«غزوة شباط»... هذا واحد من العناوين التي يمكن إطلاقها على مسيرة الاتحاد العام للشغالين، أول أمس بالرباط، بمناسبة فاتح ماي. زعيم حزب الاستقلال حشر آلاف العمال من كل المدن والأقاليم في 1800 حافلة، وحط الرحال في شارع النصر، ثم أخرج مدفعيته، وشرع في إطلاق النار في كل اتجاه قائلا: «إن نصف أعضاء الحكومة (أي وزراء العدالة والتنمية) عفاريت وتماسيح، وإن وزيرا في الحكومة الملتحية دخل إلى البرلمان في حالة سكر، وإن وزراء بنكيران لا يحترمون قانون السير، ويسوقون سياراتهم بسرعة 200 كلم في الساعة وسط المدن، وإن بنكيران إذا لم يستجب لمطلب التعديل الحكومي فعليه أن يرحل، وإن المستقبل مظلم، لكننا سنبقى في هذه الحكومة إلى نهاية ولايتها»، هنا رد عليه «شعبه» بشعارات تقول: «حكومة الخوانجية قهرونا شعبوية»... بنكيران في البيضاء كانت تصله أصداء ما يقع في الرباط، ولهذا رد على غريمه شباط، وهاجم من سماهم «سماسرة الجماهير، الذين اعتادوا توزيع الأموال باسم النضال»، مؤكدا أن «المشوشين على الحكومة لن يزيدوها إلا شعبية، وإن المخلوضين يريدون الرجوع إلى اقتصاد الريع وتوزيع عمولات الصفقات». من العبث أن نقول لشباط: «إنك تناقض المنطق، وإذا لم تكن راضيا عن هذه الحكومة، فلماذا تشارك فيها؟ وكيف تنتقد قرارات مالية جاء بها وزير حزبك في المالية، نزار بركة؟». من العبث تذكير «الشعبوي» رقم واحد في المملكة بأن أكل الغلة وسب الملة لا يليقان بزعيم سياسي يقود حزبا له تاريخ وبصمات في مغرب الاستعمار والاستقلال. لا فائدة من ذلك، فشباط يعرف ماذا يصنع. إنه يلعب دور المعارضة داخل الحكومة، فهو مثل «مسمار جحا» وسط البيت الحكومي. لا يهمه أن يخلط كل الأوراق، وأن يتحدث عن تخفيض ميزانية الاستثمار، وعن وزير اتهمه بالسكر العلني في البرلمان، وعن التعديل الحكومي، ووزراء يسوقون بجنون في شوارع المملكة... إنه يخاطب «الجماهير» على قدر عقولهم، ويصعِّد الخطاب «الشعبوي» إلى أقصاه لأنه يعرف أن هذا هو السلاح الذي بقي في يده. شباط يلعب دورا في مسرحية ألفها آخرون، ولهذا فإن خلط الأوراق بين معارضة وحكومة، وحلفاء وخصوم، وسياسة وتهريج... هو المطلوب منه تماما، حتى لا نصل إلى مشهد سياسي عقلاني، وحتى نكره القلة القليلة في السياسة والانتخابات والشأن العام... من حق شباط أن يلعب على أكثر من حبل، لكن الذي يجب أن يعرفه ويستوعبه «عقلاء الحزب» أن الاستقلال، بانخراطه في هذه اللعبة، يصير «جماعة ضغط» لها دور تقوم به ثم تنصرف. لن يعود الاستقلال حزبا يشكل بديلا، تماما مثل فريق لكرة القدم، عوض أن يلعب مباراة نظيفة، وأن يسعى إلى إحراز البطولة أو الكأس، فضل على كل هذا دور الفريق الذي يدخل إلى الملعب لإفساد اللعب، واستعمال الخشونة والضرب والصراخ، وكل هذا من أجل دفع الحكم إلى توقيف المباراة، أو استفزاز الجمهور وإجباره على مغادرة الملعب لأن الفرجة انقلبت إلى معركة... رئيس الحكومة اعتبر، منذ مجيء شباط، أن هذا الأخير يصرخ لكنه لا يعض، وأن شغبه على هامش العمل الحكومي يزعج لكنه لا يضر، لكن الآن شباط أصبح يجيش الشارع ضد حليفه، وأصبح جزءا من آلة الحرب ضد الحكومة، ولهذا عليه أن يجد بديلا لهذا «الطائر» الذي لا يغرد فقط خارج السرب، لكنه يصوب بندقيته باتجاه هذا السرب الهائم وسط الغيوم والأعاصير. هذا ليس معناه أن بنكيران بلا أخطاء وبلا تقصير، وأن حكومته نموذجية، أبدا. لكن ليس من صلاحيات شباط أن يمارس المعارضة وسط الحكومة... هذه حفلة تنكرية وليست ممارسة مسؤولة. كل يوم تدخل البلاد إلى نفق جديد، وتغوص أقدامها في أكوام من الطين المبلل، فتصعب عليها الحركة، وتظل مشغولة بنفسها عن مآل الأمة وقضايا الوطن.