عند الحديث عن القراءة، فإننا نتحدث عن موضوع لا يستأثر باهتمام الكثير من الناس، إلا عند حلول مواعيد المعرض الدولي للكتاب في الدارالبيضاء، أو بمناسبة حصول كتاب أو كاتب على جائزة. وعادة ما يتم تكرار نفس العناوين المعروفة في النقاش العمومي حول الموضوع، مثل الإشارة إلى الضعف المزمن في القراءة والإقبال على الكتاب، ويتم تعليل ذلك العزوف بعدة أسباب، من بينها غلاء سعر أغلبية المنشورات المعروضة في المكتبات. وفعلا، فإن الإحصاءات تكشف عن مفارقات في هذا الجانب بالمقارنة مع الدول المتقدمة، فعندما ندرك أن الأوربي يقرأ بمعدل 35 كتاباً في السنة. في المقابل بهذه المنطقة من العالم، فإنّ 80 شخصاً يقرءون كتاباً واحداً في السنة (حسب تقرير التنمية العربية). بعبارة أخرى، وحسب لغة الأرقام، فإن 80 مواطنا من هذه المنطقة يقرءون كتاباً واحداً، وأوربي واحد يقرأ 35 كتاباً. غير أن الأرقام التي تصدر عن دور النشر، تشير إلى واقع أسوأ من ذلك بكثير. فحسب إحصائية اليونسكو، فإن الدول العربية أنتجت 6.500 كتاب عام 1991، بالمقارنة مع 102.000 كتاب في أمريكا الشمالية، و42.000 كتاب في أمريكا اللاتينية والكاريبي. ونفس الأمر حول الترجمة إلى اللغة العربية، حيث تبين أن الدول العربية ككل هي أدنى القائمة، إذْ إن اليابان تترجم حوالي 30 مليون صفحة سنوياً. في حين أن ما يُترجم سنوياً في العالم العربي، هو حوالي خُمس ما يترجم في اليونان. والحصيلة الكلية لما ترجم إلى العربية منذ عصر المأمون إلى العصر الحالي 10.000 كتاب؛ وهي تساوي ما تترجمه أسبانيا في سنة واحدة. وتبين مقارنة أعداد الكتب المترجمة إلى اللغة العربية مع لغات أخرى سِعةَ الهوة بين العالم العربي بمجمله وبين أية دولة في العالم، ففي النصف الأول من ثمانينات القرن العشرين، كان متوسط الكتب المترجمة لكل مليون، على مدى خمس سنوات هو 4.4 كتاب بينما في هنغاريا كان الرقم 519، وفي أسبانيا 920. إضافة لذلك، فحتى المقارنة العددية بين العناوين لا توضح بشكل كافٍ مدى بؤس الثقافة في العالم العربي، فعدد النسخ المطبوعة للعنوان هي ألف نسخة، وفي حالات خاصة، وعندما يكون المؤلف ذائع الصيت، فقد يبلغ عدد النسخ رقم 5.000؛ وبالتالي، فإن المقارنة لا تكون صحيحة على أساس عدد العناوين التي تصدر بالعربية، طالما طبعة الكتاب في الغرب تتجاوز الخمسين ألف نسخة. غير أن الواقع ليس دائما بهذه السلبية التي تكشفها الأرقام، حيث تحقق مبادرات فردية لكتاب ومثقفين اختراقات مهمة لسوق النشر، وكلنا نتذكر النجاح الذي حققته سلسلة مواقف للكاتب والفيلسوف المغربي عابد الجابري من نجاح، حيث كان العديد من المواطنين ينتظرون أعدادها الجديدة في المكتبات كل شهر، ويرجع ذلك النجاح إلى قيمتها الفكرية، وأيضا لثمنها المناسب، الذي يوجد في مستطاع القدرة الشرائية للمواطن البسيط. كما كانت تصدر سلسلة أخرى قبل ذلك هي (شراع)، كانت تحفل مع كل شهر بالجديد في مختلف صنوف الفكر والأدب والرواية، وفيها نشر مؤرخ المملكة الأستاذ عبد الحق المريني كتابا جميلا حول الشاي في تاريخ الأدب المغربي، وقد حفل ذلك الكتاب بنصوص جميلة في هذا الباب، أي منذ أن عرف المغاربة (أتاي) في القرن الثامن عشر، حيث انتشر عبر المغرب في منتصف القرن التاسع عشر، لما صار المغرب يتعاطى للتجارة مع أوروبا، إلى الفترة المعاصرة. هذه النماذج، توضح أن المغاربة يقرؤون، ولكن بشرط توفر الكتب بأثمان مناسبة. وقد كان من واجب وزارة الثقافة والجماعات المحلية رعاية التجارب الشابة في هذا الجانب، من أجل خلق سلاسل ثقافية دورية في كل جهة، بأثمنة رمزية، لا تتجاوز 10 دراهم، لتكون في متناول الجميع. ,وحتى الإعلام له دور في هذا الجانب، فرغم تناسل الكثير من المواقع الإليكترونية المهتمة بالمادة الخبرية اليومية والمثيرة قصد جلب الزوار، وهو ما يعني مداخيل أكبر من برامج الإعلانات الإليكترونية المتعددة. فإن تخصيص أبواب للثقافة وابداعات الشباب كفيل بتحقيق نفس الغرض، وفي نفس الوقت فتح متنفس لفئة لا تجد الكثير من الفضاءات لتعبر عن أمالها وطموحاتها، والدليل على ذلك النجاح الذي كانت تلاقيه البرامج الإذاعية التي تعتمد على استقبال مختلف الإبداعات من شعر وقصة قصيرة، ولكن للأسف أغلبية هذه البرامج قد توقف بدون مبرر.