إن القارئ الواعي، والناقد الحصيف، يستطيع من خلال تتبعه للخطاب الإسلامي بوجه عام، وخطاب الإسلام السياسي بوجه خاص، أن يكتشف، وبكل مرونة، مدى انزعاجه من خطاب العقل والنقد، وبالتالي انزعاجه من التنوير والتجديد. كما ستنجلي له أيضا مدى ضعفه وعجزه وخضوعه للماضي، وبالتالي خضوعه لثقافة ما يسمى بالسلف الصالح. كما أن المتأمل في خطاب الإسلام السياسي، وفي تناوله لقضايا التنوع الثقافي، والتعدد اللغوي عموما، والقضية الأمازيغية خصوصا، يلاحظ حضورا قويا لثقافة التقليد والنقل من جهة، ولثقافة التدليس والتلفيق من جهة ثانية. لا نغالي، إذا قلنا أن هذا الأسلوب الاعتباطي والاختزالي، بل والانتهازي أيضا، سار جزءا لا يتجزأ من منهجية هذا التيار السلفي في تعاطيه مع قضايا التنوع والتعدد القائمين داخل المجتمع المغربي. ما يسترعى الانتباه، بصفة عامة، في كتابات الإسلاميين هو مناهضتهم للعقلانية والحداثة الفكرية، حيث تجدهم يناهضون كل من يفكر خارج إطارهم النظري/ الفكري والعقائدي، بل والمذهبي أيضا. وبما أن الوضع على هذا النحو فمن الصعب جدا أجاد كتابات إسلامية موضوعية في مجال الأمازيغية. ومن جانب آخر، ليس بعسير علينا أن ندرك ما الهدف من انتهاج هذا التيار الساعي إلى الحكم والهيمنة على الدولة والمجتمع باسم الدين وتطبيق شرع الله ، لأسلوب التدليس والافتراء على التاريخ والواقع كلما تطلب الأمر (= المصلحة) ذلك. ومن أشكال التدليس والهرطقة التي يمارسها الإسلاميون في تناولهم للأمازيغية هو توظيفهم، وبشكل حقير وبئيس، للسنة/ للأحاديث على حساب القرآن، ومن ثم فإنهم يوظفون – عمليا وفعليا - ما يعرف بالسنة مقابل تخليهم عن القرآن، وذلك لكون أن السنة يمكن أن تنسخ القرآن في نظرهم. قلنا، من السهل علينا معرفة دواعي وأهداف ممارسة الإسلاميين لمنهجية التدليس والكذب على الناس، لكن في المقابل لابد أن نشير إلى أن قدرا غير قليل من اللبس يحيط بموقع الأمازيغية في خطاب الإسلام السياسي، حيث حاولنا في مناسبات سابقة توضيح وتبيان هذا الأمر ، وهو ما سنسعى إليه أيضا من خلال هذه المقالة. مناسبة هذا التقديم هي اطلاعي مؤخرا على مقال للسيد عبد الكريم القلالي تحت عنوان " الخطابي ورفض مساعدة الخارج .. دروس وعبر للحركة الأمازيغية" (1)، ورغم أن هذا المقال لم يأت بجديد يختلف عما تعودنا سماعه من هؤلاء السلفيين الوهابيين، فيما يتعلق بروايتهم وموقفهم من الحركة الأمازيغية، إلا أن المسؤولية النضالية والأخلاقية، باعتباري ناشط وفاعل أمازيغي، تستدعي توضيح بعض الإشكالات والأمور التي طرحها الكاتب قي مقاله المذكور سابقا، وفي مقالات أخرى كذلك. بعد قراءة مقالات ذ. القلالي عن كثب نلاحظ سيادة منطق و منهجية التدليس والافتراء على التاريخ والواقع بشكل عام، وفي تناوله لموضوع الأمازيغية بشكل خاص، حيث إن أول ما سنلاحظه هو أن الكاتب يحرف تحريفا خطيرا لمواقف الحركة الأمازيغية، فعلى سبيل المثال وليس الحصر تطالب الحركة الأمازيغية بالعدل والمساواة بين اللغتين العربية والأمازيغية سواء على مستوى القانون، أو على مستوى تساوى فرص النماء والتطور أيضا، نجد أن الكاتب يتحدث في مقالاته عن " إحلال" الأمازيغية محل العربية ، حيث أورد يقول " الأمازيغ الذين يبغضون العربية ويبغضونها للناس وينادونا بإحلال الأمازيغية وغيرها من اللغات محلها "(2). هكذا يبتدع ويجتهد القلالي في تلفيق وتوزيع التهم المجانية في حق الأمازيغ، ومن ثم إشاعته للخرافات والأكاذيب، دون وازع ديني، أو أخلاقي، بينما هو يحدثنا باسم الإسلام !!؟ لكن عقل القلالي، ومن يلف لفه، لا يستطيع أن يستوعب حقيقية مواقف الحركة الأمازيغية، ومنها " إننا معشر الأمازيغ لا نكره العربية ولا نعاديها، بل هي عندنا بمنزلة الأمازيغية لغتنا الأصلية، ومشكلتنا مع غيرنا من ذوى الملل والنحل السياسية، هي أننا لا نفكر في الاحتفاظ بأحدهما والتضحية بالثانية " (3). كما أن النضال الأمازيغي من أجل ترسيم الأمازيغية، وتعميمها بعد ذلك على جميع مؤسسات الدولة والمجتمع ليس ضد واقع ومستقبل العربية، أو واقع ومستقبل أية لغة أخرى، لكن إذا كان من الضروري التضحية بأحد اللغات المتداولة في بلادنا، لأسباب ما، فاللغات الأجنبية هي التي ستكون مستهدفة بالدرجة الأولى. وفي هذا الصدد يقول الأستاذ احمد الدغرني حفظه الله " فالمغرب من البلدان التي تعنى بالفرنسية وأيضا من البلدان التي تهتم بإنتاج الكتاب الفرنسي وتمويل البرامج الفرنسية إلا أن هذا التدعيم الذي يقدم للفرنسية كان من مفروض إن يكون للأمازيغية التي هي من الذات المغربية "(4). والغريب في الأمر كذلك هو أن ذ. القلالي ينتقد الأمازيغ في سلوكياتهم التي يكرهها الدين، وتمقتها الوطنية حسب تعبيره ، ولا يبالي هو بنفسه؛ أي بسلوكه ومواقفه الشخصية، فهل التدليس والكذب من أخلاق المسلم النزيه والصادق؟ وما معنى أن يشارك هو بنفسه في أنشطة مشبوهة تمول من طرف جهات مشبوهة موالية لجبهة البوليساريو ، وبعد ذلك يأتي ويحدثنا عن الوطنية؟ فعن أية وطنية يتحدث عنها الكاتب؟ بل، والأدهى من هذا كله هو أن القلالى يقدم نفسه كمتحدث باسم الأمازيغ، مع أننا لا ندري من أعطى له شرعية الحديث باسم الأمازيغ، كما إننا لا ندري من أين جاء بفكرة وخلاصة أن الأمازيغ يحبون العربية أكثر من لغة أبائهم وأمهاتهم حيث يقول بالحرف " والذي ندين الله به – نحن المسلمين الأمازيغ – أن اللغة العربية لغة ديننا ونبينا وهي أحب إلينا من لغة أبائنا وأمهاتنا.."(5)، فهل محبة الله ورسوله يعني بالضرورة محبة العربية أكثر من لغة أبائنا وأمهاتنا؟ في جميع الأحوال، ما يجب أن يعرفه القلالي وأمثاله من الأمازيغ الراكعين للوهابية، والخاضعين لأمرائهم وأسيادهم في السعودية، هو أنه ليس هناك أي مسؤول في الحركة الأمازيغية المغربية - في الداخل أو الخارج - أعلن خروجه عن الإسلام، أو مناهضته للعربية، وبالتالي فلا داعي للقول " نحن المسلمين الأمازيغ"، وبالتالي العمل على تقسيم وتصنيف الأمازيغ على أساس ديني بعد ما كنا نقسم عرقي وجغرافي ( ريفي، سوسي، شلحي..)، فالأمر كله لا علاقة له بالدين، وإنما له علاقة بالسياسة. ومن جانب آخر إذا كان الأمازيغ يحبون الإسلام ونبيه، ويحترمون العربية أيضا باعتبارها جزء من كيانهم اللغوي والحضاري (6)، فهذا لا يعني بالضرورة أنهم يفضلون العربية على لغتهم الأصلية. انطلاقا من هذا التصور نرى أن الإسلام كدين ليس طرفا في الموضوع؛ أي في الصراع السياسي والأيدلوجي الدائر بين القوى السياسية والمدنية بالمغرب، إنما هو (= الإسلام) برئ مما ينسب إليه، وان الإسلام كدين في حد ذاته ليس ضد الخصوصيات اللغوية والثقافية للشعوب الغير العربية(7)، وبالتالي فإن المشكلة ليست في الدين بالذات، لكنها في كيفية استثماره في الصراع. انطلاقا مما سبق توضيحه وتأكيده، يتضح أن الإسلاميين لا يحددون موقفهم من الأمازيغية انطلاقا من القرآن، وإنما انطلاقا من المصلحة السياسية أولا، وانطلاقا من شعورهم القومي ثانيا، وبالانتماء إلى ما يسمى بالوطن العربي ثانيا، وبالتالي فإن موقفهم من الأمازيغية هو موقف سياسي وإيديولوجي بالدرجة الأولى، وليس موقفا ديني. الإسلاميون ومنطق " حلال علينا وحرام عليكم " : نرى، قبل الحديث عن الطرهات التي يشيعها ويقدمها القلالي كحقائق ومسلمات لا تقبل الجدل والطعن، نقدم أولا بعض الأمثلة التي توضح لنا أن الكذب والافتراء على التاريخ والواقع يعتبر جزء من منهجية هذا الكاتب، الذي يدعى الدفاع عن الإسلام ، فهو يقول على سبيل المثال فقط " أن الطعن في العربية هو طعن في الدين " (8)، أولا متى طعن الأمازيغ في اللغة العربية؟ وما هي الحجج القرآنية التي تؤكد أن الطعن في العربية يعتبر طعنا في الدين؟ ثانيا هل المطالبة بالعدل والمساواة بين اللغتين - الأمازيغية والعربية - تعتبر في نظر الكاتب طعن في العربية ؟ وهل حب العربية، وتفضيلها، شرط من شروط الإيمان والتقرب إلى الله؟ ثالثا ما هي النصوص الدينية ( =الآيات والأحاديث الصحيحة) التي تؤكد هذا الرأي/ الفتوى؟ ومن البدع التي ابتكرها الكاتب أيضا هو قوله أن الأمازيغ يريدون كتابة اللغة العربية بالحروف اللاتينية، صراحة لا ندري متى قال الأمازيغ بهذا؟ ومن قالها من قادة ومناضلي الحركة الأمازيغية؟ علاوة على هذا يتهم الكاتب الحركة الأمازيغية بالخيانة والعمالة للخارج، وبالتالي تلقيها أموال من الخارج، بل ويتهما بالتعامل مع الصهاينة أيضا، حيث يقول في هذا الصدد " تلك القضية هي العمالة للخارج والخيانة الوطنية، وقد بدت هذه العمالة غير ما مرة في تصريحات قادة هذه الحركة وسفرياتهم المشبوهة، ومزارهم المتكرر، واتخاذ الصهاينة سادة يزارون عند كل نائبة وملمة، وتمجيدهم العلني لهم، وتسبيحهم بحمد أولياء نعمتهم من الذين يمدونهم بالفكر والمال.." (9). صراحة، وبكل صدق، كنا سنكون سعداء جدا لو تفضل الكاتب وأفصح لنا عن أسماء القادة الأمازيغيين الذين يتعاملون مع الكيان الصهيوني، لكن مع الأسف، كعادته يطلق كلام فضفاض دون أية مسؤولية. كنا سنكون أيضا سعداء لو تفضل وأوضح لنا كذلك ما هي الشخصيات الأمازيغية ( لاحظوا جيدا الكاتب يتحدث عن قادة الحركة الأمازيغية وليس مجر مواطنين أمازيغ فقط) والجمعيات الأمازيغية التي تتلقى تمويل خارجي ؟ وما هو حجم هذا التمويل؟ وفي أي اطار يتم؟ وفي انتظار أن يكون الكاتب صادقا وشجاعا، ولو مرة واحدة في حياته، للإجابة عن الأسئلة والملاحظات التي أوردناها ضمن هذه المقالة نؤكد على ما يلي: أولا: قانونيا ليس هناك أي مانع في استفادة الجمعيات الأمازيغية، أو غيرها، من الدعم الخارجي وفق القانون المغربي الراهن؛ ثانيا: ليست هناك أية علاقة للحركة الأمازيغية مع الكيان الصهيوني ، وبالتالي فإنها لا تتلقى أي دعم من إسرائيل أو جهات أخرى، وعلى من يؤكد العكس أن يثبت لنا ذلك بالحجج والأدلة المادية، حيث أن البينة على من يدعي وليس العكس؛ ثالثا: باستثناء الزيارة التي قام بها الأستاذ احمد الدغرني حفظه الله لإسرائيل بدعوة من منظمة الأمن والتعاون التابعة للأمم المتحدة لم يزور أي زعيم ومناضل أمازيغي بالمغرب أو الخارج( أوربا) إسرائيل. بعد هذا التوضيح، وبعد متابعتنا للشأن الثقافي والسياسي بالمغرب، نرى انه كان من الأفضل على الكاتب أن يوجه انتقاده بخصوص التطبيع مع إسرائيل لأصدقائه الإسلاميين في حزب العدالة والتنمية، الذين استضافوا في مؤتمرهم الأخير ( المؤتمر السابع) الصهيوني المعروف برنشتاين، فكيف يسكت الكاتب عن مثل هذا العمل المرفوض شعبيا وأخلاقيا، وفي المقابل يقيم الدنيا ولا يقعدها عندما يتعلق الأمر بالآخرين؟ ولماذا لم يتفوه ، ولو بكلمة واحدة ، عندما استقبل البرلمان المغربي في عهد حكومة الإسلاميين عضو البرلمان ( الكنيست) الإسرائيلي المدعو دافيد ساركان؟ ونفس الشيء عن الدعم المالي الذي تتلقاه الجمعيات الإسلامية: كجمعية الشيخ المغراوي ، وحركة المجاهدين بالمغرب على سبيل المثال فقط. محمود بلحاج / فاعل أمازيغي لاهاي- هولندا للتواصل: [email protected] بعض الهوامش: 1: نشر المقال على الموقع الإخباري هسبريس يوم 28 يناير 2013 2: انظر المقال التالي " إعلام أولي النهي والإعلام بما بين العربية والأمازيغ من وئام وشذوذ مدعى الخصام" منشور على موقعه الخاص. 3: انظر كتاب " الأمازيغية في كتاب الإسلام السياسي " للمؤلف أحمد عصيد ، منشورات مجلة تاوسنا ، الطبعة الثانية_، ص 146 4: انظر حوار الأستاذ احمد الدغرني مع مجلة الفرقان العدد 38 ، ص 80 5: المقال السابق 6: حول هذا الموضوع انظر على سبيل المثال كتاب الأستاذ الصافي مومن علي " الوعي بذاتنا الأمازيغية" منشورات الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي _ الطبعة الأول 7: حول هذا الموضوع انظر على سبيل المثال كتاب " القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني" المرحوم محمد أركون/ ترجمة هاشم صالح ، منشورات دار الطليعة – بيرون – الطبعة الأولى. 8: المقال السابق 9: المقال السابق