حزب العدالة والتنمية، الذي يعطي الدروس في البرلمان ضد تبذير الأموال في المهرجانات على المغنيات والراقصات، اتضح أن المجلس البلدي الذي يسيره في تطوان منح 200 مليون لمهرجان نشطته المغنية الاستعراضية اللبنانية نوال الزغبي. وغير بعيد عن تطوان، وبالضبط في شفشاون التي يسير مجلسها البلدي عضو آخر في العدالة والتنمية، منح مهرجان «أليغيريا»، الذي نشطته نفس الراقصات الإسبانيات اللواتي نشطن مهرجان كريمة بنيعيش بتطوان، دعما ماليا لم ير إخوان بنكيران ضرورة للكشف عن قيمته. حزب الاستقلال، الذي يقود الحكومة والذي يعطي أمينه العام والوزير الأول عباس الفاسي الدروس حول ضرورة التزام وزراء الحكومة بتطبيق القرارات القضائية التي تصدرها المحاكم ضدهم، يتفرج على رفض وزيرته في الصحة، ياسمينة بادو، تطبيق قرارات المحكمة التي صدرت لصالح طبيباتها الموقوفات عن العمل. وهاهي سعادة الوزيرة الضاحكة، بتعنتها، تعرض الوزارة إلى احتمال الحجز على ممتلكاتها وأموالها في حالة استمرارها في رفض تنفيذ القرارات القضائية لفائدة الطبيبات. وإذا كان حزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال قد قررا عدم التعليق على التقرير الأخير الذي أصدرته «الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة»، فإن نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، قد قرر أن يصدر بلاغا ثمن فيه جودة التقرير وقوته ورزانته. وليس هذا فحسب، بل طالب سعادة الأمين العام بألا يقتصر عمل اللجنة على «سن إجراءات تقنية أو إصدار نصوص قانونية لوحدها، بل يتعين الاهتمام أكثر بتفعيل تلك النصوص مع السعي إلى تحقيق نتائج ملموسة، والإسراع في وتيرة تنفيذ بعض الأوراش المتعلقة بمكافحة الفساد، مع ضرورة المراقبة السياسية والتتبع». ومن سيقوم بالمراقبة والتتبع يا سيد نبيل، حزب الاستقلال الذي يقود الحكومة والذي يعجز أمينه العام والوزير الأول عن مجرد إقناع وزيرة في حزبه وحكومته بتطبيق مقررات قضائية صادرة باسم الملك، أم حزب العدالة والتنمية الذي يعارض المهرجانات في البرلمان وينفق عليها من ميزانيات دافعي الضرائب وراء ظهر الرأي العام، أم تراه حزب التقدم والاشتراكية من سيقوم بالمراقبة والتتبع السياسي لأوراش مكافحة الفساد، وهو الذي لا يستطيع «التشطاب» حتى أمام باب بيته الحزبي؟ وما دام الرفيق نبيل بنعبد الله يدافع عن المراقبة والتتبع السياسيين لأوراش الفساد، فإننا نطلب منه أن يشرح لنا ماذا تصنع لجنة تفتيش من وزارة المالية في مقر وزارة الاتصال، ولماذا يتفحصون الصفقات المالية التي عقدتها الوزارة مع المهندسين والمقاولين الذين منحهم الآمر بالصرف في الوزارة صفقاتها. لماذا لم يصدر سعادة الأمين العام للتقدم والاشتراكية بلاغا يشرح فيه للرأي العام ولعموم المناضلين ظروف وملابسات قدوم هذه اللجنة لافتحاص مالية الوزارة التي يسيرها رفاقه في الحزب، في تزامن مع ما راج حول تفويت صفقات هندسية إلى أخيه فكري بنعبد الله؟ وليسمح لنا الرفيق نبيل بأن نصحح خطأ وقعنا فيه عندما تحدثنا عن تفويت صفقة تصميم والإشراف على أشغال تهيئة الطوابق الستة لمقر وزارة الاتصال إلى أخيه. فقد نسينا الإشارة إلى الطابق الأرضي والطابق تحت الأرضي اللذين سيخضعان أيضا للتهيئة والتصميم على يد الأخ نفسه، والذي أصبح بعد المؤتمر الأخير عضوا في اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية. عندما يتجرأ الأمين العام لحزب سياسي على تثمين تقرير حول الفساد والرشوة صادر عن هيئة مستقلة، في الوقت الذي نرى فيه كيف أن أخ هذا الأمين العام استفاد من صفقات هندسية في نفس الوزارة التي يسيرها أعضاء في الديوان السياسي للأمين العام، نصاب حقا بالصدمة. لقد كان على نبيل بنعبد الله أن يغلق فمه على الأقل ولا يصدر بلاغا يحيي فيه تقرير «الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة» ويطالب بمنحها صلاحيات أوسع. فقد بدا كما لو أنه يسعى من وراء هذا البلاغ إلى إبعاد الشبهات عنه وأن يظهر بمظهر القائد السياسي الجريء الذي ليس لديه ما يخفيه أو يخاف منه. والحال أن لجنة التفتيش القادمة من وزارة المالية يجب أن تذهب رأسا، بعد تفتيشها لمالية وزارة الاتصال، إلى مقر الشركة المصدرة لجريدتي حزب التقدم والاشتراكية، لأن المؤسسة مدينة لإدارة الضرائب بحوالي 45 مليون درهم. وربما يعرف الرفيق نبيل، بحكم تسييره لجريدتي حزبه «البيان» بالفرنسية و«بيان اليوم» بالعربية، أن شركة «البيان مجهولة الاسم» لم يسبق لها أن نشرت بيانات حول ماليتها وأرقام معاملاتها كما ينص على ذلك القانون. كما يعلم أحسن من غيره أن الشركة مدينة لصندوق الضمان الاجتماعي بمتأخرات وصلت إلى 600 مليون سنتيم، هي مجموع الاقتطاعات غير المدفوعة للصندوق لمدة سبع سنوات. رغم أن شركة «البيان مجهولة الاسم»، توصلت بعد بيع حصتها من شركة التوزيع «سابريس»، بمبلغ قدره 600 مليون سنتيم، ذهب 1.8 مليون درهم منها لتغطية مصاريف شراء الورق، فيما ذهبت 4.2 ملايين درهم لتغطية عجز الحساب البنكي للحزب بعد هزيمته النكراء في انتخابات 2009 والتي فشل خلالها في الوصول إلى عتبة ستة في المائة المفروضة من طرف الداخلية. الرفيق نبيل، الذي يعطي الدروس في ضرورة احترام الصحافة لقانون وأخلاقيات المهنة، يعرف أكثر من غيره أن جريدة «البيان» الناطقة بالفرنسية كانت، إلى حدود نهاية الأسبوع الماضي، تخرق قانون الصحافة بعدم وضعها لاسم المدير المسؤول عن النشر على صدر صفحتها الأولى. ولم يصحح هذا الخرق سوى قبل يومين عندما عين الحزب «الرفيق» محتات الرقاص مديرا للنشر على رأس جريدتي الحزب. وهو «الرفيق» الذي كان يتقاضى، قبل خمس سنوات، 2500 درهم لا غير، فترقى حزبيا وطبقيا وأصبح يتقاضى 30 ألف درهم. و«الله يخلف على السي نبيل»، ولي نعمته الذي شغله إلى جانبه كمستشار عندما كان هذا الأخير وزيرا للاتصال. وهي الفترة التي استفاد فيها المدير العام للجريدتين، محمد قاوتي، من صفقات إعلامية مجزية لشركته من إدارتي القناة الثانية والأولى. ولعل الجميع يذكر البرنامج الممل الذي كان يحكي فيه «الحجايات» في القناة الثانية عندما كان مدير القناة هو مصطفى بنعلي، الذي كان قد جاء رأسا من ديوان نبيل بنعبد الله ليجلس في الطابق الرابع بقناة عين السبع فوق كرسي الصايل المطرود. ولأن «الرفيق» قاوتي «عندو الزهر كايهرس الحجر»، فقد نجح في الحصول على صفقة مجزية مع قناة الأمازيغية، غلافها المالي وصل إلى 600 مليون، ولذلك فهو مشغول بتطوير رأسمال شركته الخاصة أكثر مما هو مشغول بتطوير محتوى جريدتي الحزب اللتين يتحمل فيهما مسؤولية الإدارة العامة، واللتين يسخرهما أحيانا لتغطية الأنشطة الفنية التي تشرف عليها شركته الخاصة. هذا دون أن نتحدث عن مسؤوليته على رأس تعاضدية الفنانين، وهي المؤسسة التي لم تخضع للافتحاص من طرف أية مؤسسة مراقبة عمومية منذ إنشائها سنة 2007. كيف يحيي«الرفيق» نبيل التقارير التي تفضح المحسوبية والزبونية و«تعارض المصلحة» في المؤسسات العمومية والخاصة، في الوقت الذي يعرف فيه جيدا الطريقة التي تم بها تفويت صفقة إعداد وتصميم «ماكيط» جريدتي الحزب قبل أربعة أشهر. فالمشروع، الذي كلف 45 مليون سنتيم، تم تفويته إلى شركة «ميساجي.كوم» التي يملكها «الرفيق» حسين الشعبي، رئيس تحرير جريدة «بيان اليوم»، وهي الشركة نفسها التي استفادت من صفقة قدرها مائة مليون سنتيم لتنظيم الندوة الصحافية لمولاي إسماعيل العلوي التي سبقت المؤتمر، وأيضا لتصميم وطبع ملصقات المؤتمر الأخير للحزب والذي «صعد» فيه نبيل على أكتاف رفاقه، والذي بالمناسبة تكفل أخوه المهندس بتصميم ديكور القاعة التي احتضنته ببوزنيقة. «الرفيق» نبيل، الذي يتغزل في الشفافية ويطالب بفرضها على المؤسسات العمومية والخاصة، ينسى أن الشركة المصدرة لجريدتي حزبه «AL BAYAN S.A» لا تقدم أية معلومات إلى اللجنة المركزية للحزب، كما أن مجلس مراقبة الشركة لا ينعقد في خرق سافر للقانون. أضف إلى ذلك أن جريدتي نبيل بنعبد الله لا تعلنان عن عدد النسخ التي تسحبها من المطبعة، كما ينص على ذلك القانون الذي وضعه «الرفيق» نبيل عندما كان وزيرا للاتصال، والذي بموجبه تمنح لجنة الدعم بالوزارة المال العام للصحف والمجلات. إن مصيبة الأغلبية الساحقة من هذه الأحزاب السياسية العظمى، التي تسير الشأن العام، هي أن جرائدها الناطقة بلسانها الحزبي الطويل، تعطي المثال الصارخ على خرق قانون الشركات وقانون الصحافة. إنها لمسخرة كبرى أن تكون صحافة حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية غير قادرة، إلى حدود اليوم، على تقديم الوثائق والبيانات الضريبية المطلوبة أمام لجنة الدعم من أجل التوصل بالشطر الرابع من المنحة، وفوق هذا تعطاها هذه المنحة من أموال دافعي الضرائب ضدا على القانون. إذا كانت هذه الأحزاب السياسية، التي تسير الشأن العام وتتصرف في ميزانيات حكومية، عاجزة عن تطبيق القانون واحترام آجال دفع الضرائب ومستحقات الصناديق الاجتماعية لمستخدميها، فكيف ستنجح في تسيير شؤون ما يزيد على ثلاثين مليون مغربي والدفاع عن مصالحهم؟ سؤال نطرحه على الأمناء العامين لهذه الأحزاب، خصوصا أولئك الذين يستغلون صدور التقارير حول الرشوة والفساد لكي يشرعوا أفواههم بالحديث عن قوة ورزانة وجودة هذه التقارير. «هاذي هيا خلات تشطب باب دارها ومشات تشطب باب الجامع».