لم يكن حكم الحسن الثاني مرحبا به في الكثير من المحطات، خصوصا تلك التي أعقبت توليه العرش وما رافق ذلك من اعتقالات واختطافات، ستنتهي بالإعلان الرسمي عن حالة الاستثناء التي وضع الملك بعدها كل السلط في يده. لذلك تعرض لأكثر من محاولة انقلاب تحدث البعض عن كونها قاربت العشرين محاولة، لم يكتب لأي منها النجاح. وبين انقلاب الصخيرات في 1971 ومهاجمة الطائرة الملكية في غشت 1972، وقع توافق كبير بين إرادتي الجنرال أوفقير، الذي كان يردد أنه يريد أن يسحق الحسن الثاني، وإرادة الزعيم الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد، المكتوي بنار الملك الذي استحوذ على الحكم وأصبحت كل السلط مركزة بين يديه، لإنهاء حكم الملك. انضاف إليهما كل من المقاوم حسن صفي الدين الأعرج، والمستشار الملكي ادريس السلاوي. هذا الرباعي الذي رتب لانقلاب من نوع خاص لن تطلق فيه أي رصاصة، ولن يسقط فيه ضحايا كما حدث في الانقلابات السابقة. سيرة الانقلاب، والترتيبات التي سبقته، والتي تعيد «المساء» تركيب حلقاتها في هذه السلسلة، كانت تهدف إلى اختطاف الملك الحسن الثاني بواسطة طائرة مروحية، ثم تشكيل مجلس وصاية إلى أن يصل ولي العهد إلى سن الرشد، على أن يتولى مستشاره ادريس السلاوي مهمة رئاسة الدولة. لم يتردد «بيير فيرميون» صاحب كتاب «المغرب، الديمقراطية المستحيلة»، في التعليق على أن الانقلابين الفاشلين لسنتي 1971 و1972، كانا نتيجة تحصيل حاصل بفعل جملة من الأحداث تراكمت منذ 1958. ويقول في هذا الصدد إن الملك الراحل الحسن الثاني تقلد منصب القائد الأعلى لأركان الجيش الملكي منذ أن كان وليا للعهد، وكان وراء التصدي القوي لانتفاضة الريف في 1958 و1959 وهو الحدث الذي تألق من خلاله الجنرال محمد أوفقير ليصبح رجل الثقة الأول للملك بعد ذلك، آنذاك كان النظام يعتمد على ضباط بربر، أتى أغلبهم من الجيش الفرنسي. وحدوث الانقلابين كان إعلانا واضحا لنهاية مرحلة وضرورة إعادة الحسابات، لاسيما فيما يخص الاعتماد على أولئك الضباط، وهذا ما كان. فكيف انقلب جنرال الحسن الثاني عليه في مناسبتين، ووضع يده في يد مستشاره إدريس السلاوي لوضع خطة اختطافه وإرغامه على تقديم استقالته من الحكم. يشرح «فيرميرن كيف أن سياسة القوة وشد الحبل، بين الملك وقوى المعارضة، التي لم تجد غير أوفقير لكي تستثمر غضبه من أجل هدف مشترك هو رأس الحسن الثاني، تأكدت منذ فجر الاستقلال. لقد كان العنف السياسي سباقا إلى الساحة قبل انفجار الأحداث في المدن من جراء الفقر وصعوبة ظروف العيش. لذلك كان طبيعيا أن يقع هذا التوافق رغم كل العداء الذي ظل كامنا بين أوفقير ورفاق عبد الرحيم بوعبيد. كان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية خليطا من شباب حزب الاستقلال كان يتقدمهم كل من المهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد. ومن وجوه سياسية جاءته من حزب الشورى والاستقلال، والذين كان في مقدمتهم عبد الهادي بوطالب، الذي سيشغل، في عز الأزمة بين الملك الراحل وجنراله ثم رفاقه في الحزب، مهمة مستشار للملك. وفي أكثر من شهادة، قال بوطالب إنه لم يكن مقتنعا بصدق ووفاء الجنرال أوفقير للملك، لذلك ظل ينبهه إلى هذا الأمر في مناسبتين. إحداهما يقول بوطالب كانت بالإشارة، والثانية كانت عن طريق سؤال وجهته للحسن الثاني: هل تثق في جنرالك؟ كان رد الملك الراحل، لماذا تطرح علي هذا السؤال؟ فأجبته يقول بوطالب لأنني أشك فيه. حدث هذا قبل انقلاب الصخيرات. أما بعده، فقد عقد الحسن الثاني معنا كمستشارين وقياديين في الجيش ووزراء، اجتماعا طلب فيه أن نعطيه تفاصيل ما حدث. تدخل أوفقير ليقول للملك إننا نستطيع ذلك من خلال تجميع كل الذين كانوا حاضرين لاستنطاقهم واحدا واحدا. وسيكون لنا ما نريد من خلال التقرير الكامل الذي سنقدمه لجلالتك. اعترضت على هذا الأمر الذي جاء به أوفقير. شرحت وجهة نظري من خلال التركيز على أن الحدث حضره دبلوماسيون، وسفراء، ووزراء. فكيف نقوم باستدعائهم إلى مقرات الشرطة لاستنطاقهم. فرد الملك، كما يشرح بوطالب، هذا معقول.. أستاذ عبد الهادي يتكلم معك بالمنطق، هذا غير ممكن. وفي مناسبة أخرى، قال لي الحسن الثاني: نعم أثق فيه، قلت له: «أرجوك ألا تثق فيه.. لا تثق حتى في هذا اللباس الذي تلبسه، خذ حذرك من الجميع». فرد الملك «لا أنت دائما كنت مختلفا مع أوفقير، وهو لا يقول عنك إلا الخير ولا يقول فيك إلا الخير، ولا يشي بك ولا ينم ضدك، ولا يفعل أي شيء، قلت له أنا لا أقول لأن بيني وبينه أي نزاع شخصي أو أي عداوة. أقول لك الحقيقة كما هي، افعل بها ما تشاء، لكن أرجو جلالتكم ألا تقولوا هذا الكلام لأوفقير لأنه قادر على اغتيالي، وأنا لي ثلاثة أولاد، إذا مت فذمتهم في عنقك». شهادة عبد الهادي بوطالب بشأن الثقة التي قال إنها غير متوفرة في أوفقير، تطرح السؤال كيف تابع عمليات التنسيق التي دخلها هذه المرة زميله في المهمة وهو المستشار إدريس السلاوي؟ يحكي بوطالب أن ادريس السلاوي كان من أقرب المقربين للملك الذي كان يعطف عليه عطفا خاصا. ولذلك لم يسبق له أن أبدى أي ملاحظة، أو قدم أي استشارة للحسن الثاني بحضور بقية زملائه المستشارين الذين كنت واحدا منهم. بل عرف عن السلاوي أنه كان يختلي دوما بالحسن الثاني لكي يدلي برأيه أو وجهة نظره. وقد تكون هذه الطريقة هي التي ظلت تقرب السلاوي من الملك، على الرغم من أن إدريس السلاوي، الذي اشتغل في وزارة الداخلية، عرف بتعاطفه مع الاتحاديين. وهو التعاطف الذي كانت تخفيه ترتيبات الانقلاب على الملك في يوم عيد جلوسه على العرش. في تفاصيل الخطة التي كانت مقررة في الثالث من مارس من سنة 1971، بعض الجزئيات التي كانت مقررة في انقلاب العاشر من يوليوز من سنة 1970 بالصخيرات. ومن ذلك، حسب ما صرح به محمد اعبابو في محاضر الاستنطاق، تعيين الأشخاص اللازم تصفيتهم، وأولئك الواجب احتجازهم إلى حين النظر في حالتهم كل واحد على حدة. أما بخصوص النظام الذي كان يرغب الانقلابيون القيام به، فيقول محمد اعبابو في نفس محاضر الاستماع إليه، «إنه من خلال الحوارات التي أجريتها مع شقيقي امحمد فيما بين 7 و10 يوليوز تبين لي أن الجنرال المذبوح كان ينوي إحداث نظام يرتكز على القوات المسلحة.. لذلك فكر في توسيع دائرة اختصاص وزارة الدفاع لتشرف على القوات المسلحة والدرك والقوات المساعدة والأمن، وهي الوزارة التي كانت ستؤول إلى أخ المذبوح .. أما أنا، فكنت مرشحا للاضطلاع بالقيادة العامة للجيش.. أما «مجلس الثورة»، فكان سيضم ضباطا يتم اختيارهم من الذين أثبتوا انخراطهم في قلب النظام..». ويضيف محمد اعبابو «يبدو أن اجتماعا أقيم بفيلا كان يملكها شقيقي بشاطئ «كابونيكرو» بالشمال، أسبوعا قبل الانقلاب، وربما تقرر كل شيء خلاله...». وهذا ما أشار إليه كذلك، علي بوريكات في مذكراته، حيث كتب: «لقد علمت على لسان «لاجودان شاف» عقا أن أوفقير، أسبوعا قبل الهجوم على قصر الصخيرات، زار الكولونيل اعبابو رفقة الدليمي بفيلته ب«كابو نيكرو» شمال البلاد. لقد حدث في نهاية الأمر خلاف بين الجنرال المذبوح والكولونيل امحمد اعبابو. ففي الوقت الذي كان ينوي فيه المذبوح اقتحام القصر الملكي، وتجريد الحرس الملكي من السلاح، ووضع اليد على الملك لدفعه إلى التخلي عن العرش وتسليم السلطة إلى «مجلس الثورة» المكون من ضباط شباب. وهو ما يعني القيام بانقلاب «نظيف» دون إراقة دماء. وهو نفس النهج الذي سيشدد عليه عبد الرحيم بوعبيد وهو يرتب لاختطاف الملك في الثالث من مارس من السنة الموالية، كان امحمد اعبابو، عاقدا العزم على اغتيال الملك، وتهجير العائلة الملكية، والإعلان عن إقامة نظام عسكري. وهي نفس رغبة أوفقير بعد أن شكل مع رفاق عبد الرحيم بوعبيد جبهة لمواجهة نظام الحسن الثاني، الذي ظل يردد إنه يرغب في سحقه.