تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود صاحب الجلالة الملك محمد السادس من أجل الاستقرار الإقليمي    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    تثمينا لروح اتفاق الصخيرات الذي رعته المملكة قبل تسع سنوات    مجلس الأمن: بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.        مباراة الزمامرة والوداد بدون جماهير    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    دورية جزائرية تدخل الأراضي الموريتانية دون إشعار السلطات ومنقبون ينددون    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    هجوم ماغدبورغ.. دوافع غامضة لمنفذ العملية بين معاداة الإسلام والاستياء من سياسات الهجرة الألمانية    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع        دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صراع حول المراعي يحيل ربوعا من " أيت باها " إلى فوهة بركان مشتعلة
نشر في اشتوكة بريس يوم 11 - 02 - 2012

مابين " أرض وخيمة مولانا " قليل من " التيقار " وكثير من الفقر !
الناس في ربوع من" أيت باها " الجبلية ، رُزئت هذا العام في مصادر معيشتها الرئيسية ، فصارت أعداد من الساكنة المحلية تستحضر خطوة الهجرة نحو المراكز الحضرية بعدما لم يتمكن السواد الأعظم من الحرث والجني ، إذ اجتاحت الإبل وجحافل الأغنام والماعز، سائر " أرض مولانا " هناك ، لا تستنكف عن التهام لامحدود للأخضر وحتى اليابس . والأخطر من ذلك ، تحولت معظم مشاريع التخليف الغابوي والممولة من المال العام ، ومنح الهيئات الدولية،لتوفير مورد يضمن دخلا للأهالي،على مساحة المئات من الهكتارات،إلى قفار وخراب ، صارت معها كل هذه الجهود كصخرة " سيزيف"، فكلما أينع الشجر وحان قطافه ، إلا وقد أتى من يقلب المعادلة ، نحو الصفر .
حين تستقبلك " تسكدلت " اليوم ، بيافطة ضريح " للاتعلاط " الشهيرة ، وتقف على نقطة المنعرج نحو هذا الفضاء ، يمتد مشهد هذه الجماعة الهادئة بين جبال الأطلس . ينعرج الزائر القادم من الطريق الواصلة بين أكادير وأيت باها ، نحو مركز " الحلات " ، عبر طريق تبدو سالكة ، لا يكسر هدوء المحيط غير هدير سيارات " لاندروفير " أو العربات الناقلة ل " الخطافة " ، اللذين يفضلون وصف " العتاقة " ، بالنظر إلى جسامة الخدمة التي يقدمونها لمن " تقطع به الحبل " في منتصف الطريق المؤدية إلى مركز "أيت باها " ، وليس له إلا الاستنجاد بواحد من هؤلاء اللذين لايعبرون بأنفسهم الطريق ذاتها إلا لماما . يحتاج العابر إلى مركز " الحلات " بتسكدلت، قطع مسافة تصل إلى 24 كيلومترا ، ويمكن لعربة ناقلة أن تطويها تحت عجلاتها في أقل من نصف ساعة. يمتد حزام مشتت من " الأركَان " على طول الطريق ، وهو ما يعتبره الأهالي آخر حاجز لهم ضد التصحر ، لا يجد طلبة المدرسة العتيقة هناك ، غير محيط الطريق لممارسة لعبة كرة القدم ، فهم ، إسوة بأبناء المنطقة اللذين لم تسعفهم الظروف للهجرة ، لايتوفرون على فضاء محجوز لهذه الرياضة ، كما ليست لهم بالضرورة إمكانيات للترفيه غير هذه المساحات العذراء . ما أن يرخي الليل سدوله على هذه المنطقة حتى تغلق الأبواب ، حيث تبقى موصدة كليا إلى حين انبلاج نور الصباح ، لايجد عدد من الأهالي غضاضة في البوح بالسر : " هاد العام قاصح والله ايخرج العاقبة بخير " ! .
رثاء منبع العيش
يقف " اوهمو " من دوار " أيت وافتين " مشدوها إلى نصيبه من أغراس " أكناري " أو الصبار ، رجل خمسيني لم يتمكن من الهجرة نحو المدينة بالنظر لحالته الصحية المتردية ، يحاول إثارة الوضع الذي انتهى إليه الغرس ، " لم يوقروننا لا في الشجر ولا في الزرع ، رغم أنه مصدر عيشنا حيث البطالة تنخر كيان القرية " ، قبل أن يشير بأصابعه إلى امرأة كانت تتفقد فدانها الذي أتت عليه مواشي الرحل . اعتقدت أن من يقف أمامها هو رجل سلطة فحاولت في البداية أن تواجه الزائر " راه لخبار فراسكم مابقا فينا مايعاودها " ، بيد أن الأمر نحا نحو عالم من العفوية وإخراج بلا توجس لما كان يعتمل في صدرها بعد أن تبين لها أنها أمام زائر من نوع آخر جاء لحمل الشكوى إلى من يعنيهم. " ما تراه من أشجار الأركَان والصبار وهذا النزر اليسير من الزرع هو كل ما نستعين به في تشكيل لقمة العيش، كبر الأبناء هنا حتى هاجروا بحثا عن الرزق " . وتشرح ، طبيعة علاقتها ومحيطها بهؤلاء اللذين تتهمهم باستباحة أرضها ، رغم أنه قد بدت عليها المخاوف من اكتشاف " أصحاب الحال " هناك لأمر حديثها للإعلام بعد الاعتداء على مصادر قوتها: " التمسنا منهم التزام مبادئ الاحترام والرعي بعيدا عن أراضينا فنحن لسنا إلا إخوانهم في الله ، غير أنهم لا يتورعون في رفع التحدي في وجهنا فلم يتركوا لا الزرع ولا الشجر ، بل الأكثر من ذلك لم تعد الفتيات ولا غالبية النساء في القرية يستطعن الخروج من منازلهن ، ليس بمقدورنا مواجهتهم ولا نفكر في ذلك بالرغم من توفرهم على المعاليق وتسلحهم بالحجارة " . معظم الأهالي اضطروا لزراعة " فدادين " من الشعير لكي تصير حواجز تدفع هؤلاء الرعاة عن عبور أراضي الساكنة من باب " عالله ايحشموا" ويغيرون مسارات مواشيهم ، غير أن ماتم زرعه التحق ، هو كذلك ، بمصير سابقه . " مواشيهم أمضت الليلة كلها هنا، وقبل لحظات اضطرت راعية منهم إلى إخراج الإبل من هنا " حين تستفسر عن الدافع إلى هذا الترامي فإنك لا تجد غير الإجابة المعتادة: " اسمح لينا، لكن إلى متى ؟ !" . وينبري " اوهمو" لكي يعيد ما كان يسمعه من "المسؤولين " اللذين كانو لا يجدون ما يواجهون به غضبهم غير الاستكانة إلى واقع "ماعندنا مانديروا ليهم " .
توازن للرعب بين " أرض مولانا " و " خيمة مولانا "
" في معظم الأوقات التي يغيب فيها أزواجنا عن المساكن فإننا نستسلم لهواجس لا تطاق يبدو الاطمئنان ليلا أمر صعبا " ، تؤكد المتحدثة ذاتها ، قبل أن تضيف واصفة المشهد الذي يرعبها هي وجاراتها " في كل لحظة نسمع فيها نباح الكلب الذي يحرس البهائم ليلا نضطر إلى فتح النوافذ لنصدم بمشهد أشخاص ملثمين وهم يتقدمون قطعانا من الإبل تعبر أراضينا وتباً لك لو تجرأت على إبداء اعتراض أو محاولة للإجلاء " . وتذهب هذه المرأة إلى حد فقدان الأمل من إمكانية جني ثمار الأركَان خلال هذا العام ، فهنالك من أشعرها بأن " لاتحلم " بذلك لأن العديد من المتعاطين للرعي الجائر ظلوا يبدون إصرارا على عدم اقتراب أي من الساكنة نحو الثمار ، في مقابل ما يظهره الأهالي من إصرار " سيزيفي " على الحياة رغم الجفاف الذي ضرب بأطنابه هذه القرى والدواوير واختلط عليهم الحابل بالنابل وهم لا يلوون على شيء يقدمون عليه . " ذهلنا لممارساتهم الغريبة وغير المفهومة ، يتجرؤون غير ما مرة للسطو على ثمار الأشجار الموجودة بأملاكنا ثم يبيعون نواتها بنحو 150 درهما للكيس الواحد . ويؤكد عدد من الأهالي تعرضهم لأوصاف تمييزية من قبيل " شليحات مولانا " وأشكال من السب والقذف والتحرش بفتياتهم . مصادر من السلطات المحلية تؤكد من جانبها أنها قد عملت على تنظيم اجتماعات جلس إلى طاولتها ممثلوا السكان وآخرون من الرحل ، بيد أن الأخيرين لا يلتزمون بالقرارات التي تسفر عنها هذه اللقاءات بالرغم من وجود محاضر تدل على التزامات كل الأطراف . وذهبت المصادر ذاتها إلى الإشارة إلى أن الاستفزازات الصادرة عن عدد من هؤلاء الرحل " لم تسلم منها السلطات نفسها ". الابتعاد عن التجمعات السكانية والأملاك الخاصة بأكثر من كيلومترتين ، هي حلول من بين أخرى اقترحها ممثلوا للسكان المحليين غير أنها لم تجد آذانا صاغية لها من الاتجاه الآخر .
" أوروبا أجي تشوفي فلوسك " !
الفلاحة في هذه المنطقة تبقى معاشية عبر زراعة حبوب الشعير ، حيث يضطر السواد الأعظم من الأهالي إلى الاستعاضة عنها عن بقية الموارد الممكنة للعيش ، كما أنها تعتمد على تربية المواشي التي تتنوع بين المعز والضأن ، وتمتد بمحيط بعض الدواوير ك " أيت وافتين " و " إفرياضن " مشاريع لتخليف أشجار الأركَان والصبار لفائدة الساكنة المحلية، وهي مبادرات تحمل بصمات عدة جهات محلية وخارجية في إطار شراكة أورومغربية ، في مقدمة أطرافها تبدو الجمعيات والتعاونيات المحلية وإدارة المياه والغابات ومحاربة التصحر ، فضلا عن منظمات مانحة للدعم من خارج المغرب . وكانت هذه المشاريع تروم في مجملها تحقيق جملة من الأهداف الهامة تتوزع بين توسيع النطاق الغابوي للأركَان بالمنطقة والمحافظة على هذه الثروة الإنسانية التي تعتبر علامة محلية بامتياز، وذلك وفق مقاربة تشاركية تدمج الساكنة المحلية في العملية التنموية الشاملة لمحيطهم وتلعب فيها دورا مركزيا ، بالإضافة إلى تحسيسهم بأهمية الاعتماد على الأركَان والصبار كمورد اقتصادي مستمر وإكسابه قيمة مضافة، شرط المحافظة عليه وتجنب أساليب الاستغلال العشوائية . ومنذ الانطلاق يسجل انخراط الساكنة في عملية للغرس بأملاكهم الخاصة بشراكة مع بقية الأطراف الداعمة ، حيث غالبا ما تتشكل المساحة المعنية من الأراضي الخاصة بالساكنة والأملاك الغابوية . جمعية " أيت وافتين " ، هي بدورها شاركت في مشروع لغرس نحو ثلاثمائة هكتار من أراضي المنطقة بهدف حماية شجرة الأركَان وتثمين منتوجها الذي يعتمد عليه معظم الساكنة المحلية ، وهو مشروع تكلفت به مصالح المياه والغابات بتكلفة تفوق ستمائة ألف درهم غير أن المتعاطين للرعي الجائر أقدموا على نصب خيامهم وسط هذا المشروع الضخم والذي تحول إلى قفار خالية من كل نبع للحياة كما يصفه رئيس الجمعية ذاتها . من جانبه لايجد " محمد أصياد " غير التسليم بالقول أن " الساكنة ماخاصهاش باقي تطمع فمحصول الأركَان هاد العام رغم وصوله لمرحلة النضج ، ومشاريع الغرس للي كانت ناجحة كلها مشات " . قبل أن يضيف المتحدث نفسه والذي يرأس الجمعية الإقليمية لذوي الحقوق ومستغلي مجال الأركَان ، أن ما تشهده المنطقة هذا العام ظل سببا جاثما بثقله في التراجع عن إنجاز مشروع يهدف إلى غرس نحو ستمائة هكتار من الأركَان بجماعتي " تسكدلت " و " هلالة " ، بل أبانت مشاريع تحسين المراعي لفائدة الساكنة عن فشل في الوصول إلى أهدافها من خلال الإبقاء على الاستثمار الوحيد لديهم والمتمثل في تربية المواشي درءا لكل دواعي الهجرة وضمانا لشروط الاستقرار بالمنطقة . " ما يقع حاليا فهو حيف واعتداء على أملاك الساكنة ومخالف للقانون لكن لا أحد يحرك ساكنا ، فإذا لم يواصل أبناء المنطقة المغتربين إمداد عائلاتهم هنا بالمعونات فإنها ستتحول إلى رحل ولكن رحلا ليس لهم موطن يقصدونه فما يقع هنا يعتبر حالة استثنائية في المغرب " . " جامع برديهنا " ، رئيس جمعية سوس لحماية الأركَان بالمنطقة ، طالب بتفعيل الشكايات والمساطر المتراكمة لدى مصالح الدرك الملكي بالمنطقة والتي ترتبط بالاتهامات الموجهة لعدد من المتعاطين للرعي الجائر حول ممارسة الاعتداء على الساكنة المحلية وأملاكها ، فلا " أحد يجب أن يبقى خارج القانون"قائلا إن " حد الكلمة بيوكرى ( حاضرة الإقليم ) أولا إنزكان حيث المحكمة إيلا كَاع مشات " على حد تعبيره . ويشدد المتضررون على ضرورة إخراج سيل محاضر المعاينة التي أنجزتها سلطات أيت باها غير ما مرة والتحقيق في الوقائع والاتهامات الواردة بالشكاوى المرفوعة لإرجاع الحقوق إلى أصحابها . هذا الاتجاه هو نفسه ما طالب به رؤساء الجماعات المتضررة واللذين عقدوا مساء يوم السبت 04 فبراير الجاري ، لقاءا يعتبر الأول الذي يجمعهم ببرلمانيي الإقليم ، حيث أجمعوا على ملحاحية التدخل العاجل لدى السلطة الإقليمية والنيابة العامة لتعزيز الحضور الأمني من أجل حماية الساكنة وممتلكاتها من أشكال ذلك الرعي الجائر ، مطالبين بإيفاد لجن متخصصة لتقييم حجم الخسائر والأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بالساكنة ومحيطها البيئي فضلا عن المشاريع التي أنجزت في إطار مخطط المغرب الأخضر والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية والتعاون الدولي مع تعويضها وإعادة إنجازها .
بدوار " إفرياضن " تبدو خيام الرحل منصوبة بجوانب أشجار الأركَان التي مازالت تعاند قساوة المناخ ، وبالقرب منها يعلق غسيل ساكني الخيام وليس بمقدور احد من أهالي المنطقة الدنو منها مخافة أن يلحقه أذى ستبقى عواقبه غير محمودة . وإن تجرأت على إخراج آلة للتصوير فإن مصيرها لن يكون أحسن حال أنفك .
بنظرات شرزاء ، واحتراز شديد ، ينظر الراعي إلى الزائر، ولسان حاله يكاد ينطق مزمجرا : إلا هون ، فالابتعاد يبقى الخيار الأنسب وإلا " غير غاتجيبها فضلوعك " ! .
التعاونية النسوية ب " أيت سعيد اويوسف "
الإبل والنيران تحول المادة الخام إلى خراب !
بفضل برنامج العمل الوطني للتصحر – أكادير ، وُضعت أولى لبنات تأسيس التعاونية النسوية " أيت سعيد اويوسف " بمنطقة " تسكدلت " في دائرة أيت باها الجبلية . وعند تشكيل تعاونيتهن ، كن تسع نساء ، والآن أصبح عددهن يفوق الأربعين عضوة ، تلقين الدعم الأساسي في مجال التكوين حيث استفدن مما لايقل عن عشرين دورة تكوينية ما ساعدهن على تحسين طرقهن في تدبير التعاونية . وفضلا عن ذلك ، تلقين برامج لمحو الأمية الوظيفية للرفع من مستوى تعليم نساء الدوار ، كما شكلت فرصة لتحسيسهن بجدوى التدبير المستدام للموارد الطبيعية . وتأمل نساء التعاونية دعمهن لتجميع المعدات التي يحتجنها في سلسلتي إنتاج زيت " الأركَان " و " الصبار " ، فالأمر سيفتح لهن المجال لتوسيع عدد الملتحقات بهذا الإطار التعاوني الوحيد بمنطقة " أيت سعيد اويوسف" النائية ، وذلك من أجل تحسين ظروف عيشهن ونساء الدواوير المجاورة . فمعظم النساء هناك ، يمكثن بالدواوير مع الأطفال ، ويشرفن على التدبير الاقتصادي والتعليم ، والاعتناء بالمسنين ، في الوقت الذي ينتقل فيه الرجال والأزواج والإخوان والأولاد البالغين إلى المراكز الحضرية ، ومنهم من يختار الهجرة نحو الضفة الأخرى هروبا من شظف العيش بالدوار وبحثا عن مورد لإرسال " مانضات " ينتظرها أهله مطلع كل شهر أو فصل . وتشكل هذه التعاونية مظهرا لبروز أشكال من الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بهذه المنطقة التي ترزح تحت واقع مريب من الفقر والهشاشة . تشتغل نساء التعاونية لتحصيل مداخيل لتلبية الحاجيات اليومية لعيشهن ، إذ بمجرد جني الثمار ينتقلن إلى فضاء تجمعهن لتبدأ عملية التنقية واستخراج النواة الداخلية ، حيث تقتني منهن التعاونية هذا المنتوج المسمى محليا ب " تيزنين " ، بنحو 45 درهما للكيلوغرام الواحد فتواصل الوسائل التقنية التي تتوفر عليها التعاونية بقية المراحل إلى حين نهاية سلسلة المنتوج إلى الوجود، إما للاستعمال الغذائي ، أو توجيهه لأغراض التجميل . وفي ظل مالحق بالموارد الطبيعية التي تمثل المادة الخام لنشاط هذه التعاونية ، من رعي جائر وقع و اجتثاث فظيع لأشجار الأركَان والصبار المحيطة بموقع هذه الوحدة ، فإن فضاءها بات فارغا على مدار معظم أيام الأسبوع ، فلم تعد النسوة قادرات على مسايرة واقع شح الطبيعة فهن يعانين أصلا من مشكل التسويق وهو الهاجس الذي يضع العربة أمام الحصان ، إذ لم يتجاوز معدل الإنتاج الذي حققته التعاونية ما بين سنتي 2010 و 2011، 150 لترا وهو رقم كان بالإمكان تجاوزه بكثير لو كانت الظروف مسعفة . وكانت هذه التعاونية قد استفادت من مشروع لتحسين المراعي الغابوية ، بشراكة مع مصالح المياه والغابات ودعم من الوكالة الألمانية للتعاون التقني ، حيث تم غرس نحو 30 هكتارا من "الصبار " بمحيط التعاونية وهو المورد الذي خطط له أن يصبح المادة الخام لنشاط هذه الوحدة التي تتواجد في فضاء قروي يسجل أكبر مؤشرات الفقر والتهميش . بيد أن ما آل إليه هذا المشروع النموذجي صار " مفجعاً " ، لم تشفع له علامات النضج التي كانت بادية على أشجاره التي عقدت عليها نساء التعاونية الآمال كلها في توفير زيت " أكناري" الثمين ، فأحالته شراهة الإبل ومن بعدها الحرائق التي ابتليت بها المنطقة مؤخرا ، إلى خراب من الصعب إعادة الحالة إلى ماكانت عليه ، وتضطر التعاونية الآن إلى جلب "زريعة الصبار " من خارج الإقليم وبمشقة عالية .
خالد ألعيوض ، المنسق العام لشبكة محمية الأركَان للمحيط الحيوي
نحن أمام شركات متنقلة لتربية الجمال
كيف استقبلتم ، كنشطاء بيئيين بالمنطقة ، ما آلت إليه مشاريع التخليف الغابوي في أيت باها ؟
في الحقيقة ، بذلنا جهودا مضنية في إقناع الساكنة المحلية بجدوى هذه المشاريع ، علما أن التخليف لم يكن سهلا لأنه كانت هنالك مقاومة من طرف الساكنة نتيجة المشاكل التي كانت تقع مع المياه والغابات ، وبالتالي فقد قمنا بجهد من أجل التحسيس . فقمنا بأول تجربة بمنطقة " تقصبيت " حيث تم تشجير مساحة تزيد عن الأربعين هكتارا بالأركَان ، تلتها تجارب مماثلة في قرى من أيت باها . وأصبحت حصيلة العمليات المنجزة تتجاوز الألف هكتار ، وهي تمثل مفخرة بالنسبة للنسيج الجمعوي لشبكة محمية الأركَان للمحيط الحيوي ، ولكن تعلمنا منها الكثير أيضا فيما يرتبط خصوصا بتحسيس الساكنة وانخراطها في حماية هذه الموارد الطبيعية عن طريق تخليفها ، وكانت تجربة ناجحة لأنها صارت محتضنة من لدن الساكنة ، وتضمنت العملية التسييج واستراحة الأرض لمدة غير يسيرة ، فضلا عن الغرس والسقي في فترة القحط . بيد أن هذه الفرحة الجماعية الكبرى لم تتم نتيجة ما حدث ولازال متواصلا في هذه السنة ، ويتعلق الأمر باجتياح غير مسبوق لجحافل الجمال والغنام والماعز لمناطق مسيجة والتي تأكدنا لنا أن هذه الجحافل قد دخلتها ووقعت خسائر كبيرة وهو ما نعتبره خرقا للقانون ، هذا فضلا عن المناطق غير المسيجة والتي اجتاحتها الإبل بشكل فظيع واعتدت على الساكنة في مصادر عيشها . ما يحدث يضرب في الصميم كل الجهود المبذولة ويجعلها في مهب الريح ، إذ من الصعب إقناع الساكنة بإعادة التخليف في هذه المناطق المتضررة ، فإذا لم يتم الحسم العاجل فيما يحدث فإن كل ما قام به المجتمع المدني ، وكل ما تم صرفه من أموال بالغة الأهمية من طرف مؤسسات الدولة والاتحاد الأوربي والتعاون التقني ، يعتبر كمن يصب الماء في الرمل .
لمن تحملون المسؤولية المباشرة فيما وقع بالضبط ؟
نحن نحمل المسؤولية للسلطات ولإدارة المياه والغابات ، فلا نعتبر هؤلاء الرعاة رحلا عاديين بل شركات متنقلة لتربية الجمال والتي تتخذ من الرعي والترحال ذريعة فقط ، فهي عبارة عن مستثمرين كبار يجتاحون هذه المناطق دون تأدية الواجبات ولا احتراما لخصوصياتها . وإدارة المياه والغابات لا تقوم بواجبها ، لأنه ثمة ظهير يعود لسنة 1925 يمنح ما يسمى ب " حقوق الانتفاع " ، وحق الانتفاع للرعي هو لذويي الحقوق وليس لغيرهم ، وبالتالي فالذي يرعى داخل مجال الأركَان وهو من خارج ذويي الحقوق يعتبر مخالفا للقانون ، وبالتالي فلابد أن يؤدي الذعيرة وهو العمل الذي لاتقوم به إدارة المياه والغابات ، فكان حريا القيام باحتجاز الإبل التي اجتاحت المنطقة إلى حين الأداء وفق ما ينص عليه القانون . الإدارة المعنية تقول إن هؤلاء الرعاة بدون هوية لكننا نقول إننا في بلد للقانون.
مالذي تتوقعونه في حال مارفضت المؤسسات المانحة في إطار التعاون الدولي ، إعادة تمويل إنجاز المشاريع الضائعة بالمنطقة ؟
تلك الهيئات تتعاقد مع الدولة في إطار البرامج، غير أنه من العار أن تذهب الأموال كلها، سواء العمومية أو الخارجية، هباء منثورا. فإذا لم يتم حل هذا المشكل فإن تلك الهيئات ستجد نفسها تهدر الأموال بلا جدوى، وهي التي تتوفر على أنظمة للتتبع والتقييم، إذ لا تشارك في أي مشاريع جديدة إلا بعد تقييم المراحل السابقة ضمانا للاستمرارية. ونحن نتساءل كيف ستقوم وكالة تنمية الواحات التي تتوفر على ميزانية ضخمة بالتخليف في منطقة شهدت مشاريع سابقة باءت بالفشل ؟ فهي توجد في مأزق حقيقي ، فكيف يمكنها إنجاز مشروع تخليف 200 ألف هكتار في إطار برنامج ممتد إلى سنة 2019 بمنطقة هي أصلا مهددة بالرعي الجائر ؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.