هي ليلة عظيمة الشأن لا تكون إلا في شهر رمضان ولا يشترط أن تكون ليلة السابع والعشرين منه بدليل حديث واثلة بن الأسقع قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنزلت التوراة لستٍ مضين من رمضان وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان وأنزل الفرقان لأربع وعشرين خلت من رمضان" . فيحتمل أن تكون أي ليلة من ليالي رمضان ، والغالب أنها تكون في العشر الأواخر من رمضان . ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾. فمن أراد إحياء ليلة القدر فليتهيّأ لهذه الليلة العظيمة المباركة أولاً بعلم الدين لأنه هو أي علم الدين حياة الإسلام ولأن العلم قبل العمل، فمن أراد أن يحييها بالذكر، بالاستغفار، بالتسبيح والتحميد والتهليل والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، عليه أولاً بعلم الدين، من أراد أن يحييها بصلاة التطوع، بقيام الليل، بتلاوة القرءان العظيم عليه أولاً بعلم الدين، كثير من الناس اليوم لا يعرفون خالقهم إنما يقولون بألسنتهم لا إله إلا الله. لا إله إلا الله هي حصن لمن تجنب الكفريات فمن قال بلسانه لا إله إلا الله وفي قلبه ما ينقض معنى لا إله إلا الله كمن اعتقد أن الله ضوء أو جسم أو روح فهذا ليس بمسلم عند الله. ولا تستغرب أخي المسلم الصائم من تركيزنا وتشديدنا على هذا الموضوع، فلقد ظهر في بلدنا هذا في عصرنا هذا من يقول الله ذكر والمطر بوله والعياذ بالله من الكفر. وتتميز ليلة القدر بالنسبة لمن يراها يقظة أنه يرى أنوارًا غير أنوار الشمس والقمر والكهرباء أو قد يرى أن شروق الشمس في غد تلك الليلة المباركة العظيمة في صبيحتها يختلف عن شروق شمس صبيحة باقي الأيام. ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ﴾ ملائكة الرحمة. ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ﴾ أي تهبط الملائكة من كل سماء إلى الأرض. والمراد بالروح جبريل عليه السلام وهو أشرف الملائكة. وللملاحظة إخوة الإيمان، الملائكة أجسام نورانية ليسوا ذكورًا ولا إناثًا لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون ولا يتناكحون ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. وقوله تعالى: ِ﴿فيهَا﴾ أي في ليلة القدر. وقوله تعالى: ﴿مِّن كُلِّ أَمْرٍ﴾ أي بما أمر الله تعالى به وقضاه يتنَزلون بكل أمر قضاه الله في تلك السنة إلى قابل، ليلة القدر هي الليلة التي قال الله تعالى فيها: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ الدخان/4 . أي فيها يطلع الله تعالى ملائكته الكرام على أخبار السنة القابلة من إماتة وإحياء ومَن مِن العباد سيبتليهم الله بالمرض والفقر والبلاء ومن منهم ينعم عليهم بالصحة والغنى وغير ذلك ، يطلع الله في ليلة القدر الملائكة المقربين. هذا معنى ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ الدخان/4. ومن الناس من يراها في المنام كأن يرى الأشجار ساجدة لله وقد يرى ذلك يقظة والأكمل والأقوى رؤيتها يقظة، ومن رءاها في المنام ففي ذلك خير. فمن أكرمه الله تعالى برؤيتها في تلك الليلة فليدع الله أن يفرّج الكرب عن المسلمين وأن يرفع البلاء والغلاء عن المسلمين وأن يرفع عنهم ويفرّج عنهم ما أهَمّهم وأغمّهم وليقل اللهم إنك عفوٌ تحب العفو فاعف عني. (وعنا). وينبغي لمن رأى ليلة القدر أن يكتم ذلك ولا يتكلم به للناس لأمور منها أنه يُخشى أن يصاب بالعين، ومنها أنه إن تكلم قد يؤدي ذلك إلى فتور همة بعض المجتهدين بالعبادة رجاء أن توافق عبادتهم ليلة القدر ليضاعف ثوابهم، فإنّ من حِكَمِ إخفائها عن الناس أن يجتهد العبد في الطاعة كل ليالي رمضان رجاء أن تصادف عبادته ليلة القدر ليضاعف ثوابه. ففي الحديث : "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه". وينبغي للإنسان المؤمن أن يعمل بالطاعات في ليالي رمضان كلها حتى يصيب تلك الليلة كي لا يفوته ثواب إحيائها ولو لم ير علاماتها في اليقطة أو في المنام، فهيئوا الزاد ليوم المعاد وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا واستعدوا ليوم لا بد فيه من أن تدخلوا حفرة القبر، والقبر باب وكل الناس داخله وملك الموت لا يستأذن كبيرًا كما لا يستأذن صغيرًا ولا يترك قويًا معافًى كما لا يترك مريضًا سقيمًا أو شيخًا هرمًا فأقبلوا إلى ءاخرتكم بالطاعة والتوبة قبل الموت.هذا وأستغفر الله لي ولكم . زكاة الفطر • حكمها : زكاة الفطر فريضة على كل مسلم ؛ الكبير والصغير ، والذكر و الأنثى ، و الحر والعبد ؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر ، أو صاعاً من شعير ؛ على العبد والحر ، والذكر والأنثى ، والصغير والكبير من المسلمين . و أمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة " أخرجه البخاري . • فتجب على المسلم إذا كان يجد ما يفضل عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته ، فيخرجها عن نفسه ، وعمن تلزمه مؤنته من المسلمين كالزوجة والولد. و الأولى أن يخرجوها عن أنفسهم إن استطاعوا ؛ لأنهم هم المخاطبون بها . أما الحمل في البطن فلا يجب إخراج زكاة الفطر عنه ؛ لعدم الدليل . وما روي عن عثمان رضي الله عنه ، وأنه " كان يعطي صدقة الفطر عن الحَبَل " فإسناده ضعيف . ( انظر الإرواء 3/330 ) . • حكم إخراج قيمتها : لا يجزئ إخراج قيمتها ، وهو قول أكثر العلماء ؛ لأن الأصل في العبادات هو التوقيف ، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أحدٍ من أصحابه أنه أخرج قيمتها ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " أخرجه مسلم . • حكمة زكاة الفطر : ما جاء في حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال : " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث ، وطعمة للمساكين . من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات " أخرجه أبوداود وابن ماجة بسند حسن . • جنس الواجب فيها : طعام الآدميين ؛ من تمر أو بُر أو أرز أو غيرها من طعام بني آدم . قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه : " كنا نخرج يوم الفطر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام ، وكان طعامنا الشعير والزبيب و الأقط والتمر " أخرجه البخاري . • وقت إخراجها : قبل العيد بيوم أو يومين كما كان الصحابة يفعلون ؛ فعن نافع مولى ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال في صدقة التطوع : " و كانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين " أخرجه البخاري ، وعند أبي داود بسند صحيح أنه قال : " فكان ابن عمر يؤديها قبل ذلك باليوم واليومين ". و آخر وقت إخراجها صلاة العيد ، كما سبق في حديث ابن عمر ، وابن عباس رضي الله عنهم . • مقدارها : صاع عن كل مسلم لحديث ابن عمر السابق . والصاع المقصود هو صاع أهل المدينة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ضابط ما يكال ، بمكيال أهل المدينة كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المكيال على مكيال أهل المدينة والوزن على وزن أهل مكة " أخرجه أبو داود والنسائي بسند صحيح . والصاع من المكيال ، فوجب أن يكون بصاع أهل المدينة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم . • المستحقون لزكاة الفطر : هم الفقراء والمساكين من المسلمين ؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما السابق : " .. وطعمة للمساكين " . • تنبيه : من الخطأ دفعها لغير الفقراء و المساكين ، كما جرت به عادة بعض الناس من إعطاء الزكاة للأقارب أو الجيران أو على سبيل التبادل بينهم و إن كانوا لا يستحقونها ، أو دفعها لأسر معينة كل سنة دون نظر في حال تلك الأسر ؛ هل هي من أهل الزكاة أو لا ؟ . • مكان دفعها تدفع إلى فقراء المكان الذي هو فيه ، و يجوز نقلها إلى بلد آخر على القول الراجح ؛ لأن الأصل هو الجواز ، و لم يثبت دليل صريح في تحريم نقلها .