قرأت مؤخرا مقالا مهما للدكتور حسيب شحاذة، عنونه بـلماذا أمة إقرأ لاتقرأ وإذا قرأت فبالأذنين؟ وذهلت لكمّ الأرقام التي أوردها مقاله. وهالني أن الكارثة أكبر وأعمق من أن يتصورها أشد متشائمينا، فآثرت نقل بعض المعطيات للوقوف على ما تقوله فينا الأرقام. هل تعلم أن المواطن العربي لايخصص إلا عشر دقائق سنويا للقراءة في السنة؟ أما عدد الكتب التي تصدر في مجموع الدول العربية لاتتجاوز خمسة آلاف كتاب في السنة الواحدة، كان هذا في سنة ,2005 أما اليوم فقد تغير الحال نتيجة للجهود الكبيرة التي تبذل من أجل النهوض بالفعل الثقافي، وبالقراءة بشكل عام. فمن دعوات إلى تربية الناشئة، إلى برامج ومعارض لتسويق الكتب والترويج لها، إلى المبادرات التي تهم دفع الناس على القراءة. ففي دراسة حديثة أجريت هذه السنة، خلصت إلى أن معدل القراءة عند العربي يصل إلى كلمة في الأسبوع، أي حوالي ست إلى سبع دقائق في السنة، يعني هناك تراجع كبير، وفي ظرف وجيز، برغم كل المظاهر الخادعة التي توحي لنا أن القراءة تمشي في الطريق الصحيح لتعاود أخذ مكانتها في عادات الناس، وأن كل 300 ألف عربي يقرأون كتابا واحدا. أما الغربي فإنه يقرأ 360 مرة ضعف ما يقرأه العربي، أي 36 ساعة في السنة الواحدة. ويقرأ الفرد في أمريكا أحد عشر كتابا، وفي إنجلترا سبعة كتب، وفي العالم العربي يقرأ الفرد في السنة الواحدة ربع صفحة. وتطبع إسبانيا في السنة الواحدة ما يوازي ما طبعته كل الدول العربية منذ عهد المأمون إلى اليوم، وتستهلك دار النشر الفرنسية غاليمار لوحدها من الورق، أكثر مما تستهلكه كل دور النشر العربية مجتمعة من الماء إلى الماء. هل تعلم أيضا أن الألمان ينفقون قرابة 16 مليار يورو على شراء الكتب سنويا؟ أما الترجمة فتلك حكاية أخرى! فاللغة العربية تأتي في المرتبة السادسة من حيث عددُ الناطقين بها وذلك بعد الصينية والإنجليزية والهندية والإسبانية والروسية. ومن اللافت للانتباه أن عدد الكتب التي تُرجمت إلى العربية خلال ثلاثة عقود، (1970/2000)، وصل إلى 6881 كتابا وهذا ما يعادل ما نُقل إلى اللغة الليتوانية التي يبلغ عدد الناطقين بها قرابة أربعة ملايين إنسان فقط! يحكى أن ابن رشد لم ينقطع عن القراءة منذ عقل إلا مرتين، مرة عند وفاة والده، والثانية ليلة دخلته. ومن شدة تعلق العرب القدامى بالكتب ما يروى من أن أبي علي إسماعيل القالي، صاحب الأمالي، قسا عليه الدهر فأرغمه على بيع بعض كتبه وهي أعز ما يملك، فباع نسخة من الجمهرة لابن دريد، واشتراها الشريف المرتضى فوجد عليها بخط أبي علي: أنِستُ بها عشرين حوْلا وبعتُها فقد طال وَجدي بعدَها وحنيني وما كان ظنّي أنني سأبيعها ولو خلّدتني في السجون دُيوني ولكن لضعف وافتقار وصبية صغار عليهم تستهلّ جفوني فقلت ولم أملك سوابق عبرة مقالة مكوي الفؤاد حزين وقد تخرج الحاجات يا أم مالك ودائع من رب بهن ضنين.