عندما اغتيل المعارض اليساري شكري بلعيد والتحق به رفيقه محمد البراهمي دبج الرفاق، والرفاق وحدهم، بيانات التنديد ب “الإرهاب” وساروا في مواكب الغضب ضد الظلامية والتكفير. وعندما اغتيل المآت من أنصار “الإخوان المسلمين” في مصر، حرر الإسلاميون، والاسلاميون وحدهم بيانات الاستنكار ضد “المجزرة”، وخرجوا في مسيرات الاحتجاج ضد الإقصاء والاستئصال. اليساري الذي اغتيل في تونس والإسلامي الذي أبيد في رابعة العدوية، كلاهما خرجا بالأمس القريب قبل سنتين فقط، جنبا إلى جنب، للتظاهر ضد الاستبداد والفساد. كلاهما كانا بالأمس القريب رٌمح الثورة وذرعها وظهرها. كان اليساري يحمي الإسلامي وقت سجوده وركوعه في ميادين الثورة، ووقف الإسلامي شاهرا سبابته ومفردا صدره ومعلنا شهادته وهو يحمي اليساري من رصاص القناصة ويصد عنه الإبل الجفلانة يوم واقعة الجمل. كيف صار الدم، دمين، دم المغتال ودم المغدور. وكيف أصبح الشهيد شهيدين: شهيد الجنة وشهيد الحرية؟ كيف استحال الدم إلى مداد رخيص لصياغة البيانات وتدبيج الخطب وتلوين اللافتات وتزيين الرايات لتسيير المسيرات والمسيرات المضادة؟ أليس باسم الحرية كل هؤلاء ماتوا؟ ومن أجل الكرامة استشهدوا؟ ولنفس الوطن، بأرواحهم، ضحوا؟ فمتى كان الدم إسلاميا حتى يطالب به اليساري؟ ومن أفتى بأن دم الشهيد نصفه حلال ونصفه حرام؟ أليس هو نفس اللون الأحمر القاني الذي سقى الأرض تحت عتبات الشقق المتواضعة للمناضلين في تونس، وروى الترى في ساحات المواجهة بميادين القاهرة ومساجدها؟ عندما تنمحي أثار الدم بأزقة الأحياء الخلفية في تونس، وتختفي بقعه من ميادين القاهرة، ستستحيل شعارات المظاهرات التي تملأ الشوارع اليوم إلى غبار، وسنكتشف كم استرخصنا من دماء من أجل معارك لا تثير سوى النقع الذي ورثناه منذ داحس والغبراء، التي ما زالت تختزل حياتنا ما بين من حد السيف وسرعة الرمح، وترهننا بين من يمسك الزناد ومن يركب العناد.