يعد الرايس سعيد بيزران المعروف بأشتوك أحد الفنانين المجددين في تقديم المضمون الشعري وتبليغه ضمن إطار فن "تارايست" حيث استطاع التأثير على جيله من الفنانين الكبار أمثال: أهروش – الدمسيري – بيهتي… وفرض مكانته في مدرسة تيزنيت-أشتوكن للغناء التي ينتمي إليها الحاج بلعيد وأنشاد وبودراع وجانطي… كما كان لخطه الفني استمرار بفضل الفنانين الذين تتلمذوا في فرقته. وقد ولد الرايس سعيد بقرية بيزوران، قبيلة إدَاوْبوزيا في الثلاثينات، وكان أبوه فقيها مشارطا أصله من أيت صواب (قرية أيت واغزن)، وعلى يد أبيه تعلم القراءة والكتابة وحفظ شيئا من القرآن في كتاب القرية، لكن سرعان ما تعاطى للعمل، وأخذه ولع بالشعر والغناء سواء بالآلة أو بالدف في مراقص "أجماك" بالمنطقة ، وكان يحاكي في الغناء الفردي جيل الرواد (بلعيد، أنشاد، بودراع…..) ويتحلق حوله المعجبون به من الصبيان والشباب. وفي سنة 1958 سيتعرف على أحمد أمنتاك عن طريق عبد الله أشتوك، ثم ينضم إلى فرقته، ليشكل بعدها فرقته الخاصة من العازفين والمنشدين مثل: عبد الله بيزنكاض – عبد الله أشتوك – عبد الله أعشاق – العربي أسموكَن – جامع الحامدي – لحسن الفطواكي – إبراهيم أشتوك – جامع أزيكي … ثم من الفنانات: رقية الدمسرية – فاطمة الناشطة – وفاطمة تباعمرانت… كما أن أشتوك فرض مكانته بين جيل قوي من الروايس أمثال: عمر واهروش – محمد ألبنسير – عبد الله بن ادريس – أحمد بيزماون – المهدي بن مبارك – إبراهيم بيهتي… حيث أُنشدت أروع القصائد، واشتدت المنافسة في النظم والتلحين وتجويد الأداء، كما نشأت معارك أدبية شعرية خفية تارة وظاهرة تارة أخرى. وبفضل شهرته الواسعة، وكثرة محبيه، والشغوفين بسماع روائعه، قام بزيارة عدة دول أوربية، كما أحيى حفلات لمحبيه في جل مناطق الوطن، وهو ما يفتخر به في عدة قصائد، مذكرا بأن المال والطمع ليسا غاية لفنه، والملاحظ أنه لا يستغرق في المدح إلا إذا أيقن أن الممدوح أهل لكل ثناء وحسن ذكر، متجنبا الاستجداء الذي أفقد بعض الشعر قيمته، وحط من قدر أصحابه في أعين المتلقين، ولم يُعرف عن أشتوك أنه غنى في "الحلقة" –كما هي عادة الكثير من الروايس- إلا مرة واحدة كان فيها متفرجا ثم اضطر للدخول إلى حلقة أستاذه أحمد أمنتاكَ بأكادير للدفاع عن هذا الأخير بعدما سمع كلاما أثر فيه خارج الحلقة.1 وعن ثقافته الموسيقية، فقد أتقن الضرب على "تالُّونت" (الدف) منذ الصغر، ثم تعلم العزف على "لوطار" فأتقنه كما أتقن العزف على "الريباب"* والضرب على "الناقوس" فجمع بين التوقيع على الآلات الوترية، وإتقان الإيقاع وتجويد الأداء بفضل ما يتمتع به من حنجرة جيدة، ويكون في أوج عطائه وسعادته حينما يساعده المحترفون في فرقته ولا يتغيب منهم أحد، ويلتقي بجمهور متذوق يجمع بين التلقي الواعي والمتعة الفنية. وفي جانب آخر لم تكن لدى الرايس سعيد ثقافة مدرسية عميقة، ولكن ثقافته كانت شعبية ممتازة تمتح من الخبرة بالحياة ومن عمق التجارب، فهو يمتلك دراية بعادات سوس وتقاليدها، وله علم واسع باللغة الأمازيغية السوسية، يعرف الألفاظ المؤثرة، ويتقن بناء العبارة والصورة الشعرية الأخاذة، ويوظف المثل والتشبيه والكناية، خصوصا في غرض كثر فيه النظم كالغزل وبات التجديد فيه أمر صعبا، كما كانت له ثقافة دينية تشوبها نزعة صوفية من حيث الاعتقاد في الزوايا والأولياء والصالحين المتبرك بهم، والداخلين في طقوس الاجتياز الشعري (أحمد أوموسى، مولاي إبراهيم، مولاي الحاج..)، كما يظهر بجلاء في مقدمات قصائده المشهورة. أما اجتماعيا فقد كان أشتوك عضوا في جماعة بلفاع وشحه السكان بوسام تمثيلهم بعد أن أسدى للناس وللمنطقة خدمات جلى، كما كان محبا لكرة القدم مدعما لأندية المحلية في: بيوكَرى، أيت ملول، إنزكان وبنسركَاو، ماديا ومعنويا، كما أنه فلاح مثابر وبناء مجد لا يتوانى عن تقديم يد المساعدة لكل من التجأ إليه من أبناء المنطقة. توفي الرايس سعيد يوم 07/09/1989 وترك تراثا أكثره مجهول طاله النسيان والاندثار2، أما أغانيه المشهورة فهي: أيامارك، ضيامان، ألايهنيك، ليقامت، لاوصاف ن زين، تاماضونت، رواح أنمون،... وغيرها كثير. مدرسة للشعر والغناء: من أهم السمات التي تميز بها المسار الفني للرايس سعيد والتي يشترك فيها مع بعض عمالقة مدرسة تيزنيت – أشتوكن ما يلي: 1.رفضه لتسجيل أغانيه استجابة لرغبة والده –الفقيه- الذي كانت له رؤية متشددة تجاه الفن، وهو نفس موقف الحسين جانطي وإبراهيم بيهتي رغم اختلاف الأسباب. 2.ممارسته للإرتجال الشعري في حفلات "أجماك" السائدة بأشتوكن حيث تحاور مع الشعراء "إيماريرن". 3.إتقانه لشعر "أساراكَ" في السهرات الغنائية، وهو ما أكسبه احترافية عزّ نظيرها، واكتسب من خلالها نفسا شعريا طويلا لا يُشعر الناس بالرتابة والملل. 4.تميزه بذوق أدبي رفيع يمكن من توظيف كثير من التراث الأدبي والشعري في سياقات مناسبة ولأغراض محددة. 5.الإبداع في الألحان بإنتاج المؤثر منها والقادر على الأخذ بألباب المتلقين. 6.أداء المنظومات الغزلية الخارجة عن المألوف والمتميزة بالتعفف مع تثوير العاطفة وتوليد المعاني المختلف بفتح المجال واسعا أمام التأمل والتأويل والتخييل. هذه السمات وغيرها جعلت الرايس سعيد يندمج كلية في عملية الإبداع والأداء الفني، مما يعطي لفنه طابع الأصالة والإنسانية والاحترافية، ويذهب البعض إلى أن الفراغ الذي تركه في فن تدبير السهرات لا يمكن تعويضه، يقول إبراهيم بيهتي في رثائه: أشتوك سعيد لكمخ تاوالانس رايس ؤساراكَ ؤلا لياقين نس ئخد ئفوغ ئكَلين س ئسوياسن ئخد ئلوح لهاوا ورا صرموين أرد ئلين ئزلاين ن تافوكت وايني غاساد ئموت خيصينانخ ؤرتا جود ئبايين واناونس3 فلا يمكن إذن وصف الرايس سعيد بأقل من أنه "مدرسة للغناء" لا يمكن حصر مميزاتها في هذا الحيز الضيق، ويبقى أن صاحب هذه المدرسة يقدس الفن وممارسته، وحرص على أن يكون ومرافقوه في احترام دائم للضوابط الأخلاقية والمهنية اللازمة في إحياء الأفراح والتعامل مع الجمهور، ومن هذه المدرسة تعلم الكثير كل شيء تقريبا عن "تارايست" كما قالت رقية الدمسيرية. ورغم كل هذا، لم يسلم شخص الرايس سعيد ولا فنه من الانتقادات المختلفة، وأقساها تلك التي جاءت على لسان الجاهلين به وبقيمته الأدبية، والذين يصدرون الأحكام على ظاهر الممارسة الفنية ولا يدركون أبعادها الحقيقية، وما تستلزمه من معاناة مستهدفين تدمير نفسية الفنان والحط من منزلته، وقد كان للرايس محمد الدمسيري موقف جد مشرف في الدفاع عن رموز الشعر الأمازيغي، متنزها عن الحسابات الشخصية الضيقة، ومتأسفا على وضعية الفنان الأمازيغي المادية والمعنوية أمام واقع لا يرحم، أعطى كل الامتياز للأغنية الشرقية ممثلة في: عبد الحليم حافظ، منافحا عن: أهروش، المهدي بن مبارك، جامع الحامدي، محمد بونصير وبيهتي، والرايس سعيد، حيث يقول عنه: أك ئفسي ربي خ ؤسكرف أييموريكَ ئما تكَيت ئكَيكَيل كَاخ نكي واياض (…) كويان دمكنا كَيسن ئتيني دلعيب ئخا تسلان ئواشتوك سعيد ئبيد ناناس هان ئلا كَيسن شيكي دلغرض4 أما النقد الموجه لفنه وقصائده، فيلخصه في عجزه عن النظم، وتكراره كل مرة للقصائد القديمة التي لا يتوقف عن غنائها، فيقول الرايس سعيد مقرا بأن النقد قد توصل به، فرد عليه قائلا: أداخ ئنيخ ئويليد غيد ئما كَارن أشكو يلا مايس ئنان ؤرا تنضامن غايلي بدا تينين ؤرات تبادالن5 وفي رده الذي لم يكن حاد اللهجة، يربط بين التوقف عن البحث ونظم الجديد من القصائد، وبين فساد الذوق وتردي وضعية الساحة الفنية، وانتشار القرصنة المنظمة* التي لا تكتفي بسرقة إبداع الآخرين بل تتجاوزه إلى التحريف لتحقيق مآرب مادية، فالسؤال إذن ليس عن أسباب انعدام الإبداع عنده، بل هو عن جدوى الإبداع في واقع يغتال المبدع رمزيا باغتيال شعره: ؤرد ئس ؤكَيخ أفلان أوكان تنضامخ أنيت نضمخ أقصيد نزكَا لحسابنس ياكرت كرا لمسخوط أركَيس تخرباقن6 أما توجهه الواضح، فيبرره بما يعانيه هو شخصيا من معاناة عاطفية لها امتدادات في ماضي الشاعر/الإنسان، لذلك يستحيل التخلص من الذكرى ومن العشق الذي وشم في الذهن والعاطفة، يقول: أح أربي يان خ ئلا لحوب ئكَابلن ؤرسار ئلا صاحت ؤلا يصمد لغرضنس7 ومن خصال الرايس سعيد أنه تجنب الهجاء دائما، وتنزه عن الصراعات التي تحدث بين الروايس لسبب أو لآخر، وهو سلوك نبيل يفهم صاحبه أن تجريح الآخر وإن كانت فيه المتعة للبعض فإنه يتعارض مع نبل الرسالة الفنية، ويحط من منزلة "الرايس" خصوصا حينما يصل الهجاء إلى الفحش والتشهير بالأعراض وتبادل التهم، لذلك حافظ الرايس سعيد طيلة حياته على علاقات أخوية طيبة مع جمهوره، ومع كل الفنانين والشعراء والروايس كيفما كانت منزلتهم، مبتدئين أو محترفين، لا يتوقف عن التشجيع والتحفيز، ورغم أن الكثير من الروايس كانت لهم مواقف متشددة تجاه "المجموعات"، إلا أن الرايس سعيد كان يشجع بعضها كما هو الشأن بالنسبة لمجموعة "أيت العاتي" بأيت ملول، ومن كل هذا نفهم كيف أن الرايس سعيد "عاش عزيزا ومات عزيزا" على حد قول الرايس جامع الحامدي، ونفهم لماذا كان نصيبه وافرا من قصائد الرثاء التي خصه بها الكثير من فناني الأمازيغية وشعرائها، رغم أنه لم يدخل منافسات الشهرة، ولم تثنه الإغراءات المادية التي يقدمها أصحاب شركات التسجيل عن الوفاء لمبدأ وعهد قطعه مع نفسه وأبيه. لم يجدد الرايس سعيد في شكل الغناء المعهود في أشتوكن، ولكنه جدد في الموضوع الغزلي، وجعل القصيدة تستقل بالغرض الواحد متناولة كل جزئياته ومحافظة على وحدتها الموضوعية الداخلية، وإن امتدت ظاهريا إلى تناول عناصر أخرى من قبيل الوصف أو الفخر أو النقد الاجتماعي لأوضاع المرأة في علاقتها بمجتمع ذكوري تقليدي لم يع بعد المفهوم الحقيقي والشامل للحياة "تودرت" وما يستلزمه من عمق الإحساس بالوجود والجمال في الجسد والكون، كثيرا ما تحدث عن قيمة الجمال (أفولكي)، يقول: أفولكي كاح ئسا بنادم زود أمان وانّا دار لاّن ئزريكنت أدونيت8 وربما كان الجمال الأنثوي سببا لإطالة عمر من يمتلكه، في إشارة إلى السعادة والراحة النفسية التي يعيش فيها من احسن الاختيار، فالتملك الحقيقي للسعادة هو تملك للجمال، يقول: يان رايصبر ياوي زين أشكو يستاهلات لعشرت ن زين أر تزاياد خ لعمر دؤسان لعشرت ن واروش إسكا تناقاص لعومور والغزل هنا غرض شعري يختلط فيه الذاتي بالموضوعي، ويحاول الفنان أن تكون قصيدة الحب "تايري" كشفا لمعاناة كل محب، تحمل كل العمق العاطفي الإنساني، وتثير المشترك البشري في مجال جغرافي وثقافي معين، مع جعلها كأي خطاب شعري، تتفجر بالتأويلات المختلفة، والدلالات المتعددة، ويضيف إليها الأداء الفني تمكنا راسخا في وجدان المتلقي، وهي مناسبة للقول بأنه إذا كان شعر "سيدي حمو الطالب" يتميز "بسحر الحكمة" فإن الرايس سعيد تميز ب "سحر الأداء"، وكثيرا ما تتوقف الآلات لتمكن الأذن المتلقية من الإنصات المباشر والطبيعي لصوت الفنان في مواويل لا يتسع المجال لذكرها، ولا زالت الذاكرة الشعبية محتفظة بجلها. غير أننا نؤكد أن موضوع الغزل وإن كان مهيمنا على مجمل نصوص أغاني الرايس سعيد، لدرجة أنه صار محل انتقاد بسبب ذلك، وقد أشار إليه في إحدى قصائده: ئلا مايس ئنّان ئكَا رّايس والاكينّْ غاين أرداخ ئتنضام غار ف تمغارين أغار ئبلا س لحوبّ أر فلاس ئساوال ورد عليه بما يناسب في موضعه، فإن "أشتوك"، أبدع في المدح حيث جعله وسيلة لتقديم ملف مطالب السكان الاجتماعية (تعليم، صحة، طرق…) كلما سنحت الفرصة، خصوصا حينما يكون الممدوح شخصية سياسية أو إدارية تتولى تدبير الشأن العام، وفي الوصف توقف عند جمالية الأمكنة وخصائصها الطبيعية وما يسود فيها من قيم اجتماعية راقية، كما جاء في قصيدة "بوسالم" التي يقول في مطلعها: بسم لاّه أتينيخ نعاود ئنيخت إنات ؤمزيل ئخ يوت ؤزال ئخدم طاعت ؤكان ئلهو د لكمامي والا يبورين معاني النقد في الرؤية الإجتماعية عند الرايس سعيد أشتوك: تتشكل الرؤية الاجتماعية عند الرايس سعيد من مجموع التصورات المقدمة حول الوضع الأخلاقي والاجتماعي الذي سجله وصور علاقاته من الداخل والخارج معا، وهو ما جعله ينتقد الفاسد من السلوك والأخلاق ويبين آثاره السلبية، كما جعله يشيد بالصالح أو داعيا إليه مبينا مزاياه أحيانا، سواء في القصيدة الغزلية أو الاجتماعية أو الدينية، حيث تغيب الفواصل والحدود أحيانا، ويحضر تداخل الأغراض لتشكيل مقومات الفكرة النقدية التوجيهية في الشعر، والشاعر يوسع من دائرة الرؤية إذ حينما ينظر إلى نفسه أو لأي فرد فإنما ينظر للمجتمع أو للنفس البشرية في كليتها وما تصنعه من سلوكات بارزة في الواقع المعيش. 1.استغلال المرأة: يرى الرايس سعيد أن الضعف هو الذي يجعل قابلية الإذعان للظلم والاستغلال ممكنة، فكل قوي له إمكانية استغلال الضعيف، وكل ضعيف غير محصن ضد الظلم: أوالي يكَان الضاعيف رايش أكوراي واستغلال المرأة سلوك مناف للمروءة، خصوصا حينما يتعلق الأمر باستغلالها من طرف زوجها الذي يقتات من عرق جبينها دون أن يبذل أي جهد لمساعدتها، يقول: أرجلي سكرن أهيضور خاماس ن وامار يازن تامغارت س لوزين ييري سيمانات ئخن تنسا غييض ؤرفلاس ئلي يات وتبلغ الوقاحة قمتها حينما يتعاطى الرجل لأنواع الترفيه والتسلية بينما تعاني زوجته من أعباء العمل ومشاقه: يازنت س لوزين ييري كرا لّحسابي دون س لقهوا يامز أخوتي لحليبي لعبن كَيس لكارطا يامز لعوضودي ورغم ما تعانيه المرأة من متاعب صورها هذا الشعر، تؤدي الأنانية بالرجل إلى اتباع شهوته الخاصة وتناسى التزاماته تجاه أسرته، والشاعر يندد بهذا السلوك عن طريق دعاء ديني يحجب الرحمة عن كل من تملص من مسؤوليته، يقول: أور ئرحم ربي يان ئفوغن ؤكان أغاراس ئفل أرّاو ؤراك لسين ئضفور شاهاوات وكم من رجل أنساه الجمال كل شيء، فذهب يلهث وراءه دون كوابح، حتى أفقده كل ما يملك وأوصله إلى بر الإفلاس، وهو نفس المعنى الذي أراده في قوله: إناخ كا يزرا زين ئتلف ئضفرتن زود ئفيس أراسن اكان أر أس نات سيزين إبالاك فالشهوة من هذا المنطلق خطر يفقد الصواب والقيمة والمال، ويجعل صاحبها ضحية لأمواج الحياة العاتية التي لا ترحم: شاهوا تجليت ؤكان مدن فكان إتا كَانين 2-الشعوذة: إذا كانت الشعوذة أسلوبا خرافيا يتفشى في المجتمعات التقليدية، ويهدف إلى السيطرة على الحاضر، وضمان شيء من المستقبل، فإنها حظيت بتناول شعري هام من طرف الرايس سعيد في ارتباط بالمرأة والزواج وغيره، ولا يخلو التناول أحيانا من تصوير فكاهي، خصوصا حينما تحدث عن بائع مواد الشعوذة الذي لا يتردد في التحايل على الناس بالكذب والخداع، كما في الأبيات: ئعمر كرا تيحبوبين سرسن تيكمسين ئسرس إلم واغاض أرتن ياكا س ئفيس ئكرف ئقجدر خ ؤضار أراسنت إمال وأهم ما توظف فيه الشعوذة، هو امتلاك الزوج بما يعنيه من إمكانية التساكن والعيش وضمان المستقبل من طرف المرأة، لكن التفريق بينه وبين والديه وارد في حسابات المرأة الشريرة / المشعوذة، يقول في ذلك المعنى: لاّن لحروز وداين ؤلا تيكمسين أت ؤكان ؤتنت ئكَاور أمر خ لماحال ئحان ئصدوقور إباس والا سول إناس نكرن إلكَرد لباب إفكاسنت تاساروت أر ئتيكسوض إخد أوكَان أيش أكوراي واشتكى الرايس سعيد من تعرضه لأعمال الشعوذة ومختلف أنواع الإساءة المعنوية بدافع الحسد، وذلك لإيقاف ممارسته الغنائية، والتأثير في جمهور محبيه الذين يطلبونه لإحياء أفراحهم، وهو ما أشار إليه بقوله: ؤرمن لحروز أد ئكَوتن ؤلا تيكمسين ولا لبخور ؤر ئكي لحال مكلي ران ؤرمن ئدبو لكدوب أرتن فلي توصون ناناس هان ئمنع ئح سول ئلا خ لفرح 3.الحسد: رصد الرايس سعيد آفة الحسد في المجتمع وتحدث عن تفشيها، وأرجع إليها كل الأخلاقيات السلبية، ولئن كانت مرضا نفسيا يدفع بصاحبه إلى إلحاق الضرر المعنوي بالمحسود، فإنها جنت على المجتمع –في نظره- لأنها أدت إلى إفساد الحياة وتقليل البركة فيها، يقول: أركا نتيني ما ياغن غاياد ن دونيت ليخ تفوغ لباراكا لاسرار لّي كَيسنت زيغد لحاسادا نتات أس عمرن لكَومان وهنا لا يخرج القائل عن التصور الديني الذي يربط كل المصائب والكوارث (جفاف، أمراض، كوارث طبيعية..) بما يقترفه البشر من آثام وما يتمادى فيه من أخلاق لا يرتضيها الخالق، وفي كل مرة يتغزل أشتوك يتوقف عند وشاية الحاسد وسعيه إلى إفساد العلاقة بينه وبين حبيبه، فهي علاقة مهددة دائما تخضع لتقلبات مزاج المعشوق، كما تخضع أحيانا لقوة تسلط الحاسد التي تسعى إلى المنافسة على التملك، يقول: ئزد أمحساد ئس ت ؤكان ئسرس ربي خ تامانو أجداع نّاد ربيخ أردا يفرد ئكسييتن ثم إن الحسد قد يكون صادرا عن أهل القبيلة، وهو ما يؤجج من نار المعاناة الداخلية، كما في قوله: أميد ؤقبيل أح ئكَان خ ؤفوسنس ئفرح أغار أكَما لبلادينو أخ نشا أكوراي ئلين ئركَازن لي كَي يساوالن س لعار وهنا مفارقة تكمن في أن الذي يعطي للفنان قيمته الحقيقية هو البعيد الدار، أما القريب المنتمي إلى نفس القبيلة والموطن فهو الذي يتكلم في الشاعر بالسوء، ويطعن في قدره وسمعته، وهو عامل آخر يبرر نظرة الرايس سعيد السوداوية لزمنه: أجاتانخ أنكَاور ئما لوقت ؤر عدلنت تلا لحاسادا خ مدن لكوفر أيكَوتن 4.الغدر والنفاق: انتشار أخلاق الغدر والنفاق مرتبط بتبدل سلوك الفرد حسب المصالح الظرفية، هو تصنع إذن للخير في الظاهر، وإخفاء للسوء في الباطن، ويبقى الظاهر شبكة مهيأة للإيقاع بالضحايا، وقد حذر الرايس سعيد من هذه الآفة ملمحا إلى تجارب شخصية تضفي على الصور الشعرية مصداقية واقعية، وتجعل من التجربة مرجعا لبناء الخطاب الشعري، يقول: مدن كَوتن ئلما كَيسن لمونافقين أنيت ديدك ئش كرا غاس خ لماحال نون إخاك ؤركَين لعيب ئكَت ئتيرمت نون يوريد كَين ضيدنك ئتوياك لخير وفي مقام آخر يربط مصايد الغدر والوقوع فيها بحظه السيئ مع الأصدقاء، نقرأ: أد أمنح سربي ساعدينو أخور ئلي يات لخير أرت نكرز لعار كاسايّ ئتوروي وإن أشد الغدر إيلاما للنفس، وتدميرا لها، ما يؤدي اكتشافه إلى فقدان الثقة في كل شيء، فيكون وقعه وقع الصدمة، وخير مثال عليه هو التلميذ الذي ينقلب على أستاذه فيستعمل كل مكتسباته التي تلقاها عنه لإلحاق الأذى به، يقول: كيكَان دؤملماد نفكاياس لقرطاس دلحينت ئبرم كَينخ ؤراساك نفاق ومما يساعد الغادر أحيانا في تحقيق مآربه هو اطلاعه على أسرار المستهدف فتكون ضربته موجهة بدقة، يقول: يان كاينّان أنمون أرسرس تازالخ أنيت ئنا تاكَمات أنشرك نكي ديون أركيخ ئسن لاسرارينو ئبرم كَينخ 5.الخداع: للخداع تمظهرات مختلفة وكثيرة، وصور متنوعة الدلالات، في شعر أشتوك، وكان انتشاره قضاء على الثقة والأمان في العلاقات الشخصية والتجارية، وحتى الزوجية، حيث يمكن للشخص أن ينخدع بزواج مفخخ لا يمكن معالجة آثاره كما جاء في الأبيات: واناك ياد ئحوبان ؤكان ئربوكن زود أراوْ أرك ئتختال أر أسنّا خوان لجيب نون غين داخ أفوس إوياض ئلهو دلعيب نون وتصير النفعية الفجة واجهة خفية لنفوس تبدل من حال إلى حال، ولا تراعي حتى القرابة الدموية بل تستثنيها من تفكيرها المصلحي الفج، كما في قوله: كولو تاكَمات نزا كَيس والا لافاميل أكويان دلغاراضانس أتين إتاوين إنيت ئقضا يناهان كيي كاي ئران 6.الطمع: ولم يفت الرايس سعيد أن يسجل صورا هامة عن انتشار الطمع، والرغبة في المال وجمعه كيفما كان مصدره وطريقة تحصيله، يقول: ماداك زاسول ئهول ئخ ئشا لحرامْ وحينما ينتشر الحرام، واغتصاب حق الغير يصير الأمان مفقودا، والارتياح للآخر أمرا متعذرا، كما في قوله: نزرا لامان ئس ئموت أشكو طمع إهلكاخ فالطمع يؤدي إلى تدمير كثير من الأخلاق، حينما ينتشر الفقر والحاجة ومادام التحصيل مضمونا، فإن المستفيد قادر على اقتراف الجريمة، وشهادة الزور وما إلى ذلك، مما لا يتصوره العقل السوي، يقول: أكولّو طّما أداخ ئهلكن أيليخ نتلف ئخ ؤكان تنيت ؤهوي تارمتين أوال أواناس تيوتي توكَا فكاس ؤكان ئميك ئراداك ناكرن ربي يناكرك أراسول وبتعميق النظر في شؤون الحياة والناس يتبين أن تجذر الطمع حاصل في المجتمع، وخير دليل عليه للعلاقات الأسرية، فالابن الذي لا يملك المال لا حظ له من حب الوالدين، نقرأ: أس مقارد لوالدين لّيت ؤرونين ئخور ئطف لمال ئكَوتن ؤراتاك ئرين أدونيت غار طمع أس كولو تنصارّاف كما أن الذي لا يملك المال، أو افتقده لسبب من الأسباب، سيكتشف أنه لا يملك صديقا حقيقيا واحدا، فالكل قد ذهب بذهاب الثروة، وبقي القيل والقال ينهش في جسد المفلس ونفسيته متخذا المساوئ والعيوب موضوعا لمتعة الأعداء والأصدقاء معا، كما في قوله: أشكون لمال أفاك طرصيت أدونيت أسان ك ئفوغ أراك فلن لاحباب لي دارون أركَيكَون أدرن لعيب أكن ؤر ئحوبو يان فرحن إنواشن كويان ئرزم كّيك أغاراس ئخك ئفوغ لغرض ؤراك ئسن ؤقشابنون والعكس وارد بقوة، إذ أن المتوفر على المال وإن كان عديم الثقافة، قبيح المنظر كالضربان.. لا يمكن أن يزدرى أو ينتقص من شأنه، فالمال إذن هو الجمال الحقيقي، وهو السمعة المعتبرة دون غيره، وهو المعنى المراد في قوله: مقار تنيت نكَا لغشيم نخشن زوند أروش ئح دارون لمال ؤرئتمكن أك ئحكَر يان وهكذا نجد أن الصداقة شيء مفقود، لا يمكن تحديده أو الإمساك به ولو كان له وجود عقلي، أما وجوده المادي فيحصره الرايس سعيد في ثلاثة عناصر: المال – الصحة – الولد، أما ما دونها فهو سراب أتت عليه المصلحية والأطماع بمعاول الهدم فأصبح أطلالا، كما نجد في الأبيات: أمداكل ؤرئلي غاس غار خ يان مناو لجيب نك نخ أفودنك نخ أراو نون ئما تاروا ن بنادم طما كاسا تلين 7.الكِبر: جاء تناول الرايس سعيد للكبر والإحساس بالعظمة مشحونا بالرؤية الأخلاقية الدينية، مبينا أن امتلاك المال وسمو القدر لا يؤثر في التدخل الإلاهي، ويبقى الإنسان كيفما علا شأنه ضعيفا، يقول: سيدي ربي يانخ ئلا لكيبر كرهانت واخا يطاف رياضات دلمال ئكَوتن ئخ رات نغين ؤركَيس ئحتاجا توزالت وهو يصدر هنا عن تصور آخر للمال يعتبره سببا من أسباب المكابرة والإحساس بالقوة والتفوق، لكنه يرى أن الشيء يمكن أن ينقلب إلى ضده ، فالقوة تنقلب إلى ضعف، والغنى إلى فقر، والتحليق في السماء يرتد سقوطا مهينا على الأرض، نقرأ: لحورمانون أوالي دار ئركاناد ن دونيت أتن ئفوغ لكيبر واخا غلين أر ئكَنوان ؤر ئغلا ف ربا أتيد ئلوح أركيح إحادا أكال وإلى جانب المال، يمكن أن يدفع الجمال الأنثى إلى الغرور والتكبر، وهو ما يحتاج إلى تقويم بالنصح من طرف خبير بالحياة وتقلباتها، يدرك أن مرحلة الشباب زائلة زوال الربيع، وأن الخير في التواضع، لأنه أنفع وأليق، يقول: وانا مي يفكا ربي زين راك ؤكان ؤصوخ مامو تريت لكيبر سكار ؤكان لخير 8.فساد الذوق: راقب الرايس سعيد المتلقي بالقدر الذي اهتم فيه بفن النظم والإلقاء ووجد أن الفئة الأصيلة المتذوقة للشعر الأمازيغي والمدركة لأصوله وتقنيات أدائه أصبحت تختفي يوما بعد يوم، إما بفعل شواغل الحياة المختلفة، أو بفعل طبيعي هو الموت، فقرر أن يقلل من نشاطه الفني كما في الأبيات: أهان ؤرد ئموريكَ أفلان أي ئصرمين أويليد كَيس تميكيرخ أسول ؤر ئلين لباعض ئجلاتن طمع أكرا يموت ؤكان وأمام انقراض الجيل القديم ظهر جيل جديد من الشباب المتمرد، يحمل قيم العصرنة الظاهرية وينظر إلى لغة أجداده وفنهم وتراثهم نظرة احتقار دفعت الرايس سعيد إلى محاولة التخلي نهائيا عن الفن، يقول: ياكَورد الشباب ؤرسول ئسنتل يات ئخ نبيد خ ؤساراكَ أرفلاتي تاكين ماغن ف واوالاد ن تشلحيت أت محون أكن سرسخ أريباب نكشم نيت لماحال وهذا التغير في النظرة والقيم والذوق أفسد الممارسة الفنية حيث قرر البعض الاستجابة لرغبة "الموجة"، كما أدى إلى الانسياق وراء ألوان من الطرب الغربي أو الهندي أو الشرقي – العربي، ولو كان نابتا في أرض أخرى وناطقا بلغة أصحابه، يقول: تروا ن سكيلا كايي هلكن لي غرانين أشكو فاريد إناياك ؤرت ئشابها يان وبتأمل هذه الرؤية الاجتماعية نجد أنها ترتكز على العناصر الآتية: - التوق إلى رجوع الذوق السليم الذي يمنح الرفعة للشعر والغناء الأمازيغيين الأصيلين. - نقد الأخلاق الفاسدة وتبيان ما جنته على الفرد والمجتمع. - الدعوة إلى الأخلاق الفاضلة المستمدة من المرجعية الدينية (الإيمان، التقوى، التوحيد..) وأخلاق القبيلة ذات الأصول الأمازيغية (التضامن، الإخاء، الوفاء…) لكن الملاحظ أن الأخلاق عند أشتوك أخلاق فردية تدخل في إطار رؤية إصلاحية عامة، لا تستطيع أن تنفذ إلى عمق البنيات الاجتماعية، وتسائل بالتالي الاختلالات الحقيقة والعميقة في علاقتها بالسلطة ومختلف مكونات المجتمع المغربي وطبقاته، لذلك يظل هذا الخطاب الشعري خطابا مهادنا يمكن تسميته تجاوزا برؤية الطبقة الفلاحية الوسطى عكس ما يمكن ملاحظته في نصوص محماد ألبنسير مثلا. 1 –م. مستاوي – أ. عصيد: الرايس سعيد أشتوك: شاعر الحب والغزل، النجاح الجديدة، البيضاء 1998، ص: 12. * وفي حفلات الغناء يعزف على آلة الريباب لأنه من العيب عند الروايس قديما أن لا يمسك الرايس آلة كما هو حاصل الآن. 2 –باستثناء مادة بعض الدراسات الجامعية أو المنتخبات التي جمعها الأستاذان: مستاوي وعصيد في كتاب: الرايس سعيد أشتوك: شاعر الحب والغزل. 3 –قصيدة في رثاء سعيد أشتوك ومحمد الدمسيري، غناها في سهرة بالمعدر، تيزنيت. 4 –الحاج محمد الدمسيري: "رزمغد ئوولِّي"، تشكافون 502. 5 –6-7-سعيد أشتوك: قصيدة: "أداخ ئنيخ" * -اشتكى من القرصنة الكثير من شعراء أشتوكن الذين امتنعوا عن تسجيل أشعارهم مثل: إبراهيم بيهتي، أحمد الريح، الحسن موفليح… إذ يكون إبداعهم دائما معرضا للقرصنة وإعادة التسجيل، ولا ينال أصحابه الحقيقيون إلا التعب والمعاناة. 8 –الرايس سعيد أشتوك: شاعر الحب والغزل، ص: 51.