مستشار ترامب لشمال أفريقيا يعيد نشر تغريدة وزير الخارجية الأمريكي المؤكدة لاعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء    انعقاد الدورة 13 لمجلس إدارة المركز الجهوي للاستثمار لجهة طنجة-تطوان-الحسيمة    5 لاعبين مغاربة في التشكيلة المثالية بعد الفوز باللقب الإفريقي    وفاة رضيعين بحضانة منزلية    رشق بالحجارة داخل مدرسة .. مدير ثانوية في العناية المركزة بعد هجوم مباغت بطنجة    "من سومر إلى لوزان: ريشة فائق العبودي تُكمل الحكاية"    باندونغ.. صرخة التحرر التي غيّرت ملامح العالم    مؤتمر نقابة الصحة: تثمين الموارد البشرية مدخل أساسي لإصلاح المنظومة الصحية    أسلحة بيضاء في شجار جماعي بالقصر الكبير.. الأمن يحقق ويلاحق المشتبه فيهم    جلالة الملك يهنئ الفتيان على تتويجهم القاري    فنانون عالميون وعرب يحيون ليالي مهرجان "موازين- إيقاعات العالم" 2025    منتدى الصحراء للحوار والثقافات يشارك في فعاليات معرض "جيتكس إفريقيا"    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تحتفي بالمنتخب الوطني لأقل من 17 سنة إثر تتويجه باللقب القاري    محتجون يدافعون عن "هوية أمازيغية للدولة" .. والأمن يمنع تنظيم مسيرة    القفطان يجمع السعدي وأزولاي بالصويرة    الفنان الريفي عبد السلام أمجوظ يتألق في مسرحية سكرات    عبد العزيز حنون يدعم البحث في اللسانيات الأمازيغية بأطروحة حول التمني بأمازيغية الريف    عروض تراثية إماراتية بمعرض الكتاب    تفاصيل اجتماع نقابات الصحة مع مدير الوكالة المغربية للدم ومشتقاته    بعد القرار الأمريكي المفاجئ .. هل يخسر المغرب بوابته إلى السوق العالمية؟    "الكاف" يختار المغربي عبد الله وزان أفضل لاعب في البطولة القارية للناشئين    الأرصاد الجوية تتوقع نزول زخات مطرية متفرقة اليوم الأحد    بنكيران: الأمة بكل حكامها تمر من مرحلة العار الكبير ولا يمكن السكوت على استقبال سفن السلاح    الآلاف يتظاهرون ضد ترامب في الولايات المتحدة: لا يوجد مَلك في أمريكا.. لنُقاوِم الطغيان    غزة تُباد.. استشهاد 29 فلسطينيا منذ فجر الأحد    الاتحاد الوطني للشغل يدعو إلى تعبئة شاملة في فاتح ماي    " هناك بريق أمل".. رواية جديدة للدكتورة نزهة بنسليمان    الإكوادور تعلن حالة تأهب قصوى بسبب تهديدات باغتيال رئيس البلاد    كيف يمكن التعامل مع الأسئلة الغريبة في المقابلات الشخصية؟    سوء الأحوال الجوية تتسبب في إغلاق ميناء الحسيمة    إطلاق الدورة الأولى من جائزة النجاعة المائية في السكن    قتيل في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان    ندوة علمية تناقش الحكامة القضائية    لقاء يناقش دور المجلس الأعلى للحسابات في تتبع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة    الكوكب يسعى لتحصين صدارته أمام الدشيرة والمنافسة تشتعل على بطاقة الصعود الثانية    الأساتذة المبرزون يحتجون الخميس المقبل    دراسة تدعو إلى اعتماد استراتيجية شاملة لتعزيز الأمن السيبراني في المغرب    مقتل 56 شخصا في وسط نيجيريا    دراسة: "الحميمية المصطنعة" مع الذكاء الاصطناعي تهدد العلاقات البشرية    الكشف عن نوع جديد من داء السكري!    دورة برشلونة لكرة المضرب: ألكاراس يتأهل للمباراة النهائية    "الجزيرة" حين يتحويل الإعلام إلى سلاح جيوسياسي لإختراق سيادة الدول    مجموعة مدارس الزيتونة تُتوج الفائزين بمعرض الابتكار والتجديد Expo 2025    برشلونة يضع المدافع المغربي إدريس أيت الشيخ تحت المجهر … !    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    أنور آيت الحاج: "فخور بمغربيتي"    قناة إيرلندية تُبهر جمهورها بسحر طنجة وتراثها المتوسطي (فيديو)    الدرهم المغربي ينخفض أمام الأورو    إطلاق أول شهادة مغربية في صيانة بطاريات السيارات الكهربائية بشراكة مع رشيد اليزمي    العربية للطيران تدشن خطا جويا جديدا بين الرباط والصويرة    ‪ بكتيريا وراء إغلاق محلات فروع "بلبن" الشهيرة بمصر‬    تزايد حالات السل اللمفاوي يسائل ضعف مراقبة سلاسل توزيع الحليب    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    بيانات تكشف ارتفاع الإصابة بالتوحد وكذلك زيادة معدلات تشخيصه    أكادير يحتضن مؤتمر التنظير عنق الرحم وجوف الرحم والجهاز التناسلي    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جماعة العدل والإحسان بين المبدإ والواقع
نشر في شورى بريس يوم 11 - 05 - 2017

كيف تنظر جماعة العدل والإحسان إلى هذا الزخم الهائل من الأحداث التي تهز العالم الإسلامي هزا، وفي جهات منه تدكه دكا ؟ وهل هناك فعلا مشاركة ومساهمة من الجماعة في تغيير هذا الواقع الأليم المؤلم، أم أن التغيير صار شعارا لا يطابقه، ويواكبه، ويوافقه مجهود الجماعة وبرنامجها المرحلي وفعلها اليومي؟ وهل للجماعة مبررات تفرض عليها العمل بالأحوط، ومراعاة ما استجد من النوازل؟
إن اقتحام مثل هذه المواضيع والقضايا ليس بالأمر الهين لأنه يحتاج لمعطيات ومعلومات دقيقة وموثوق بها. ولا بد كذلك من صفاء النية وكمال المروءة لأن إيذاء المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا، ورميهم بالبهتان والسوء رجما بالغيب مآله صعب وثقيل.
نحن أمام ضرورتان، ضرورة الكلام لأن الامتناع عن الكلام في ظروف تاريخية كهاته التي نحياها له أضراره الوخيمة على أعضاء الجماعة، وعلى ذوي الألباب من عموم الناس. والضرورة الثانية ضرورة الاحتراز والاحتراس، وكثير من اليقظة والتحفظ.
بنيت الجماعة في بداياتها على مبادئ متجانسة متكاملة متشابكة شكلت في مجموعها ما يمكن اعتباره عروة صلبة من حيث اتساقها وأصالتها وقوتها ورسوخها. وقد جمع مؤسس الجماعة الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله ورضي عنه مبادئ جامعة لحياة المسلمين والإنسانية، وصاغها في تصور فريد تحققت فيه مقاصد الشريعة الإسلامية بما يوافق ويناسب العصر من حيث كل الأحكام الجزئية التي بنا عليها مشروعه، ويحقق الغاية "الإحسانية" لوجود الإنسان وخلقه من عدم، ودلالات هذا الوجود الموصولة بالغيب والشهادة، بالملك والملكوت، بالدنيا والآخرة. مع التأكيد المستمر على مركزية "الإحسان" لأنه الصبغة والمعنى والحكمة والحقيقة التي من دونها يبقى التشريف والتكريم الإلهي للإنسان بعيد المنال. وما خُلِقَ العبد إلا ليعبد الله كأنه يراه استعدادا ليراه، وبين حال الرؤية والرؤية الحقة فيصل الموت وبرزخ الانتظار.
وقد جاء التبويب والتصنيف المنهاجي لهذه المبادئ التي بنيت عليها التجربة النبوية غاية في الروعة والجمال والسلاسة والارتباط والواقعية والتناسب، يتفطن له ويعقله كل عاقل كيس يعرف مقتضيات العصر المادية، ونوازله ومعطياته الفتنوية، وتعثره المهول، وانفلاته خارج الحقائق القرآنية الخالدة.
إنه مشروع ضخم مراده تجاوز إشكالية الدين والدنيا، الدعوة والدولة، الشرع والواقع، الأخلاق والسياسة، الأصالة والمعاصرة، المطلق والنسبي، العقل والنقل، الوجود والحقيقة، المادة والروح، العلوم ومعرفة الله عز وجل.
إشكالية ذات أوجه متعددة، وتعبيرات مختلفة لكن لبها واحد. ظهرت بوادرها بتحول الخلافة إلى ملك بعثرة معاوية بن أبي سفيان، وتعمقت بغدرة وخيانة اليزيد، واتسعت بمحنة العقل المسلم وركونه للخمول والجمود بدل الاجتهاد، وتجذرت بتوالي حكام النفاق، اتخذوا الدنيا لهم سوقا والناس عبيدا حين نسوا عظمة الله سبحانه عز وجل.
لا يأخذ القارئ الكريم مصطلح المبدأ بنفس المعنى الذي يأخذ به بعض المصطلحات المتقاربة كالقاعدة والأصل والقيمة مثلا، وإن كان الجامع بينها يشير لُغَةً إلى معنى الثبات والاستقرار، بل المقصود عندي المعنى الفكري المتداول الذي يرمز إلى الارتكاز المرن.
فالتغيير عند جماعة العدل والإحسان من الكليات الكبرى التي يقوم عليها مشروعها في كل مراحله، ولن يسقط مع الزمن مادامت الفتن، بل إن التغيير في القرآن الكريم يفيد الاستمرارية والإلحاح والدوام كما في قوله تعالى: "لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم." فبقاء النفس على حالها من الضعف والانفلات والخفة والغفلة والعجلة واللهو والشهوة والعادة يوجب دوام التحجير عليها وإيقاف جموحها وتزكيتها من النقائص، وذاك هو عمق التغيير ومبتدأه ومنطلقه، وبمحاداته التربية الإيمانية، والأخذ بكل الأسباب واعتماد كل العلوم لتغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
أما التدافع من أجل التغيير السياسي فهو لازمة عقدية أخلاقية وتاريخية، التنازل عنها أو مصادرتها أو التحايل بشأنها يخدش في عمق الصحبة، وينال من حسن الأدب مع هدي النبي صلى الله عليه وسلم ووصاياه النافذة التي ذم فيها الملك الجبري الوراثي الذي لا يسعى للقضاء على ثوابت الدين الحق فقط، بل يلح على إتلاف بذوره حتى لا يتم إنبعاثه.
إن أدبيات جماعة العدل والإحسان لا تخلو كلها من الدعوة إلى التغيير تأصيلا وتأويلا وتأريخا وإيضاحا. فالمنهاج النبوي من مقاصده صناعة رجال الإيمان الذين يمثلون طليعة التغيير، وكتاب العدل يعرض مرتكزات ومستويات التغيير من حيث الوسائل والأهداف والغايات والمجالات لتجاوز واقع الفتن وتحقيق الزيال الخاص بأمة الرسالة. أما رجال القومة والإصلاح فدلالاته انجمعت في عنوانه، لتَدُلَّ الأمة على أصالة الفكر التغييري الإصلاحي وتَجَذُّره وتَمَثُّله في أكابر هذه الأمة وأعلامها، وعلى رأسهم فلذة النبي الأكرم وقرة عينه سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنهما الذي قدم روحه الشريفة فداء لترسيخ إحدى أكبر حقائق هذا الدين التي تقول أن الأمة "أَمَةٌ" لخالقها ومولاها، وليست "جارية" لطغاة يتوارثونها.
ولو نظرنا في كل كتب المرشد، وما ألفه الإخوان من شروحات وإيضاحات وإضافات، وكتب ومجلات على قلتها ، وما أعدوه من ندوات وبرامج وإسهامات لوجدنا أن التغيير عقيدة راسخة ستسير بها الجماعة إلى أبعد نقطة، وليست اختيارا سياسويا أو سياسيا مرحليا.
إن العضو الذي لم ينجمع وعيه وإرادته ونيته وخياله وحُلمه وإيمانه من أجل تجاوز الواقع السياسي الهجين الكئيب بكل أعطابه وأمراضه وعقباته وويلاته ومصائبه في تجاه التغيير يمكن الجزم بأنه لم ينضج ولم يرشد بعد.
نعم، هناك الكثير من التأويلات الغير المحكمة التي تتهم الجماعة بعدم الوفاء لشعار التغيير، وتنتقدها، ربما عن حسن نية، لأنها لا تُظهر ما يكفي من الصلابة والمبادرة في مواجهة مظالم وجور النظام السياسي الفاسد الذي أنزل البلاد على المستوى الاجتماعي إلى حضيض الحضيض.
من باب تبادل الرأي أنبه إلى خمس نقاط أساسية :
* أولا، إن التغيير لا يعني أبدا النزول إلى الشوارع باستمرار، وتهييج أبناء الجماعة، وأخذ المبادرة على انفراد، والزج بالأعضاء في كل المواقف إظهارا للقوة، وتجاوز سُنَّة التدرج. إنه مجموعة من القيم والمبادئ الأساسية التي تشكل الروح والعصب القوي للبناء كالحكمة، والمآل، والعلة، والنتيجة، والقصد، والتعبئة، والتبصر، واليقظة، والتخطيط، والمشورة وغيرها. وهو أيضا مجموعة من التراكمات الميدانية والفكرية الإيجابية، من دون احترامها واستحضارها والبناء على مقتضياتها تكون الجماعة كمن يغامر، بل ويقامر بأرواح الناس ودمائهم وأمنهم. إن كل مصطلح من المصطلحات المذكورة له أثره البليغ، ومن نظر في التجربة النبوية سيلاحظ أهميتها في التقدير والتخطيط والمبادرة للتغيبر.
* ثانيا، إن الوعي الدقيق بتاريخ المرحلة، ومواقع الأطراف المؤثرة في التدافع أمر له أهميته القصوى. فالتغيير ليس اختيارا سهلا، والسعي إليه ليس قرارا ساذجا، بل هو أمر غاية في التعقيد، يتداخل فيه ما هو سياسي واجتماعي واقتصادي وتربوي، ما هو محلي وإقليمي ودولي. ولعل الصورة تكون أوضح إن استعرضنا بعض الحيثيات العامة والمعتبرة التي تدعونا للحذر، بالمعنى القرآني النبوي لا غير.
من السمات البارزة لمرحلة اليوم هذا التواطؤ الدولي المريب ضد الإسلام. فلم يعد خافيا أن الأنظمة الأكثر تأثيرا في القرارت الدولية، والتي تحمل رموزا حيوانية متوحشة - الصقر الأمريكي، الدب الروسي، التنين (الأسطوري) الصيني - تقف اليوم معلنة عداءها السافر الصريح للإسلام. ولقد عبرت السيدة ميركل عن هذا التوجه مؤخرا بقولها: " ليس هناك أحب لدينا من أن نتمكن من مكافحة الإرهاب الإسلامي بصورة مشتركة مع روسيا.."
فلم يعد هناك تمييز بين الحركات الإسلامية لأسباب منهجية، أو فكرية، أو تصورية. الكل محسوب على الإرهاب، ويشكل خطرا على القيم الإنسانية المتعارف عليها أمميا، وبالتالي يجب احتواؤه، وإن توفرت مبررات استئصالُه.
قد نكون أمام إحدى أدق وأصعب المراحل التاريخية للإسلام بصفة عامة، والإسلام السياسي بصفة خاصة. فالتضييق الإعلامي، والحصار الدعوي، وتجفيف المنابع على مستوى التعليم والفكر، والضغط النفسي والتعسف، وإغلاق دور العلم والقرآن، وقذف واتهام أبناء الدعوة، واستدراج القيادات، واختراق التنظيمات والتشكيك في مصداقيتها والزج بها في صراعات وانشقاقات داخلية، واستقطاب مخبرين من الصفوف الأمامية، وإحكام القبضة على المساجد، وفتح كل الأبواب لنشر الميوعة والاستخفاف بالأخلاق والقيم والولاء والهوية والدين، كل هذا سيتضاعف بشكل رهيب لن ينفع الدعاة معه إلا الحكمة والصبر والمصابرة والرباط والثبات واليقظة وحسن تدبير المرحلة.
إن بطون السجون المصرية التي امتلأت بآلاف الإسلاميين الذين ينتظرون الموت على يد سفاح العصر بمباركة صهيونية غربية، وإن محاصرة وتجويع قطاع غزة، بعد تدمير كل البنى التحتية وحرق الأطفال بشكل لم تشهده البشرية قط من طرف بني صهيون، بمباركة أمريكية غربية عربية ليمثلان أنموذجا ماثلا حيا للموقف الحقيقي الدولي الآثم من الحركات الإسلامية.
* ثالثا، يَعتبِر الغرب، بكل فئاته، المغرب منطقة تتقاطع فيها مصالحه الاستراتيجية المهمة ، خصوصا الأمنية والاقتصادية. وأي قوة إجتماعية تهدد نظامه السياسي يجب أن تُؤْخَذ َبحزم، لأنها تهدد في العمق مصالح الغرب. ولا أجد حرجا في القول، أن النظام في المغرب يعتبر من أشد الأنظمة العربية الإسلامية تماهيا وخدمة وخنوعا وحفاظا لمصالح الاستكبار الصهيوني الفرنسي الأمريكي الأوربي. ولعله يكون النظام الأوحد الذي أظهر كفاءة عالية في وضع كل مقوماته وإمكانياته، بما فيها سيادته، رهن إشارة الأسياد. فكيف يمكن أن يزهد الغرب في نظام يمثل الحارس الأمين والمصدر الوفير لأمنه وغذاءه؟ من سيوفر هذه الضمانات كما يوفرها النظام الحالي؟
ولا ننسى الفوسفاط الذي تَرْقى قيمته وأهميته إلى البترول من حيث الحاجة إليه عالميا، وكلما ازداد النمو الديموغرافي البشري والاضطرابات والتغيرات المناخية ازدادت الحاجة إليه. أضف إلى ذلك الطاقة البديلة التي يتوفر عليها المغرب، وتعطيه فرصا ومجالا واسعا - إن استثمرها - للتحرر والتنمية، وتمثل رهان المستقبل في نظر الغرب ومخططاته. وماذا عن الأسماك والفواكه واليد العاملة الرخيصة وآلاف الأدمغة التي تُصَدّرُ بلا ثمن؟ أليس هذا هو المغرب الذي يريده الغرب؟ كيف سيقبل الغرب ببديل إسلامي يهدد مصالحه العليا تهديدا شاملا جامعا مانعا؟
أليست المواجهة في عمقها وأبعادها تتجاوز مواجهة نظام ساقط، نجح خارجيا في علاقاته المشبوهة، وفشل داخليا في تحقيق الحد الأدنى من تطلعات المواطنين؟
* رابعا، لا يمكن اعتبار المجتمع المدني بالمغرب قوة اجتماعية واعية متحررة مستقلة يمكن المراهنة عليها عند اقتحام عقبة التغيير. فالأحزاب السياسية، رغم تغير العديد من قياداتها ونخبها، مازالت تعمل تحت وصاية وإرادة الحاكم ومستشاريه، بل هي من يبرر الاستبداد، وتزينه وتمدحه، وتخيف الناس من استبدال "مَنْ" ليس له بديل، في زعمها. أما الجمعيات عموما ففضاءاتها وإشعاعها محدود زمانا ومكانا، والمأساة تكمن في خضوع العديد منها لتمويل الغرب، وبالتالي لإملاءاته ومشاريعه ورؤيته للإنسان وفلسفة الإنسان. أما النخبة الفكرية فقد نزلت إلى الابتدال، وآوت إلى الظل عن طواعية لأن آلياتها ووسائلها وأساليبها لم تتجدد لتواكب تطلعات الشعب. وتبقى النكبة والنكسة في العلماء والخطباء، فتلك الزمرة في تقديري المتواضع أصبحت مسلوبة الروح والجسد والعقل، تساهم في التدجين والتخدير والاستنزاف، وإغراق الشعب في الأوهام والتسطيح والأمية السياسية، وترسيخ صورة بالية في الأذهان عن إسلام لا علاقة له بالواقع والسلطة والحكم، كل هذا لأنها لا تملك إرادة إيمانية تمنحها همة الاقتحام لتأمر السلطان وتنهاه وتنصحه وتزجره وتعاتبه وتذكره وتحذره.
لا أنكر أن هناك منارات شامخة في المجال الحقوقي والنقابي والسياسي مازالت تكافح وتناضل وتبذل للدعوة للتغيير، لكن تشتتها وأنانيتها المفرطة، وغرور بعض رموزها منعها من تشكيل كتلة موحدة لمواجهة الاستبداد السياسي، المصدر الحقيقي لمأساة كل المغاربة بدون استثناء.
* خامسا، إن ما نراه من حراكٍ تاريخي كبير بمنطقة الريف، وما جرى قبله بسيدي إفني الأبية، ومسيرات طنجة الشامخة، واحتجاجات الصحراويين على واقعهم الاجتماعي، وما يجري في قلعة السراغنة وفي العديد من مدن المغرب من مظاهر الاستنكار، رغم أن ذلك يعتبر مؤشرا يدل على أن البنيان آيل للسقوط، فإنه لا يرقى إلى التهديد الحقيقي الذي يخشاه الغرب ما دام لا يخضع لتنظيم مدني اجتماعي ذو تمدد جغرافي عام.
مهما اتسعت رقعة الاحتجاجات فإنها في ميزان شروط التغيير غير كافية لأن الشعب بصفة عامة لم يخرج عن الحالة الذي وصفه بها أحد رموز السياسة في المغرب محمد الحبيب الفرقاني رحمه الله حين كتب: "فأصيب المجتمع كله بتخدر عام. وفقد الكثير من قوة وعيه وسلامة ذوقه وفهمه. ومال إلى التواكل والاستسلام والرضى بما صُنع وأريد به. وإذا به في نفسه وبذاته يتيه في ضياع. يخبط في ظلام يتقلب على آلامه وحرمانه، وهو فريسة طيعة للدولة والنخبة معا - أعمش العينين، مطموس الإدراك، غارق في بركة من السفاسف والتفاهات، وفي ضباب من السطحيات والسفاهات لا يعرف ما يريد، ولا يريد ما يعرف. لا يتبين أمامه فتحة للطريق، ولكنه في الأخير مستسلم طيع ينقاد من أنفه للعبودية والخدمة وتقبيل الأرض، يستسلم برضى للطغيان والاستغلال بمائة وسيلة ومائة وجه."
ماذا على جماعة العدل والإحسان أن تفعله كواجب؟هل ترفع قامتها وهامتها بالتحدي والصلابة أم تأخذ الأمر بالروية والتؤدة والحكمة؟
إن الجماعة لا تنقصها التجربة والخبرة، ولا تنصت للأحكام المبنية على الحماسة والغضب والخفة مهما علت، ولا تستفزها الوقائع والأحداث مهما تضخمت، ولكن هناك أمورا ذاتية إن ضعفت ففيها ركودها وجمودها وشللها، وإن غابت ففيها هلاكها وحتفها، وهي :
- التربية !!! غَشَّ نفسه من المسؤولين من غاب عن مجالس التربية. عجينة مِن طين لا ترقى أن تسمى رجلا من زهد في الرباطات. هل نطلب التغيير ومن يعلو الرتب يجلس أمام الأعضاء يحدثهم حديث المثقف والمفكر والفيلسوف والأديب والفقيه والزعيم، حاز كل الألقاب إلا الإيمان.
- القيادة !!! من مهمات القيادة تَقَدُّم الصفوف في مواقف ومسيرات التدافع، وإعطاء القلوب الضعيفة القوة المعنوية اللازمة لاقتحام العقبات. القدوة الجامعة التي تمثلها القيادة هي الأمل في الأمور الكبرى. ويبقى أمر التواجد وشكله من اجتهادها .
- نصرة المستضعفين !!! تواجد الأعضاء ضروري حيثما كان المستضعفون، لا يتخلفون عن نصرة قضاياهم داخل مدنهم وقراهم، والأنسب لهم في المرحلة الراهنة أن يتجنبوا القيادة، ويتمسكوا بحدود المطالب الاجتماعية.
- البيئة !!! قال الإمام أبو المعالي الجويني رحمه الله في كتاب البرهان " ومن أمعن النظر ووفاه حقه، تبين أن الغرض من التيمم إدامة الدربة في إقامة وظيفة الطهارة. فإن الأسفار كثيرة الوقوع في أطوار الناس، وإعواز الماء فيها ليس نادرا، فلو أقام الرجل الصلاة من غير طهارة، ولا بدل عنها لتمرنت نفسه على إقامة الصلاة من غير طهارة، والنفس ما عودتها تتعود، وقد يفضي ذلك إلى ركون النفس إلى هواها، وانصرافها عن مراسيم التكليف ومغزاها." هكذا كان علماؤنا يَحْذَرُون ويُحَذِّرون المسلمين من نفوسهم. النفوس تحيل العبادات إلى عادات مهلكة.
فأجواء التعبئة باصطلاح العصر، التحريض والنصح والمذاكرة والتزاور والتذكير والتبادل وحشد الهمم بلغة المنهاج، يجب أن تكون البيئة السائدة داخل الجماعة، وإلا مالت النفوس إلى القعود والاعتذار، واستثقلت الجهاد بكل أبوابه.
- المسجد !!! لزوم الصلوات في المسجد، وهذه إحدى المعضلات.
- الدعوة !!! وتبقى الدعوة المجال الحقيقي للتدافع، والوسيلة المثلى لتحقيق التغيير. الحديث عن التغيير صداع للرأس، وتسلية للنفس، وإلهاء عن الحق، وجهل بالسنن إن لم تكن الدعوة خُلُق كل مؤمن ومؤمنة في كل الأوقات والأمكنة والأحوال.
- سلامة القلوب من النميمة !!! ما رأيت شيئا أفتك بجسم الجماعة من النميمة. النمام "أم القنابل". انتهى، شكرا على صبرك الجميل !
*ملحوظة : يعتبر المضمون رأيا شحصيا .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.