بعد عقود من القهر و الاستبداد و قمع الحريات و الحركات المناضلة، تحركت شعوب المنطقة في السنتين الأخيرتين بشكل قوي وجارف لتطيح و تخلخل اعتد أنظمة المنطقة استبدادا و استحواذا و افتراسا و خرقا لحقوق الإنسان. لقد اعتقد البعض بان معركة التغيير قد انتهت بسقوط بنعلي و مبارك و ألقذافي و وصول العدالة و التنمية للحكم في المغرب، لكن مع مرور اقل من السنتين تبين بان المعركة ما هي إلا في بدايتها و أن الشعوب لازالت تنتظرها تضحيات جسام قد لا تقل عن التضحيات التي قدمتها عموم أوروبا وباقي شعوب العالم كضريبة للتحرر و الانعتاق ( الثورة الفرنسية، الحربين العالميتين الأولى و الثانية الثورة السوفيتية و الصينية ….الخ). فإذا نضرنا إلى ثورات باقي الشعوب و لو بإيجاز فبإمكاننا أن نستخلص دروسا غاية في الأهمية تدعونا إلى قراءة تعثراتنا و ثغراتنا و انتكاساتها بل حتى انجازاتنا بالرغم من كل نواقصها. لا ثورة بلا نظرية و لا مستقبل للثورة بلا منظرين و مفكرين و استراتيجيين مخلصين لها إذا تمعنا في كل الثورات التي شهدها العالم و التي طال عمرها برجوازية كانت أم اشتراكية، نجد أنها كان خلفها منظرون كبار في العلوم و الفلسفة و الاقتصاد و السياسية، لكن للأسف هذا المعطى غاب كليا في ثورات المغرب الكبير و الشرق الأوسط،، مما ترك الأبواب مفتوحة أمام المتسيبين و الذين يريدون ركوب الموجة فقط من شعوبيين و ظلاميين و عسكريين. لقد صاحب الثورة الفرنسية مثلا مفكرين عظام كميشال فوكو و سارتر و التوسير و فيكتور هيغو و غيرهم، كما كان وراء الثورة الاشتراكية قي روسيا لسنة 1917 منظرون كبار ككارل ماركس و فيورباخ و أنجلس و روزا ليكسامبوغ و بعدهم لينين و ماوتسي تونغ وهوشي منه…الخ. لقد أحدثت الثورة الفرنسية و الانجليزية ثورة فكرية لم نرى مثلها بعد، أسفرت عن ثورة تكنولوجية واقتصادية و إصلاح زراعي و صناعي مثير كان لها انعكاسات ايجابية على نمط الإنتاج و حياة الناس كما تمكنت من إحداث قطيعة مع العهد الفيودالي لتنتصر ثورة برجوازية لازالت بنياتها راسخة إلى اليوم في اعتد الأنظمة الرأسمالية. أما بالنسبة للتجربة الاشتراكية "السوفيتية"، فان حسم السلطة فيها لم يكن بالهين مما فرض على الثائرين آنذاك فرض ما سموه بديكتاتورية البروليتارية و التي أحدثت ثورة حقيقية على نمط الإنتاج السائد و توزيع الثروة و الأراضي و تدبير شؤون المعامل و المصانع و المزارع عن طريق إحداث أساليب جديدة في التدبير و إشراك العمال و الفلاحين بما سمي آنذاك بالكولخوزات و السوفخوزات و مجالس العمال و الفلاحين. لقد أسفرت الثورة السوفياتية على انجازات عظيمة أبرزها إخراج المجتمع من نمط إنتاج فيودالي إقطاعي متخلف إلى نمط اشتراكي حداتي عصري و تكنولوجي صمد في وجه اعتى الامبرياليات لمدة تقارب قرن من الزمن رغم كل النواقص و الأخطاء القاتلة و الحروب الباردة منها و الساخنة أيضا لا يسمح هذا المقال الوقوف عندها. كما أن ثورة ماو تسي تونغ الصينية لا تقل أهمية من نظيرتها السوفيتية و التي لا زالت متواصلة و صامدة رغم الآراء المختلفة حولها و حول مستقبلها، لكن نموها الاقتصادي و توسعه و منافسته القوية لاقتصاد الغرب الذي يعيش اليوم أزمة اقتصادية و مالية خانقة تهدد مستقبله بل تهدد نهاية كل الأنظمة المبنية على ديكتاتورية الابناك و المؤسسات المالية العالمية في الغرب. بالرغم من اختلاف اشتراكيي اليوم حول طبيعة النمط الاقتصادي للصين، إلا انه لا يجادل اثنان عن نجاحات الصينيين في كل الميادين و خاصة الاقتصادية و التكنولوجية و المعلوماتية منها، مما يجعل بعض الخبراء يتنبئون بمستقبل زاهر لصين بإمكانها قيادة العالم مستقبلا و خاصة أن استمر انهيارات اقتصاد الدول الأوروبية /الغربية الواحدة تلو الأخرى " اليونان، ايطاليا اسبانيا، البرتغال فرنسا…. فشل نضريه "نهاية التاريخ و الإنسان الأخير" لفرانسيس فوكوياما مباشرة بعد انهيار المعسكر الاشتراكي ننبأ المفكر الأمريكي "فرانسيس فوكوياما.." بنهاية التاريخ، كما أراد أن يوحى لنا ب "أيديولوجية" جديدة، لا تحيي عصر الأيديولوجيات "المنقرضة" على حد تعبيره، و رشح نظريته /كتابه هذا لكي يملا الفراغ الناتج عن "زوال الأيديولوجيات". يقول فوكوياما في كتابه " نهاية التاريخ…." في الفصل 12، صفحة 147 مثلا، بأنه "لابد من الانتقال من تفحص التاريخ إلى تفحص الطبيعة، إذا أردنا أن نعالج بعمق مسالة نهاية التاريخ فنحن لا نستطيع أن نعالج منظومات الديمقراطية الليبرالية على أمد طويل…..إذا ما اكتفينا بالشهادات التجريبية التي يقدمها لنا العالم المعاصر. بل علينا على العكس أن نعالج مباشرة و بشكل بارز طبيعة المعايير المتجاوزة للتاريخ التي تسمح بتقويم الطابع الصالح أو السيئ لأي نظام سياسي أو نظام اجتماعي…". فوكوياما تحدث أيضا عن وجود "أناس بدون جرأة" و بشرنا بما اسماه ب"مملكة الحرية" بعد انهيار المعسكر الشرقي ، لكن بعد مرور إلا أشهر قليلة حتى اندلعت حروبا لا تقل فتكا عن الحربين العالميتين الأولى و الثانية ( دول البلقان، الصومال، فلسطين، العراق ، افغانسان و سوريا اليوم). صحيح أن الطبيعة لا تقبل الفراغ، فكل القوى مطالبة بأداء دورها كاملا و إلا أمريكا و القوى الاستعمارية ستقوم بنفس الدور لكن بما يصب في مصالحها القريبة منها و البعيدة. إن تاريخ البشرية لم ينتهي و لن ينتهي أبدا، بل هو يتجدد في إطار قانون "نفي النفي" على حد قول كارل ماركس و حتمية التغيير عندما تتوفر الشروط الكافية للتغيير و التجدد. إن الشعوب المغاربية و الشرق الأوسطية كانت تبدو جامدة ساكنة و راكدة من شدة القتل و التخويف إلى أن جاء محمد البوعزيزي ليحرك تلك المياه الراكدة لتتحرك في كل الاتجاهات و هي تحمل في طياتها كثيرا من الأسرار و المفاجآت لتجرف معها أنظمة ديناصوريه في المنطقة و الباقية تنتظر دورها آجلا أم عاجلا. تحدي أمريكا اللاتينية أضحت تجارب دول أمريكا اللاتينية فريدة من حيث صمودها في وجه الولاياتالمتحدةالأمريكية و قدرتها على التأقلم مع عالم يتغيربسرعة و خاصة بعد انهيار التجربة السوفيتية. إن تحدي دول أمريكا اللاتينية يكمن في أن علاقة أحزابها و خاصة اليسارية منها تأسست على التآزر و التضامن و التعاون فيما بينها و أن هذه الأحزاب لم تصل إلى الحكم عن طريق الانقلابات بل بحضورها القوي في الأرض و برامجها الواقعية و بسياسات القرب التي تتهجها، معتمدة على صناديق الاقتراع أسلوبا و منهجا للوصول إلى الحكم بعيدا عن أساليب التزوير و التسويف و التضليل و الانقلابات. ثورات شعوب شمال فراقيا و الشرق الأوسط و غياب الفكر و المضمون لقد أدت سياسة القهر و القمع و الظلم إلى انتشار تخلف مخيف في العالمين ألمغاربي و العربي، إذ فرض على شعوب المنطقة عبادة الأشخاص و " الأصنام" و تم إضعاف المؤسسات التعليمية و الحزبية و انتشرت الشعوذة و الخرافة و اغتيل العقل و المنطق في حياة الناس. بلدان تنعدم فيها أدنى شروط المؤسسات الديمقراطية أرغمت فيها النخب قبل الشعوب على الخنوع و الركوع و التصفيق و التملق و تقبيل الأيادي و الركوع إما نفاقا أو خوفا.. أنظمة تستمد قوتها من دعم غربي أعمى. غرب لا يهمه إلا مصالحه و تسهيل استغلال و استنزاف ثروات شعوب العالم برا و بحرا. فحتى النخب التي برزت في بعض البلدان تم إقصائها أو تهميشها (سمير أمين، منير شفيق حسن حنفي، محمد عابد الجابري …)، أو شراء صمتها (حسين هيكل، عبد الله العروي، عبد القادر الشاوي…) أو تصفيتها (حسين مروة، عزيز بلال، المهدي عامل، فرج فودة….)، مما ترك شعوب المنطقة فريسة للجهل و الأمية و الشعوذة و الأمية و التخلف. مشكلات العالمين المغاربي و العربي يقر كل الخبراء بان مشكلات دول المنطقة تكمن في السياسات المتبعة من طرف الأنظمة القائمة و طرق تدبيرها على جميع الأصعدة تنمويا و اقتصاديا و اجتماعيا و بشريا، و كذا في تغلغل الفساد الإداري و السياسي التي أصاب كل أجهزة الدولة و مؤسساتها مما أدى إلى إصابتها بالشلل جزئيا أو كليا. مجتمعات يسودها فوارق اجتماعية صارخة حيث تحكمها أقلية تمتلك كل شيء و أغلبية تعيش تحت عتبة الفقر و منهم من لا يملك حتى ثمن رغيف خبز يومي. دول تنعدم فيها ابسط المرافق الضرورية لضمان حياة كريمة فلا مستشفيات في المستوى و لا تعليم مرتبط بمحيطه الاقتصادي و الاجتماعي، و لا سكن يلبي طلب احتياجات الناس و لا بنيات تحتية في المستوى و لا اقتصاد قادر على المنافسة في زمن العولمة الاقتصادية. هذا الوضع أنتج نخبا هشة مشوهة و صراعات هامشية ونقاشات بيزنطية و الاهتمام بالشكليات بدل مقارعة المشاكل الحقيقية و مواجهتها بشجاعة، مما يفوت عليها فرص التوحد للقضاء على الاستبداد و الفساد و الجهل و الفقر.. في نقد ثورات المنطقة الثورة التونسية التي أشعلت آمال الشعوب ألهبت الثورة التونسية شعوب المنطقة و قد كان لها الفضل في تكسير أغلال الخوف و الإذلال. انطلق الشعب التونسي في ثورته المجيدة دون أن يطرح سؤال ما بعد الثورة بحيث كانت أولى أولوياته هي القضاء على استبداد بنعلي و عائلته. بعد انجاز الثورة جاءت الانتخابات فلم يجد الشعب التونسي إلا حزبا واحدا منظما و مهيكلا، ألا و هو حزب النهضة الذي استطاع قطف ثمار الثورة بنجاح دون عناء و لا منافسة تذكر. لم يفطن التونسيون الذين انتفضوا ضد الظلم و القهر بمال ثورتهم حتى عادت مكينة القتل بعد اغتيال الشهيد اليساري شكري بلعيد، مما جعل الشعب ينتفض ثانيا ليس ضد بنعلي هذه المرة بل ضد من يريدون أن يحولوا تونس من ربيع اخضر إلى خريف احمر، و العودة بها إلى القرون الوسطى يكمم فيها الأفواه من جديد و يغتال فيها العقل و تكبل فيها الحريات الفردية منها و الجماعية. تحرك الشارع مرة أخرى لإعادة الأمور إلى نصابها و أصحابها و أسقطت حكومة الجبلي و احدث شقوقا و فجوات هائلة بين التيارين الإسلاميين المتنافسين في تونس (النهضة و السلفيين)، لكن مع ذلك فمعركة الديمقراطية لم تحسم بعد، و تحصين مكتسبات الثورة تتطلب مزيدا من الحذر و اليقظة و التضحية. الثروات المشروعة في ليبيا و سوريا و تصفية الحسابات لدى الغرب اندلعت في كل من ليبيا و سوريا ثورات شعبية سلمية جميلة، لكن إصرار الغرب على تسليحهما افقدهما جمالهما و لطخهما بدماء آلاف الأبرياء حيث هدمت مؤسسات الدولتين و حطم اقتصاد الدولتين و أحرقت القطاعات المنتجة من معامل و مزارع و خربت المؤسسات التعليمية و الصحية و دمرت قدراتها العسكرية الردعية…الخ. بالتأكيد لا يوجد أي ديمقراطي في العالم لم يقف مع ثورتي ليبيا و سوريا في بداياتهما لكن عندما بدأتا في اتخاذ منحى مدمرا يحرق فيها الأخضر باليابس و تدخل النيتو (الحلف الأطلسي)، فذلك أضحى يستوجب موقفا آخر في حينه و بعده يندد بالحروب و سياسات القتل و التدمير و الإبادة مهما كان فاعلها لان الشعب الليبي لم ينتفض ضد ديكتاتورية القدافي من اجل المجيء بدكتاتورية الميلشيات الاسلاموية و بدولة اللا قانون، بل انتفض ضد الظلم بكل أشكاله و هذا ما لم يتحقق بعد. أما في سوريا فان حسابات الغرب و إسرائيل و حلفائهم الرجعيين في المنطقة غيرت كليا مجرى الأحداث. فإسرائيل لا تريد جيران أقوياء لها بل لا تحب الخير لشعوب المنطقة ما دامت أنها بنيت على التوسع و العنصرية و الحروب. لقد أضحى من الصعب جدا تحديد الموقف الآن فيما يجري في سوريا نضرا لتدخل عدة أطراف في أغلبيتها لا تريد الخير لسوريا و لا لشعبها مهما كان حاكمها في المستقبل. فالموقف السديد يتطلب إدانة العنف و الاقتتال و العودة إلى التغيير السلمي يوحد السوريين حول مستقبلهم و ليس تشجيع الحروب الدينية و المذهبية الطائفية العمياء. ثورة البحرين ضحية الصراع السني الشيعي عرفت البحرين انتفاضة شعبية سلمية لكنها للأسف ذهبت ضحية الصراع السني الشيعي السيئ الذكر، إذ بدل تحقيق مطالب الشعب الطامح للحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية، تدخلت جيوش دول الخليج الرجعية لإقبار وقتل ليس المنتفضين فحسب بل قتل آمال البحرينيين في التغيير و القضاء على الاستبداد و الفساد. ثورة المغرب و المخزن عرق المغرب حراكا اجتماعيا تحت قيادة حركة 20 فبراير، شارك فيه كل الأطياف السياسية الطامحة إلى التغيير، و انتهى شوطها الأول بإدخال تغييرات طفيفة على الدستور و التي لم تمس في شيء جوهر الاستبداد و الحكم الفردي، و وصول إسلاميي العدالة و التنمية للحكم ليتقاسموا السلطة مع الملك، و اعتقال أكثر من 170 مناضلا حوكموا بأقصى العقوبات و صلت 12 سنة سجنا نافذة في بني بوعياش بالحسيمة و اغتيال أكثر من 10 شهداء…. الخ. منذ ذلك الحين فالمغرب يمشي "على البيض" حيث يحاول النظام استرجاع هيبته المفقودة على حساب مكاسب الشعب التي حققت بفضل نضالات و تضحيات جسام للشعب المغربي و قواه الحية إبان فترات سنوات الرصاص و بعدها. هذا الوضع جعل المغرب مرتبكا في خطواته و مخطئا في خطواته في تدبير مجمل الملفات أبرزها ملف الديمقراطية و حقوق الإنسان و الحكامة و قضية الصحراء….الخ. إن نداء المعتقلين و عائلات الشهداء و نداء الضمير الإنساني أيضا يجعل أبناء الشعب المغربي يبدعون كل مرة أشكال نضالية يحاولون من خلالها خلخلة بنيات النظام القائم و إحداث تغيير حقيقي تتحقق فيه الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية لكل أبناء الوطن. فالمغرب و المغاربة مطالبون بتحقيق خطوة جريئة، و نقلة نوعية تحسم مع السياسات البائدة و القطع كليا مع دولة الاستبداد و تشييد قلاعا للحرية و مؤسسات ديمقراطية تبدأ بدستور ديمقراطي ينبثق من إرادة الشعب إلى الشعب، يقر بفصل حقيقي للسلط و يضمن الحريات و يقر بالجهوية تمنح لأبناء الجهات تدبير أمورهم بأيديهم في إطار مؤسسات ديمقراطية توحد المغرب و تقويه و توفر لكل مكونات الشعب شروط المصالحة مع الذات و مع السياسة. إذاك لا يبقى للملكية خيارات كثيرة في المغرب أما ملك يسود ولا يحكم و إما الرحيل، بحيث أن الملك اعلم بان الديمقراطية تتنافى كليا مع بقاء كل السلطات في يد واحدة و بملك يجمع كل أوصاف الدنيا من الرياضي الأول، الفنان الأول، التجاري الأول…..إلى أمير للمؤمنين). و إن لم يكن يعلم فعليه أن يفهم بان هناك حتمية تاريخية تدعوه إلى ذلك طال الزمن أم قصر. الثورة المصرية المتجددة كانت البداية هو القضاء على النظام، فرحل مبارك و ظل النظام المدعوم أمريكيا و إسرائيليا و لو كان على رأس الدولة إخواني/إسلامي. خرج الشعب ثانية فذهب مرسلي في أسوا سيناريو في القرن 21 عبر تدخل الجيش . فأطيح بمرسلي و ظل النظام، بل الأخطر هو ان كل مصر أضحت الآن فوق فوهة بركان، قابلة للانفجار في أي لحظة و التي بإمكانها أن تجر البلد كله إلى حرب أهلية على الطريقة السورية. لقد سال مداد كثير كما سالت دماء المصريين، كما يقال الكثير حول ما يقع في مصر فانقسم العالم بين مؤيد و رافض للخطوة التي أقدم عليها الجيش المصري، حتى أصبح كل طرف يحاول إيجاد مبررات للدفاع عن موقفه بما فيها التضليلية و ترويج الإشاعات المشكوك في أمرها. ففي مصر أضحى الكل متمترس خلف خلفيته السياسية و الايديولوجية و المصلحية، فلا احد يعترف بأخطائه كأنهم كلهم ملائكة. ففريق جبهة الاتقاد بقيادة البرادعي و موسى لم يعترف بفشله في الانتخابات الرئاسية لسنة 2012، كما أن الإخوان المسلمين لا يريدون الاعتراف بسوء تدبيرهم للمرحة و أنهم يتكلمون كثيرا و لا يعملون إلا قليلا، و ما النتائج الكارثية على الأرض لخير دليل على ذلك (انهيار اقتصادي، انقسام مجتمعي و اقتتال طائفي "كقتل الشيعة و الأقباط في واضحة النهار مثلا…") مما جعل جزء هام من قاعدتهم الانتخابية تثور ضدهم و تنظم إلى صفوف المعارضة و المتظاهرين ضد حكم مرسلي. لا يمكن لأحد أن ينكر بان بداية نهاية مرسلي بدأت بانتفاضة شعبية قدر عدد المشاركين فيها ب 36 مليون متظاهر. كنا نتمنى أن تستمر تلك الثورة السلمية الرائعة و يستمر مرسلي سنة أخرى لكي يخرج كل شعب مصر ضده، لان الإخوان لا يملكون حلولا سحرية للازمة الاقتصادية و المجتمعية كما يدعون. و أنهم من خلال تجربتهم القصيرة في الحكم تبين لهم بان ليس "الإسلام هو الحل" كما يدعون بل فقط املائات صندوق النقد الدولي التي قبلها بدون تردد إسلاميو مصر و المغرب هو البديل الذي يقترحونه على شعوبهم بدون حشمة على شعوبهم . بالطبع هناك من ساند بشكل أعمى تدخل العسكر و بقي متمترسا وراء ايديولوجيتة أو خلفياته السياسية دون أن يفكر و لو لحظة بان تدخل الجيش قد تكون له نتائج عكسية أولى نتائجها هو الدعم اللامشروط من طرف الأنظمة الأكثر رجعية و استبدادا في المنطقة (السعودية الإمارات الكويت…..) لها. إذا تناولنا ما يحدث في مصر من الزاوية الحقوقية الصرفة فانه لا يمكن لأي حقوقي أن ينكر بان تدخل الجيش في مصر ما هو في آخر المطاف إلا انقلابا عسكريا مرفوضا. فالجيش في كل ديمقراطيات العالم مطالب بالابتعاد عن السياسة و التزام الحياد و لا يمكن له أن ينحاز إلى طرف دون آخر و إن دوره يختصر في حماية الوطن كلما تعرض لتهديد من قوى معادية. إن الثورة المصرية المتجددة أضحت مهددة الآن أكثر من أي وقت مضى باقتتال داخلي ببعد طائفي ديني يبدأ بصراع مسلح بين الإخوان المسلمين و الجهاديين من جهة و الجيش و القوى الداعمة له من جهة ثانية قد يكون وقوده كل الوطن وضحاياه أبناء الشعب المصري بكل مكوناته. المصريون مطالبون اليوم بمزيد من اليقظة و الحذر و أن لا ينزلقوا نحو حرب مدمرة. إن البحث على اختصار المسافات في الصيرورة الثورية بأي ثمن قد تقضي على آمال الديمقراطيين الحقيقيين في مصر. تخيلوا لو استمر النضال السلمي لقوى المعارضة و جبهة الإنقاذ و أن الجيش بقي على الحياد و أن لا يتدخل إلا في آخر المطاف لحسم السلطة عند ارتكاب المزيد من الأخطاء من طرف الإسلاميين، لكان له بالتأكيد نتائج أكثر ايجابية على مصر و مستقبلها مما عليه الآن. إن المطالبة بتدخل الجيش من طرف البعض قد يكون ثمنه باهظا و ما الاحتقان الكبير الذي تشهدها مصر اليوم و المفتوحة على كل الاحتمالات لخير دليل على ذلك. إن تدخل الجيش و بالطريقة التي شاهدناها، يجعل الإخوان في موقع الضحية و المظلومين ينسي أخطائهم في الحكم، مما يبرر التعاطف معهم لان لا احد في الدنيا يقبل الظلم، و لو كان التشكي بالظلم أحيانا يراد منه باطل. و يمكن اعتبار تمدد اعتصامات و مظاهرات الإخوان بعد تدخل الجيش خير دليل على ما نقول. إن العقل و المنطق يقول بان الخاسر الأكبر من احتدام الصراع بين الجيش و الإخوان هو الشعب المصري و ثورته المجيدة. فالانتخابات المقبلة في مصر قد تعطي نتائج عكسية سواء شارك فيها الإخوان أم قاطعوها. إن ما من احد يمكن له أن ينكر اليوم بان الصراع الحقيقي في مصر هو حول دورها في المنطقة و استقلال مواقفها عن السياسة الأمريكية الصهيونية و حول التنمية الشاملة اقتصاديا و سياسيا و مجتمعيا و سياسة ناجعة توفر للمصريين و المصريات الطمأنينة و الآمان و الحرية و تحافظ على كرامتهم، و هذا للأسف ما لا يتحدث عليه أحدا اليوم إسلاميا كان أم علمانيا أو عسكريا، إذ أصبح النقاش كله مختصرا حول "الشرعية" و "اللا شرعية". خاتمة .إن المأزق التي تعيشها الثورات في شمال إفريقيا و الشرق الأوسط يرجع في نضرنا إلى عدة عوامل أهمها: - الحضور القوي لقوى الفساد و المستبدين حتى أضحى الفساد مهيكلا في مؤسسات الدولة - ارتفاع نسبة الأمية و الجهل. - غياب أحزاب ديمقراطية قوية و مستقلة قادرة على التنافس الشريف. - ضعف النخب و غياب مفكرين و منظرين و استراتيجيين يستجيبوا لشروط هذه المرحلة الحساسة من تاريخ شعوب المنطقة. - صعود قوى يمينية تكفيرية متطرفة لا ترى العالم إلا بلونين و تختزله في صراع بين "المؤمن" و "الغير المؤمن" و الأول عليه يصفي الثاني.. أو باس. - تدخل المخابرات الأجنبية لتحوير و توجيه الأحداث حفاظا على مصالحها، بل أحيانا تتدخل بالقوة لفرض الأمر الواقع كما هو عليه الحال في مالي، و لبيبا، و سوريا و العراق سابقا….. بالتأكيد أن العالمين ألمغاربي و العربي لا يوجدا في جزيرة الوقواق ولا هما معزولان عن العالم بل موقعهما الاستراتيجي يجعلهما في تفاعل و تواصل مستمر مع الغير، لكن بكل تأكيد بان الدول الامبريالية لا تريد الخير لباقي الشعوب و لا يهمها استقلالها السياسي و لا الاقتصادي و لا الديمقراطية و لا هم يحزنون. و أنها حريصة كل الحرص للحفاظ على هيمنتها على العالم و مصالحها، و أنها لا تتردد للتدخل عسكريا لتوجيه الأحداث وفق إرادتها و ما تقتضيه مصالحها. أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لم تحدد بعد موقفها إلى يومنا هذا من تدخل العسكر في مصر. إنها تتابع تطور الأحداث عن كثب لكنها بالتأكيد ستدعم أي نظام يصالح إسرائيل و يحمي أمنها تماما كما عبر عن ذلك بنيامين ناتنيهو عندما صرح "إن موقف إسرائيل من ما يجري في مصر سينبني على درجة تمسك أي سلطة جديدة في مصر بمعاهدة كامبد يبيد" اعتقد أن استحضار هذه العوامل و أخرى أمر ليس مهما وفقط بل ضروريا من اجل إدارة الصراع ببراعة و إتقان لإخراج شعوب المنطقة من عقود، إن لم نقل قرون من الاستعباد و الاستحواذ و الاستبداد و الافتراس و ظلم الظالمين.