قمة الرياض تبلور خطابا جديدا عن مفهوم الإرهاب قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مدينة بيت لحم في الضفة الغربية، إن «السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين حجر الزاوية للسلام في المنطقة»، مضيفا: «نريد أن نعمل بنيات صادقة لتحقيق السلام». ووصل ترامب صباحا إلى بيت لحم ، حيث كان عباس في استقباله. وسافر الرئيس الأمريكي في موكب تحت حراسة أمنية مشددة إلى المدينة ، وتم غلق جزء كبير من وسط وجنوب القدسالمحتلة للسماح للموكب المؤلف من حوإلى 60 سيارة بالمرور من الفندق الذي يقيم فيه ترامب إلى بيت لحم، والتي تبعد ثمانية كيلومترات إلى الجنوب. وقال ترامب إنه يريد العمل بنوايا صادقة لتحقيق السلام. وأضاف «أخبرت قادة العرب والمسلمين بأننا سنعمل معا لمحاربة الإرهاب، ونريد أن نعمل بنوايا صادقة لتحقيق السلام»، وأضاف «أتطلع إلى العمل مع الرئيس عباس لدعم الاقتصاد الفلسطيني». من جهته، جدد الرئيس الفلسطيني التزامه بالتعاون مع ترامب لعقد «صفقة سلام تاريخية مع الإسرائيليين» والعمل معه على محاربة الإرهاب. وقال: «نتمنى أن يشهد التاريخ أن الرئيس ترامب هو الذي حقق السلام». وذكرت وكالة «وفا» الفلسطينية أن الرئيس الفلسطيني أكد أن نيل الشعب الفلسطيني حريته واستقلاله «هو مفتاح السلام والاستقرار في المنطقة والعالم». وأضافت أن عباس «أكد على الموقف الفلسطيني باعتماد حل الدولتين على حدود العام 1967، دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية إلى جانب دولة إسرائيل، وحل قضايا الوضع النهائي كافة على أساس قرارات الشرعية الدولية والاتفاقات الثنائية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي». وتطرق عباس لقضية إضراب الأسرى، وأكد أن «مطالب أسرانا إنسانية وعادلة»، مطالبا إسرائيل بالاستجابة لها. وقال «إن صراعنا ليس مع الدين اليهودي وإنما مع الاحتلال الإسرائيلي»، مؤكدا أن «احترام الأديان والرسل جزء أصيل من معتقداتنا، وأن المشكلة مع الاحتلال والاستيطان وعدم اعتراف إسرائيل بدولة فلسطين». وكان الرئيس دونالد ترامب قد أبدى ، عقب لقاء مغلق مساء أول أمس مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو ، تفاؤلا بالتوصل إلى اتفاق سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل. وقال ترامب عقب اللقاء الذي عقد في فندق الملك داود في القدس الغربية ودام نحو ساعة: «سمعت أن التوصل إلى اتفاق هو الأصعب… لكن لدي شعور بأننا سنبلغه في نهاية المطاف… أنا على قناعة بأنه ستكون لنا لقاءات مثمرة». وأضاف: «علينا استغلال الوضع. ثمة أمور كثيرة تحصل الآن لم تكن لتحصل في الماضي… ونحن ندرك ذلك جيدا. هذا يشمل الرخاء ومحاربة الإرهاب ومواجهة النظام الإيراني الذي يهدد المنطقة كلها ويخلق عنفا كبيرا». في هذه الأثناء، قالت مصادر إسرائيلية إن تصريحات ترامب الأهم يفترض أن تكون في خطابه في «متحف إسرائيل» . من جانبه، صرح وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون للصحافيين على متن طائرة الرئيس ، بأن اجتماعا ثلاثيا بين ترامب ونتانياهو وعباس سيتحدد «في موعد لاحق» وليس خلال هذه الزيارة. وانتظر الإسرائيليون بفارغ الصبر سماع تصريح من ترامب في شأن تصوره حل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي بعد ساعات من وصوله إسرائيل وتأكيده أنه لمس خلال زيارته المملكة العربية السعودية رغبة حقيقية لدى الدول العربية بتحقيق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين. وكان ترامب أكد لدى وصوله إسرائيل أن ثمة «فرصة نادرة لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام لهذه المنطقة ولشعوبها وهزيمة الإرهاب وبناء مستقبل يسوده الانسجام والرخاء والسلام، لكن لا يمكن أن يتحقق ذلك سوى بالعمل معا. ما من سبيل آخر». وقال ترامب للصحافيين القريبين منه إنه نصير متحمس لإسرائيل منذ زمن بعيد، وأنه تشرف بزيارة «حائط المبكى» (البراق)، مضيفاً أنه قضى يومين رائعين في السعودية «حيث تحدثنا بعمق عن إيران التي استدعت جهات كثيرة للتكتل معا ضدها». من جهته، حيا نتانياهو الرئيس ترامب على موقفه «الحاسم والواضح» من إيران وتماهيه مع موقف إسرائيل المعارض الاتفاق النووي بين الدول الست وإيران، وعلى سعيه إلى المصالحة بين إسرائيل والفلسطينيين. ورد ترامب بأن الإدارة الأمريكية السابقة أعطت إيران «صفقة غير عادية وهذا أمر لا يصدق… منحناهم إمكان مواصلة الإرهاب… لكن صدقني، إيران لن تمتلك ذات مرة سلاحا نوويا… أعدك بذلك». وكان ترامب زار كنيسة القيامة في البلدة القديمة في القدسالمحتلة، كما قام بزيارة، هي الأولى لرئيس أمريكي خلال توليه منصبه، إلى حائط المبكى (البراق) حيث ارتدى القلنسوة اليهودية، وصلى أمام الحائط قبل أن يضع قصاصة ورق صغيرة في أحد شقوقه ، وذلك من دون أي مرافقة رسمية إسرائيلية، على أساس أن الحائط يقع في منطقة محتلة ، وهي مسألة أثارت جدلا في إسرائيل التي تعتبر القدس عاصمتها. وكانت الحكومة الأمنية الإسرائيلية المصغرة قد اجتمعت قبيل زيارة ترامب و"أقفرت" «بعض خطوات بناء ثقة» تجاه الفلسطينيين، وسط تقارير صحافية متطابقة اعتمدت مصادر رفيعة في الإدارة الأمريكية تقول إن ترامب لن يطلق تصريحات أو مواقف جديدة ، وأنه لا يحمل معه مبادرة سلام أو «رؤية للحل» إنما يريد إنشاء ثقة بين إسرائيل والفلسطينيين وتحسين الأجواء تمهيدا لاستئناف المفاوضات بينهم. و نقلت صحيفة «هآرتس» عن مسؤولين كبار في البيت الأبيض تأكيدهم أن ترامب لن يستغل خطابه في القدس (غداً في متحف إسرائيل) لعرض رؤيته لعملية سلام في المنطقة ، إنما سيتمحور خطابه على التحالف بين إسرائيل والولايات المتحدة ، مضيفين أن الخطاب «لن يتضمن أي تصريح من شأنه تغيير السياسة الأمريكية بشأن مكانة القدس أو نقل السفارة الأمريكية إليها ». وأضاف أن الزيارة لا تهدف إلى تحريك عملية سلام أو إطلاق مبادرة جديدة، وأن الإدارة الأمريكية تسعى إلى ذلك «لكنها تسلك الحذر… والرئيس مقتنع بأن السلام ممكن، وأن من شأن مقاربة جديدة أن تنجح، لكننا ما زلنا في مرحلة مبكرة، ولا نعتقد أنه حان الوقت للقاء بين نتانياهو وعباس أو عقد قمة ثلاثية (بمشاركة ترامب)… هذا بكل بساطة سابق لأوانه». وزاد أن «رسالة الخطاب ستكون واضحة، رسالة صداقة وتضامن، رسالة اعتراف صريح بتاريخ إسرائيل وبما مرت به وكيف ولدت، وكيف هي مزدهرة اليوم»، إضافة إلى تبديد التوتر الذي ساد العلاقات في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، و «نحن في بداية موفقة في هذا الاتجاه، ونريد أن نظهر للشعب في إسرائيل أن التحالف بيننا عاد إلى مساره الصحيح». وتابع: «لا تتوقعوا مبادرة أو فكرة في شأن السلام في الخطاب، ليس هذا هو السبب الذي من أجله يقوم بالزيارة، وليست هذه مقاربة الإدارة بإملاء شروط». وقال رئيس الحزب الجمهوري الأمريكي في إسرائيل مارك تسل للإذاعة العسكرية ، كلاماً مماثلاً، مضيفاً انه لا يعتقد أن ترامب سيطلق خلال الزيارة تصريحاً في شأن السفارة الأمريكية في تل أبيب. ووفق مسؤول في البيت الأبيض، فإن ترامب سيطلب في لقاءيه مع نتانياهو وعباس بأن يقوما بخطوات بناء ثقة بهدف خلق أجواء مريحة لاستئناف مفاوضات سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وسيكرر مطلبه من نتانياهو بلجم البناء في المستوطنات، مشيراً إلى انه «يأمل في أن تأخذ إسرائيل هذا المطلب في حساباتها»، إضافة، إلى اتخاذ خطوات لدعم الوضع الاقتصادي للفلسطينيين، فيما سيشدد أمام عباس وجوب أن تقوم السلطة ب «وقف التحريض والعنف ضد إسرائيل، كما سيكون صريحا معه في مسألة المبالغ التي تدفعها السلطة للمخربين». واجتمعت الحكومة الأمنية المصغرة عصر أمس، لإقرار سلسلة «خطوات بناء ثقة» تجاه الفلسطينيين الهدف منها «التسهيل على حياة المدنيين في الضفة وقطاع غزة»، مثل تسهيل العبور بين الحواجز العسكرية في الضفة وتحسين المعابر التي يستخدمها الفلسطينيون القادمون للعمل في إسرائيل، وتوسيع المناطق الصناعية والتسهيل على التجار من قطاع غزة. ولم يعرف إن كان نتانياهو سيطرح إقرار البناء للفلسطينيين في المنطقة المحتلة المعروفة ب «ج» الخاضعة تماما لجيش الاحتلال، وهو ما يعارضه وزيرا «البيت اليهودي» نفتالي بينيت وأييلت شاكيد بداعي أن إسرائيل لم تتلق شيئاً من الفلسطينيين نظير ذلك «لا أمنا ولا سلاما ولا اعترافا». وأبدت أوساط نتانياهو خشيتها من أن ينجح بينيت في إقناع وزراء من «ليكود» أيضا بمعارضة هذه الخطوة التي سبق أن عارضتها الحكومة المصغرة قبل عام. وأفادت الإذاعة العبرية أن نتانياهو قد يؤجل طرح الموضوع إلى ما بعد الزيارة ليقدمها على أنها ثمرة ناجحة للزيارة. رؤية جديدة للحرب على الإرهاب من جهة أخرى سيقال الكثير عن زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السعودية والقمة العربية الإسلامية- الأمريكية التي التقى فيها قادة وممثلو 55 دولة عربية وإسلامية مع الرئيس الأمريكي في العاصمة السعودية. فهذه القمة برمزيتها تؤشر إلى حجم التغير الذي يعتمل في المنطقة . فحتى عهد قريب كان مجرد التفكير في عقد لقاء بهذا الحجم مستبعدا وخارج التداول السياسي . ومع ذلك ، يبقى الأهم ، أن هذه القمة أفسحت المجال لبروز خطاب مختلف عن الإرهاب. ما هو الخطاب المختلف ؟ هو الذي ينظر إلى الإرهاب كظاهرة سياسية أشمل وأخطر من أن يتم اختزاله في تنظيم ، أو مذهب، أو دين من دون غيره. كما أنه خطاب يدرك أنه بمقدار ما أن هناك متضررين كثرا من ظاهرة الإرهاب ، هناك من يوظف الإرهاب بوعي مسبق لمصالح ومآرب سياسية معلنة أحيانا، ومضمرة أحيانا أخرى. يتميز هذا الخطاب المختلف عن الخطاب السائد في أن هذا الأخير يختزل الإرهاب في تنظيم بعينه بحسب المرحلة التي يتخلق فيها سياسياً. يحصل هذا ليس فقط لمصالح وحسابات سياسية ، بل ولمرئيات وقناعات فكرية وسياسية لدى البعض ، كما أنه يحصل لمآرب وأهداف انتهازية لدى البعض الآخر. حتى عهد قريب كان تنظيم القاعدة هو رمز الإرهاب ، بدايته ومنتهاه . كان يقال إنه إذا تم القضاء على القاعدة ، فلن يكون هناك إرهاب. هكذا سارت الحرب على هذه الظاهرة السياسية. جندت لها كل الإمكانات والموارد السياسية والأيديولوجية والعسكرية والبشرية والمالية. ثم بعد أكثر من ربع قرن لم تنجح الحرب في القضاء على القاعدة. قتل زعيمها، كما الكثير من قادتها، لكن التنظيم لا يزال معنا. لم يلتفت قادة الحرب على الإرهاب، وتحديدا الأمريكيين قبل غيرهم، إلى دلالة أنه في أيامنا هذه ، وتحديدا منذ 2014 ، حل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الخطاب السائد ذاته محل القاعدة. ومرة أخرى بات القضاء على داعش (وليس القاعدة) هو البوابة الوحيدة للقضاء على الإرهاب. الأنكى من ذلك أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد. لم تعد القاعدة وحدها سيدة الساحة كما كانت من قبل. أصبحت المنطقة، وتحديدا منذ 2003، تعج بمئات الميليشيات الإرهابية ، من مشرق العالم العربي حتى مغربه. في هذا دليل واضح ودامغ على فشل ما يسمى بالحرب على الإرهاب. ما الذي يمكن أن يعنيه كل ذلك ؟ يعني أن العالم ، بشقيه الشرقي والغربي، مسكون بعارض الإرهاب – القاعدة أو داعش أو غيرهما- بدلا من ظاهرة الإرهاب ذاتها ، طبيعتها وجذورها. والمدهش أن أحدا لم يسأل نفسه السؤال الأهم في مثل هذه الحال : كيف ولماذا حل داعش محل القاعدة بعد حرب على الإرهاب تمتد الآن لأكثر من ربع قرن؟ ولماذا الانجرار وراء تيار الأحداث وتحولاتها على هذا النحو البائس بفشله وتخبطاته ؟ هل أن هزيمة داعش والقضاء عليه ستنتهي إلى نتيجة مختلفة عما انتهت إليه الحرب على القاعدة قبل ذلك، بالمرئيات ذاتها والأدوات عينها؟ هزيمة داعش ستتحقق. بل من الممكن القضاء عليه. لكن ماذا بعد ذلك؟ ماذا سيفعل العالم بالميليشيات الإرهابية الأخرى؟ لا أحد يعرف. لا تمكن الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها بالرؤى والأدوات التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه الآن . لا بد من شيء مختلف يتجاوز اختزال الإرهاب في هذا التنظيم أو ذاك ، في هذا المذهب أو غيره . هذا ما يفعله الأوروبيون والأمريكيون بدعوى أن الذي يستهدفهم هو الإرهاب السني وليس الشيعي . لم يعيروا اهتماما لحقيقة أنه بات للإرهاب تاريخ. فإذا كان مصدر الإرهاب في مرحلة القاعدة هو صراع الشرق والغرب ، أو الإسلام والغرب ، فإن مصدره الرئيسي في مرحلة داعش هو الطائفية. ولذلك يلاحظ أن أغلب العمليات الإرهابية في المرحلة الأولى كانت تقع خارج العالم العربي. أما في مرحلة داعش فإن أغلب هذه العمليات يقع داخل العالم العربي. بل تحول الإرهاب في هذه المرحلة إلى حروب أهلية مدمرة . وهو ما كان يقتضي أن تكون الطائفية أساس مفهوم الحرب على الإرهاب قبل أي شيء آخر. ليس من الممكن القضاء على الطائفية قضاء مبرما. لكن من الممكن جدا تحييدها ، وإخراجها من التداول ، وتعطيل مفاعيلها كمصدر للإرهاب. وبما أن إيران هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تعرف نفسها وتحدد هويتها دستوريا على أساس طائفي، وانطلاقا من ذلك ترسم سياساتها الخارجية ، وتجعل من الميليشيات الطائفية رافعة لدورها الإقليمي ، فإن الأمر يقتضي في هذه الحال مواجهتها بذلك. من حق إيران أن تعرف نفسها ، وأن تحدد هويتها بالشكل الذي تراه. لكن ليس من حقها أن تتعامل مع جيرانها انطلاقا من هذا التعريف ، وإنما من كونها دولة تنتظم في علاقات دولية مع دول أخرى، كما أنه ليس من حقها وفقا لمبادئ الجوار، وقبل ذلك وبعده وفقا للقانون الدولي ، أن تستخدم ميليشيات مذهبية لمد نفوذها في المنطقة، وجعل الطائفية، والتحالفات المذهبية أساسا لمصالح دول المنطقة، وللعلاقة في ما بينها. ولأنها بذلك تمارس لعبة خارج حدود النظام الدولي ، فهي تنفذ سياسات مدمرة لمفهوم الدول والأوطان. من هنا تأتي أهمية خطاب الرئيس دونالد ترامب ، ومضامين إعلان الرياض، لتدشن لما يمكن اعتباره خطابا مختلفا . فالسعودية ومن خلال خطاب الملك سلمان الذي تحدث بصراحة مباشرة وغير مسبوقة عن النظام الإيراني وموقعه ودوره في ظاهرة الإرهاب التي على خلفيتها التأمت القمة. يقول الملك: «إننا جميعا شعوبا ودولا نرفض… فرز الشعوب والدول على أساس ديني أو طائفي، وما هذه الأفعال البغيضة إلا نتيجة محاولات استغلال الإسلام كغطاء لأغراض سياسية تؤجج الكراهية والتطرف والإرهاب، والصراعات الدينية والمذهبية كما يفعل النظام الإيراني والجماعات والتنظيمات التابعة له ». هذا النظام، يقول الملك: «يشكل رأس حربة الإرهاب العالمي….». في السابق كانت السعودية ، مثل بقية الدول العربية ، تجامل النظام الإيراني ، لأسباب سياسية وحساسيات دينية. كانت تتفادى مواجهة النظام الإيراني بحقيقة ومخاطر ما يفعله. وكان هذا النظام يستغل هذا الصمت، وتلك المجاملة، في الإيغال بتنفيذ سياساته اعتمادا، كما يبدو، على أن لا أحد سيجرؤ على مواجهته تفاديا لتهمة الطائفية. وفي ذلك مفارقة تبين أنها مدمرة. هناك من يمارس الطائفية عملا وعلنا. في المقابل هناك من يتفادى مواجهته بذلك خوفا من تهمة الطائفية. إنها وطأة ثقافة موروثة منذ قرون. وإلا إذا كانت الطائفية هي مصدر الإرهاب، فالطائفية كما كانت في الماضي لا تزال معادلة اجتماعية سياسية ، وليست أي شيء آخر. وبما هي كذلك فإنها تقوم على أكثر من طرف. وبالتالي كما أن هناك إرهابا سنيا ، هناك إرهاب شيعي . والفرق أن الإرهاب السني لا ترعاه دولة سنية ، بل إنه يستهدف هذه الدول. أما الإرهاب الشيعي فترعاه وتدعمه علنا إيران التي هي من تعرف نفسها بأنها دولة شيعية. كان الأمر واضحا. ليس المطلوب محاربة السني أو الشيعي. هذا لا يجوز لأنه اعتداء على حق الاختلاف والتعدد الفكري والمذهبي. المطلوب هو محاربة السني أو الشيعي الذي يريد تحويل الانتماء المذهبي إلى عملية سياسية يفرضها على الجميع، عملية ذات حدود وأهداف مذهبية، وضدا على مفهوم الدولة. بهذا المعنى فإن محاربة الإرهابي السني من دون الشيعي، أو العكس، هي تكريس للمذهبية والطائفية ، وليس تفاديا لها كما يظن البعض. ثم إن الموضوع أخطر من ذلك. لأن من يريد فرض هذا الأمر على الجميع دولة كبيرة ، وليس أفرادا أو تنظيمات سائبة . من هنا تأتي أهمية تغير الموقف السعودي من هذا الموضوع . وهو تغير يعد بأن يكون منطلقا لتغير الخطاب السائد عن الإرهاب، واستبداله بخطاب أقرب إلى واقع حال هذه الظاهرة، وأكثر صلاحية وفعالية لإخراج المنطقة من قبضة المفارقة المدمرة. سيقال الكثير عن زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب السعودية والقمة العربية الإسلامية- الأميركية التي التقى فيها قادة وممثلو 55 دولة عربية وإسلامية مع الرئيس الأميركي في العاصمة السعودية. فهذه القمة برمزيتها تؤشر إلى حجم التغير الذي يعتمل في المنطقة . فحتى عهد قريب كان مجرد التفكير في عقد لقاء بهذا الحجم مستبعدا وخارج التداول السياسي . ومع ذلك ، يبقى الأهم ، أن هذه القمة أفسحت المجال لبروز خطاب مختلف عن الإرهاب. ما هو الخطاب المختلف ؟ هو الذي ينظر إلى الإرهاب كظاهرة سياسية أشمل وأخطر من أن يتم اختزاله في تنظيم ، أو مذهب، أو دين من دون غيره. كما أنه خطاب يدرك أنه بمقدار ما أن هناك متضررين كثرا من ظاهرة الإرهاب ، هناك من يوظف الإرهاب بوعي مسبق لمصالح ومآرب سياسية معلنة أحيانا، ومضمرة أحيانا أخرى. يتميز هذا الخطاب المختلف عن الخطاب السائد في أن هذا الأخير يختزل الإرهاب في تنظيم بعينه بحسب المرحلة التي يتخلق فيها سياسياً. يحصل هذا ليس فقط لمصالح وحسابات سياسية ، بل ولمرئيات وقناعات فكرية وسياسية لدى البعض . كما أنه يحصل لمآرب وأهداف انتهازية لدى البعض الآخر. حتى عهد قريب كان تنظيم القاعدة هو رمز الإرهاب ، بدايته ومنتهاه . كان يقال إنه إذا تم القضاء على القاعدة ، فلن يكون هناك إرهاب. هكذا سارت الحرب على هذه الظاهرة السياسية. جندت لها كل الإمكانات والموارد السياسية والأيديولوجية والعسكرية والبشرية والمالية. ثم بعد أكثر من ربع قرن لم تنجح الحرب في القضاء على القاعدة. قتل زعيمها، كما الكثير من قادتها. لكن التنظيم لا يزال معنا. لم يلتفت قادة الحرب على الإرهاب، وتحديدا الأميركيين قبل غيرهم، إلى دلالة أنه في أيامنا هذه ، وتحديدا منذ 2014 ، حل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الخطاب السائد ذاته محل القاعدة. ومرة أخرى بات القضاء على داعش (وليس القاعدة) هو البوابة الوحيدة للقضاء على الإرهاب. الأنكى مت ذلك أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد. لم تعد القاعدة وحدها سيدة الساحة كما كانت من قبل. أصبحت المنطقة، وتحديدا منذ 2003، تعج بمئات الميليشيات الإرهابية ، من مشرق العالم العربي حتى مغربه. في هذا دليل واضح ودامغ على فشل ما يسمى بالحرب على الإرهاب. ما الذي يمكن أن يعنيه كل ذلك ؟ يعني أن العالم ، بشقيه الشرقي والغربي، مسكون بعارض الإرهاب – القاعدة أو داعش أو غيرهما- بدلا من ظاهرة الإرهاب ذاتها ، طبيعتها وجذورها. والمدهش أن أحدا لم يسأل نفسه السؤال الأهم في مثل هذه الحال : كيف ولماذا حل داعش محل القاعدة بعد حرب على الإرهاب تمتد الآن لأكثر من ربع قرن؟ ولماذا الانجرار وراء تيار الأحداث وتحولاتها على هذا النحو البائس بفشله وتخبطاته ؟ هل أن هزيمة داعش والقضاء عليه ستنتهي إلى نتيجة مختلفة عما انتهت إليه الحرب على القاعدة قبل ذلك، بالمرئيات ذاتها والأدوات عينها؟ هزيمة داعش ستتحقق. بل من الممكن القضاء عليه. لكن ماذا بعد ذلك؟ ماذا سيفعل العالم بالميليشيات الإرهابية الأخرى؟ لا أحد يعرف. لا تمكن الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها بالرؤى والأدوات التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه الآن . لا بد من شيء مختلف يتجاوز اختزال الإرهاب في هذا التنظيم أو ذاك ، في هذا المذهب أو غيره . هذا ما يفعله الأوروبيون والأميركيون بدعوى أن الذي يستهدفهم هو الإرهاب السني وليس الشيعي . لم يعيروا اهتماما لحقيقة أنه بات للإرهاب تاريخ. فإذا كان مصدر الإرهاب في مرحلة القاعدة هو صراع الشرق والغرب ، أو الإسلام والغرب ، فإن مصدره الرئيسي في مرحلة داعش هو الطائفية. ولذلك يلاحظ أن أغلب العمليات الإرهابية في المرحلة الأولى كانت تقع خارج العالم العربي. أما في مرحلة داعش فإن أغلب هذه العمليات يقع داخل العالم العربي. بل تحول الإرهاب في هذه المرحلة إلى حروب أهلية مدمرة . وهو ما كان يقتضي أن تكون الطائفية أساس مفهوم الحرب على الإرهاب قبل أي شيء آخر. ليس من الممكن القضاء على الطائفية قضاء مبرما. لكن من الممكن جدا تحييدها ، وإخراجها من التداول ، وتعطيل مفاعيلها كمصدر للإرهاب. وبما أن إيران هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تعرف نفسها وتحدد هويتها دستوريا على أساس طائفي، وانطلاقا من ذلك ترسم سياساتها الخارجية ، وتجعل من الميليشيات الطائفية رافعة لدورها الإقليمي ، فإن الأمر يقتضي في هذه الحال مواجهتها بذلك. من حق إيران أن تعرف نفسها ، وأن تحدد هويتها بالشكل الذي تراه. لكن ليس من حقها أن تتعامل مع جيرانها انطلاقا من هذا التعريف ، وإنما من كونها دولة تنتظم في علاقات دولية مع دول أخرى. كما أنه ليس من حقها وفقا لمبادئ الجوار، وقبل ذلك وبعده وفقا للقانون الدولي ، أن تستخدم ميليشيات مذهبية لمد نفوذها في المنطقة، وجعل الطائفية، والتحالفات المذهبية أساسا لمصالح دول المنطقة، وللعلاقة في ما بينها. ولأنها بذلك تمارس لعبة خارج حدود النظام الدولي ، فهي تنفذ سياسات مدمرة لمفهوم الدول والأوطان. من هنا تأتي أهمية خطاب الرئيس دونالد ترامب ، ومضامين إعلان الرياض، لتدشن لما يمكن اعتباره خطابا مختلفا . فالسعودية ومن خلال خطاب الملك سلمان الذي تحدث بصراحة مباشرة وغير مسبوقة عن النظام الإيراني وموقعه ودوره في ظاهرة الإرهاب التي على خلفيتها التأمت القمة. يقول الملك: «إننا جميعا شعوبا ودولا نرفض… فرز الشعوب والدول على أساس ديني أو طائفي، وما هذه الأفعال البغيضة إلا نتيجة محاولات استغلال الإسلام كغطاء لأغراض سياسية تؤجج الكراهية والتطرف والإرهاب، والصراعات الدينية والمذهبية كما يفعل النظام الإيراني والجماعات والتنظيمات التابعة له ». هذا النظام، يقول الملك: «يشكل رأس حربة الإرهاب العالمي….». في السابق كانت السعودية ، مثل بقية الدول العربية ، تجامل النظام الإيراني ، لأسباب سياسية وحساسيات دينية. كانت تتفادى مواجهة النظام الإيراني بحقيقة ومخاطر ما يفعله. وكان هذا النظام يستغل هذا الصمت، وتلك المجاملة، في الإيغال بتنفيذ سياساته اعتمادا، كما يبدو، على أن لا أحد سيجرؤ على مواجهته تفاديا لتهمة الطائفية. وفي ذلك مفارقة تبين أنها مدمرة. هناك من يمارس الطائفية عملا وعلنا. في المقابل هناك من يتفادى مواجهته بذلك خوفا من تهمة الطائفية. إنها وطأة ثقافة موروثة منذ قرون. وإلا إذا كانت الطائفية هي مصدر الإرهاب، فالطائفية كما كانت في الماضي لا تزال معادلة اجتماعية سياسية ، وليست أي شيء آخر. وبما هي كذلك فإنها تقوم على أكثر من طرف. وبالتالي كما أن هناك إرهابا سنيا ، هناك إرهاب شيعي . والفرق أن الإرهاب السني لا ترعاه دولة سنية ، بل إنه يستهدف هذه الدول. أما الإرهاب الشيعي فترعاه وتدعمه علنا إيران التي هي من تعرف نفسها بأنها دولة شيعية. كان الأمر واضحا. ليس المطلوب محاربة السني أو الشيعي. هذا لا يجوز لأنه اعتداء على حق الاختلاف والتعدد الفكري والمذهبي. المطلوب هو محاربة السني أو الشيعي الذي يريد تحويل الانتماء المذهبي إلى عملية سياسية يفرضها على الجميع، عملية ذات حدود وأهداف مذهبية، وضدا على مفهوم الدولة. بهذا المعنى فإن محاربة الإرهابي السني من دون الشيعي، أو العكس، هي تكريس للمذهبية والطائفية ، وليس تفاديا لها كما يظن البعض. ثم إن الموضوع أخطر من ذلك. لأن من يريد فرض هذا الأمر على الجميع دولة كبيرة ، وليس أفرادا أو تنظيمات سائبة . من هنا تأتي أهمية تغير الموقف السعودي من هذا الموضوع . وهو تغير يعد بأن يكون منطلقا لتغير الخطاب السائد عن الإرهاب، واستبداله بخطاب أقرب إلى واقع حال هذه الظاهرة، وأكثر صلاحية وفعالية لإخراج المنطقة من قبضة المفارقة المدمرة.