في الوقت الذي يقف فيه العالم إجلالا و إكبارا للأطقم الطبية باعتبارها حائط الصد الأول ضد فيروس كورونا، وتعلو فيه عدة أصوات تدعو لإعادة الاعتبار للعلماء وفي مقدمتهم الإطار الطبي الذي يمارس مهنة نبيلة تقوم على خدمة وحماية الإنسان بدل الاهتمام بمشاهير لا يقدمون أدنى خدمة للبشرية، تفاجأ الرأي المحلي بطنجة بصدور قرار من المندوبية الجهوية للصحة يقضي بطرد ممرض يشتغل ضمن فريق طبي يستقبل الحالات المصابة بكورونا، من أحد الفنادق التي خصصت لغرض استقبال المرضى. ويبدو أن ما أثار حفيظة المندوبية الجهوية للصحة لتقدم على هذا القرار، هو تدوينة كتبها الممرض ينتقد فيها سوء الوجبات الغدائية المقدمة للعاملين والمشتغلين بالجهاز الطبي بالمدينة. الملاحظ في هذا السلوك البيروقراطي أن بلادنا للأسف لم تبتل بفيروس كورونا الذي يهاجم مناعة ورئة الإنسان فحسب، إنما أيضا سلط عليها منذ مدة فيروس أخر بدوره مميت، لكنه يميت الإرادة والحس النقدي لدى الإنسان، يمكن أن نصفه بالبيروقراطية المقيتة، التي للأسف لا ترحب إلا بالأراء الغارقة في النمطية. هذا الفيروس الجديد القديم الذي يعشعش في عقول البعض، لا تصلح مواجهته عبر طرق التباعد الاجتماعي، أو من خلال الأدوية التي ترفع قوة ومناعة الإنسان، إنما من خلال حملات التضامن مع ضحايا الإقصاء، وكذلك باستحاضر النماذج المشرفة التي تقبل أراء الناس، كما هو الحال مع رئيسة وزراء بلجيكا التي تقبلت بكل روح رياضية الاحتجاج الذي قامت به الكوادر الطبية حينما اختارت أن تدير ظهرها للمسؤولة الحكومية أثناء قدومها لأحد المستشفيات، كسلوك احتجاجي على السياسات التي اختارتها الحكومة في قطاع الصحة. متى نقتنع نحن المغاربة أن النقد والاختلاف أمر محمود في المجتمع وضروري لتطوره، فالمجتمع الذي لا يربي على النقد يكون مصيره الجمود والتوقف والفناء، فالمجتمع لا يمكن أن يعيش على الاتفاق وحده، لابد أن يكون فيه شيء من الاختلاف ليتقدم، ألم يشبه عالم الاجتماعي العراقي علي الوردي المجتمع الذي يرفض حاسة النقد بالإنسان الذي يربط إحدى قدميه فلا يقدر على السير، ومن تم يصيبه التدهور والفناء. وهذا هو واقعنا بالضبط للأسف.