ارتبطت «ثريا» بزوجها «الحاج محمد» لأزيد من ثلاثين سنة، تخللت هذه الفترة الطويلة من العشرة مجموعة من النزاعات والصراعات التي كانت تطفو على السطح بين الفينة والأخرى، بسبب الشكوك التي كانت تنتاب الزوج حول سلوك زوجته، والتي ستثبتها الأيام بعد اعتقالها في حالة تلبس بالخيانة الزوجية، ومن ثم وضع حد لنهاية هذا الزواج عبر تطليقها. لكن طليقته لم تستسغ هذا القرار، خصوصا بعد بيعه “الفيلا ” التي كانت تجمع شمل الأسرة واستقراره لوحده بشقة بمدينة المحمدية. خططت بدقة متناهية لتصفيته بالإستعانة بعشيقها لهدفين اثنين: أولهما الإنتقام من طليقها وثانتيهما: الاستحواذ على الأموال المترتبة عن بيع العقار، لكونها مازالت في فترة العدة، دون التفكير في مصير أبنائها الأربعة، ولو أن كبرى بناتها متزوجة ومستقرة مع زوجها بمدينة الرباط. وعلى إيقاع صفير مجموعة من المواطنين وسب وشتم من بعض أقارب الضحية، أعاد ثلاثة متهمين، من بينهم طليقته، ذات أحد بمدينة المحمدية، تمثيل جريمة القتل البشعة التي وقعت ليلة عيد المولد النبوي. بلباسها الأبيض الذي ارتدته لإيهام الشرطة والأقارب، وإظهار الحزن المصطنع على الراحل، خرجت طليقة الضحية بخطوات، يتحكم رجال الأمن في إيقاعها، الجزء الأكبر من وجهها كان مغطى بمنديل رأسها، وبين الفينة والأخرى كانت تسرق النظرات في اتجاه بعض المواطنين. صعدت، رفقة عشيقها وصديق له كانا وراء التنفيذ الفعلي للجريمة، سيارة الأمن في اتجاه مسرح الجريمة، مر الوقت طويلا قبل الوصول، وازداد الضغط على المرأة التي أخفت وجهها كاملا خلف منديل أبيض حينما سمعت صفيرا وعبارات سب وشتم، من قبل عشرات المواطنين الذين تجمعوا لمشاهدة إعادة تمثيل الجريمة. وقفت المرأة أمام باب العمارة، وبدأت في سرد ما خططت له، إذ أكدت أنها طلقت من الضحية منذ حوالي ثلاثة أشهر خلت، بسبب خلاف بينهما دون أن تحدد طبيعته، قبل أن يتبين في ما بعد أن له ارتباطا بسلوكات الزوجة المشبوهة، وأنها مازالت في فترة العدة، وحتى تتسنى لها الاستفادة من الإرث رفقة أبنائها الأربعة، فكرت في طريقة لقتله. واصلت المتهمة سرد ما وقع، وأدخلت على الخط المتهم الثاني الذي لم يكن سوى عشيقها، الذي أفهمته أنها ستتزوج به بعد تنفيذ عملية القتل، مثلما أخبرته أنها ستزوده بحوالي 40 مليون سنتيم بعد سرقة المبلغ المالي الموجود في الشقة، كما كانت تعتقد، الذي حصل عليه طليقها من بيع فيلا. وافق العشيق على الخطة، وسال لعابه لما سمع بمبلغ يقدر بملايين السنتيمات الذي يحتفظ به الضحية في شقته، وزاد من حماسه إقامة الضحية لوحده في شقة، وكذا سنه، والذي لن يسمح له بإبداء أي مقاومة. دخل المتهم الثالث على الخط، بعد أن اقترح الثاني على عشيقته الاستعانة به من أجل تنفيذ الجريمة، وتحسبا لأي ظرف طارئ أو مقاومة غير منتظرة من الضحية، فوافقت على الأمر بعد أن تأكدت أنه محل ثقة. جاء يوم التنفيذ، واختارت الضحية ليلة ما قبل عيد المولد النبوي، واقتضت الخطة أن يتوجه منفذا الجريمة إلى الحي وانتظار قدوم المتهم ليلا، نفذ الرجلان التعليمات، وتربصا بالمتهم في الحي الذي يقطنه، كان الرجل عائدا من المسجد الذي أدى به صلاة العشاء، فتح باب منزله للدخول فكانت بداية نهايته. البنت الكبرى تكتشف جثة أبيها في صباح يوم عيد المولد النبوي الأخير، وبطلب من والدتها، قامت «ابتسام» بزيارة والدها المتقاعد، البالغ من العمر 61 سنة، بشقته من أجل صلة الرحم، وهي محملة بكمية من الحلوى التي تعدها الأسر المغربية في مثل هذه المناسبة، وتكون عربونا للتواصل، وبث الإخاء والمودة عند التزاور. بوصولها إلى العمارة فوجئت بباب الشقة مفتوحا على غير العادة، كما لاحظت وجود كميات من الدماء متناثرة ببهو الشقة مع تسرب رائحة الغاز، وقبل أن تخطو خطوة أخرى وهي تحاول استيعاب هذا الموقف ترآى لها والدها وهو جثة هامدة ممدة بركن بالمطبخ، وثيابه ملطخة بالدماء التي انسابت من جسده الذي كان يحمل آثار عدة طعنات بالسكين. أطلقت صرخات قوية كانت كافية لحضور الجيران، ومن تم ربط الإتصال بمصالح الأمن، حيث حضرت عناصر من الشرطة القضائية والتقنية والعلمية وشرعت في تفتيش الشقة بحذر، على أمل العثور على خيط يقود لحل لغز هذه الجريمة الذي ذهب ضحيتها رجل يشهد له جميع أصدقائه وجيرانه ب «النزاهة والإستقامة وحسن السلوك »، سواء بجماعة بني يخلف التي كان يقطن بها رفقة أسرته، أو بالمجمع السكني «ياسمينة» بالمحمدية وبحي الحرية. كما أن زملاء في العمل بشركة «كريسطال» بعين حرودة التي كان يشتغل بها قبل إحالته على التقاعد، يشهدون له بحسن السيرة والعشرة. وعلى النقيض بخصوص الطرف الآخر، فقد كانت سمعة الزوجة (الطليقة) «سيئة»، تتصف بسوء الأخلاق وهي الأم لثلاث بنات وطفل. كبرى بناتها متزوجة وتستقر رفقة زوجها بمدينة الرباط. تحريات وتحقيقات لفك لغز الجريمة في الوقت الذي بادرت فيه عناصر الشرطة التقنية والعلمية إلى أخذ عينات من الدم من أجل تحليلها، مع رفع العديد من البصمات بموقع الجريمة، وكل العناصر المفيدة للبحث وإرسال الجميع سواء إلى مركز التشخيص بالإدارة العامة للأمن الوطني أو المختبر العلمي للشرطة، كانت عناصر الشرطة القضائية بمدينة المحمدية تجري بدورها مجموعة من التحريات والتحقيقات والإستنطاقات، حول كل من له علاقة بمحيط الضحية سواء من قريب أو بعيد، رغم أن شكوك المحققين كانت كلها منصبة نحو الطليقة التي ظلت تراوغ المحققين في كل مرة يتم فيها استدعاؤها، عبر قيامها بتمثيل دور المفجوعة والمكلومة في وفاة طليقها مع ارتدائها ثوب الحداد. لكن حين شرع المحققون في تفحص المكالمات الواردة والصادرة من هاتفها النقال، وقفوا كثيرا حول رقم هاتفي لم تتمكن من معرفة هوية صاحبه لكثرة المتصلين بها حسب زعمها لكونها مسؤولة عن محل لحلاقة النساء، كما أن هذا الرقم الهاتفي شكل للمحققين لغزا لوجوده دائما خارج التغطية، ما جعلهم يربطون الاتصال بشركة «اتصالات المغرب» التي زودتهم بالهوية الكاملة لمالكه، وبعد استدعائه وتعميق البحث معه اكتشفوا أنه عشيق الطليقة الذي ربطت معه علاقة غير شرعية منذ شهر ونصف، وأنه من ذوي السوابق العدلية. باستفساره عن هاتفه زعم أنه سرق منه في ظروف غامضة، لكن بتعميق البحث معه انهار واعترف بكونه قاتل «الحاج محمد» بمساعدة زميل له، وبتحريض من الطليقة. وبذلك تم فك لغز هذه الجريمة في ظرف أسبوع من وقوعها. التخطيط للجريمة في حضن الطليقة وقائع هذه الجريمة تؤكد أن الطليقة قد خططت بعناية لتنفيذها، فرغم كونها تبلغ من العمر 45 سنة، فقد ربطت علاقة غير شرعية مع القاتل «نبيل» البالغ من العمر 23 سنة، أي أنه تقريبا في عمر ابنتها «ابتسام» المتزوجة بمدينة الرباط. ربما رأت في عشيقها المؤهل لمهمة القتل، على اعتبار أنه من ذوي السوابق العدلية، ومن المدمنين على المخدرات بشتى أنواعها، ولكونه عاطلا عن العمل فقد كانت تغدق عليه بالأموال المتحصلة من عملها حلاقة، أو الناجمة عن النفقة التي تتوصل بها من طليقها كل شهر. عندما شعرت أنه أصبح أداة طيعة في يدها ولا يرفض لها طلبا، أسرت له عن نيتها في قتل طليقها بعد أن أوهمته أنه سيجني من وراء ذلك أموالا طائلة من عائدات بيع “الفيلا” التي تناهز قيمتها 200 مليون سنتيم; التي يخبئها طليقها بغرفة الملابس بشقته، كما أنها ستصبح زوجته مستقبلا وستساعده في الهجرة إلى الإمارات العربية المتحدة. كل هذه الوعود أعمت بصيرة العشيق الشاب، ليذعن لطلب معشوقته للقيام بالمهمة. ولكن كان لابد للعشيق من شريك يقوم بدور الحراسة ساعة الصفر، فوجد ضالته في رفيقه طارق البالغ من العمر 30 سنة، الذي أغرته الطليقة بدوره بمبلغ 10 ملايين سنتيم بمجرد تنفيذ الجريمة. وقبل موعد التنفيذ دلت الطليقة من أذعنا لتطبيق مخططها على الشقة التي يكتريها الضحية، كما زودت العشيق ببعض الأموال لشراء ملابس جديدة وأقراص مهلوسة تساعده على الارتفاع عن عالم المعيش، والدخول في متاهة الهلوسة التي تنسيه المحيطين به، وبعدها يتكون من تنفيذ جريمته. مرحلة التنفيذ في الليلة التي سبقت يوم عيد المولد النبوي، ترصد «نبيل» للضحية بجنبات الحديقة التي تحاذي العمارة السكنية. انتظر عودته من أداء صلاة العشاء، وبمجرد ولوج الضحية إلى شقته بالطابق السفلي ب «العمارة 4»، ومحاولة إغلاق بابها، فوجئ باقتحامها من طرف القاتل الذي وجه إليه ضربة بسكين ناحية الصدر، ومع ذلك تمكن الضحية من الإمساك به وسحبه نحو المطبخ على أمل التسلح بشيء يدافع به عن نفسه، رغم توالي الضربات بالسكين التي كان يوجهها له «نبيل». تمكن الضحية من توجيه ضربة يائسة بإبريق معد لتسخين الماء “موقراج” نحو رأسه، لكن قواه خارت بعد أن وجه له القاتل ما يناهز أربع عشرة طعنة بالسكين في كافة أنحاء جسمه بما فيها رأس الضحية ليسقط أرضا بغرفة المطبخ، وعندما تأكد القاتل من موته توجه نحو غرفة النوم بحثا عن الأموال دون أن يدرك ومعه طليقة الضحية أن الأموال مازالت بحوزة الموثق الذي أنجز عقد بيع “الفيلا “. بحث الجاني «نبيل» في دواليب خزانة الملابس وكل رقعة شك فيها، لكنه لم يعثر سوى على مبلغ مالي محدد في 300 درهم، وبعض الشيكات وبطاقة للشباك الأوتوماتيكي وهاتف الضحية ، حيث استحوذ على الجميع. وما هي إلا لحظات حتى رن هاتفه النقال وكان على الطرف الآخر رفيقه في الجريمة الذي كان يراقب الشقة من الجهة الأخرى بالشارع، كان يتواصل معه في نفس الوقت بالإشارات من نافذة الشقة، حيث سأله هاتفيا عن المهمة فأخبره بنجاحها. وقبل مغادرته الشقة فتح فرن الغاز من أجل إضرام النار حسب تعليمات عشيقته لكنه تراجع عن إشعال النار، ليتوجه «نبيل» نحو مسكن أسرته ويقوم بتغيير ملابسه الملطخة بالدماء، قبل أن يتوجه إلى أسفل قنطرة وادي المالح على مستوى شركة «سامير» بالمحمدية، ويقوم بإحراق هاتفه النقال وهاتف الضحية وملابسه مع رمي السكين بمياه الوادي غير العميقة، الذي تمكنت مصالح الأمن من استعادته. بعد تحرير محاضر في الموضوع، واعتراف كل واحد من المتورطين بمسؤوليته في الجريمة، تم نقلهم إلى الشقة مسرح الجريمة بالمجمع السكني ياسمينة، حيث كانت حشود غفيرة من المواطنين تنتظرهم على أحر من الجمر للاطلاع على محياهم ومعرفة شخصيات وكيف تجردوا من الأحاسيس الانسانية للتخطيط والتنفيذ.. تخطيط من أجل وضع حد لحياة آدمية لشيخ تجاوز من العمر الستين. بمجرد إنزال المتورطين من سيارة الشرطة التي أقلت إلى مسرح تنفيذها، شرع العديد من الحاضرين في توجيه سيل من الشتائم إليهم “وا القتالة”، “وا لكفرة بالله”، بعدها ارتفعت الهتافات بالتكبير. لكن الأقدار بدورها أبت إلا أن تسجل بدورها لهذه اللحظة، حين شرع المؤدن ينادي لصلاة العصر بالمسجد المجاور لشقة الضحية، الذي كان يرتاده خلال كافة أوقات الصلاة، لتشرع حناجر الحشود في التهليل والتكبير. كانت الأصوات بمثابة الصدمة الكهربائية التي أيقضت «نبيل» من سباته أو صمته أو لنقل إنه سكونه، حين شرع بدوره يصرخ بشكل هستيري أمام الجميع، ويردد والدموع تنهمر من مقلتيه وهو مقيد اليدين “وا القتالة هي ثورية، راها لعبت بيا وأنا دري صغير”… رددها مرارا وتكرارا رغم قيام العديد من رجال الأمن بمحاولة التهدئة من روعه، وفي الوقت الذي كانت تتأهب فيه سيارة الأمن لإرجاع المتهمين إلى مقر الأمن شرع مجموعة من الأطفال الصغار في ترديد جملة تقول “توريا كيف جاتك، شردتي أوليداتك”. من أجل إثارة انتباه طاقم القناتين التلفزيتين اللتين غطتا تفاصيل إعادة تمثيل الجريمة، بينما انهمك الطاقم في أخذ تصريحات بعض مسؤولي الأمن. حينها جاء الخبر من داخل سيارة الأمن لممثلي وسائل الإعلام يقول إن «ثورية» التي أصرت على تزويجها حالا من عشيقها، وهو الطلب الذي بهرهم وجعلهم يدخلون في مناقشات جانبية لتحليل محتواه، هل هو ناتج عن أزمة نفسية دخلت فيها الطليقة..؟ أم تروم به تحقيق بعض الأهداف الخاصة بها. ليتم في اليوم الموالي إحالة الجميع على قاضي التحقيق بمحكمة الإستئناف بالبيضاء بتهم القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد والمشاركة والتحريض على القتل.