يستميت عرب ومسلمون في الدفاع عن قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب خصوصاً تلك المتعلقة بالهجرة حتى تكاد حماستهم في الدفاع عن خطواته العدائية تفوق حماسة فريق الرئيس نفسه. لا أتحدث هنا عن أولئك الذين انتخبوه في الولاياتالمتحدة بل عن أولئك الذين يعيشون هنا في الدول العربية والإسلامية. ففي لقاءات العمل وسهرات الأصدقاء، في تصريحات سياسيين وقادة ، في صفحات السوشيال ميديا وفي عالم رجال الأعمال وفي الكثير من الدوائر اللصيقة بحياتنا هنا في المنطقة يطالعنا من يصوغ "الكابوس" الترامبي بصفته حقاً وخلاصاً ليس فقط لأميركا بل للعالم بأجمعه. المفارقة هي أن "الترامبيون" الذين ظهروا من بيننا وجدوا ما يحصل فرصة لا تعوض للتعبير عما كانوا يخجلون من المجاهرة به، أعني القول علانية برفض منظومة القيم والمعايير التي باتت سمة التقدم والحضارة والتي بدا جلياً كم أنها تثقل على هؤلاء فكانوا يحذرون من ازدرائهم لها علانية لكنهم اليوم باتوا في حل من أي تردد. ترامب يمارس كراهية ووضاعة على مستوى عالمي باسم الوطنية وهذا تماماً ما يجذب الضعفاء من بيننا اليه فهم يريدون التخفف من أعراف العالم الغربي ومن سلم الحقوق المثبت في دساتير وقوانين وأعراف والتلاعب بمعنى المواطنة الحديثة لتصبح تلك التي يجسدها ترامب. نكاد نشعر ونحن نصطدم بجماهير ترامب المبثوثة بيننا أنهم يريدون الانتقام مما حصل في السنوات الست الماضية بالارتداد نحو ما هو أسوأ. ها هم يتحمسون للجدران ويرونها "أمنا" ويطربون لمنع فئات بعينها من السفر ومن الدخول الى بلدان أو مناطق. وكأن ترامب رفع عن كاهلهم عبئا فبات بالإمكان استلهام ما يحصل في اميركا لتبرير ما نفعل نحن قبل ترامب بكثير. من سيسأل اليوم عن منع السوريين من دخول دول عربية عديدة أو عن طرد مجموعات من دول أخرى فقط بسبب الجنسية أو عن خضوع التوظيف والترقي لاعتبارات لها علاقة بالدين أو المذهب. أي ضوابط سننشدها للتداخل بين الاعمال والسياسة والصفقات وأي حساسية تجاه التعذيب والتعنيف والقتل المعمم. من سيحاسب دولا وانظمة ومجتمعات تضطهد نسائها فيما رئيس العالم متحرش ومعنف.. طبعا ليس ترامب مسؤولاً عن انتكاساتنا والتي هي سابقة عليه بكثير لكنه بالتأكيد يخفف ضغطا ولو معنويا تجاه الاشهار بالنوايا الحقيقية. لكن ما يغفل عنه الترامبيون من أبناء جلدتنا هو أن العالم ليس صامتا ولا متفرجاً. فهذه الانتكاسة للوراء والعودة الى زمن الحروب الدينية التي يشهرها ترامب في وجه المسلمين ووجه المكسيكيين ووجه السود واليهود والنساء تصطدم بالكثير من الانجازات التي تراكمت في العقود الماضية في الغرب وهي التي تواجه ترامب حاليا وتصطدم معه وتقاومه على نحو يستحق الاعجاب.. من يقاوم ترامب اليوم ليسوا المسلمين أو العرب بل هناك زعماء وقادة عرب اثنوا على ما يقوم به، لكن المفارقة هي أن المجتمع التعددي الذي بناه الغرب والذي يحتفي بقيم الاختلاف والتنوع هو الذي يخوض هذه المعركة وبشراسة فهي بالنسبة اليه دفاع عن النفس وعن الوجود. أليس مفارقة مذهلة هي غياب أي مبادرة أو دور في العالم الاسلامي والعربي تجاه الحرب التي يشنها ترامب؟؟ من نافل القول إن التعدد في الغرب هو النتاج الأهم لعملية فصل الدين عن المواطنة والسياسة. ترامب يحاول العودة بالغرب الي حيث نحن اليوم، الى تلاصق الدين بالسياسة بأنظمة الاستبداد.. في العالم معركة كبرى يخوض وجهها الأسوأ ترامب، نحن هنا لم نكتف فقط بدور المتفرج بل نحن انحزنا في الغالب نحو الجلاد، جلادنا. لكن أليس هذا دأبنا أبدا.. ديانا مقلد : كاتبة صحفية شهيرة .