لم يكن هناك تحديد علمي واضح لمفهوم الثورة، وكل ما يمكن قوله هو أن هناك محاولاتٍ يصعب أن ترقى إلى مستوى التعريف العلمي. فالكلمة دارجةٌ في الاستخدام اليومي، وحتى في الكتابة التاريخية، أطلقت كتسمية على عدد كبير من الظواهر المختلفة في شدتها، والتي تمتد من اي تحرك مسلح أو حتى غير مسلح ضد نظام ما، إلى التحركات التي تطرح إسقاط النظام واستبداله، الأمر الذي يصعب عملية تدقيق المصطلح. وفي اللغة العربية نفسها استخدم التعبير لوصف تحركاتٍ شعبية من أنواع عدة مثل "ثورة الزنج"، وثورة القرامطة، وقد استخدمها عرب القرن العشرين المتأثرين بثورات عصرهم لفهم الماضي بمفاهيم الحاضر، وفي محاولة للارتباط بتراث ثوري مفترض يكتب كأنه سيرورة نضال الطبقات المضطهدة، فكما يوجد ثورة الزنج والقرامطة يوجد ثورة عمر المختار، وثورة الريف بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي، وثورة الجزائر والثورة الفلسطينية، وثورة 23 يوليو بقيادة جمال عبد الناصر. وهذا هو أيضا نهج ثوريي القرن التاسع عشر الأوروبيين في إطلاق كلمة "ثورة" على تمرد العبيد بقيادة سبارتاكوس في روما القديمة "ثورة العبيد". ونهج اليسار الألماني منذ كارل ماركس في تسمية الحركات الدينية الألفية الخلاصية بقيادة توماس منتسر" ثورة الفلاحين"، بينما وضعها المؤرخون الأوربيون في إطار مفهوم "الإصلاح" أو الحركات الدينية الخلاصية التي تولدت منه بوصفه يشمل عملية متعددة الأبعاد والظواهر من حركات دينية واجتماعية واحتجاجية وثورية، وهذا ما قد يشير إلى الاختلاف بين نهج المفكر ونهج المؤرخ. وقد استخدم لفظ ثورة أيضاً في وصف التمردات الشعبية الذي جاء بشكل متأخر متأثراً بالأيديولوجيات الثورية في القرن العشرين، ثم تحويل مفهوم الثورة على الديكتاتوريات والنفوذ الأميركي ليأتي من أمريكا اللاتينية إلى مصطلح رئيس في السياسة لمثقفي اليسار في العالم الثالث عموما. أما المؤرخون العرب القدماء فلم يستخدموا كلمة "ثورة"، بل استخدموا كلمات مثل "خروج" و"فتنة". والفتنة في الواقع هي الصراع الأهلي الذي يمس بالعنف التوازن السياسي الاجتماعي القائم بين جماعات أهلية، وربما يرتبط ذلك مرجعيا بالمفهوم الإسلامي لوحدة الجماعة واستقرارها التي ارتبطت بدورها بتعزيز ديناميات التمصير، أي بناء المدن المستقرة وخططها مقابل نمط الاجتماع البدوي العرابي المنقسم والمضطرب، ولهذا فإن مفهوم المؤرخين العرب لما يصفه المؤرخون المعاصرون ب "الثورة" خاضع للسياق الذي حكم إنتاجه، وهو اعتبار الخروج على الجماعة تقويضاً للعمران، والخروج على الجماعة أو الامة هو الأصل في ذم الخوارج، أما الخروج على السلطان الغاشم فقد اختلف بشأنه، فالبعض اعتبره خروجا على الجماعة، والبعض الآخر اعتبره أمرا مشروعا، بل واجب في بعض الحالات. إن أقرب كلمة إلى مفهوم الثورة المعاصرة هي "الخروج"، بمعنى الخروج لطلب الحق، فهو خروج من البيت إلى الشارع أو الميدان طلباً للحق، أو دفعاً للظلم. وهنا مغادرة الصبر والشكوى والتذمر وحالة عدم الرضا في الحيز الخاص، وحملها الى الحيز العام. ومن هذا المنطلق نلاحظ حدوث ثورات في الدوائر العربية أطلق عليها ثورات الربيع العربي، إلا أن الباحثة رأت ضرورة الوقوف على هذا المصطلح الذي يردده الكثرون، لكن بمفاهيم مختلفة، برؤى متباينة، وذلك للتعرف على جوهر هذا المفهوم، وتطور مفهوم الثورة لدى المفكريين، لاسيما مفكري علم الاجتماع السياسي، إلى جانب التطرق إلى المفاهيم المرتبطة بمفهوم الثورة ومدى الاختلاف بينها وبين هذا المفهوم، بالإضافة إلى خصائص مفهوم الثورة، وتناول أنواع وأنماط الثورة، ورصد مراحل المنظومة الثورية، فضلاً عن التطرق إلى المداخل المفسرة للثورة، والأسباب التي تستدعي القيام بالعمل الثوري. أولاً – المفهوم اللغوي لمصطلح الثورة: في اللغة اللاتينية: تعني كلمة الثورة بمعناها اللاتيني الدقيق "مظهرة الحركة الدائرية للنجوم". والكلمة لا تشير إلى العنف, بل تشير إلى حركة دائرية متكررة، وأن مصطلح الثورة مصطلح فلكي الأصل اكتسب أهميته المتزايدة من خلال العالم الفلكي "نيكولاس كوبرنيكوس". ونشأ أصل الكلمة في علم الفلك، واستخدم على سبيل التشبيه في السياسة، وظل مصطلح الثورة يعني حتى القرن التاسع عشر، اضطرابا شعبيا فقط، وأنها اتخذت معناها السياسي قبل عام 1789، عام إندلاع الثورة الفرنسية، بمدة وجيزة. في اللغة العربية يقول »لسان العرب« فى مادة ثار: ثار الشىء هاج، ثورة الغضب حدته، والتأثر الغضبان، ويقال للغضبان أهيجَ ما يكون: وقد ثار ثائره وفار فائره إذا غضب وهاج غضبه، وثار إليه وثب. ويربط اللسان العربى لفظ »الثورة« بذلك لغويا أو إيحاءً لغويا بمعانى عدم الإنضباط والغضب. ويرتبط مفهوم الثورات في العالم العربي مثل الثورة الفرنسية بالمعنى اللاتيني للكلمة. ثانياً - تطور مفهوم الثورة لدى المفكريين: تطور مفهوم الثورة من مرحلة زمنية لأخرى مع تنوع اقترابات المفكرين منه، كل حسب أيديولوجيته واختصاصه. ويُعد "أفلاطون" من أوائل الفلاسفة الذين عنوا بدراسة التغيرات التي يمكن أن تطرأ علي البناء السياسي، أما "أرسطو" فكان سباقا فى دراستة للثورات، حيث قدم أول محاولة شاملة لدراسة الثورة، وأفرد لها حيزاً كبيراً من مؤلفه الشهير ''السياسة''. وقد قبل مبدأ وجود الدولة، ولكن الأفكار الخاطئة تؤدي إلي الإحساس بعدم الرضا، وبالتالي حدوث انقلاب سياسي، قد يعمل علي تغيير شكل الدولة بما يترتب علي ذلك من نتائج سياسية، أي أن الثورة ظاهرة سياسية تمثل عملية أساسية لإحداث التغيير الذي قد يؤدي إلي استبدال الجماعات الاجتماعية. ويقول أرسطو في كتابه " السياسة " إن انماط الحكم كلها معرضة للثورة، بما فيها نمطا الحكم الأساسيان وهما الأوليجاركية والديمقراطية، وكذلك ما يسميه نظام الحكم المتوازن، أو الدستوري، أو الأرستقراطي، والمصطلحات الثلاثة تكاد تكون عنده مترادفات، ورأى أرسطو أن في الأوليجاركية والديمقراطية عناصر من العدالة، ولكن كلاً منهما يصبح معرّضاً لخطر الثورة عندما لا يتلاءم نصيب الحكام أو الشعب من الحكم مع تصورهم المسبق عنه. ولا بد من ان نضيف إلى استخدام أرسطو مفهوم التصور " المسبق"، ويقسِّم أرسطو الثورات إلى نوعين: نوع يؤدي إلى تغيير الدستور القائم، فينتقل من نظام حكمٍ إلى نظام آخر، ونوع يغيِّر الحكام في إطار بنية النظام القائم. ثم بدأ مفهوم الثورة يأخذ معانٍ جديدة بفضل التطورات التي طرأت علي فرنسا في أواخر القرن الثامن عشر، فلقد برهنت الثورة الفرنسية 1789 لأتباع "سان سيمون" ثم، "ماركس" من بعدهم علي أن الثورة هي مرحلة من مراحل التطور التاريخي، وأن حتمية الحركة الثورية تكمن في عدم ملاءمة النظام القديم وضرورة استبداله بنظام آخر أكثر فعالية وتعبيراً عن جماهير الشعب. وقد تضمنت مجريات أحداث الثورة الفرنسية إسهامات هامة في تطوير مفهوم الثورة، حيث تطور مفهوم الثورة لتمثل نجاحاً منقطع النظير في القضاء علي حكومة قديمة واستبدالها بحكومة أخري جديدة أكثر رشداً، كما أنها قد شكلت مبرراً منطقياً لأفعال كثير من الثوريين الذين بدأوا يعتقدون أن الثورة قد أصبحت هدفاً في حد ذاته. الجانب الاجتماعي لمفهوم الثورة: فيما يتعلق بالجانب الاجتماعي للثورة، من المهم أن نذكر إسهام "ماركس"، و"إنجلز"، حيث لم يقتصر هذا الإسهام علي بلورة نظرة محددة للثورة الفرنسية، بل تعدي ذلك إلي تطوير نظرية في الثورة الاجتماعية ذاتها، فإليهما يعود الفضل في تأكيد الجانب الاجتماعي للثورة. ومن هذه الزاوية نظرا إلي الثورة الفرنسية فوجدا أن طابعها السياسي كان أكثر وضوحاً وتأثيراً من طابعها الاجتماعي. فالحكم علي أي ثورة يجب أن يكون نابعاً من أهداف اجتماعية معينة. وقد حاولا "ماركس"، و"إنجلز"، إقامة نسق تاريخي للتطور الاجتماعي من خلال التركيز علي الأساس المادي، حيث فسرا التاريخ بأنه صراع بين الطبقات لا الأجناس. فإحلال نظام إنتاجي بنظام آخر يؤدي إلي ظهور ضغوط سياسية وتغيرات تتبعها الثورة. ففي هذا السياق نجد من يستخدم مصطلح الثورة كتعبير للدلالة على تغييرات فجائية وجذرية تتم في الظروف الاجتماعية والسياسية في مجتمع ما، حيث تشير هذه الظروف إلى تغيير حكم قائم وتغيير النظام الاجتماعي والقانوني، وقد يتم هذا التغيير بصورة فجائية عنيفة. ولم يقتصر استخدام مصطلح الثورة على التغيرات في النظم الاجتماعية والقانونية فحسب، بل استخدمه بعض المفكرين للتعبير عن تغييرات جذرية في مجالات غير سياسية كالعلم والفن والثقافة، الأمر الذي يشير إلى أن الجوهر المقصود من مصطلح الثورة هو "التغيير". وقد استخدم مفهوم الثورة في مجال العلوم السياسية، علم الاجتماع السياسي للإشارة إلى التأثيرات المتبادلة للتغييرات الجذرية والمفاجئة للظروف والأوضاع الاجتماعية والسياسية. وفي إطار التطرق إلى موسوعة علم الاجتماع نجد أنها تشير إلى مصطلح الثورة على أنه "التغييرات الجذرية في البنى المؤسسية للمجتمع، والتي تعمل على تبديل المجتمع ظاهرياً وجوهرياً من نمط سائد إلى نمط جديد يتوافق مع مبادئ وقيم وأيديولوجية وأهداف الثورة، وقد تكون الثورة عنيفة دموية، وقد تكون سلمية، وتكون فجائية سريعة أو بطيئة تدريجية". ويعرف "كرين برنتون" Crane Brinton الثورة في كتابه "تشريح الثورة" بأنها عملية حركية دينامية تتميز بالانتقال من بنيان اجتماعي إلى آخر، وأنها تغيير عنيف في الحكومة القائمة بشكل يتجاوز الحد القانوني. وعرَّفها البروفسور "هاري ايكشتاين" في مقدمة كتابه عن الحرب الداخلية بأنها "محاولات التغيير بالعنف أو التهديد باستخدامه ضد سياسات في الحكم أو ضد حكام أو ضد منظمة. بينما يشير "بيتر أمان "Peter Amann إلى الثورة على أنها " إنهيار لحظي أو على المدى الطويل لاحتكار الدولة للسلطة يكون مصحوباً بانخفاض الخضوع والطاعة ". كما أوضح "شريكر" P Schrecker أن الثورة بمثابة تغيير غير مشروع للظروف المشروعة. في حين عرف كارل فريدريك Carl Fredreck الثورة بأنها الإطاحة بنظام سياسي مستقر بصورة عنيفة وفجائية. وقد أشار ل. ب إدوارد L.p Edward للثورة بأنها تغيير وإحلال نظام جديد محل نظام آخر كان مشروعا، ولا يحدث هذا التغيير بالضرورة عن طريق القوة والعنف. وفي هذا الإطار، أشار "هيجل" في كتابه »والعقل والثورة« في تعريفه لها على أنها الثورة على الأوضاع القائمة، وأنها حركة تتسم برفض وإنكار ما هو قائم فعلاً، وأنها إعادة لتنظيم العلاقة بين الدولة والمجتمع على أساس عقلاني. ومن المنظور السوسيولوجي للثورة، يرى "بارسونز" أن الثورة بمثابة تعبير "دوركايمي"، أي أنها انحرافات مرضية تبعد عن التوازن المستقر لبنية السلطة . أما "يوري كرازين" فينظر لها بمنظار الأدبيات الماركسية في تحليل التطور الاجتماعي ويقول "إن معنى الثورة الاجتماعية ووظيفتها لا يمكن فهمها إلا حينما ننظر إلى تاريخ المجتمع على حقيقته كسلسلة متصلة من التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية. والثورة شكل من أشكال الانتقال، كما أنها قفزة من التشكيل الاقتصادي والاجتماعي البالي إلى تشكيل أكثر تقدماً ، تكون الخاصية المميزة السائدة له ومضمونه السياسي هو انتقال السلطة إلى الطبقات الثورية. وقد ربط عالم الاجتماع الفرنسي "إميل دوركايم"، مفهوم الثورة ب "ظاهرة الفوران الجمعي"، والتي تعبر عن تحرك جماعي لا يمكن تجاهله، ويتضخم بصورة ملحوظة من دون ضمان الاستمرار طويلاً في حالة الفوران. وهي التي تتكون أساساً فيما بين الطبقات الأدنى في المجتمع، فالشعب يعيش حياة مزرية مرتبطة بالفقر في الأساس، إلى جانب نقص الحرية. ووفقاً ل "جيدنز"، فإن الثورات تمثل طليعة الأساليب غير التقليدية في الحركات الجماهيرية المنظمة التي تُحدث تغييرات جذرية في النظام السياسي السائد باستخدام العنف. وتتطلب الحركات الثورية كما أشار جيدنز شروطا أساسية لاشتعال الثورة من أهمها أساليب استهواء الجماهير وتوجيهها، ويصاحبها عادة توترات وصراعات. ويرى "روجر بيترسن Roger Petersen مؤلّف كتاب "المقاومة والتمرد"، أنّ الثورة تبدأ على شكل احتجاجات تأخذ بعدًا شعبيًّا تكسر حاجز الخوف أو ينسى الناس الخوف، ومن ثمّ تتحوّل إلى غضب شعبي عارم تطلَق عليه صفة ثورة. وفي تعريفه لمفهوم الثورة يقول "ايرك هوبزباوم" Eric Hobsbawm): ) إنّ الثورة هي تحوّل كبير في بنية المجتمع. ويركّز على فكرة التحوّل ولكن زمكانيّة التحوّل الذي تحدّث عنه هي أوروبا ما بين عامى 1789 1828 . ويشير إلى أربعة عناصر تسترعي الاهتمام عند الحديث عن الثورة وهي: الخصوصية: حيث يركّز "هوبزباوم" على أنّ لكل ثورة خصوصيتها من حيث الزّمان والمكان، وليس هناك تشابهٌ أو تطابق بين ثورتين. النصر: ويعني انتصار منظومة جديدة على منظومة قديمة، ويشير "هوبزباوم" إلى انتصار الفكر الرأسمالي الليبرالي على الفكر الاقتصادي الإقطاعي. وفي الإطار العربي يمكن الحديث عن غلبة منظومة قيمية عربية إسلامية بكافة جوانبها على منظومة قيمية قديمة. البعد الجغرافي للثورة "نظرية انتشار العدوى": حيث يشير "هوبزباوم" إلى تأثير هذا البعد في مناطق دول الجوار، وفي صيرورة التحوّل - تأثير أوروبا في أميركا الشمالية - وفي السياق العربي يبرز هذا البعد بصورة جليّة في انتقال الثورة من دولةٍ إلى أخرى، وذلك نظرًا إلى التقارب الجغرافي ووحدة الدّين واللغة والتاريخ المشترك، وإلى تقارب الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي لأغلب الدول العربية. وثورة تونس يجب أن تفهم ضمن هذا السياق، حيث امتدّت موجات الثورة إلى مناطقَ جغرافية مجاورة في اتّجاه الشرق والغرب. التراكمية: أرجع "هوبزباوم" تفجّر الثورة إلى عوامل متراكمة عبر عدد من السنين أحدثت ضغطًا على القاعدة فولّدت الانفجار الذي يجسّد حالة الثورة. ففي السياق الأوروبي تحدّث "هوبزباوم" عن أزمات الأنظمة البائدة شمال العالم وغربه، ويحدّدها في فقدان الشّرعية واستفحال الاستبداد ومصادرة الحرية، بالإضافة إلى الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في شمال أميركا وغرب أوروبا. وتمثّل هذه الأزمات القاسم المشترك مع الثورة التونسية، حيث توالت في السنوات الأخيرة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وأزمات حقوق الإنسان والحريات، والتي أسهمت بشكل رئيسى في تفجّر هذه الثورة. وفي السياق العربي يمكن القول بأن الثورة هي نتاج تراكم عوامل ضغط اجتماعي واقتصادي وسياسي على القاعدة الشعبية ممّا أدّى إلى تفجّر الثورة. ومن هذا الإطار، نجد أن هناك من يعرِّف الثورة كظاهرة اجتماعية وسياسية على كونها انتفاضة الشعب ضد الظلم الذي تجاوز كل حدود تحمل الطاقة البشرية. والثورة من منظور التحليل النفسي هي انتصار عامل الغضب في النفوس على عامل الخوف من قوة وإرهاب السلطان. والثورة كفعل إنساني عبارة عن عملية هدم تليها عملية بناء. ويوضح هذا التعريف وجود مرحلتين للثورة المرحلة الأولى: هدم الوضع الظالم والفاسد والفاشل القائم وشعار هذه المرحلة "الشعب يريد إسقاط النظام"، والمرحلة الثانية: بناء وضع جديد يلبي حاجات وتطلعات الأمة وشعارها (الشعب يريد حياة كريمة). ثالثاً - المفاهيم المرتبطة بمفهوم الثورة: الثورة والانقلاب إن مفهوم الانقلاب يعني انتقال السلطة من يد فئة قليلة إلى أخرى تنتمي إلى نفس الفئة الأولى التي كانت تسيطر على الحكم أو على الأقل تشبهها، ويكون باستخدام وسائل العنف الرسمية دون إحداث تغيير في وضع القوة السياسية في المجتمع أو في توزيع عوائد النظام السياسي، ودون تغيير في أحوال المحكومين . وغالبا ما يكون الانقلاب باستيلاء العسكر على السلطة الشرعية بواسطة القوة المسلحة وتغيير نظام الحكم بالقوة دون الرجوع للناخبين. الثورة والحركة الإحتجاجية: تشير الحركة الاحتجاجية إلى التقاء جماعة من الناس حول محاولة إحداث التغيير الإجتماعى والسياسى كليا أو جزئيا فى نمط القيم السائدة والممارسات السياسية، وذلك بين المواطنين الذين يجدون فى الحركة تجسيدا لمعتقداتهم ونظرتهم للوضع الاجتماعى المنشود أو يمكن تعريفها بأنها جزء أكبر من عملية التحديث بالإضافة إلى أنها تعبير عن الحس الاجتماعى أكثر من كونها تعبيراً عن أزمة إجتماعية لأنها فعل رشيد من الجماعات المستبعدة لتحقيق نتائج سياسية معينة. من خلال التعريفات السابقة يمكن القول إن الحركات الاحتجاجية هى عبارة عن حالة من الغضب العام التى تسود المجتمع أو فئة معينة داخل المجتمع، وغالبا ما تكون هذه الفئات المهمشة داخل المجتمع، والتى لا أحد يسمعها ممايجعلها تعبر عن هذا الغضب فى شكل الحركات الاحتجاجية سواء أكانت سلمية أو غير سلمية فى شكل إضرابات واعتصامات أو تجمهر أو تظاهر أو قد يصل الأمر إلى استخدام هذه الفئات للمارسات العنيفة مثل حرق أو قطع الطرق من أجل التعبير عن مطالبها ومطالبة الحكومة بتنفيذها . الثورة والحركة الاجتماعية: عرف "لورانز فون شتاين" في مؤلفه "تاريخ الحركة الاجتماعية في فرنسا من 1987 إلى 1850 الحركة الاجتماعية بأنها محاولات البروليتاريا اكتساب القوة الاقتصادية والسياسية، وفي هذا الإطار عرَّف "رودولف هيبرل" الحركة الاجتماعية كمفهوم أوسع ليشمل حركات الفلاحين والحركات الوطنية والفاشية، حيث أوضح أن الحركات الاجتماعية تهدف إلى إحداث تغييرات راديكالية في النظام الاجتماعي العام، لاسيما في مجالات توزيع الثورة وعلاقات العمل، كما يمكن تعريفها؛ بأنها ذلك الجهد الموحد والمتصل الذي يقوم به مجموعة من الأفراد لتحقيق هدف أو مجموعة من الأهداف المشتركة بين أعضائها أو إبدال أو هدم نظام اجتماعي قائم. وقد حدد عالم الاجتماع الفرنسي "جير وشيه" ثلاث وظائف للحركات الاجتماعية، تتمثل في: الوساطة بين مجموعة من الناس من جهة والأبنية والحقائق الاجتماعية من جهة أخرى. توضيح الضمير الجمعي، وهي حالة الجماعة التي تكشف نفسها أو مصلحتها. الضغط على الأشخاص الذين بيدهم مقاليد الحكم. ومن هنا يصعب توضيح الفرق بين الحركة الاجتماعية والثورة صعب الوضوح بسبب التشابه الكبير الأمر الى يؤدي إلى المزاوجة بين المفهومين، فالحركة الاجتماعية تنظيم اجتماعي له هياكله ومؤسساته التنظيمية، ويهدف الى تحقيق أهداف محددة، ومن وسائل هذه الحركات الثورة، والتي يمكن أن تكون وسيلة لتحقيق وتجسيد أهدافها. الثورة والحرية: تسعى الثورات الحديثة إلى التحرر من قمع الحرية الذي يشبه في هذه الحالة كبح حركة الأجسام والتحرر من الخوف، هذا التحرر ينشئ حلم الحرية. ولكن الحرية السياسية والاجتماعية التي تمارس عبر المشاركة في تقرير المصير وفي صنع القرار هي البعد الثاني الذي يحول الحرية من حرية سالبة الى حرية موجبة ممارسة. ومن هنا فإن أي نظام ديمقراطي يتألف اولا من الحريات المدنية التي تضمن فكرة "التحرر من "، وثانيا من "الحرية في" ، وهذا يعني الحقوق السياسية التي تقوم ببناء الحرية في الدولة من خلال المؤسسات، التي تضمن ممارستها، وليس من حق هذه المؤسسات أن تمنع الحريات الاساسية، فمبرر وجودها هو أن تنظمها. الثورة والأيديولوجية: لا يذكر التاريخ ثورة شعبية قامت أو نجحت على أساس برنامج قائم مسبقا على أيديلوجية سياسية فكرية وحركية معلنة، وحتى الثورات التي انتهت الى أنظمة ذات أيديولوجية رسمية، كما في الحالات الروسية والإيرانية والكوبية وغيرها، كانت في البداية ثورات ضد الظلم، أو لتغيير نظام الحكم، أو للتحرر من الاستعمار، وقد استجلبت الأحزاب المسيطرة، وأدت إلى سيطرة حزب أو حركة على الثورة في نهايتها، أو على السلطة بعد انتهائها. وأثناء الثورات تحرص حتى الأحزاب الأيديولوجية على تقديم برنامج يجمع جميع فئات الشعب، وتحاول أن تخفي برامجها الخاصة بها إلى أن تتمكن من الوصول بواسطة الثورة. قد تسبق الثورة تحولات ثقافية وأيديولوجية واسعة لدى فئات الشعب، ويصعب الحديث عن فكر ثوري ودوافع ثورية من دون مثل هذه التغيرات التي تؤدي الى تصور نمط الحياة كظلم لا يحتمل. لهذا فإن الثورات الشعبية بطبيعتها ليست ثورات أحزاب أيديولوجية تسعى الى الحكم، وهذا النوع من الثورات غالبا ما يفشل في توحيد الشعب ويتحول إلى حروب عصابات، أو يتخذ شكل انقلاب عسكري أو غيره من الأشكال. إن الثورات الشعبية ليست حزبية، لكن الأحزاب التي تنشأ بعد الثورة وتسيطر على السلطة تنشئ تاريخاً للتفخيم الذاتي ، مبنياً على تصور شخصية ما أو فكر معين. رابعاً خصائص مفهوم الثورة: إن اغلب الثورات تكاد تجتمع على جملة من الخصائص تميز العمل الثوري عن غيره منها. الثورة تمثل قطاعاً أكبر من المجتمع ضد فئة أصغر مستحوذة على القوة السياسية والاقتصادية. تقوم الثورة على الحلول الجذرية وترفض حلول الإصلاح لأنها في الأصل تغيير راديكالي يقوم ويرتكز على راديكالية المطالب. التغيير الناجم عن الثورة يكون سريع ومفاجئ، وسريع الانتشار بين قطاعات الجماهير. إن تغيير الثورة يشمل كذلك نسق القيم والمعتقدات بما يتلاءم والمرحلة الجديدة. الثورة تمثل عملية تغيير اجتماعي وسياسي. إن الثورة تترتكز على أسس جديدة ومغايرة للنظام القديم لترسيم دعائم بناء جديد على قواعد جديدة. إن الثورة تكررية وسريعة الانتقال بين المجتمعات وعبر الدول. يتبع في الحلقة 2 :خامساً- أنواع وأنماط الثورة: