استشري خلال العقدين الآخرين (خاصة بعد بروز الحركة الأمازيغية والحركة من اجل الحكم الذاتي) في الساحة السياسية والإعلامية بالمغرب استخدام مصطلح " المؤامرة " بشكل ملفت للانتباه لدرجة بدا معه أن الوطن يعيش بالفعل تهديدا حقيقيا، وهذا الشيوع قد دفع بالكثيرين إلى التساؤل عن مدى صحة هذا الكلام ؛ أي صحة وجود المؤامرة ، وعن الجهات التي تقف ورائها، وعن أسباب وجودها !؟ لابد من القول أن هذا المصطلح ( المؤامرة ) يعكس في العمق نوعا من الثقافة السائدة لدى النخبة المغربية على مختلف أطيافها ( السياسية والفكرية والمدنية والإعلامية..الخ ) ؛ وهي الثقافة المتميزة بالضعف/التخلف والعجز عن مواجهة التطورات والمستجدات المتلاحقة التي يشهدها المجتمع المغربي على أكثر من صعيد، وعلى رئسها العجز عن مواجهة تطلعات الشباب ( الأجيال الجديدة) وأسئلتهم المرهقة والمستفزة عن الماضي والحاضر والمستقبل. وهي أسئلة مقلقة وشائكة - بلا شك – حيث لا يستطيع الفكر المنغلق على نفسه أن يتعامل معها بهدوء وعقلانية في أفق أجاد الحلول المناسبة لها ، وبالتالي، احتضانها والعناية بها عبر فتح حوار وطني ديمقراطي شامل بشأنها، وهو الأمر الذي قد يودي بصاحبه إلى التطرف واتهام الآخرين بشتى التهم الرخيصة والمبتذلة نتيجة تكرارها المستمر دون مبرر من جهة، وافتقارها لقوة الحجة والإثبات المادي من جهة أخرى. تماما، كما فعل السيد أحمد ويحمان في حواره الأخير مع جريدة " الأسبوع " الذي لم يجد ما يقدمه للقارئ غير التهجم والاستهزاء ببعض المناضلين الأمازيغيين الذين يشهد لهم الخصوم قبل الأصدقاء بالشجاعة الفكرية والمواقف الديمقراطية، كما أنهم معروفين أيضا بالإنتاج الأدبي والفكري القيم والشيق، بالإضافة إلى حضورهم الدائم والمستمر في المعارك النضالية التي تخوضها الحركة الأمازيغية إلى جانب كل الديمقراطيين والحداثيين المغاربة من أجل بناء دولة المساواة والمواطنة التي لا مكان فيها للفكر الاقصائي والطائفي، دولة خالية من التمييز العرقي والديني والجنسي واللغوي والمذهبي..الخ . كما تهجم أيضا على جمهورية الريف عبر اتهامه كل من يتحدث عنها بالتآمر عن الوطن والسعي إلى تقسيمه حسب تعبيره، لكون أن الموضوع؛ أي جمهورية الريف، تقف وراءه إسرائيل يقول المتحدث (السيد ويحمان)، بل أكثر من هذا يقول أيضا أن مسألة إعلان عن " حكومة جمهورية الريف " بالمنفي هي مسألة وقت فقط ليس إلا !!، كما جاء في احد مقالاته ( انظر هسبريس/ يوم 17 أكتوبر 2012 ). هذا علاوة على تضخيم الأنا الفردية والذات النرجسية. وعليه، سوف لا نطالب السيد ويحمان بالأدلة ( المادية) التي تثبت صحة كلامه التي ليست في حوزته أطلاقا ( هذا تحدي وليس مجرد كلام) ، فالأمر بالنسبة لي لا يهم بالأساس ؛ أي أن موضوع الحجج لا يهمني أطلاقا، فالمهم، والأساسي، في الموضوع هو كيف تفكر " نخبتنا " في قضايا التنوع والتعدد التي يزخر بها بلادنا؟ وبالتالي، فالسؤال الذي يطرح نفسه بقوة في هذا السياق هو: هل يستطيع القوميون المغاربة على مختلف مشاربهم وأطيافهم أن يناقشوا قضايا الاختلاف والتنوع الثقافي والعرقي واللغوي والديني في بلادنا بعيدا عن منطق التخوين والمؤامرة ؟ صراحة، شخصيا لا اعتقد ذلك باستثناء قلة قليلة جدا من القوميين عموما، واليساريين على وجه الخصوص، الذين استطاعوا أن يقوموا بإعادة النظر ( النقد الذاتي) في القضايا الثقافية واللغوية والعرقية خلال السنوات الأخيرة. انطلاقا من هذه الاعتبارات، نقول أن هذه المقالة ليست ردا على السيد ويحمان ؛ رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، الذي اعتبر في حواره السالف أن مسالة تنامي الحديث عن جمهورية الريف خلال الآونة الأخيرة تقف وراءه إسرائيل، حيث أن الأمر بالنسبة له (ويحمان) يتعلق ب " مخطط أمريكي وإسرائيلي لتقسيم المغرب إلى دويلات ". طبعا هذا الكلام ليس جديدا، ولا غريبا، عن حياتنا الفكرية والسياسية والإعلامية حيث سمعناه مرات ومرات، وأكيد سنسمعه في المستقبل أيضا، فالأمر أصبح عاديا جدا لدى هؤلاء القوميين الذين لا يبصرون – مع الأسف - إلا بعين واحدة، بل وفي بعض الأحيان يبصرون بنصف العين. فالأمر يعبر في العمق ، كما اشرنا أعلاه، عن الضعف والعجز المتجدر في العقل العربي الإسلامي عموما، وفي العقل المغربي خصوصا ، الذي مازال يعيش الاستلاب والانفصال عن واقع وهموم الشعب المغربي نتيجة تبعيته للشرق العربي. وهو الأمر الذي يفسر عجزه على مسايرة التطورات التي يعرفها العالم في مختلف المجالات والمستويات، فالقوميون المغاربة – إجمالا – مازالوا أسرى للفكر البعثي العروبي العنصري ، وبالتالي، ماذا سننتظر من هؤلاء الانهزاميون غير الكلام السخيف والاختباء وراء الحديث عن المؤامرات والمخططات الخارجية لتقسيم الوطن ؟ فالسيد ويحمان – للأسف - يقدم لنا كلام فضفاض لا معنى ولا مبرر له أطلاقا، لا يقتنع به حتى الطفل الذي لم يلتحق بعد بالمدرسة. وبناءا على ما سبق إبرازه نرى أن الكلام الذي جاء على لسان السيد ويحمان في حواره مع الجريدة السالفة لا يستحق الرد والاهتمام أصلا، لكن رغم ذلك لا باس أن نوضح له بعض الأمور التي يجهلها كما يتضح من حواره السالف الذكر. لهذا فأننا سنحاول أن نوضح له، ولكل من يعتقد باعتقاده الانتهازي والشوفيني أمرين في الموضوع، أولهما: هو إذا كان هناك من الريفيين من يفكر ويسعى إلى أعادة تأسيس جمهورية الريف المجيدة، وهو أمر غير موجود لحد الساعة كما هو واضح للعيان، فكاتب هذه الكلمات يعلن بكل اعتزاز وافتخار عن انضمامه الفوري والكامل لهؤلاء " الانفصاليين " من أجل العمل على أعادة المجد والكرامة للريف والريفيين، فبعد أزيد من أربعة عشر قرنا من الغزو والاحتلال العربي الإسلامي لبلادنا ، حيث جرت " واحدة من أكبر جرائم الإبادات والتطهير الثقافي في التاريخ ضد السكان الأمازيغ الأصلين أصحاب هذه البلاد أطلق عليها أسم " التعريب " الفاشي العنصري البدوي الذي ربط هؤلاء السكان ثقافيا بثقافة البداوة الصحراوية المتخلفة .."( نضال نعيسة - الحوار المتمدن العدد4238 ). وبعد أزيد من ستة عقود من القمع والتهميش الشامل والإقصاء الممنهج ضد الريف وأبناءه، ومن التهجير ونهب خيرات الريف عبر تحويل أموالهم؛ أي أموال الريفيين؛ إلى المثلث المخزني (فاس، الرباط والدار البيضاء)، وبعد عقود من التسول عند الاتحاد الأوربي باسم محاربة الهجرة تارة، والكيف تارة أخرى..الخ، لم يعود لنا (السي بويحمان) ما يكفي من النفس والرغبة في المزيد من انتظار التغيير القادم من الرباط، الذي يأتي وقد لا يأتي ، أكثر مما انتظرناه من قبل، فكل شيء تبخر أمام استمرار المخزن على نهجه القديم، وبالتالي ، فمن حق الريفيين وغيرهم من المغاربة، مبدئيا، أن يفكروا في السبل الممكنة لتطوير حياتهم وبناء مستقبلهم بأيديهم بعيدا عن وصايا وهيمنة الرباط التي لم تكن لها يوم ما أية نفوذ سياسية وأمنية ومؤسساتية على كامل التراب الوطني قبل مرحلة الاستقلال الشكلي سنة 1956، وخاصة قي منطقة الريف وسوس. لهذا، نقول للسيد ويحمان أذا كان هناك بالفعل بعض الريفيين ( افراد) يفكرون الآن في الانفصال فهذا من حقهم. هذا أولا، وثانيا هو أن الأمر لا يتعلق بإسرائيل ولا بأمريكا، وإنما يتعلق – أساسا- بفشل النظام القائم في بلادنا في إدارة شؤون البلد بشكل ديمقراطي وعقلاني، حيث كان من المفروض عليه ( المخزن) أن يعمل على محاربة التخلف( بكل أنواعه) والاستبداد وليس تكريسه كما فعل على امتداد العقود ما بعد الاستقلال الشكلي سنة 1956 ؛ أي أنه عمل على تكريس التمييز العرقي والثقافي واللغوي والجنسي والاقتصادي والديني، والمذهبي ..الخ، الذي نضال ضده الريفيين والمغاربة عموما، بالروح والدم، سواء في مرحلة الاستعمار الأجنبي أو في مرحلة ما بعد الاستقلال الشكلي سنة 1956؛ أي أنه فشل في بناء دولة المواطنة والمساواة والحرية والعدالة الاجتماعية. انطلاقا من هذه الأسباب الموضوعية يمكن فهم لماذا يفكر بعض الريفيين في الحكم الذاتي، وكاتب هذه الكلمات من الأوائل الذين اقترحوا هذا المقترح، وربما في المستقبل سيفكرون في أمور أكثر من هذه؛ أي أكثر من مسألة الحكم الذاتي، وبالتالي ، نحن لا نقدم أية ضمانات في هذا الصدد، فكل شيء ممكن ووارد، خاصة إذا ما بقى الوضع كما هو عليه الآن. علاوة على هذا ندعوا السيد ويحمان وغيره من دعاة توزيع التهم والتشكيك في كل ما لا يوافق قناعاتهم وتوجهاتهم القومية أن يفكروا بهدوء في الأسئلة التالية : لماذا يريد مثلا بعض الريفيين " الانفصال " ؟ هل الأمر يتعلق فقط بالمخطط المزعوم ( مخطط أمريكي وإسرائيلي) أم أن الأمر يتعلق – أساسا - بأسباب موضوعية ؟ فالفرق بين الأمرين في غاية الأهمية، أو بصيغة أخرى ما هي الأسباب والدوافع الحقيقية التي أدت بهؤلاء " الانفصاليين " أن يفكروا في " الانفصال " عن المخزن المركزي؟ وما هي مسؤولية المخزن في تغذية هذا الفكرة ؟ وهل مشروع الحكم الذاتي المقترح تطبيقه في الصحراء هو أيضا مخطط إسرائيلي؟ هل لما كانت بعض فصائل اليسار المغربي تنادي بالجمهورية وتناضل من اجل ذلك كان هذا أيضا ضمن المخطط الإسرائيلي( يبدو أن إسرائيل لا شغل لها غير تقسيم المغرب !!) ؟ ولماذا لم يتم إصدار أي بيان ضد الملك واتهامه بالتطبيع على خلفية تكريمه للصهيوني مالكولم هوملين خلال شهر يوليوز المنصرم ؟ وإذا كنت، السي بويحمان، تعتبر اليهود الذين استقبلهم أحمد عصيد خلال الأيام القليلة الماضية مستوطنين للأراضي الفلسطينية فكيف تنظر إلى التواجد العربي في شمال أفريقيا ؟ أليسوا مستوطنين ومستعمرين مثلهم مثل الصهاينة حينما جاءوا للوهلة الأولى قبل 14 قرنا؟ الم ينتزع المستوطنين العرب آنذاك( بني هلال وبني سليم..) الأراضي والبيوت من أهلها الأصليين (الأمازيغ) كما فعلت إسرائيل بالفلسطينيين أم أن ثقافتك التاريخية ضعيفة إلى هذا الحد، وربما العمى الإيديولوجي هو من فعل بك هذا السي بويحمان؟ وثانيهما ( الأمر الثاني): هو إذا كان مجرد التفكير في الجمهورية الريفية يعتبر " انفصالا " حسب السيد بويحمان، فإنني " انفصالي " وجمهوري وافتخر بذلك كما اشرنا أعلاه. فالجمهورية الريفية، السي بويحمان، لا تعنى بالنسبة لي، ولعدد هائل من الريفيين وأحرار الوطن، الانفصال والاستبداد، وإنما تعنى الكرامة والحرية والعزة، وبالتالي، كانت تعنى الخلاص والانعتاق ليس فقط من الاستعمار الأجنبي وإنما أيضا الخلاص من الاستبداد الداخلي، ومن كل أشكال التبعية الفكرية والسياسية والدينية للغرب والشرق معا، ومن هناك يكمن فهم تحالف المخزن والقوى الاستعمارية ضد جمهورية الريف بعد 5 سنوات من تأسيها، وذلك لكونها؛ أي جمهورية الريف، كانت ذات مشروع ديمقراطي وحداثي تسعى إلى النهوض بالوطن والمغاربة جمعيا وليس الريفيين فقط، وبالتالي، السي بويحمان لو فكرت جيدا ستجد أنه من المستحيل أن تقف إسرائيل وراء مشروع ديمقراطي وحداثي مثل المشروع الذي كان لدى الريفيين في بداية القرن العشرين( مشروع جمهورية الريف)؛ وهو مشروع إنساني ديمقراطي يناهض الاحتلال والهيمنة، وبالتالي، فأنه - ضمنيا - يناهض إسرائيل ومصالحها، ولا داعي للعودة إلى التاريخ لمعرفة الموقف الإنساني والتاريخي لقائد وزعيم دولة الريف، وموقف الريفيين على مختلف انتماءاتهم الفكرية والإيديولوجية، من اغتصاب فلسطين واحتلالها من طرف الحركة الصهيونية. فالزعيم الخطابي؛ الرئيس المنفي، والشعب الريفي دائما في الموعد مع التاريخ حينما يتعلق الأمر بالقضايا الإنسانية ومناهضة الاستعمار، انظر إلى التاريخ المغربي المعاصر لتعرف جيدا من أعلن المقاومة ومناهضة الاستعمار مباشرة بعد توقيع معاهدة الحماية سنة 1912 ، ومن أعلن الحرب والمقاومة المسلحة في منتصف الخمسينيات القرن الماضي( جيش التحرير) ، ومن أعلن الثورة والعصيان المدني ضد المخزن وأزلامه في نهاية الخمسينيات القرن الماضي ( 58/59 )، بل أكثر من ذلك انظر جيدا من أطلق أول طلقة ضد الاحتلال الفرنسي في الجزائر مع بداية الخمسينيات القرن الماضي؛ أي انظر من أشعل الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي ،..الخ. ومن هنا، السي بويحمان، فإن الريفيين والريفيات ليسوا في الحاجة إلى دروسك( بويحمان) ، ولا دروس أمثالك من المتملقين والمتسولين عند المشارقة باسم مناهضة التطبيع والقومية العربية تارة، وتارة أخرى باسم القومية الإسلامية بعد انتهاء الناصرية في مصر وليبيا، والبعثية في العراق وسوريا، قلنا، لا نحتاج إلى دروسكم في الوطنية، وتأكد أيضا أنه عندما يقتنع الريفيين ب " الانفصال " كحل لواقعهم سيعلون ذلك بكل مسؤولية وشجاعة. وفي الأخير ندعو السيد أحمد ويحمان أن يتعلم قبل أن يتكلم، حيث يبدو انه مازال لم يتخلص من لغة البيانات التي تقرأ من الأسفل إلى الأعلى حسب جريدة النهار المغربية ( انظر العدد 2883). وكفى من الاسترزاق والتسول بالقضايا العادلة للشعوب، ومن المهم جدا قبل أن تتحدث عن المناضلين الأمازيغيين والجمهورية الريفية والتطبيع أن تجب أولا عن السؤال التالي: لماذا تم طردك من وزارة الداخلية ؟ وثانيا عليك أن تحسم مع نفسك قبل أن تتحدث عن الجمهورية الريفية والتطبيع وتسب المناضلين الشرفاء السي بويحمان، أن تكن أمازيغيا ومسلما في نفس الوقت مسألة مفهمة وعادية جدا، أو أن تكن عربيا ومسلما في نفس الوقت فهي مسألة مفهمة أيضا، لكن أن تكن أمازيغيا وعربيا في نفس الوقت فالأمر غير مفهم نهائيا ولا معنى له أصلا، فهل أنت أمازيغي أم عربي ؟ حدد بوضوح من أنت أولا قبل أن تتحدث عن الآخرين ؟ كيف يمكن لك مثلا أن تكن أمازيغي الهوية وتتحدث عن ما يسمى بالوطن العربي بصيغة " وطننا العربي " كما جاء في احد حواراتك ؟ ما هذا العبث السي بويحمان؟ باختصار، السي بويحمان كفى من الاسترزاق والتسول باسم مناهضة التطبيع والحديث باسم الأمازيغ وأنت تعرف نفسك جيدا من تكن. يا سيدي الفاضل ماذا قدمت للأمازيغ والأمازيغية غير كونك كنت عازف على " كمنجة" ؟ وكفى من نشر البلبلة والكلام الفارع . ملحوظة: الجزء الأول من عنوان المقال " احمد ويحمان " شيخ كمنجة " مقتبس من جريدة النهار المغربية العدد 2883 .