من من الطلبة القدامى في جامعة إبن زهر لا يتذكر الحافلة رقم 21 التي تربط بين أيت ملول ومرسى مدينة أكادير، وهي في مسارها الطويل هذا تشكل وسيلة أساسية لنقل الطلبة إلى غاية كلياتهم الجامعية الكائنة بحي الداخلة، وتشكل هذه الحافلة المتميزة مجتمعا صغيرا لكل أنواع الفئات المجتمعية، بحيث تجد فيها، جنبا إلى جنب، الطلبة والعمال والموظفين واللصوص ومن عامة المواطنين، وحتى بعض رجال الشرطة والعسكر يستقلونها في طريقهم لأعمالهم، ولأن الحافلة تشهد حفلات وجولات يومية لكل أنواع اللصوص والنشالين فهي، بالمرة، ليست القرار الصائب للوصول إلى الكلية، غير أن الظروف تجبر الطالب على التنقل في أي شيء يتحرك، المهم أن يصل إلى الكلية، ولا تحلم أبدا في الوصول إلى المدرج أو قاعة الدرس في بداية الحصة، بل توقع دائما التأخر نصف ساعة في أفضل الظروف، ولأن هذه الحافلة يغلب فيها (السليت) على من يدفعون ثمن التذكرة، وتتشكل بقية الركاب من الطلبة والتلاميذ الذين يستفيدون من بطائق التنقل، فحتى إدارة الشركة التي كانت تشرف على النقل الحضري بأكادير الكبير، لم تكن تعطي أية أهمية لجودة الخدمة، أو توفير العدد الكافي من الحافلات لتلبية العرض الكبير على هذا الخط، أو على الأقل تأمين من يتنقلون في هذا المسار على جيوبهم وكرامتهم التي تهدر يوميا على متن صناديقها الحديدية هذه، بل حتى الكراسي التي تسمح بالجلوس وأخذ الأنفاس جراء طول الإنتظار، تم نزعها و تعويضها بقضبان حديدية يتمسك بها الراكب تجنبا للوقوع، ولهذا يكتفي الأغلبية بالوقوف والإنحشار ضمن مساحة ضيقة، تضيق أكثر و أكثر كلما تقدمت الحافلة في الطريق، وتشكل هذه الحالة المزرية صفقة رابحة لأي نشال مبتدأ، بحيث يُمكنه أن يُفرغ جيوبك بكل سهولة ودون أن تتفطن لذلك إلا بعد فوات الأوان، وحتى لو فطنت لما يجري لك أو لمن يقع بجانبك، فقلة قليلة من الركاب تغامر بالتصدي لهؤلاء اللصوص، لأن أي واحد منهم يمكن أن يستل شفرة حلاقة، ويعلم بها ملامحك في طرفة عين، ثم يتجه إلى الباب الأمامي حيث يفتح له السائق الباب بكل يسر، لأنه هو الآخر يخشى على نفسه من الإنتقام إن رفض ذلك. و في مثل هذه الأجواء لا تسأل عن حال الطالبات اللواتي تجبرهن الظروف على استعمال وسيلة النقل هذه مع التحرش وكل أنواع المضايقات، أما في أيام الشتاء حيث يقصر النهار ويرخي الليل رداءه باكرا بالموازاة مع خروج الطلبة على الساعة السادسة مساءا، فقد لا تصل إلى البيت إلا بعد مرور ساعتين أو ثلاث، هذا إن كنت محظوظا ووجدت حافلة ترأف بحالك و تقبل بالتوقف، أما الغالبية من سائقي هذه الحافلات فمجرد ما يلمحون عشرات الطلبة ينتظرون على الرصيف، يتجنبون أي توقف يرونه عبثيا، مادامت الحافلات التي يقودونها ممتلئة عن آخرها بالعمال العائدين من المرسى و عموم المواطنين الذين يرجعون لأحيائهم الواقعة بالضواحي، ولا تُسرع الشركة المعنية بإرسال حافلة خاصة لنقل الطلبة العالقين، إلا بعد أن يعمدوا إلى إغلاق الطريق في وجه السير، أو منع حافلاتها عن مواصلة طريقها. إنها نفس الحكاية تتكرر في كل مكان، حيث لا يتم حل مُشكلة مُعينة، مهما كانت متاحة وبسيطة، إلا بعد احتجاج، وتلك حكاية أخرى. إلى هنا ينتهي هذا المخاض بالنسبة لبعض الطلبة القاطنين بأحواز أكادير، أما طلبة بيوكرى وإلى حد ما طلبة القليعة، فيجب عليهم الإنتظار مجددا بجانب مطحنة للحبوب و جوار مركز تجاري مغلق، قد استوطنه عدد من المشردين من مدمني الكحول و المخدرات، ويقبع بجانبه دائما كل أنواع اللصوص المتربصين بالمواطنين، وفي هذا المكان تزكم أنفك رائحة نتنة للأزبال والبول، هنا تجد محطة للطكسيات، وهنا يتوجب عليك انتظار الحافلة رقم 13. تحكم في أعصابك وابتسم !! فأنت الآن في وسط مدينة أيت ملول، و يجب عليك انتظار الحافلة القادمة من إنزكان لتنقلك إلى بيوكرى. هنا قد تنتظر ما شاء الله لك الإنتظار، ربع ساعة أو ساعة أو ساعتين، أنت وحظك، وعندما تأتي الحافلة، بين قوسين، لأنها لا تحمل من إسم الحافلة إلا الإسم، يجب أن تدعو الله أن لا تتوقف بك خارج المدار الحضاري معطلة، بسبب الحالة الميكانيكية المتدهورة لأسطولها، والكارثة أن تصل بعد مرور آخر حافلة تغطي هذا الخط، وتكون سيارات الأجرة قد اختفت بدورها من هذا الشارع البئيس.. في مثل هذه الظروف قد تصل إلى المنزل والساعة تقترب من منتصف الليل، وفي مثل هذه الأجواء يتوجب عليك مراجعة دروسك والإعداد لمحاضرات اليوم الموالي، وفي اليوم الموالي نفس الأسطوانة تتكرر كل صباح ومساء، ورغم ذلك فقد درس الكثير في مثل هذه الظروف وبقيت هذه الذكريات من الأشياء الملازمة للحياة الجامعية بالنسبة للطلبة الذين لا تمكنهم ظروفهم المادية من الكراء، ومع بداية كل موسم جامعي تستمر معاناة الآف الطلبة في الكليات و المدارس الخاصة من مشكلة مزمنة تكمن في المواصلات و وسائط النقل العام ، والسلطة من جهتها لا تعمد إلى التفكير في إيجاد حلول ملائمة، إلا بعد أن يسجل المعنيون احتجاجهم على هذه الأوضاع، وهي رسالة خاطئة توجهها السلطات العمومية دائما وفي كل أنحاء المغرب للمواطنين مفادها؛ لحل مشكل ما يجب عليك الإحتجاج، وانعدام الإحتجاج يعني عدم وجود مشكلة، أما العمل وفق مقاربة استباقية لحل المشاكل المتكررة كل سنة فيظل حلما مؤجلا لحكامة راشدة لازالت في حكم المأمول.