الظاهر أنه في هذه البلاد أصبحت القاعدة الأساسية هي «اللي لقا شي ما يخطف يخطفو». وزير الشباب والرياضة أوزين «خطف ليه» ماستر من جامعة أمريكية في أقل من شهر، الكروج الوزير المنتدب لدى وزير التربية الوطنية والتكوين المهني «خطف ليه الشكلاط»، وزير الوظيفة العمومية مبدع «خطف ليه تميرات» أثناء استقبال الملك في الفقيه بنصالح، العنصر وزير التعمير وإعداد التراب الوطني «خاطف الحزب كامل»، حداد وزير السياحة «بغا يخطف الكرسي للعنصر اللي أصلا خاطفو لأحرضان اللي خطف ليه أراضي فوالماس ملي كان العنصر وزيرا للفلاحة»، الحيطي وزيرة البيئة سبق لها أن «خطفات» لشركتها صفقات مع وزارة البيئة وعندما وجدت قليلا من الوقت «خطفات رجيلاتها» إلى إسرائيل. وهكذا فإن القاسم الذي أصبح مشتركا بين الفاعلين السياسيين والنقابيين والحزبيين هو «خطف ليك ما حد بنكيران فالحكومة». فشعار «عفا الله عما سلف» الذي رفعه «خونا» شجع اللصوص والمفسدين على الجرأة على المال العام. ولعل أكبر مجال للخطفة هو قطاع الإعلام العمومي، فالميزانيات المرصودة لهذا القطاع من جيوب دفاعي الضرائب تسيل اللعاب، والسي الخلفي الذي جاء بدفاتره لكي يجلب العدالة والتساوي بين الشركات المشتغلة في القطاع تفرغ لمهاجمة القفاطين وتبرئة ذمته يوم القيامة مما تعرضه القنوات العمومية من «أعمال» يخشى سعادة الوزير أن تكون في ميزان أعماله يوم العرض. ورغم أن صفقات هذا القطاع أغنت كثيرا من «المكحطين» الذين كانوا لا يملكون ثمن فنجان القهوة فأصبحوا مليارديرات يدخنون السيغار ويشربون الويسكي الفاخر، فإن نسبة مشاهدة قنوات القطب العمومي تنذر بكارثة حقيقية بسبب تراجعها سنة عن أخرى. فآخر دراسة أعدتها «صيوميد»، وهي مؤسسة رسمية متخصصة في قياس نسبة المتابعة والمشاهدة في المغرب، فإن نسب مشاهدة القنوات العمومية احتلت فيها «القناة الثانية» الصدارة بنسبة 24.4 في المائة، تليها «القناة الأولى والأولى الدولية» ب9.3 في المائة، ثم «ميدي 1 تيفي» بنسبة 7.8 في المائة. لكن الكارثة هي أن الدراسة خلصت أيضا إلى أن 52 في المغاربة يميلون إلى مشاهدة القنوات الأجنبية. ورغم كون القطب العمومي مستمرا في فرض سيطرته وهيمنته على القطاع السمعي البصري في المغرب، فإن عدد المغاربة الذين يشاهدون الإعلام الأجنبي لا يتوقف عن الارتفاع. وبلغة الأرقام، فما بين 34 مليون نسمة عدد سكان المغرب، لا يشاهد القنوات العمومية إلا 15 مليون مغربي فقط، علما أن القناة الثانية والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تكلف المواطن المغربي 1.7 مليار درهم في السنة يدفعها على شكل ضرائب ورسوم. وبعملية حسابية بسيطة، تبلغ تكلف التلفزة العمومية كل مواطن مغربي 113.000 درهم. وفي مقابل هذه التكلفة الباهظة، يقدم القطب العمومي للمشاهدين باقة من البرامج الموزعة بين مسلسلات أجنبية مترجمة إلى الدارجة تبلغ نسبة عرضها 60 في المائة من مدة البث، وإعادة بث برامج على امتداد اليوم، إضافة إلى نشرات الأخبار التي لم يحدث عليها أي تغيير منذ عشر سنوات، وفي الأخير، سهرات تشاهد فيها نفس المواد بشكل متكرر ومستمر. ورغم هذا المحتوى البئيس والفقير والمتهافت الذي تقدمه قنوات القطب العمومي فإن هناك شركات «ضربات يديها» في صفقات هذا القطب. وأكبر مثال على ذلك الشركة المنتجة لبرنامج «لالة العروسة» والتي تجني حوالي 2 مليار و437 مليون سنتيم وتحصل على نسبة 7،58 في المائة من الميزانية الإجمالية لقنوات القطب العمومي. ومتابعو هذا البرنامج ومعجبوه من حقهم أن يعرفوا أن «لالة العروسة» يكلف مليارا و59 مليون سنتيم والحلقة الواحدة تنتج بأكثر من 117 مليون سنتيم. القضية إذن أكبر من سهرة للقفطان أخرجت الوزير الخلفي عن طوعه، رغم أن السيدة حرمه فعلت المستحيل لكي تتدبر دعوة لحضور هذه السهرة. القضية أكبر إلى درجة أن فيصل العرايشي خرج عن صمته المعهود لأول مرة في ندوة نظمها معهد الإعلام والاتصال بالرباط مستنكرا توقيف برنامج صديقه عثمان بن عبد الجليل «لالة لعروسة» من خريطة البرمجة التلفزيونية مدة سنتين بعد إقرار دفاتر التحملات الجديدة، معتبرا أن البرنامج يجلب عائدات إشهارية مهمة، متناسيا كونه مديرا عاما لقنوات القطب العمومي وأنه ملزم بواجب التحفظ وعدم الدفاع عن مصالح شركة «بيبليك برود» منتجة برنامج «لالاهم العروسة» الذي تصور حلقاته باستوديوهات «سيندينا» المتواجدة بضواحي الدارالبيضاء، حيث تشترط الشركة المنتجة على المشاركين توقيع عقد مدته أربع سنوات، يمنع منعا كليا على المتسابقين تقديم أي تصريح صحافي أو المشاركة في أي برنامج أو تقديم وصلات إعلانية دون الرجوع إلى أسرة البرنامج. المشكلة أن مصادر من داخل أسرة البرنامج أفادت أنه تم تسريب نتيجة برنامج لالة العروسة، إذ أكد المصدر أن لقب «لالة العروسة» الذي تبثه الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية مسجلا مساء كل سبت انحصر بين ممثلي مدينة كلميم شيماء العباد وسمير العزوزي وممثلي مدينة مكناس زكريا الحوسني وإسماعيل عليلي، مما سيضع منتجي برنامج «لالة العروسة» في موقف محرج ليلة السبت، بحكم أن النتيجة أصبحت معروفة سلفا. أما في ما يخص أرقام شركة «بيبليك برود» لصاحبها المحظوظ عثمان بن عبد الجليل، والذي ظل لسنوات وما زال، يهيمن على أغلب البرامج التي تنتمي إلى صنف تلفزيون الواقع، فبرنامج «لالة لعروسة» الذي بلغ موسمه الثامن كلف إنتاجه مبلغا يتجاوز 117 مليون سنتيم للحلقة الواحدة، علما أن عدد حلقات الموسم الواحد يبلغ تسع حلقات ومدته الزمنية 90 دقيقة، مما يعني أن كلفة الإنتاج الموسمية لبرنامج «لالة لعروسة» تتجاوز المليار و59 مليون سنتيم. فضلا عن التزام الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية بالمساهمة في إنتاج حلقات البرنامج عبر توفير الوسائل والإمكانيات التقنية وغيرها عن طريق الإنتاج المشترك يعني «الحبة والبارود من دار القايد». وبالنسبة إلى الوزير الخلفي الوصي على قطاع الإعلام والذي قال في تدوينة نشرها على حائطه بالفيسبوك من قطر التي طار إليها من موسكو «إن الوزارة تقدر وتنوه بما تداولته صحف بخصوص ما لوحظ من فوز شركات محدودة بصفقات متعددة، مما يوقع في الاحتكار والهيمنة، مشددا على أن أية ممارسات تخل بالمنافسة وتكافؤ الفرص وتؤدي إلى الاحتكار هي مخالفة لمقتضيات الدستور والقوانين»، فإنه لا يسعنا سوى أن نطلع سعادته على ما تجنيه الشركة المنتجة لبرنامج «لالة العروسة». فبالإضافة إلى «لالة لعروسة» وما تجنيه من أرباح فإن نفس الشركة المنتجة حصلت على الضوء الأخضر لإنتاج برنامج مسابقات ترفيهي يتكون من 42 حلقة ومدته الزمنية 26 دقيقة تصل تكلفته إلى 378 مليون سنتيم وتشارك القناة الأولى في دعم إنتاجه أيضا، كما ستتكلف شركة «بيبليك برود» بإنتاج برنامج خاص بالمسابقات يتكون من 40 حلقة، مدته 52 دقيقة كلف القناة الثانية 25 مليون سنتيم للحلقة الواحدة مما يعني أن شركة عثمان بن عبد الجليل ستجني كذلك حوالي 1 مليار سنتيم إضافية . وبهذا تمكنت شركة عثمان بن عبد الجليل من حصد حوالي 2 مليار و437 من مجموع ميزانية القناة الأولى والقناة الثانية التي قدرت بحوالي 32 مليارا و171 مليون سنتيم، لتستحوذ بذلك على نسبة 7.58 في المائة من ميزانية القناتين . «بقا ليهم غير يكتبوهم ليه فسميتو وصافي». وعلى سبيل التذكير فالمنتج ذاته قدم مجموعة من الأعمال هيمنت منذ سنوات على القناة الأولى ساعة الذروة كبرنامج «القدم الذهبي» الذي شرعت القناة الأولى في بثه سنة 2004 واستمرت حلقاته إلى 2009 وبرنامج الطبخ «الحماق والمذاق». «كاين شي حماق قد هادا»؟ مدير نشر جريدة "الأخبار"