أغاني الروايس والرايسات لا تخلو من إبداعات تصور الحالات النفسية لهذه الفئة من الشعب، وكان هاجس العاقبة والمستقبل يؤرق هؤلاء الفنانين، كأنهم يشعرون أن المجتمع سينساهم بعد أفول نجومهم. وقد تعرض الأستاذ عبد الرحمان لخصاصي لمواضيع الألم والتوجعات والاخفاقات في أغاني الروايس في دراسة قيمة، قارن فيها بين المرحوم الفنان بوبكر أزعري والفنانة فاطمة تيحيحيت مجاهد، وكيف واجه كل واحد منهما عراقيل المجتمع وواجه إخفاقاته 6. وقد وجدنا هذه الأنواع من الأغاني متداولة في أغاني الرايسات والروايس، حتى اعتقدنا أنها نوع من الاعترافات يقدمها الرايس أو الرايسة، إما لتبرير ولوج هذا الميدان أو لكسب عطف المستمع، ولعل هذا النوع من الأغاني كان يشجع الجمهور للتواصل مع الفنان لأنه يعيش حالات عصيبة تستوجب المساعدة. نستمع إلى الرايس بوبكر أنشاد 7، فنجد أغانيه تطفح حزنا: رزان إيمان، ملاد إيخسان إيقن تن يان نسلا إي تاسا نو زود طرزيت أغانيم نسلا إي وول إينو زون يوت ؤفوس أناس يقول الرايس محمد ألبنسير مشتكيا: أيلي س ريغ أتن كَاغ نلكم تن أ هان ؤر كَي تاكَوضي إيغ موتاغ أ ياك نفل د لعز إي يشلحيين أما المرحوم الفنان سعيد أشتوك، فيقول: ؤر نسامح إي طمع إيهلك ويلي ريح ؤر أوجان أييد إيلكم والي ف ألاح لحب إينغا ت لغرض، لمال أ سول إيلان إيح إيرا كرا لجيب نك إينا ياك نرا ك أر أك رزمن لبيبان كولو وين لخير أر إيح إيسمد لغرض إيقن تنيد فلاك و يكرر الروايس والرايسات تيمات الغدر والخيانة والعرض والكرامة، حتى صارت موضة جيل أزعري، بودراع، لبصير، تيحيحيت مجاهد، صفية أولت تلوات.... ربما يتألم الرايس/الرايسة لأن المجتمع يتنكر له بعد استغلاله في أفراحه ومسراته، لكن أن يستمر الألم والحزن ليفضي إلى المرض والنسيان، فهو أبشع المصير الذي لا يتمناه أي فنان في العالم، وقد عايشنا مأساة المرحوم عمر واهروش، وعشنا فصول مرض المرحوم الفنان مبارك أيسار، أما صفية أولت تلوات فهي منسية في قريتها إلى الآن ويتم استغلال روائعها (سييح أتاونزا- أطابلا ئيس كولو سوان مدن أتاي) من قبل الغير دون اكتراث بمصير المبدع الأصلي، كما تم نسيان الفنانات فطومة تالكَريشت، خدوج تاوريكت، خدوج تاصويريت، فاطمة تاكَرامت وأخريات. ويرى بعض الباحثين أنه «انطلاقا من أوائل الستينيات ولج صوت المرأة ميدان الأغنية الأمازيغية السوسية» 8 لكن هذا لا يعني أبدا غياب المرأة الفنانة الأمازيغية عن أسايس وفنونه، ثم هناك مسألة أخرى لابد من إعادة بنائها أو فتح النقاش حولها، فكثيرا ما نسمع أن الفنانة الأمازيغية فلانة كانت تمارس ضمن فرقة المرحوم محمد ألبنسير أو المرحوم سعيد أشتوك أو فرقة حماد أمنتاكَ أو غيرهم قبل أن تؤسس فرقتها الخاصة، هذا صحيح لكنه لا يجب أن يفهم منه أن المرأة الأمازيغية مدينة للرجل في كل شيء أو أنها ناقصة فنيا، ولا يجب أن يفهم من ذلك أن نظرة السيد لاتزال ملازمة للرجل الفنان تجاه المرأة الفنانة، فالتلميذ قد يكتسب رؤية مختلفة لعالمنا الواحد تخول له إبداع جديد لم يتعلمه في مدرسة الرايس المعلم، ونلمس أن فنانات كثر قد استطعن شق طريق الإبداع بثبات واحترافية... كما لمسنا انبهار الحاج بلعيد بالماكينا، فإن وسائل جديدة أخرى ألهمت الفنانة الأمازيغية ودفعتها نحو الإبداع، فنجد الفنانة رقية تالبنسيرت تقول في إحدى رائعاتها: أ طاكسي غ إيلا راديو، بوه أوكان أيليغ دي تيويت أحبيب أر دارنغ الفنانة رقية تالبنسيرت شكلت وما تزال صوتا قويا في الغناء الأمازيغي يكشف عن البيئة والإطار الاجتماعيين اللذين تعيش فيهما المرأة بالبادية والمدينة، واستطاعت أن تضمن استمرار جيل الرائدات وأن تؤمن لنفسها مكانة مرموقة لدى جمهور الأغنية الأمازيغية، أنتجت أغنية اعتبرها الباحث عمر أمرير «من أجود الأغاني السوسية في السبعينيات من القرن العشرين، وكان يحفظها الناس، ويلحون على إعادة التغني بها في اللقاءات مع صاحبتها الرايسة رقية الدمسيرية» وهي الأغنية التي أوردها الدكتور عمر أمرير في كتابه «الشعر المغربي الأمازيغي» الصادر سنة 1975، وطبعا من قراء هذه المحاولة من يحفظ الكثير من هذه المطولة، التي يقول مطلعها: أ ياماركَ ؤر أك نزيغ ؤلا سلمغ أك أ كيين د لحوب أد أنغ إيكيسن تيرام هي قصيدة تجمع ما بين معاناة الفنانة/المرأة وبين تعلقها بحقها في التعبير والوجود الشريف: نكي نييت إينو أيي إيهلكن لي كا عمرغ نكَن رجا غ بنادم فكين أغ إي تيلاس إيسكَاسن أياد أوضرغ لييام ؤر نسين إيس إيلا غكاد لي كَيغ غاسا غ لحايات ثم تمجد سوس أرض الأسلاف وارتباطها الوثيق به لتختتم قصيدة أماركَ بنصائح آتية من أعماق الذات الشاعرة: إيفولكي بدا يان ؤر إيتينين لعيب لوح أت س ؤجديكَ أ لحنا، لوح أمود يان إيشوان أس مقار كن يول إي وافود وانخرطت الفنانة رقية تالبنسيرت في الإبداع الغنائي متطرقة لكل التيمات، حتى الهجاء، الذي أنجز حوله الأستاذ ماحا الحنفي دراسة تحت عنوان « الفنانة رقية الدمسيرية، وللأمازيغيين شاعرات» 9 مركزا على أغنيتها التي مطلعها: تاكَيت أ بو لعار أيي توقرت أ تلكمت كَيغ إيريز، إيخشن أ يانافال أ لعيب أن د إيفوغن غ إيلس نون أك إيورين تالبنسيرت، ابنة إيلبنسيرن بإيمي ن تانوت، التي استمتعنا بأغانيها التي تبث في الإذاعة كما استمتعت ببعض سهراتها في دواوير أشتوكن، التي عرفتها منذ تواصلها الفني مع المرحوم سعيد أشتوك، فنانة كبيرة ومتميزة، لا تبالغ في المدح من أجل التكسب «ومن أهم الخصائص التي تميز شعرها من حيث المعاني، التقاط مجموعة من المعاني المتداولة في الأوساط الشعبية، من تذكير بالموت والنظر إلى حوادث الدهر والدعوة إلى القناعة ونبذ المطامع وتسليم مجريات الأمور إلى الخالق، كل هذه المعاني تبدو مكررة ومعادة، تلوكها الذاكرة الأمازيغية، أما من حيث الخصائص الشكلية، فإن شعرها يميل إلى التبسيط والتقرير، الذي تهدف من ورائهما إلى تكسير الحاجز بينها وبين المستمع...» يتبع