كانت يد الجنرال محمد أوفقير الرجل الثاني في الدولة المغربية حتى قبل انكشاف تورطه في الانقلاب مطلوقة بالكامل لفعل أي شيء يريده دون قيد حتى إن الحسن الثاني قال ذات مرة عنه : ((لقد كنت أغمد عيني عارفا أن عيني أوفقير مفتوحتان .. وكنت أنام الليل مطمئنا إلى أنه سهران .. ثم تآمر علي أوفقير ثلاث مرات على الأقل ، وكاد يقتلني لولا أن حماني الله )) وهو اعتراف لا شك أنه صدر لحظة إحساس إنساني بالضعف والخديعة معا . تعرض الحسن الثاني لمحاولتي انقلاب عسكري ، الأولى سنة 1971 في الصخيرات ، ذهب ضحيتها قادة عسكريون أبرزهم محمد المذبوح و محمد اعبابو و آخرون ، و بترت يد رئيس حزب الشورى و الاستقلال محمد بن الحسن الوزاني لوجوده داخل القصر ضمن المقربين من الحسن الثاني ، لكن أوفقير ، الذي تبين فيما بعد أنه كان طرفا في العملية ، سيقتل العسكريين بالرصاص ، قبل التحقيق معهم ، و بذلك سينجو بحياته و يحتفظ بموقعه متحكما في الجيش و الداخلية معا . لكن حينما أعاد المحاولة الثانية سنة 1972 ، عبر استهداف طائرة الملك و هو عائد من فرنسا سرا بعد عطلة دامت 3ثلاثة أسابيع ، انفلتت خيوط اللعبة من يده بعدما هرب القائد الثاني لسلاح الجو "محمد أمقران" إلى جبل طارق ، حيث صرح بأن أوفقير هو رئيس الخلية التي دبرت الهجوم على الطائرة الملكية . انفلات الأمور من يد أوفقير توالت أكثر حين تم اعتقال الشخص الثالث في عملية الهجوم ، و هو "الوافي كويرة" ، قائد القاعدة الجوية في القنيطرة ، الذي أكد الرواية التي صرح بها أمقران ، لذلك وجد أوفقير نفسه محاصرا بتلك الشهادات ، فاستسلم لمصيره الغامض إلى حد اليوم ، بين من يقول إنه انتحر بعدما افتضح أمره ، و من يقول إنه قتل رميا بالرصاص ، لكن الغموض الأكبر الذي يلف قضية أوفقير يكمن في السر وراء محاولاته الانقلابية على الحسن الثاني . هناك أكثر من رواية و تفسير لهذا الأمر ، أولا هناك تصاعد القناعات الثورية و الانقلابية لدى قيادات الجيش التقاء موضوعي مع المعارضة الاتحادية ، و التي عبرت صراحة أو ضمنا عن رفضها لنمط الحكم الذي أقامه الحسن الثاني ، و القائم على الريع و الرشوة و الزبونية و شراء الذمم ، كما صرح بذلك بعض قادة الانقلاب ، البعض يستشهد هنا بتصريحات متفرقة للجنرال محمد المذبوح ، و الكولونيل محمد اعبابو ، خاصة لما راح هؤلاء إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية في مهمام عسكرية ، جعلتهم يطلعون على حجم الفساد الذي ينخر الدولة من داخلها . و من تلك الروايات أن الجنرال المذبوح مثلا كان يحصل على أعطيات و أظرفة مالية مباشرة من يد الحسن الثاني ، لكنه كان يرميها في مكان خاص و لا يفتحها نهائيا ، كدليل على أن المذبوح و ابن منطقته اعبابو كانا ضد شراء النخب و بناء نظام سياسي زبوني . و تذهب هذه الرواية إلى أن مثل هذه القيادات العسكرية هي التي فكرت و استقطبت أوفقير و أقنعته بالانضمام إليها ، مقابل وعود بأن يخلف الحسن الثاني على رأس الدولة في حال تم القضاء عليه ، و هو ما استجاب له أوفقير الذي أصبح الرأس المدبر . لكن هناك رواية أخرى تقول إن الانقلاب تم التخطيط له في الخارج ، و ساهمت فيه إيران و المخابرات الأمريكية أساسا رواية عبد الهادي بوطالب ، و تشير هذه الرواية إلى أن أوفقير ، خلال إعداده للانقلاب ، زار إيران و تلقى منها أموالا كثيرة ، في حين نلقى المنفذون للانقلاب تداريب عسكرية مكثفة في أمريكا ، و منهم الطياران أمقران و كويرة ، كما أن تزود الطائرات التي هاجمت الطائرة الملكية بالوقود تم في القاعدة العسكرية الأمريكية في القنيطرة ، أي أن أوفقير كان طرفا في نخطط ساهمت فيه قوى خارجية ، و لعب فيه دور المدبر الرئيس للانقلاب ، و هو ما تذهب إليه وثيقة من الأرشيف البريطاني مؤرخة في 24 غشت 1972 أعدتها السفارة البريطانية بالرباط ، و قد يكون أوفقير تأثر بالمحيط العربي العربي الذي قامت فيه الجيوش بأكثر من انقلاب ضد الأنظمة الملكية و أطاحت بها . كان أوفقير من العسكريين المغاربة الذين عملوا في الجيش الفرنسي ، و حتى عندما كان على رأس الجيش المغربي بعد الاستقلال ، ظلت تربطه علاقة عمل معينة بالمخابرات الفرنسية ، و كان الحسن الثاني يعرف ذلك . إن الوثيقة البريطانية المشار إليها قالت إن أوفقير كان "إنتاجا فرنسيا صرفا" ، و هي الفكرة نفسها التي دافع عنها عبدالهادي بوطالب في "نصف قرن من السياسة" ، لكن لم يجرؤ أي مسؤول أدلى بشهادته لحد الآن على القول إن الفرنسيين لهم يد في الانقلاب الذي حصل . و مع ذلك ، تبقى كل هذه الشهادات نسبية ، و لا تقول كل الحقيقة ، حول سر انقلاب أوفقير على الحسن الثاني ، و هو الذي كان أقرب المقربين و الرجل القوي في مملكته . لقد مرت اليوم عقود على الواقعة ، لكن لا شيئ رسمي لحد الآن .