لم يكن حكم الحسن الثاني مرحبا به في الكثير من المحطات، خصوصا تلك التي أعقبت توليه العرش وما رافق ذلك من اعتقالات واختطافات، ستنتهي بالإعلان الرسمي عن حالة الاستثناء التي وضع الملك بعدها كل السلط في يده. لذلك تعرض لأكثر من محاولة انقلاب تحدث البعض عن كونها قاربت العشرين محاولة، لم يكتب لأي منها النجاح. وبين انقلاب الصخيرات في 1971 ومهاجمة الطائرة الملكية في غشت 1972، وقع توافق كبير بين إرادتي الجنرال أوفقير، الذي كان يردد أنه يريد أن يسحق الحسن الثاني، وإرادة الزعيم الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد، المكتوي بنار الملك الذي استحوذ على الحكم وأصبحت كل السلط مركزة بين يديه، لإنهاء حكم الملك. انضاف إليهما كل من المقاوم حسن صفي الدين الأعرج، والمستشار الملكي ادريس السلاوي. هذا الرباعي الذي رتب لانقلاب من نوع خاص لن تطلق فيه أي رصاصة، ولن يسقط فيه ضحايا كما حدث في الانقلابات السابقة. سيرة الانقلاب، والترتيبات التي سبقته، والتي تعيد «المساء» تركيب حلقاتها في هذه السلسلة، كانت تهدف إلى اختطاف الملك الحسن الثاني بواسطة طائرة مروحية، ثم تشكيل مجلس وصاية إلى أن يصل ولي العهد إلى سن الرشد، على أن يتولى مستشاره ادريس السلاوي مهمة رئاسة الدولة. في 1999، وفي خضم حكومة التناوب التي قادها عبد الرحمان اليوسفي، أكبر مهرب للأسلحة كما وصفه الحسن الثاني، ستنشر أسبوعية «لوجورنال» رسالة نسبت للفقيه البصري ملخصها بالمختصر المفيد، هو أن عددا من زعماء الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وفي مقدمتهم عبد الرحيم بوعبيد، كانوا منخرطين في جملة من المحاولات الانقلابية التي تعرض لها عرش الحسن الثاني. لقد اعتبر نشر الرسالة وقتها تشويشا على تجربة التناوب، التي كان يقودها الاتحاد الاشتراكي، ورأى البعض أن عملية النشر راهنت على تعكير جو التقارب الذي حدث بين الاتحاد والقصر الملكي، بعد سنوات من شد الحبل ورهان القوة المتبادل. اليوم، يخرج علينا واحد من قادة الاتحاد، ومن الذين اعتبروا أقرب إلى المطبخ الداخلي وهو محمد الحبابي، ليكشف عن معطيات جديدة تقول إن ذلك التقارب بين الإتحاديين والجنرال الدموي أوفقير لقلب نظام الحسن الثاني، كان حقيقة وليس مجرد حلم. بل إن الترتيبات التي وضعت انخرط فيها واحد من أقرب المقربين للحسن الثاني وهو مستشاره ادريس السلاوي، الذي رشح لكي يكون رئيسا للدولة بعد تنحي الحسن الثاني. بعد انقلاب الصخيرات، وما أسقط من ضحايا سواء بقصر الحسن الثاني وهو يستعد للاحتفال بعيد ميلاده، أو من بين الضباط الذين اتهموا بالمحاولة الانقلابية، كان لا بد لرجال السياسة أن يدخلوا على الخط. فحالة الاستثناء التي كان يعيشها مغرب ما بعد الاستقلال وضعت كل السلط بيد الملك، فيما تم إبعاد أولئك الذين اعتبروا أنفسهم أحق بالحكم بعد كل الذي صنعوه لطرد المستعمر وعودة محمد الخامس والأسرة الحاكمة من منفاها. لذلك كان لا بد من البحث عن صيغة لاسترجاع ما اعتبروه حقا ضاع منهم. ستلتقي رغبة كل من الزعيم الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد، والجنرال محمد اوفقير حول نفس الهدف وهو إسقاط الحسن الثاني من العرش. قال عبد الرحيم بوعبيد إن الحسن الثاني لم يعد مرغوبا فيه. فيما ظل الجنرال أوفقير يتمنى سحق الملك. لذلك لم تمر غير بضعة أيام على انقلاب الصخيرات، الذي خرج منه الحسن الثاني سالما، حتى كان أول لقاء سيجمع الزعيم الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد بالجنرال محمد اوفقير. أما المكان، فقد اختير له منزل بوعبيد في بن سليمان. في حين أن الزمان، هو اكتوبر من نفس سنة الانقلاب. فيما كان جدول الأعمال هو البحث عن صيغة لإسقاط نظام الحسن الثاني. امتد أول لقاء جمع الطرفين وهما منفردان، يقول مصدر توفرت له المعطيات، لساعات. ولم يكن الخلاف بين الطرفين حول هدف إنهاء حكم الملك، ولكن الخلاف ظل حول الطريقة التي يجب أن تتم بها العملية. سيحكي أوفقير بالكثير من الغضب عن تجاوزات الحسن الثاني، وعن أخطائه التي ذهب ضحيتها الكثيرون. ولم يكن أوفقير يخفي امتعاضه من تلك الإعدامات التي أقدم عليها الملك في حق أجود ضباط الجيش بعد انقلاب الصخيرات في يوليوز من سنة 1971. لذلك كان الرجل، الذي اعتبر واحدا من المسؤولين عن جملة من الاغتيالات والاختطافات في السنوات الأولى للاستقلال متحمسا للقيام بالمهمة التي قبل أن يجتمع حولها مع خصم تقليدي وهو عبد الرحيم بوعبيد، رجل السياسة الذي شارك في جل حكومات ما بعد الاستقلال، وكان من الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال، قبل أن يقلب الحسن الثاني الطاولة على الجميع ويسقط حكومة عبد الله ابراهيم، التي لعب فيها بوعبيد دورا كبيراباعتباره وزيرا للإقتصاد والمالية، ويبعد المهدي بن بركة بعد ذلك عن الحياة السياسية، قبل أن يعلن في 1965 عن حالة الاستثناء ويضع كل السلط بين يديه. كانت هذه بعض الأحداث، وغيرها كثير، هي التي حركت عبد الرحيم بوعبيد لكي يضع يده في يد أوفقير من أجل هدف واحد مشترك وهو إسقاط نظام الحسن الثاني. توالت اللقاءات بين اوفقير وبوعبيد. وكان لا بد أن تنضاف إلى هذا الثنائي أسماء أخرى لتوسيع دائرة النقاش ودائرة الترتيبات التي يفترض أن تسبق العملية، خصوصا وأن لكل طرف وجهة نظره في تنفيذها وإنجاحها. سيدخل على الخط بعد ذلك حسن صفي الدين الأعرج، رجل المقاومة الذي ظل يكن للحسن الثاني العداء، لأنه هو من أشرف على حل جيش التحرير، وسعى إلى إنهاء دوره حينما أسس الجيش الملكي وقام بتصفية عدد من رجال المقاومة وأعضاء جيش التحرير الذين رفضوا حل هذا الجهاز. أما رابع هذا الفريق، الذي جعل من بيت عبد الرحيم بوعبيد مقرا دائما للقيادة العامة، فلم يكن غير إدريس السلاوي، مستشار الحسن الثاني الذي كان مكلفا بالقضايا المالية والاقتصادية والتجارية. وهو المستشار الذي وصفه زميله الراحل عبد الهادي بوطالب، بالمستشار الخجول، قبل أن نكتشف أن هذا الرجل الخجول، الذي درس بفرنسا الحقوق، وامتهن المحاماة قبل أن ينخرط في سلك الأمن بدعوة من الاستقلالي الغزاوي، المدير العام للأمن الوطني، هو من كان مرشحا ليشغل منصب رئيس الدولة بعد إسقاط نظام الحسن الثاني. يحكي محمد الحبابي كيف أن سيارة القصر الملكي هي التي ظلت تقل ادريس السلاوي من العاصمة الرباط إلى بيت بوعبيد في بن سليمان. وتضيف مصادرنا كيف أن ادريس السلاوي هو من اختار التوقيت الذي يجب أن تتم فيه العملية. أما عبد الرحيم بوعبيد، فقد ظل متشددا في الطريقة التي يجب أن تنفذ بها العملية. من يوليوز 1971 تاريخ انقلاب الصخيرات، إلى أكتوبر من نفس السنة، كان لا بد أن يوضع التصور النهائي لما يجب أن يحدث مع نظام الحسن الثاني. والخلاصات التي انتهت إليها كل الاجتماعات والتي ظلت تمتد لساعات في بن سليمان أو في الإقامة الخاصة لمستشار الملك، بحضور الرباعي اوفقير ، بوعبيد، صفي الدين، والسلاوي، هي أن الإنقلاب على الحسن الثاني، يجب أن يتم في يوم عيد جلوسه على العرش. أي في الثالث من مارس من السنة الموالية 1972.