تأمل يوما ما في وجوه الناس تجد أن أغلبهم مكفهر دائما، فقد تصلبت ملا مح وجوههم على هذا النحو في تعبير قاس وقاتم جراء كل المصاعب اليومية، وحصيلة مباشرة لطاحونة الواقع الذي يعيشون في ظله، و لا تحتاج لأن تكون طبيبا نفسيا حتى تدرك أن فئة كبيرة من المواطنين يعيشون حالة من الإكتئاب الجماعي ومستعدون للإنفجار عند أقل احتكاك بهم، وبينهم، ويكفي رصد ردود فعل المواطنين في بعض الأماكن وعند عدد من الخدمات التي تفرض عليهم حالة من الإحتكاك بسبب نقص المعروض مثل الحافلات، ومكاتب دفع الفواتير، وكل الأماكن حيث يتكدس المواطنين بشكل لا إنساني وهي في إقليمنا بلاحصر تمتد من البلدية إلى مفوضية الأمن إلى المستشفى الإقليمي (..) و لا شك كذلك أن حالة من الضغط العام والتوتر تسري في دواخلهم، وهي إما أن تنفجر في صورة شائعة لأمراض العصر مثل الضغط الدموي وأمراض القلب تنتج عن خزن كل هذه الضغوطات في دواخلهم، أو تتحول في صيغة أخرى إلى ممارسة للعنف المجاني، المادي والمعنوي منه، واعادة انتاج نفس الضغوطات على من تلقيه الظروف السيئة تحت سلطتهم من زوجة و أبناء أو تلاميذ أو عمال أو موظفين (..) فالطفل المغربي يولد في ثقافة تمجد العنف بدعوى التربية والإصلاح، عنف يخضع له الطفل الصغير منذ أول أيامه على درب الحياة، في البيت، في المدرسة، في الشارع، من طرف الشرطي، من طرف القايد وعند مختلف أذرع السلطة في الدولة و المجتمع وعندما يبلغ هذا الطفل مبلغ "الرجال" لا يبقى له إلا الزوجة والأبناء ومن تحت يده ليمارس عليهم بعضا من رجولته التي اغتصبتها طاحونة الواقع والسلطة. أو قد يصرف جزءا بسيطا من هذا الضغط في الشارع العام على شكل عربدة ساخطة بعد التحرر من سيطرة الضوابط المجتمعية إثر تناول أقراص الهلوسة أو غيرها من المخدرات أو المسكرات فيتحول المعني بالأمر إلى حالة العصيان والتحرر المؤقت في مواجهة علنية ضد كل ما يرمز للقيم العمومية، ولو في صورة بلاكة (قف) يركلها بشكل عبثي لمجرد تفريغ طاقة مشحونة في غفلة من الزمن، أو يمسح عنها نقطة القاف لتصير (فق) وهو ما يرجوه في داخله. ربما يحلم أن يفيق ذات صباح ما على حال أفضل، في شيئ أقرب لبعض ما يشاهده في المسلسلات المترجمة التي تمطره به يوميا مختلف القنوات مقدمة حياة حالمة مليئة بالجمال والغنى وآخر السيارات والقصور الفاخرة والحياة المخملية التي قد لا يكون لها وجود في الواقع الحقيقي، لكن السيل العارم لهذه الصور المسترسلة يوما عن يوم تغذي لدى هذا المواطن شعورا بالفرق بين حياته المعيشية وبين ما يشاهده، فلا يبقى له إلا الإنغماس في تجرع الحلم يوميا مرفقا بالمرارة القاتمة لواقع لا يتزحزح متشبع بالفروق الشاسعة بين من يعيش في الحضيض ومن يعيش في أبراج عالية لا يلقي بالا لغيره. في استطلاع بجريدة وطنية صدرت حديثا، عدة أرقام لها دلالة كبيرة حول هذه الفروق التي صار مجتمعنا يعيش على ايقاعها. يتناول هذا الإستطلاع طينة من الكلاب المدللة التي تستهلك شهريا ما يمكن أن يفوق أجر موظف في السلم العاشر، هي كلاب بين قوسين، طبعا، لأن هذه الكلمة لم تعد تليق بهذه الكائنات التي ينفق عليها أصحابها ما بين 500 درهم إلى ألف درهم لقص وتسريح شعرها، فقط، في صالونات متخصصة، هي كلاب مع التحفظ دائما على هذه الكلمة تستهلك في غذائها المتوازن بالضرورة تحت إشراف بيطري ما يزيد عن ألف أو ألفي درهم شهريا، هي كلاب تتوفر على مرافقين يعتنون ويذهبون بها في فسحة يومية كل صباح ومساء، هي كلاب تسافر، تلبس على آخر ما استجد في الموضة، تنال عناية خاصة لا ينالها بني البشر في بلدنا. أكثر من هذا قد تخضع لجلسات نفسية لقويم سلوكها وتحسين مزاجها ليكون دائما في صورة رائقة لأن أصحابها لا يستحملون نظرة حزن واحدة على محيا هذه الكائنات الرقيقة، هي كلاب لا علاقة لها بتلك الكلاب التي تتجول في مدينتنا بالقرب من "الكرنة" أو جوار المزابل، أو تتسكع في جنح الليل عبر الدروب الباردة للأحياء المهمشة. هذه الكلاب أيضا ليست لها علاقة إطلاقا من قريب أو بعيد بتلك الكلاب التي يصطادها رصاص البلدية بين الفينة والأخرى ويتم جمعها في شاحنة الأزبال، هذه الكلاب ليست لها علاقة على الإطلاق بمصير بعض البشر من طينة "كحل الرأس" مثل كل المهمشين و المعطلين الذين تصفر الرياح و"العجاج" في جيوبهم التي قد تجد فيها غزل العنكبوت من فرط عدم استعمالها. إن أهم ركيزة لاستقرار المجتمع وتوازنه تكمن في تقليص الفوارق بين طبقاته عن طريق إعادة توزيع الثروة بين فئاته، بما يسمح بنشوء طبقة متوسطة قوية، والكيفية بسيطة جدا؛ من عنده أكثر يدفع ضرائب أكثر لتحسين حياة باقي الفئات الهشة، لكن في وطننا الآية منقلبة، فمن عنده أقل يدفع أكثر ومن عنده أكثر يدفع أقل أو قد لا يدفع شيئا أصلا.