طور الأوروبيون طريقة الولادة الطبيعية، ونقلوها من جو المستشفى الكئيب إلى داخل المسابح حتى يخففوا من آلم الأم ومن أنينها المتواصل من المخاض. في حين عمد آخرون إلى إستدعاء الزوج إلى قاعة الولادة حتى يكون قريبا من زوجته في هذه الظرفية الحساسة، والتي تقتضي منه لعب دور الزوج الخالص وتخفيف الألم عن شريكة حياته وحضور لحظة خروج طفله إلى العالم . وهذا كله من أجل ضمان جو لائق للحامل من شأنه تحسيس الزوجة بأنها ليست وحيدة وأنها مؤازرة من زوجها ومن كل طاقم التوليد. في مغربنا الغريب مازالت المرأة الحامل تنظر إلى لحظة الولادة مثل الذاهب إلى ساحة الوغى من غير سلاح، أو مثل إمرأة تنتظر حتفها ونهايتها، وكثير من النساء قبل أن يلجن قاعة الولادة فإنهن يتسامحن مع أقربائهن و يوصينهن خيرا بأبنائهم ، وهذا لا لشيء إلا خوفا من المستشقيات المغربية التي تشبه مخيمات التعذيب والإستنطاق . صورة المرأة التي تناقلتها جميع الصحف والمواقع الإلكترونية والتي منعها الممرضون من ولوج مستششفى في فاس، متحججين بأن موعد وضعها لم يحن بعد، ثم ما لبتث أن وضعت مولودها خارج بوابة المستشفى، كان صادما ومؤثرا وخصوصا في شهر مقدس كشهر رمضان الكريم. صورة وحدث لا يزيدنا إلا إصرارا على فشل وزارة الصحة في تدبير الملف الصحي وتماديها في إذلال المرضى وحرمانهم من دخول مستشفيات المملكة، زيادة على هذا التشخيص الخاطيء للعاملين بهذه المستششفيات والذي مازال يعتمد على مقولة "باك صاحبي" عوض إعتماده على التعامل مع الحالات حسب حساسيتها وخطرها. لم يكن هذا أول ولا آخر خطأ تقترفه وزارة الصحة. بل شاهد الجميع وعلى راسهم البرلمانيين النائمين الوزيرة وهي لا تكاد تمسك نفسها من الضحك، حينما كانت ترد على سؤال شفوي يتعلق بمرض عضال وخطير أصاب ساكنة إحدى مناطق المغرب، وشبعت الوزيرة من الضحك ولا أحد تجرأ على إيقافها أو رفع دعوى عليها أو حتى توجيه إنذار إليها. في الدول الديمقراطية التي تحترم مواطنيها ،أقل قرار يمكن أن يقدم عليه وزير عند سماعه لفضيحة أقل من هذه التي حصلت عندنا. إصدار أمر بالتحقيق وتوقيف مدير المستشفى مع إطلاع الرأي العام والصحافة على حيثيات هذه الفضيحة إلى جانب الإعتذار والوعد بنشر نتائج التحقيق على الملأ، مع إتخاد قرارات رادعة في حق المخطئين قد تصل إلى توقيفهم مدى الحياة.أما إذا كان الوزير يخاف على سمعة حزبه وعلى إنجازات حكومته فأول شيء يقوم به هم الإستقالة والإعتذار وتقديم نفسه للعدالة. عندنا في المغرب لا يسأل أحد عن ماذا إقترفه حتى لو كان بالحجة والدليل، الكل يفلت من العقاب .أما البرلمان المخول بالمسائلة فيتعمد جل نوابه الغياب في يوم التحقيق والمسائلة. وتمر الأيام وتتفاجأ بأن المسؤول قد أعطي منصبا أسمى، ولا تجد جوابا على هذا الإستهتار وتبقى دائما تستغرب في أرض المغرب. وبعدها يتهمونك بأنك تثير التشاؤم والسوداوية وسط الشباب والشعب. كل مؤسسات وإدارات المغرب تئن تحت وطأة البيروقراطية والمحسوبية وعلى رأسها كل هذه المستشفيات التي تستقبلك بأبواب موصدة وموظفين مكفهرين .مستشفيات تدفعك إلى الإتجاه بمرضك وعوزك إلى عيادات القطاع الخاص حيث الضربة على الرأس.ومع كل هذه الأرقام المخيفة التي تتحدث عن النسبة العالية في الوفاة أثناء الولادة وعن ولادة الأمهات في الممرات وفي بوابات مستشفيات المغرب ،مازال هناك من الأحزاب ونواب الشعب من يضرب الطاولة ويعلو صوته عاليا، ليس بسبب وفاة حامل أو غرق "حراك" أوشوهة مومس في بلاد الخليج... بل لأن موعد الإنتخابات لا يروقه وقد يفوت عليه الفرصة في إيجاد الوقت الكامل من أجل ترتيب بيته الداخلي، بإقامة الولائم الغنائية وحشد مزيد من الشلاهبية من أجل الرجوع إلى المجلس أو البرلمان معززا مكرما...