تتبعت كباقي المهتمين الردود الدولية تجاه ما يحدث في مصر من أحداث دموية يصعب تقبلها أو هضمها إلا أن كان لديك قلب من حديد. سبق لي أن عبرت عن مواقفي في مقال سابق نشر (...) في العديد من المواقع الالكترونية. و قلت، بان ما خدث يوم 30 يونيو في مصر فرغم كل التبريرات يبقى انقلابا عسكريا، و خاصة إن تناولنا الموضوع من الزاوية الحقوقية الصرفة. و نبهت في حينه بأنه قد يكون الخاسر الأكبر من تدخل العسكر هو الشعب المصري و ثورته المجيدة رغم اختلافي العميق مع المشروع الاخوانجي الهادف إلى اسلمة الدولة و فرض الرأي الواحد الأوحد و القضاء على كل معارضيهم و هذا ما كشفت علية على الأقل تجارب الثورة الإيرانية و الأفغانية و الصومالية و السعودية و السودانية.... و دعوت في حينه إلى ضرورة الحذر من التطرف الديني و العسكري معا. و أن لا بد للبحث هن خيار ثالث يجنب مصر و كل المنطقة من الدمار و الفتنة و الاقتتال الدموي. إن ما وقع أمس من مجازر (مئات القتلى) و ما صاحبها من ردود فعل دولية جعلنا نتفاعل مع التطورات و نحاول جاهدين أن نفهم إلى أين تتجه مصر اليوم؟ مصر ودروس الغرب إن القتل و الدمار ترفضه كل القوانين الوضعية منها و السماوية. و أن كل مستنكر لها من دافع إنساني و حقوقي قد يبدو ذلك مفهوما من حيث المبدأ. لكن أن تتدخل بعض الدول المعروفة تاريخيا بقتلها و دمارها للشعوب أو التواطؤ ضد إرادتها في التحرر و الانعتاق فهذا أمر مرفوض بل ذلك سيدفعنا إلى مراجعة أوراقنا و إن تطلب منا ذلك الاصطفاف إلى جانب العسكر. أمريكا عدوة الشعوب ألغت الولاياتالمتحدةالأمريكية مناوراتها العسكرية المبرمجة سابقا مع الجيش المصري و أدانت قتل العسكر للمتظاهرين و دعت إلى رفع حالة الطوارئ فورا... الخ. جميل لو أن هذا المواقف صدر من دولة من غير أمريكا. لكن أن تصدر هذه المواقف من دولة ضالعة تاريخيا في الإرهاب و القتل و الدمار فيجعنا نصطف إلى الموقف الآخر المضاد للامبريالية الأمريكية و مصالحها، بالرغم من ادعائها أنها حريصة على دعم الديمقراطيات و احترام حقوق الإنسان؟؟؟؟. لقد سبق لأمريكا أن قادت الانقلاب ضد الحكومة الاشتراكية المنتخبة في الشيلي تحت قيادة الاشتراكي سالفادور اليندي سنة 1973، كما ساندت الكيان الصهيوني و كل المجازر المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني، و دمرت العراق و أفغانستان و الصومال ، و قصفت ليبيا و السودان و باناما و السودان ....و قتلت ملايين من الأبرياء وجوعت ملايين من البشر من جراء هيمنتها على العالم و دعمها المفرط و المباشر للدكتاتوريات و قضت على آمال العديد من الشعوب في التنمية و الحرية و الانعتاق. إذن فالموفق الأمريكي هذا من أحداث مصر يجعلنا نفهم أن فقط الإخوان المسلمين هم وحدهم القادرين حاليا خدمة الأجندة الأمريكية و ضمان استقرار مصالحا و استمرار هيمنتها و على باقي دول العالم و ضمان امن ربيبتها إسرائيل. فرنسا على هذه الدولة الاستعمارية أن تتذكر أنها قتلت مليون شهيد بالجزائر وحدها و آلاف من المغاربة و التونسيين و الأفارقة، كان آخرها القصف الجوي و البري لشعب ازواد في مالي. هذه الدولة هي التي قضت على آمال المغاربة و صفت المقومات الشعبية في الأطلس الريف و الجنوب المغربي . هي التي قضت على الثورة الخطابية بالمغرب و ساهمت في قصف الريف بالأسلحة الكيماوية بعد أن تغلب الريفيون بقيادة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي على الأسبان و طردهم حتى حدود مليلية المحتلة. إن التجاء فرنسا إلى الأممالمتحدة و بكائها على الضحايا المصريين ما هو إلى بكاء ودموع للتماسيح. تركيا إن الموقف التركي "القوي" مبني على التعاطف الإيديولوجي لرئيس وزرائها "طيب اوردوغان" مع الإخوان المسلمين، أكثر منه من موقف مبدئي يراعي مصلحة شعوب المنطقة و مستقبلها السياسي المبني على التضامن و التآزر و التعاون. لو كانت تركيا تريد الخير لشعب مصر لاشتغلت مع إخوان مصر و الجيش المصري للخروج من النفق المسدود بدل اللجوء إلى لغة التصعيد و قطع العلاقات و دعوة الأممالمتحدة إلى الانعقاد. أضف إلى ذلك فان تركيا سبق لها أن فضت مؤخرا عدة اعتصامات مماثلة بالقوة في تركيا كاعتصامات ساحة "تيسير" بأنقرة مثلا. تركيا إذن تحلل لنفسها ما تحرمه على الآخرين و عليه فلا اعتقد أن من حق تركيا إعطاء الدروس للآخرين. قد يقول قائل بان تدخل الشرطة في تركيا لم تخلف ضحايا كثيرين . فالجواب واضع تخيلوا لو رد المعتصمين بالسلاح الحي على قوات الأمن كما حدث في ساعة رابعة العلوية، فماذا ستفعل آنذاك الشرطة التركية؟ قطر إن دولة قطر ضالعة في دعم الإرهاب و الإخوان المسلمين إعلاميا و ماليا و حتى عسكريا كما هو الحال في سوريا و ليبيا ..... إننا هنا مع دويلة غير محايدة تماما من الصراع الدائر في مصر و عليه فموقفها مرفوض مادام يساند طرف ضد طرف آخر، و لا تبحث على حل متوازن بين أطراف النزاع الدائر حول السلطة بمصر. خاتمة أينما حضرت أمريكا حضر الخراب، و على المصريين أن يحذروا من دور أمريكا المدمر. كما أن السلطات المصرية الجدية مطالبة بمزيد من الحزم تجاه تدخل أمريكا في الشؤون الداخلية لمصر. و عليها -أي السلطات المصرية- أن تخرج عن صمتها و أن ترد بقوة على كل متدخل في شؤونها الداخلية و أن تكشف علي مشروعها لنعرف إلى أي حد انه يلبي فعلا أهداف الثورة المصرية الداعية إلى التحرر من الهيمنة الأمريكية؟. اعتقد أن في حالة دخول السلطات الجديدة في صدام مع الولاياتالمتحدة و ربيبتها إسرائيل سيجعلها محط تعاطف شعوب المنطقة كلها و كل القوى المعادية فعليا للامبريالية الأمريكية و الصهيونية العالمية و الرجعية العربية و الاسلاموية. و في انتظار ما ستكشفه عنه الأيام القليلة القادمة نتمنى لشعب مصب أن يجتاز هذه المرحلة العصيبة بأقل الخسائر، و المرور إلى بر الآمان رغم كل الصعوبات و المخاطر. أما آخر الكلام فهو مزيد من الحذر و الابتعاد عن المواقف الجاهزة......