب وبهتان مفبرك يشوه الواقع وانطباعات ثقافية غرضها التهريج اللاعقلاني المستفز لكل ماهو عقلاني،عبر تضييع مادة الوقت الثمين وطاقة التركيز الفكري المعقلن. وبالتالي فإن التعبير البلاغي في نظرهم،يبقى أسلوبا لأهواء المنافقين في تدبير معادلة المراوغة السوفسطائية التي يحاولون خلالها ممارسة مفهوم التقية والإختباء النعامي وراء مبرر واه إسمه البلاغة حسب زعمهم لأنهم بكل بساطة يخافون من قول الحقيقة المباشرة بسبب انفصام شخصيتهم وازدواجية طابعها.وبالتالي فإن هذا العجز –حسب رأي الجمعية العلمية دائما – ينم عن هروب من الواقع مخبوء تحت عباءة التعبير البلاغي الجميل يبقى في نظرالعلمويين الأمبيريقيين المقدسين للعلم، مجرد إستراتيجية الجبناء في التعبير عبر إقصاء لغة الوضوح المختصر لقطع طريق الفهم السريع على المتلقي وحذف عنصر اقتصاد الوقت من قاموس تبليغ الرسالة المعرفية في مدة زمنية قياسية.لهذا فكل انزياح لغوي مقصود هو من قبيل تدمير المنطق اللغوي في نظر الأمبيريقي التجريبي طوماس هوبز Thomas Hobbes الذي يعتبر كل محاولة تنميقية عبر لغة البلاغة تبقى مجرد تصنع كلامي غير طبيعي زائد عن الحاجة لايسمن ولايغني من جوع معرفي بل إنه يزيد في خنق الكلمات عبر لوي ذراعها كي تصمت عن قول المعنى تحت ذريعة الفصاحة وتجافي المنطق لمجرد الإذعان حجة ترسيخ اقيم الجمالية على الصعيد المكتوب. لهذا فإن فاسد الفكر فقط هو الذي يلتجأ إلى هذه التقنيات الملتوية التلميحية والطرق التعبيريةالتملقية لتمرير أفكار خاطئة يعجز عن قولها في الوضوح لأنها أصلا مغلوطة حسب الرأي الأمبريقي التجريبي الذي ينتقد هذا النوع من الخطاب لأنه يأخذ بعين الإعتبار تسول التعاطف عبر العزف على وتر الوجدان وتحريك العواطف لاستدرار عطفها كموقف ضعيف تتخذه الشخصية إزاء عملية محاولة التأثير على الآخر. وهكذا يقوم التعبير البلاغي حسب هوبز في كتابه:leviathan،بتضليل كل باحث عن الحكم الصائب. والكاتب البليغ هو بمثابة لص ماهر يسرق منا لحظات الوضوح البسيط ليورطنا في دهاليز الغموض الجميل.وروبين هود على الرغم من أنه لص للفقراء وتخال أنه يتمتع بتعاطف الأغلبية إلا أنه يبقى في المعيار العقلي مجرد لص ينتمي إلى الحثالة العوامية. وأي تعليم مفيد حسب هوبز ستنتظره من هكذا لصوص للقلوب وملوثين للعقول أن يمنحوه لك و لأولادك عبر خطابات طنانة مزوقة تدعي أنها حاملة لأنغام معرفية مغلفة بعسل البلاغة مرفوقا بسراب وهمي ملفوفا في ضمادة حكمة مزيفة ومريضة. إن هذه النظرة الواقعية في نظر الوضعيين الذين يتبنونها على أساس رفض الأسلوب الذاتي الخيالي الذي يهمس للروح الغائبة عن أنظار المهووسين بالمادة المحسوسة إنما هي امتداد لذلك الصراع الفلسفي عبر التاريخ في من سيحرز على الأسبقية: المادة أم الروح؟ .
-2-أسطورة المعنى الكامنة في التعبير البلاغي هي المرشحة لإحراز أصوات الأغلبية:
إن الأسطورة في نظر جورج لاكوفGeorge Lakoffماهي إلا استعارة ممتدة توسعت مساحتها إلى حدود معينة،وهي بمثابة المجاز، تحاول أن تضفي على تجاربنا حس الإنتماء إلى هوية وثقافة محددتين. و إن وظيفة المجاز والإستعارة هو ماجعل الثقافة تبدو و كأنها طبيعية.وجعل المواقف وبعض المعتقدات الخرافية – حسب هيديجر – تبدو و كأنها عادية وتتمتع مبدئيا بكل خصائص مصداقية الوجود أما من حيث كونها طبيعية جدا فلأنها تبدو في الظاهر انها تجاوزت أبعاد الزمن فأصبح كيانها الوهمي محاطا بهالة الحقيقة التي ترتفع فوق كل الشبهات التي تنزع الثقة. ولهذا نجد أن الشخص السطحي الخيال بسبب إدمانه نغمة العقلانية التجريبية المبالغ في تبني ملموسيتها،وبالتالي تصبح سمفونية عشق كل ما هو مادي هو الحافز الفعال والعصا السحرية التي تدفع الوضعيين لاتهام التعبيرالبلاغي بتهمة الروحانية كونها جريمة لأنها تستدعي معيار الوجدان والحدس القلبي للحكم على الظواهر الرافضة لخضوع لأي معيار سوى القابلية للقياس العقلي والملاحظة التجريبية المحسوسة. وتذكرنا هذه التهمة بمن كان يتهم الفلسفة التي تنغمس في التحليق في فضاء الميتافيزيقا بأنها عقيمة وعديمة الجدوى لأنها تمشي على رأسها وليس على أقدامها.والسؤال المطروح هنا هو : لماذا نجد أن أغلبية الناس يفضلون هذا الجانب الوجداني في حياتهم؟ فيرفعون منتجي الإبداع الجمالي فوق مستوى مبدعي التقنية على الرغم من استفادتهم من الأخيرة ؟وترى أن أضواء النجومية تتسلط على أقطاب الأدب ومبدعي الأعمال الفنية الهادفة طبعاوالرياضية على حساب تهميش العلماء والمخترعين الذين يعتبرون أشخاصا مغمورين عند العوام باستثناء الأقلية النخبوية؟ و هل المصارعة مع تحديات صادرة عن معادلة رياضية صعبة هو العنصر الإيجابي القادر على استرجاع التوازن النفسي لذات مشتتة بسبب إكراهات الحياة أم أنه يفضل الإنصات لأغنية ملتزمة بالقيم الأصيلة ومحفزة للمعنويات،مشاهدة فيلم هادف يمنح لنا فرصة الهروب المؤقت من الحياة المتجهمة بهمومها أو عبرقراءة عمل فني إبداعي ممتع فنتجدد باطنيا،لنعود مزودين بكامل طاقتنا الوجدانية القادرة على المواجهة الناجحة؟ماذا تنتظر من أمي عاشق لمص الدماء؟هل بمقدوره تذوق حداء إنشادي جميل أو مقطوعة لحنية صامتة؟ وماذا سيكون موقف متحجر القلب تجاه قصيدة شعرية؟ سوى أنها لعب بكلمات ومضيعة للوقت . وما الزوجة الجميلة بالنسبة لثري جاهل سوى رصيد إضافي لممتلكاته. وتمضي الرؤية المادية في حصد التطلعات المشرئبة للإشراق الروحي للتأكيد أن أجساد الأشياء المحسوسة هي مايهم في الأمر برمته وماعداه يبقى مجرد أشباح سرابية.
لكن مادام أن الواقع لا يستطيع أن يرتفع عن مستواه ليعطي الأولوية لأقلية مغرورة معرفيا
فإن أسطورة المعنى الكامنة في التعبير البلاغي المؤسطر هي المرشحة لإحراز أصوات الأغلبية وترك الأفواه الأمبيريقة مفتوحة مندهشة لهذا الأمر.
-3- التفاعل العلائقي للألفاظ داخل نص فني وتعبيرجميل منتج لصور بلاغية صادمة،ظاهرة صحية لإغناء الجانب الوجداني ودعم التنمية الروحية:
كانت النزوعات الشيوعية المادية والنازية الشوفينية تحارب كل الكتابات المتهمة بأنها تهدف إلى تنمية الفرد وجدانيا وروحانيا وبالتالي فإنها تضبب الجو قصد التشويش على أصل الإنسان الحقيقي والمتمثل في الأصل المادي –حسب زعمهم – والحقيقة عكس ذلك كما يؤكدها لنا التاريخ .وبالتالي فإن هذه الأنظمة قد اتخذت موقفا سلبيا من مبدعي الصور الفنية المتمثلة في البلاغة والاستعارة.وبما أن الشخصية الإنسانية وحدة ثلاثية تتشكل من الشق المعرفي والشق الوجداني ثم الشق الحس- حركي فإنه من الصعب بمكان محاولة إهمال العنصر الجمالي للبلاغة باعتبارها لغة الروح. إن بنية النص البلاغي تتفاعل فيها الإشارات اللغوية والدلالات المتداخلة لتفيض عنها رائحة الواقع الإجتماعي من خلال صور لغوية وتعابير مجازية خاصة و أمثال شعبية تتضافر فيما بينها لإنتاج كمية مهمة من المعنى قصد استنزال غيث الإقناع على أرضية التلقي الجدباء و الإبحار بعيدا بواسطة أجهزة التذوق البشري في بحر التوافق والتناغم . رغم ادعاءات الوضعيين العلمويين بإمكانية التأسيس للغة علمية موضوعية بعقلانية صارمة تنتزع من طياتها كل سياق ذاتي منحرف يدعي انتماءه إلى الإنساني من منطلق وجداني/روحاني. إن اللغة كمساهم في صياغة الواقع،لايمكن أن تكون وسيلة محايدة لأن الكلام نابع عن آلة بشرية تتفاعل فيها كل الجوارح لإنتاجه و إخراجه إلى الوجود.لهذا من الصعب القول بأن التعبير البلاغي يبقى مجرد تعبير تنميقي فارغ من أي محتوى كما يقال علمويا. إن الأذهان المتحجرة المتوجسة من الميتافيزيقا وعالم الغيب الغير خاضع للملاحظة التجريبية والقياس الفيزيائي،تستهزئ من الروح في كل شيء حتى في السياقات العلائقية للالفاظ التي تتمخض عنها جمالية روحية بليغة. و كانهم يعانون من مرض فوبيا الأشباح والرواح ويخيفهم العالم الغائب عن حواسهم كون رؤيتهم سطحية جدا.وهم لا يرضون في الظاهر أن يلحقوا العنصر البلاغي بكتاباتهم لأنه يتعارض حسب توهمهم المغرور مع حسهم العقلاني المتنور،علما أن أصحاب البداهة والرزانة لا ينطقون بالحكمة النادرة إلا بإفراغ زبدة أفكارهم في عبارت موجزة بليغة فصيحة تتألق بإشراق روحي متعلق من عمق شخصيتهم الصيلة التي هضمت مجموعة من المعلومات فحولتها إلى فكرة ذهبية مختصرة بفضل آلية البلاغة. فتسللت بيانا بديعا في لبوس الصور البلاغية الخارقة المركزة والمتقنة للعزف الجمالي على وتر الوجدان الإنساني. إن التوليفة البلاغية تدخل ضمن المجهود العملي الذي تقوم به المهارة الكتابية في إبداع أجمل الصور الخطابية لممارسة فن الإقناع في أبهى حلله. وقد يعرق الإنسان في صياغة هكذا كلام خلاب في خط كتابي حلزوني أكثر من عشاق الكتابة بالخط المستقيم في الوضوح ونقل الخبر وتدوين مايجري بشكل محايد،لهذا فإن البلاغة ليست قضية عرض بسيط لأفكار محددة ولكنها أسلوب فريد خاص بصاحبه يمكنه من استعراض ذكائه اللغوي وعضلات تعبيره المتميز ويحاول التأقلم مع الإلهام الإنسيابي للأفكار.هذه الأفكار التي تصبح محط مغامرة لأبناء البلاغة الأنيقين الذين لا يترددون في التقاطها بكل حما س ومرح بواسطة هوائياتهم الوجدانية الخاصة لفرز أنماط معينة من المعرفة الجامعة الشاملة.إن الحقائق المعرفية ليست أشخاصا تستطيع ان تتحدث عن نفسها بحياد ،وإنما هي توليفات بلاغية يتعمد العالم إلى صياغتها لغويا وعجنها برؤيته المعرفية، غالبا مايتم اتهام البلاغة بانها أسلوب خيالي موح،لكنها مقابل ذلك تمنح لنا متنفسا نستطيع من خلاله التعبير المتعدد القنوات لقول فكرة واحدة، إن الشيفرات الرمزية البلاغية تساهم بفعالية في تشكيل لحمة ثقافة محلية لمنطقة ما بشكل مستدام لأنها تهتم بالكيفية التي تعرض فيها مكونات هذه الثقافة عبر أسلوبها في التعبير اللغوي أكثر من مضمونها. إن الأنظار والأسماع تصعق كلما كلما أثار انتباهها نوع جديد من التعبير البلاغي غير مألوف بحيث انه يشكل منعطفا لغويا وتحديا جديدا وجب تفكيك ألغازه و إعمال الفكر والتفكير لفهم محتواه الصادم. وغير بعيدا عن طابع التعبير الشعري،يأخذنا هذا التعبير الجديد الملغز بعيدا عن منطقة الوضوح لتشكيل سياج من الغموض يأخذنا على حين غرة في أحضان وضع استفهامي عنيف. إن معظم مساحة تواصلنا تكتسحها التعابير المجازية بشكل لا شعوري. كمثال: أخذت ثقل المسؤولية على ظهري/المسؤولية مفهوم غير محسوس لنسلك الطريق ونؤدي وظيفة المشي فيه وليس العكس،المثل يقول كذا وكذا/المثل ليس بشرا ليقول ويتحدث إلينا،حل الظلام و هبط الليل/الليل لا يصعد ولا يهبط وإنما هي الحركة الفلكية للشمس حول الأرض وغيابها هو الذي يفتح الباب للظلام كي يدخل ويحل محل االضياء النوراني الذي رحل مع غياب الشمس…إلخ كل هذه المعاني المصاغة في قالب بلاغي تجافي المنطق لأن الأشياء المذكورة من خلالها آنفا ليست بشرا أو كائنات حية تفعل كل تلك الأفعال، كما أنها بصدد تبليغ مغالطات في الظاهر إذا كنا نخاطب عبرها أناسا سطحيين سذجا ومهووسون بالوظيفة الوضعية المحسوسة للغة و لا يؤمنون إلا بظاهر الكلمات داخل خطاب يقوم بعملية تبليغ مباشر،فيتقاعسون عن الغوص في جوهر اللغة وعمق معانيها المختبئة خلف السطور لأن ذلك يستفز قدرتهم على التفكير و يثير اشمئزازهم. وفي إطار المحاولات التشبيهية كجزء من التعبير البلاغي سنجد أن هذه الثلة النموذجية تستهزئ من أولئك الذين يسمون اللغة ببصمة الوضوح والشفافية بقولهم :اللغة شفافة كالزجاج،والدماغ في نظر هؤلاء ليس حجرا حتى نقول عنه عقل متحجر أو متصلب كالحجر قاصدين به متعنت إلى حد أقصى ولا تجد فيه منفذا هوائيا صغيرا يدخل منه نسيم الإقناع والاقتناع،والقلب الذي لا يحس أويشعر بمشاعر الآخرين نقول أنه: قلب بارد كالثلج انخفضت درجة روحانيته ليتمتع بقساوة ترديه قتيلا فيموت القلب ليصبح ميتا،وهذا ماتؤكده علوم الحياة أن القلب الذي انخفضت درجة حرارته يتوقف عن النبض مما يعني أنه ميت أصلا بمجرد مغادرة الدفء له فيصبح مجرد كتلة لحم لا دم فيها ولاحركة ولا محل لها من الحياة ولا الشعور بالآخر. وقد نجد صاحب القلب الحديدي الأسود الصارم يشبه أصحاب القلوب البيضاء الرقيقة من حيث طبيعة القلب البيولوجية الفيزيولوجية الحمراء،ولهذا السبب من الصعب مصادرة البلاغة و إدانتها مادام أن تموقعها داخل اللغة مركزيا وخطير التأثيرحتى ولو كان التعبير عقلانيا علمويا قحا بحيث أن نيتشه أكد أن الحقيقة ماهي سوى جيش متحرك من الإستعارات والصور البلاغية لا أقل و لا أكثر والتي تؤنسن المصطلحات وتضفي عليها المظهر الطبيعي وتسقط عليها مجموعة من السلوكات التي تقوم بها المخلوقات الكونية.أما الواقع فإنه تعزيز لغوي يتم بواسطة سقالة البناء والإصلاح التي تضفي رتوشات إصلاحية أو تنميقية على جدار اللغة عبر صبغ الصور البلاغية المهترئة بأحدث صباغة بلاغية ترنو إلى تغطية المهترئ الذي انتهت صلاحية تأثيره بالمخترع الذي يصب في روح الإبداع والتجديد.
يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.