محمود بلحاج/ فاعل أمازيغي للتواصل: [email protected] بداية يجب الإشارة إلى أن معظم الكتابات المناهضة للقضية الأمازيغية تتسم بالافتراء والتحايل على حقيقية الصراع الدائر بين الحركة الأمازيغية ومختلف القوى السياسية والمدنية الرافضة للحق الأمازيغي في الوجود بهويته التاريخية. كما أنه من المفيد أن نذكر هنا بأن معاينة الصراع القائم بين الحركة الأمازيغية والأطراف المناهضة لها يقودنا إلى التسليم بأنه صراع بين الديمقراطية والحداثة والحرية من جهة وبين الرجعية والاستبداد والانغلاق من جهة أخرى. وما هو أكيد لدى كل متتبع لكتابات هذه الفئة من النخبة المغربية، التي تدعى معالجتها لتعدد والتنوع الثقافي واللغوي الراسخ في بلادنا مند قرون عديدة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنها تدعى أيضا معالجتها للقضية الأمازيغية على وجه الخصوص، وذلك باعتبارها قضية وطنية ، أنها ( = الكتابات المناهضة للأمازيغية) كثيرا ما تتشابه ، سواء من حيث منطلقاتها الفكرية أو من حيث مضمونها وأهدافها المتوخاة من نشرها. إجمالا، وبعد متابعتنا المستمرة لمجمل هذه الكتابات، يمكن لنا القول، ودون تردد، بأنها كتابات تسعى إلى عكس ما تدعيه من العلمية والموضوعية في معالجتها للقضية الأمازيغية عموما، ولمواقف وتصورات الحركة الأمازيغية خصوصا. تماما، كما يردد ضيف هذه المقالة الأستاذ فؤاد بوعلي في مجمل مقالاته حول الأمازيغية. وللتذكير فقط، فالسيد بوعلي يطلع علينا، ومند مدة، بمقالات نارية حول اللغة الأمازيغية، فبعد خيبة أمله في عدم دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية في الدستور الأخير، كما يتضح ذلك جيدا في كتاباته المتتالية حول الأمازيغية بعد التنصيص الدستوري على اللغة الأمازيغية كلغة رسمية، ها هو يحاول الآن العودة إلى الموضوع من خلال إثارته لمسألة الحرف ، حيث يقول في مقال له تحت عنوان ” من أجل نقاش راشد حول الأمازيغية” ما يلي (( كما أن الجميع ينبغي أن يتدخل في شكل كتابة هذه اللغة وموقعها في مساره التنموي، فليس الأمر قاصرا على نخبة محددة تدبر أمر الأمة ..)) . فبصرف النظر عن عنوان المقال الذي ليس بريئا بالمرة، حيث أنه يحتوي على حكم قيمة وذاتي خطير للغاية، فالسيد بوعلي يريد أن يقول لنا من خلال اختياره لعنوان المقال المشار إليه سابقا، بأن تجربة أزيد من أربعين سنة من التضحيات والنضال الأمازيغي لم تكن راشدة، وبالتالي علينا البدء من جديد في مناقشة قضايا القضية الأمازيغية!!. قلنا بعض النظر عن عنوان المقال، فإننا لا ندري أين كان السيد بوعلي مختبئ طيلة العقود المنصرمة من الحراك السياسي والاجتماعي والثقافي الذي عرفته بلادنا، العقود التي كانت فيه الحركة الأمازيغية تخوض صراعا شرسا حول مسألة حرف كتابة اللغة الأمازيغية، وخاصة بعد توقيع ميثاق أكادير 1991 ؟. وإذا كان صاحب المقال يعترف الآن بأن الأمازيغية هي لغة قائمة بذاتها وليست لهجة كما كان يقول قبل دسترتها في الدستور المعدل، فلماذا كان يعارض من قبل، وبشراسة، دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية في الدستور المعدل، وبالتالي هل كانت معارضته تلك معارضة سياسية أم علمية؟. زيادة على هذا فإن كلام السيد بوعلي بخصوص اختيار حرف كتابة الأمازيغية غير صحيح نهائيا، فالجميع يعرف أن اختيار حرف كتابة الأمازيغية لم تختاره نخبة معينة أو فئة محددة كما يقول ضيفنا ، فهذا تضليل وكذب، بقدر ما أن اختيار حرف كتابة الأمازيغية هو اختيار ديمقراطي أولا، وهو اختيار الأمة عبر ممثليها في البرلمان ثانيا. فبعد سلسة من النقاشات المراطونية داخل مؤسسة ما يسمي بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية حول اختيار الحرف المناسب لكتابة الأمازيغية تم اختيار، وبشكل ديمقراطي( عن طريق الانتخابات)، حرف تيفيناغ وتقديمه للملك للمصادقة عليه، حيث استدعي هو بدوره ( = الملك) جميع الأحزاب السياسية التي صادقة عليه بالإجماع وبدون تحفظ، ماعدا حزب الاستقلال وحزب العدالة والتنمية.( انظر في هذه الصدد كتاب مصطفى عنترة ” الأمازيغية وأسئلة المغرب الراهن “). ليس هذه فقط، فعلاوة على ما اشرنا إليه سابقا، يدعو السيد بوعلي، وبشكل ساذج جدا هذه المرة، الحركة الأمازيغية إلى إجراء حوار ونقاش علمي وموضوعي حول قضايا الحرف والتعليم وموقع الأمازيغية في قائمة اللغات الوطنية ..!!( انظر المقال المذكور أعلاه). هكذا، وبكل استعلاء وعجرفة يلغي السيد بوعلي جميع النقاشات والحوارات التي كانت حول اللغة الأمازيغية، حيث يعتبرها غير علمية ولا موضوعية كما قد يفهم من كلامه المذكور سابقا. فبعد أزيد من أربعة عقود من النقاشات العلمية والسياسية حول اللغة الأمازيغية، وحول مسألة الحرف تحديدا، وبعد عقد من الزمن تقريبا من تدريس اللغة الأمازيغية في المدارس الابتدائية والجامعات، وبعد أن أصبح موضوع الحرف من القضايا المتجاوزة والمحسومة فيها، يطالبنا الآن بفتح حوار علمي وموضوعي حول مسألة الحرف، أليست هذه قيمة الحماقة الفكرية والسذاجة السياسية. زيادة على هذا لماذا لا نفتح حوار ونقاش علمي وموضوعي حول إعادة كتابة حرف اللغة العربية، بل وأكثر من ذلك هل يعقل أن تكتب العربية بغير حرفها؟. على أية حال تحاول الكتابات المعادية للأمازيغية، وبكل الوسائل المتاحة لديها، إلى تشويه الخطاب الأمازيغي الديمقراطي الحداثي وليس إلى فتح حوار علمي وموضوعي حول موضوع الأمازيغية، باعتبارها قضية وطنية، كما يردد ضيف هذه المقالة فؤاد بوعلي في مجمل مقالاته حول الأمازيغية. لاحظنا، من خلال هذه المتابعة أن كتابات فؤاد بوعلي تفتقر أولا إلى متابعة الشأن الأمازيغي. وتفتقر ثانيا إلى الموضوعية التي يدعيها الكاتب، وبالتالي فإنها كتابات سياسية وتحريضية بامتياز. طبعا، تمكن غاية هذه الكتابات، ومنها كتابات فؤاد بوعلي، في نشر الإشاعات والاخبار الزائفة حول الحركة الأمازيغية ومناضليها، حيث تسعى إلى تقليص الامتداد الجماهيري للحركة الأمازيغية، التي تسعى إلى جانب القوى الديمقراطية في بلادنا إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية علمانية تتسع لجميع الديانات والثقافات واللغات والأجناس، بعيدا عن ثنائية ” العروبة والإسلام” السائدة حاليا في برامج وسياسة الدولة. فهكذا، ومن خلال إلقاء نظرة خاطفة على الكتابات المناهضة للحركة الأمازيغية، التي تتميز بالإضافة إلى ما سبق ذكره سابقا، بالإبهام والالتباس في أطروحاتها ومواقفها تجاه مختلف القضايا الوطنية، وتجاه مسألة الهوية الوطنية والتعدد اللغوي في بلادنا خصوصا، حيث يميزها الكيل بالمكيالين تجاه هذه القضايا. ولكي تكون الصورة أكثر وضوحا سنقدم هنا حالة من الحالات التي تكيل فيها هذه الكتابات بالمكيالين، فالسيد بوعلي يقول على سبيل المثال في احد مقالاته ما يلي: ” ليست هناك هوية أمازيغية واحدة ونمطية تسري على جميع أبناء المغرب بل هي هويات تنضاف إلى عناصر تركيبية أخرى مثل الأندلسية والمتوسطية والإفريقية واليهودية وكلها تشكل الذات المغربية الحاضرة فينا ..”. طيب، إذا كانت الأمور على هذا النحو، فلماذا تم اختزال اللغة والهوية المغربية في اللغة والهوية العربيتين فقط؟ ولماذا لم يتم الاعتراف بهذه المكونات المتعددة للذات المغربية في الدساتير المغربية السابقة (دستور 62- 72-80-92-96 )؟ وإذا كانت الذات المغربية تحتوى على التنوع والتعدد فلماذا يتم منع تسجيل الأسماء الأمازيغية وتغيير أسماء الأماكن ؟ ألا تندرج هذه الإعمال ضمن الأعمال العنصرية التي ينفيها الأستاذ بوعلي جملة وتفصيلا؟. يتضح جليا من خلال تحليل ومراقبة كتابات السيد بوعلي ترديده لأسطوانة ” الطائفة والمؤامرة ” على وحدة الوطن، وفي حالات أخرى يردد اسطوانة “مناهضة” اللغة العربية والإسلام، حيث يقول في مقاله المذكر سابقا بأن ” الخوف من العربية خوف من الإسلام”. هكذا، دون حجة أو دليل مادي يثبت ما يدعيه من الكلام والأقوال في حق الحركة الأمازيغية ومناضليها. وبالرغم أن السيد بوعلي يدعوا مرارا وتكرار إلى ترك المجال للعلماء والأكاديميين لمناقشة قضايا القضية الأمازيغية، وخاصة مسألة اللغة الأمازيغية، وبالتالي مناقشة الأمور بعيدا عن السياسية، كما يقول باستمرار، إلى أنه كما يبدو لي شخصيا أن الأستاذ بوعلي هو أيضا مازال لم يتجاوز (وهو أستاذ اللسانيات في الجامعة)، وربما لا يستطيع ذلك، مناقشة اللغة العربية خارج سياق الدين/ الإسلام. ومن الأمور أكثر غرابة في مقالات الأستاذ بوعلي، إلى درجة أن المرء يشكك أحيانا بأنه حاصل على شهادة الدكتورة، وبأنه أيضا أستاذ اللسانيات في الجامعة، هو دمجه وخلطه بين اللغة العربية والتعريب!!، فمن المعروف لدى جميع المتتبعين والمهتمين بشأن الأمازيغي أن الحركة الأمازيغية تناهض سياسية التعريب لكونها تستهدف في العمق اللغة الأمازيغية، بل وكل ما هو أمازيغي، انطلاقا من الجغرافيا والإنسان والأسماء والتاريخ وغيرها من القضايا الأمازيغية. وليس لكون أن اللغة العربية هي اللغة السائدة رسميا وعمليا في مرافق الدولة ( التعليم والإدارة والإعلام ..) مند 1962 . والأمر الثاني هو أن الحركة الأمازيغية في المغرب والخارج لا تعادي اللغة العربية أو الإسلام بقدر ما تعادي القومية العربية والاستبداد السياسي والديني في بلادنا. 2 فمن المعروف أن الحركة الأمازيغية تسعى مند ظهورها في أواخر الستينيات القرن الماضي، وخاصة بعد ميثاق أكادير سنة 1991 ، إلى ترسيم ودسترة اللغة الأمازيغية إلى جانب اللغة العربية فقط، ولا تسعى أبدا إلى إزالتها أو إقصاءها نهائيا من الدستور أو من الحياة العامة لبلادنا. ووثائق الحركة الأمازيغية بمختلف انتماءاتها واهتماماتها ومشاربها، سواء الفردية منها أو الجماعية، تنفى هذه التهم طولا وعرضا، ومن لم يقتنع بهذا الكلام ويصدقه عليه بمراجعة أدبيات الحركة الأمازيغية ومنها: المواثيق الأمازيغية (ميثاق 1981 وميثاق1991 مثلا ) والبيانات التي تصدرها الحركة الأمازيغية ( بيان محمد شفيق مثلا)، وكذلك الرسائل والمذكرات التي بعثتها الجمعيات الأمازيغية لمختلف الهيئات السياسية والمدنية في بلادنا( انظر حول هذا الشأن كتاب ” 40 سنة من النضال الأمازيغي ” ) وجميع المطبوعات التي تصدرها الحركة الأمازيغية . ويمكن كذلك مراجعة كتابات المفكرين والفاعلين الأمازيغيين ومنها على سبيل المثال فقط : كتابات الأستاذ أحمد عصيد، الصافي مومن علي، أحمد بوكوس، محمد شفيق، مصطفى عنترة، رشيد الحاحي، علي أزيكو وغيرهم كثيرون. أما مسألة الاستقواء بالخارج والخيانة والصهيونية وغيرها من التهم المجانية في حق الحركة الأمازيغية التي لا أساس لها من الصحة، فالتاريخ يشهد بالعكس تماما، فالحركة الأمازيغية لم تطالب فرنسا ( أو غيرها) بالحماية ولم تسعى إلى تأسيس جمهورية أمازيغية، بل وأكثر من ذلك التاريخ يشهد بأن جميع المؤامرات والخيانات التي عرفتها بلادنا لم تكن من فعل الأمازيغ، فعندما كان الأمازيغ يقاومون الاستعمار في جبال الريف والأطلس وفي كل مناطق الوطن، كان ما يسمي بالحركة الوطنية آنذاك تتفاوض مع المحتل الفرنسي. 3 تعتمد الكتابات المناهضة للحركة الأمازيغية على قاعدة تقول من ليس معي فهو ضدي، حيث أن كل من يخالفها في الرأي والتوجه (المرجعية) يوصف ويعتبر في نظرها ” ملحد/ كافر” أو “خائن /عميل” للخارج. فلا ندري كيف تصدر هذه الكتابات الأحكام في حق مخالفيها في الرأي والتوجه، علما أن الأحكام يصدرها القاضي وليس الكتاب والصحفيين!!. فكل من ينتقد اللغة العربية التي هي لغة حسناء “وشريفة ” حسب زعيم جماعة العدل والإحسان، باعتبارها ظاهرة بشرية اجتماعية وتاريخية، يعتبر في كتابات هؤلاء الأشخاص ” مناهضا ” للإسلام. تماما، كما هو الشأن بالنسبة للأستاذ فؤاد بوعلي. فبغض النظر عن صحة هذا الوصف والتقييم الذي يقدمه بوعلي لمنتقدين للغة العربية أو المناهضين لها حسب تعبيره، فانتقاد لغة ما ليس بالضرورة ناتج عن الخوف، خصوصا إذا كانت هذه اللغة هي العربية التي تعتبر لغة رسمية في 22 دولة “عربية” إضافة إلى إسرائيل. قلنا بغض النظر عن هذا فإن إقحام الدين (= الإسلام) في موضوع اللغة العربية هو إقحام إيديولوجي وليس ديني، أو بمعنى آخر ربط انتقاد اللغة العربية بالإسلام هو موقف إيديولوجي/ سياسي وليس ديني، وبالتالي فهو موقف غير علمي ولا موضوعي إطلاقا. ولنا نماذج كثيرة جدا من العالم الإسلامي، فتركيا وإيران على سبيل المثال فقط دولتين إسلاميتين لكن اللغة العربية ليست لغة التداول في هذه الدول كما أنها ليست لغة رسمية في هاتين الدولتين، فأين المشكلة؟. علاوة على هذا، تتميز هذه الكتابات؛ وخاصة الإسلامية منها، بغياب الأدلة والحجج التي تؤكد وتعزز ما تروجه من التهم والإشاعات المغرضة في حق الحركة الأمازيغية. فعندما يقال لنا مثلا بأن الأمازيغ “ضد ” اللغة العربية وبالتالي فإننا ” ضد” الإسلام، فالأمر يستوجب ذكر المصادر والمراجع التي تؤكد هذه التهمة الخطيرة. وعندما يطالبنا الآخر (ومنهم بوعلي) بحوار ونقاش علمي وموضوعي حول موضوع الأمازيغية فهذا الأمر يستوجب أن يكن صاحب هذا النداء إنسان موضوعي في مناقشاته وحواراته. إستعمل حساب الفايسبوك للتعليق على الموضوع