توصلت شبكة دليل الريف بتقرير من طرف الهيئة الوطنية لحماية المال العام فرع الحسيمة رصدت من خلاله ما وصفته باختلالات تسجل بسوق الجملة للخضر والفواكه بالمدينة وكذا ما اسمته بالانحرافات والشروط غير السليمة التي أصبح يتخبط فيها سوق الجملة بالحسيمة, واليكم نض التقرير كما وردنا: مدخل عام: تعتبر أسواق الجملة ومن ضمنها سوق الجملة بالحسيمة من المرافق العمومية الجماعية، إذ تسهر الجماعات المحلية على إنشائها وتجهيزها وأحيانا ومتى ما استدعت الضرورة، وضع نظام داخلي لتسييرها وضبطها عبر إعداد طاقم بشري وقانوني ولوجيستيكي مكلف بتحقيق الأهداف التي دفعت إلى إنشاء المشروع العمومي، وتفادي الاغتناء غير المشروع على حساب المصلحة العمومية طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل، إضافة إلى ضمان تحقق هدفين أساسيين: حصر التسويق التجاري بالجملة داخل سوق الجملة، أن تتم جميع عمليات البيع داخل السوق طبقا للقوانين. ويساهم سوق الجملة في تنظيم تجارة الخضر والفواكه وفي تنمية الموارد المالية للجماعة الحضرية للحسيمة، وكذا تفادي التلاعب بالأسعار. غير أن الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب وقفت على جملة من الاختلالات بهذا السوق وذلك عبر المعاينات المباشرة أو التقصي والتحري حول طرق وأنماط تسيير وتدبير هذا السوق.
على مستوى تجار الجملة: إلى حدود سنة 2008 كان عدد تجار سوق الجملة بالحسيمة يبلغ حوالي 30 تاجرا بالجملة ونصف الجملة، غير أن السياسة المتبعة في تدبير السوق والاختلالات التي لم يتم التدخل في حينها –لأسباب مجهولة- لمعالجتها رغم الشكاوى المختلفة لعدد من تجار الجملة أدت إلى انسحاب العشرات منهم من ممارسة هذا النشاط التجاري، في حين دفعت بالبعض الآخر إلى تسويق تجارتهم بالجملة خارج السوق وبشكل مخالف للقانون مستفيدين من التهاون والتماطل في التطبيق الصارم للقانون، في حين ظل عدد التجار بسوق الجملة يتناقص يوما بعد آخر حتى وصل حاليا إلى حوالي 6 تجار فقط لازالوا يسوقون بضائعهم في سوق الجملة بالحسيمة، وهو ما يشبه شبه إجهاز على هذا النوع من النشاط التجاري والدفع بتجارة الجملة إلى مضاعفة الأرباح إلى الضعفين وأحيانا إلى 3 أضعاف وذلك بشكل غير مشروع، حيث أن التكلفة النهائية لهذا يتحمل المستهلك المواطن في الأخير، وهو ما يفسر إلى حد ما ارتفاع الأسعار مقارنة مع مناطق أخرى بالمملكة.
على مستوى الوكلاء بسوق الجملة بالحسيمة: يتواجد بسوق الجملة 6 وكلاء حاليا، لا يحضر منهم إلا 3 وبشكل عرضي في الغالب، مع العلم أن حضورهم يعتبر إجباريا وإلزاميا وفقا للقانون الأساسي لوكلاء أسواق الجملة، إذ أن تغيبهم يعتبر إهمالا للواجبات المهنية للوكلاء ويمكن أن يضيع مكاسب مهمة من الموارد المالية على الجماعة الحضرية للحسيمة قد تصل إلى ملايين السنتيمات، وذلك عبر إمكانية التصريح بأثمنة وكميات أقل بكثير من تلك المطبقة حقيقة. وقد لاحظت الهيئة أن إدارة سوق الجملة لا تقوم بالجهود الكافية (إن لم نقل أن هذه الجهود تكاد تنعدم) لضبط حضور الوكلاء إلى السوق، كما أن العديد من هؤلاء الوكلاء التجأوا إلى الاستعانة بمستخدمين لهم ووكلوهم مهمة الاستخلاصات وذلك خارج بعض الضوابط القانونية المحددة لمهام الوكيل بالقانون الأساسي. ويضاف إلى هذا حسب المعلومات التي تتوصل بها الهيئة، فإن عددا من الشكوك تحوم حول غياب الصفة القانونية لبعض من الوكلاء الذين يباشرون مهام الاستخلاص حيث إما انتهت مدة وكالتهم أو لم يتم تجديدها، إذ أن المقتضيات التنظيمية تحصر وكالتهم في مدة لا تتجاوز 3 سنوات يمكن تجديدها مرة واحدة فقط، مع العلم أن نظام الوكلاء بالسوق لازال خاضعا لنظام الامتياز ولم تتأكد الهيئة من حسن تطبيق مساطر المباريات وكناش التحملات وضمان مبادئ المساواة والشفافية، كما هو منصوص عليه في الفقرة الثالثة من الفصل الخامس من القانون الأساسي لنظام الوكلاء.
ومن جهة أخرى، تحدثت مصادر عدة عن احتمال المزاوجة بين مهام الوكيل (المكلف باستخلاص الحقوق المالية للجماعة ومراقبة وضبط الكميات المفرغة) ومهام تاجر بالجملة خلال فترة سابقة، -دون أن تتاح الفرصة للتأكد من مصداقية المعلومة- وهو تعارض صارخ مع القانون ويشكل ريعا بامتياز واستغلالا للتسيب وعدم تطبيق القانون، إذ كيف يعقل للوكيل أن يراقب نفسه ويستخلص حقوق الجماعة الضريبية من نفسه في آن واحد؟؟؟ والأدهى حسب ما استقته الهيئة من تصريحات أن عددا من المصادر تتحدث عن إمكانية توقيع التزام مكتوب يسمح بالجمع بين مهمة الوكيل وتاجر بالجملة وذلك مع الجماعة الحضرية سواء بحضورها وعلمها أو بالتوقيع مع الوكلاء في تناقض صارخ مع القانون. فيما يخص ضبط كميات الشاحنات: إن مفاجأة الهيئة كانت كبيرة جدا عندما اكتشفت الغياب التام لميزان عند مدخل سوق الجملة يمكن من ضبط الكميات الداخلة للسوق وتلك الخارجة منه، إذ في ظل الوضعية الراهنة والتي امتدت لسنوات عديدة، فإن احتمال التلاعب في الكميات المفرغة والمشحنة يمكن أن تبلغ خسارة قد تصل ملايين الدراهم، خاصة في ظل عدم قيام الوكلاء بمهام الضبط والمراقبة كما يقتضي القانون أو عدم إمكانية قيامهم بأدوارهم لأسباب مختلفة، ويجهل لحد الساعة سبب عدم تجهيز السوق بميزان جسري ميكانيكي أو إلكتروني والجهات المستفيدة من وراء ذلك، مع العلم أن هذه المهمة تبقى حصرا من اختصاص الجماعة الحضرية للحسيمة منشئة هذا المرفق العمومي.
نظام البيع والشراء بسوق الجملة: إن نظام عمليات البيع والشراء داخل سوق الجملة شابته وتشوبه عدة اختلالات وعيوب مخالفة تماما للقوانين والمساطر الجاري بها العمل، نتاجا للتهاون والإهمال غير المفهوم في التطبيق الصارم للقانون وهو ما يفتح الباب لإمكانية مراكمة ثروات كبيرة غير مشروعة على حساب تفويت الملايين عن خزينة الدولة وخاصة الجماعة الحضرية للحسيمة. وهكذا، فعوض استخلاص نسبة 7% من مبلغ المبيعات بالجملة التي تتم من قبل البائعين (5.25% لصالح الجماعة الحضرية و1.75% لصالح الوكلاء) وذلك كما أكد عليه المجلس الأعلى للحسابات في تقاريره السابقة حول أسواق الجملة بالمغرب، فإن وكلاء السوق ظلوا لفترة طويلة يستخلصون لفائدتهم 2% أي بزيادة غير مشروعة قدرها 0.35% مع العلم أن عددا من مصادر الهيئة تتحدث عن ثغرة تدبيرية تفتح الباب لإمكانية عدم تحويل مستحقات الجماعة أو اللجوء إلى التحايل في النسب المستخلصة، أما راهنا، فإن الاستخلاصات أصبحت تتم بشكل جزافي مبني على النسبة التي يريد بائع الجملة منحها للوكيل !!!
ومن جهة أخرى، فإن وصولات الاستخلاص تتضمن فقط القيمة المستخلصة وتوقيع مستخدم الوكيل ضدا على القانون الذي يفرض تضمين وصل الاستخلاص المعلومات الأساسية التالية: قيمة الاستخلاص الكلية، الكمية الإجمالية للخضر أو الفواكه الخاصة بتاجر الجملة، نسبة الاستخلاص المخصصة للجماعة، نسبة الاستخلاص المخصصة للوكيل، توقيع الوكيل بشكل شخصي. كما أن عمليات المراقبة عند باب الخروج تتسم بعدم الدقة حيث يصعب التأكد من مطابقة السلع الواردة على السوق مع تلك الصادرة منه، إضافة إلى أن العديد من التجار يلجأون على مرأى ومسمع من الجميع إلى تهريب الصناديق من على أسوار السوق القصيرة دون إمكانية تسجيلها أو استخلاص الحقوق الضريبية عنها، مع العلم أن الهيئة عاينت ولوج شاحنة أفرغت شحنتها وتمت عمليات البيع والشراء يوم السبت الذي ليس يوما لانعقاد السوق. إكراهات تحول دون قيام الوكلاء بمهامهم بشكل قانوني: يشتكي وكلاء سوق الجملة بالحسيمة من عدة إكراهات تمنعهم من القيام بمهامهم بالشكل الصحيح والسليم، إذ تظل مسألة إدارة المراقبة والجابي وتفعيل مهام الشرطة الإدارية وباقي أجهزة القوة العمومية من شرطة ودرك ملكي أبرز العوائق التي تشجع على استشراء مظاهر التسيب والريع بسوق الجملة، حيث أن عددا من عمليات التسويق بالجملة (حوالي 90% حاليا) تتم خارج السوق ضدا على القانون وعلى مرأى من الجميع، يشجعهم على ذلك عدم تحريك مسطرة الضبط والمتابعة من طرف الشرطة الإدارية وباقي أجهزة القوة العمومية وذلك رغم الشكاوى المختلفة والمتكررة للوكلاء وتجار الجملة الذين يشتغلون داخل السوق، كما أن عددا من هؤلاء الذين يلجأون عرضيا إلى ولوج سوق الجملة (فقط عندما يسجلون فائضا في السلع وبعد بيع مباشرة للقسط الأوفر منها مباشرة)، غالبا ما يمتنعون عن أداء ما يطالبهم به وكلاء السوق أو لا يؤدون إطلاقا في تحد واضح لصلاحيات الوكيل والقانون كما حدث ذات مرة سنة 2012 عندما اعترض الوكلاء طريق إحدى الشاحنات لإرغامها على الأداء وكادوا يؤدون حياتهم ثمنا لذلك دون أن تتكلل محاولتهم بالنجاح، خاصة أن مصالح الجماعة لم تحرك ساكنا لمواجهة هذا التعنت رغم تسجيل الوكلاء لاحتجاجهم الشديد على هذا التصرف.
هذا الوضع المذكور أعلاه هو ما دفع تجار الجملة (الملتزمون بإجراء عمليات البيع والشراء داخل السوق) إلى الاحتجاج ضد هذا التسيب والظلم والإجحاف، غير أن عدم اتخاذ أي إجراء رادع شجعهم على دفع نسب جزافية لوكلاء السوق مستفيدين في ذلك من ضعف موقع الوكلاء أولا وكساد تجارتهم نتاجا لتهرب باقي التجار من السوق ثانيا. ويضاف إلى هذا أن عددا من الشهادات التي استقتها الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب تطرح مسالة الارتشاء بقوة خاصة في ضوء استمرار عمليات المتاجرة بالجملة خارج السوق علانية وعدم تحرك الأجهزة والمصالح المعنية لوقف هذا العبث. تجهيزات سوق الجملة بالحسيمة: إن بنية سوق الجملة للحسيمة تظل الغائب الأكبر في هذا السوق، إذ سجلت الهيئة حالة متردية جدا أفقدت السوق جميع الأهداف والمرامي من وراء إنشائه، دون أن تقوم إدارة السوق بإجراء عمليات الصيانة أو التجهيز:
جدار السوق جدار جد قصير ينحصر ارتفاعه في حدود 1.5 مترا وهو ما يشجع على التلاعب والتهريب وإمكانية تعرض السوق للسرقة. ضعف الحراسة بالسوق وعدم إمكانية القيام بمهام الحراسة بالشكل اللازم وبما يتناسب مع المساحة الكلية للسوق. انعدام تام للمرافق الصحية وللميزان الجسري. وجود محلات متفاوتة المساحة وعدم وضوح معيار الاستفادة . مقهى صغير جدا لا تتوفر فيها الشروط القانونية والتجارية، وعدم وضوح طريقة الاستفادة من تسييره. ظروف اشتغال جد مزرية من حيث النظافة والسلامة الصحية وجودة الخدمات الصحية. انعدام تام لأي نظام أو جهاز للتبريد بشكل مخالف تماما للقانون ولنوعية النشاط التجاري المزاول، مما يعرض السلع لكل أنواع الطقس والتأثيرات البيئية والسلامة الصحية.
تقديرات الهيئة حول حجم الباقي استخلاصه: على مدار شهرين من المواكبة والمراقبة والتقصي الذي قامت به الهيئة، وحسب ما توصلت إليه الأخيرة من تقديرات (مع العلم أن الأرقام أسفله تبقى مجرد تقديرات مبنية على الشهادات ومصادر خاصة بالهيئة في ظل امتناع بلدية الحسيمة عن التجاوب مع الهيئة في هذا الصدد)، فإن حجم ما ينبغي أن تكون البلدية قد استخلصته يبلغ سنويا بالنسبة للتجار الذين يلجون سوق الجملة ما بين:
400.000 درهما إلى 600.000 درهما.
بالنسبة لحجم الأموال المفوتة نتاجا للتلاعبات التي يحتمل أن تشوب عمل الوكلاء نظرا للاختلالات المسجلة أعلاه:
250.000 درهما إلى 300.000 درهما.
وبناء عليه، فإن مجموع المبالغ المقدرة سنويا يمكن أن تتراوح ما بين:
650.000 درهما 930.000 درهما.
وبالتالي فإن حجم المبالغ المقدرة كحقوق للدولة يمكن ان تبلغ خلال 6 سنوات (من 2008 إلى 2013):
3.900.000 درهما إلى 5.580.000 درهما.
وبناء عليه، وإذ تطالب الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب بالكشف عن حجم المبالغ المستخلصة، فإنها تدعو وتناشد الجماعة الحضرية وجميع الجهات ذات الصلة بسوق الجملة إلى الكشف عن حجم الباقي استخلاصه ووضع الأرقام رهن إشارة الرأي العام. خلاصة عامة: إن الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب تسجل قلقها الشديد من الانحرافات والشروط غير السليمة التي أصبح يتخبط فيها سوق الجملة بالحسيمة، وهو الوضع الذي يرفع فاتورة التكلفة المعيشية مقارنة مع باقي ربوع المملكة بالنسبة للمواطن المحلي، ويضاعف من حجم مراكمة الثروات لدى المتاجرين، في ظل اختلال تطبيق المنظومة القانونية والتنظيمية والتدبيرية لسوق الجملة، نتاجا للتهاون والإهمال في التطبيق الصارم للقانون. وفي الأخير، فإن الهيئة تدعو جميع الجهات المعنية إلى مكاشفة الرأي ومصارحته بشأن الأسباب والدواعي الحقيقية لرفع فاتورة معيشته من جهة، ومن جهة أخرى مطالبة البلدية وعمالة الإقليم بتفعيل الدور الرقابي للشرطة الإدارية قصد سد الثغرات التي ينسل منها المتاجرون بمعاناة المواطنين بالحسيمة وذلك عبر ضبط الاستخلاصات وتحصيل حقوق الدولة وتوفير الشروط السليمة لتجارة الجملة محليا إسوة بباقي مناطق المغرب. نجيم عبدوني عضو اللجنة الإدارية بتكليف من المكتب التنفيذي للهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب