تم صباح يوم الاثنين 28 أكتوبر 2019 بمقر جهة طنجةتطوانالحسيمة انتخاب المكتب المسير الجديد للجهة بعدما تقدم رئيسها السابق الياس العماري والأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة باستقالته من أعلى رأس الهرم بعد فترة بلوكاج طويلة مست جميع المستويات إلى أن انتهى به المسار إلى بلوكاج داخلي من طرف الأحزاب المشكلة لأغلبيته، وذلك ما ذكرنا بما وقع في وقت سابق للامين العام السابق لحزب العدالة والتنمية الأستاذ عبد الإله بن كيران وان كان في مستوى أعلى عند تكليفه بتشكيل حكومته الثانية مع الأحزاب التي كانت ضمن أغلبيته الحكومية المحتملة، غير أن اليلوكاج الذي واجهه تسبب في إعفائه في نهاية المطاف. وهذا البلوكاج الذي تسبب في إعفاء الأستاذ بنكيران من مهمة تشكيل الحكومة، خلق نقاشات واسعة داخل الحزب كادت أن تعصف به وتدخله في متاهات الانشقاق والانشطار إلى نصفين على الأقل، لولا أن قيادة الحزب دبر ت المرحلة بنسبة كبيرة من الحكمة وبنصيب اكبر من الرزانة ، وحافظت على وحدته إلى محطة المؤتمر الوطني الثامن، والذي بالرغم من التقاطب الحاد الذي عرفه إلا أنه خرج موحدا وراء توجهات المرحلة التي نصت على : ” العمل على تجاوز تداعيات المرحلة السابقة من خلال امتلاك قراءة جماعية وتقييم شامل للمرحلة الفاصلة بين المؤتمرين السابع والثامن وخاصة المرحلة التي أعقبت مرحلة ما بعد انتخابات السابع من أكتوبر”، وتحت سقف بلاغ المؤتمر الذي دعا إلى: “إطلاق حوار سياسي داخل مؤسسات الحزب من أجل قراءة جماعية للمرحلة وترسيخ ثقافة سياسية مشتركة في التعاطي مع المتغيرات، وتقييم شامل للمرحلة الفاصلة بين المؤتمرين السابع والثامن”. هذا الحوار الداخلي الذي أطلقه حزب العدالة والتنمية شارك فيه ما يزيد عن مائة مشارك على المستوى الوطني إضافة إلى عدد كبير على المستوى الجهوي والإقليمي، ينتمون إلى مختلف الفئات والحساسيات والهيئات والروافد المشكلة لتنظيم الحزب وعلى مراحل، ابتداء من ندوات الحوار الوطني إلى الجهوي إلى الإقليمي، وعلى مدة زمنية كافية لإعطاء المسافة اللازمة من الأحداث التي تسبب في الإعفاء الذي ذكرناه آنفا، وحدد له الحزب غايات ثلاث، وهي: ترسيخ ثقافة سياسية مشتركة في التعاطي مع المتغيرات، وبلورة قراءة جامعية للمرحلة، وإجراء تقييم شامل لأداء الحزب بين المؤتمرين السابع والثامن. اليوم، وبعد هذا المسار الطويل زمنيا والمساحة الواسعة تداوليا، وبعد عمل مؤسساتي جاد ومسؤول ، خرج الحوار الوطني بتقرير تركيبي مهم لندواته وكذلك بخلاصات وتوصيات واضحة لأشغالها، ومن أهمها ما سجله تحت عنوان: “تدبير التحالفات: دروس وعبر”، وهي ما اعتقد أن لها علاقة مباشرة بما وقع هذا اليوم من تحالف للعدالة والتنمية مع عدة أحزاب من بينها أو على رأسها حزب الأصالة والمعاصرة . والفقرة المهمة في نظري التي سجلت تحت عنوان تدبير التحالفات جاءت كالتالي: ” ومع أن الحزب في تدبيره للتحالفات والأغلبيات يحرص تمام الحرص على أن يبقى وفيا لنهجه السياسي وعنايته بإعطاء هذه العملية المعنى الديمقراطي من منطلق الوضوح والمصداقية، إلا أن واقع تدبير هذا الأمر يدفع الحزب في الكثير من الأحيان إلى صياغة توافقات تبدو للعديد من أبناء الحزب وعموم المواطنين توافقات صعبة، ولكنها تخضع لضرورات التدبير الذي يراعي إكراهات الواقع وتقاطع استراتيجيات الفاعلين فيه، وذلك لاستبعاد احتمالات تهميش الحزب وإقصائه التي لن تصب إلا في صالح مناوئي مشروع الحزب في الإصلاح والدمقرطة.” فإذن دخول العدالة والتنمية في تسيير وتدبير شؤون جهة طنجةتطوانالحسيمة يأتي في إطار تعاطيه مع المتغيرات وتحدياتها واستبعاده لاحتمالات تهميشه وإقصائه والتي لم يعد يراها احتمالات بل أصبح يراها أمامه واقعا ملموسا طيلة الفترة السابقة من عمر المجلس وكذلك خلال الفترة التي أعقبت استقالة رئيس المجلس في إطار مشاورات تشكيل الأغلبية الجديدة القديمة المسيرة لمجلس الجهة في ما تبقى من عمر المجلس. ولعله مما نتج عن هذا الدخول المفاجئ للبعض من المنتمين للأطياف السياسية المشكلة للمجلس والتي بنت إستراتيجية تحالفاتها على استحالة خضوع العدالة والتنمية لضرورات التدبير الذي يراعي اكراهات الواقع المكون للمشهد السياسي بالجهة واستبعاد صياغتها لتوافقات جديدة تبدو لأبناء حزبها وعموم المواطنين الداعمين لها توافقات صعبة، ما صاحب ذلك البعض خلال هذه الانتخابات من دهشة وحسرة بعد فقدانها للمواقع التي كانت محسومة عندها، متناسية ما كان سيضطر إليه حزب العدالة والتنمية من تعايش مع التهميش والإقصاء خلال ما تبقى من عمر المجلس. وحري بنا كذلك أن نعرج على فقرة ثانية من نفس العنوان لمزيد من الفهم لما أقدم عليه حزب العدالة والتنمية اليوم من خطوات في تدبيره لتحالفاته في مجلس جهة الشمال وفي القادم من التحالفات خلال الاستحقاقات المقبلة: “إن تدبير العمليات التفاوضية لبناء التحالفات وتشكيل الأغلبيات، في ظل الوعي بمقومات وسمات النظام الانتخابي ووضعية التعددية الحزبية الوطنية، هو تدبير معقد يلزمه استحضار العديد من المعطيات واستقراء الكثير من المؤشرات الظاهرة والمستترة، واستشراف مجريات الوقائع وتوجهات الفاعلين واستباقها بسياسات مبدئية ومرنة وعملية، تمكن من الحضور الفاعل في نطاقات التأثير المبادر لخدمة مسار الإصلاح والتنمية والعدالة. ” فالعدالة والتنمية مستقبلا، ستدبر تفاوضات تحالفاتها وتشكيل أغلبياتها في وعي تام بمقومات وسمات النظام الانتخابي التعددي، وفي استحضار لكافة المعطيات الظاهرة والمستترة، مع ما يستلزم كل ذلك من استشراف واستباقية وما يصاحب ذلك من مبادرة ومرونة خدمة لمسارها في الإصلاح والتنمية والعدالة، فهذا الحزب لن يفسح لمنافسيه مزيدا من المساحات التي يستغلها خصومه في تكريس وضعية إقصائه وتهميشه وجعله دائما خارج المشهد السياسي، وفي المقابل كذلك إذا وجد الحزب نفسه في أوضاع عادية تحترم نتائج الاستحقاقات الانتخابية فأكيد سيعمل بما استقر عليه منهجه في الإصلاح القائم على خيار المشاركة الإيجابية ومبادئ التدرج والتراكم والتعاون والشراكة مع الفاعلين والفرقاء. ختاما، أظنني قد قدمت بعض الخلفيات التي تحكمت في إنتاج وإخراج سيناريو تحالفات حزب العدالة والتنمية بالشكل الذي عايناه خلال مجريات انتخابات جهة الشمال والتقديرات التي تحكمت في سلوك أعضائه في تدبيرهم لهذه المرحلة، وكيف دبر حزبهم بالأمس القريب مؤسساتيا مرحلة بلوكاج تشكيل الحكومة وما ترتب عنها من إعفاء للأستاذ عبد الإله بنكيران، في المقابل تبقى كيفية تدبير الياس العماري لتداعيات استقالته على المستوى الشخصي سؤالا عالقا، وكيف سيتعامل أعضاء حزبه مع نتائجها حالا ومستقبلا على مستوى الحزب ككل سؤالا مطروحا بقوة، وكيف ستدبر الأصالة والمعاصرة خلافاتها الداخلية وهي مقبلة على مؤتمرها الوطني؟ وهل سينجح البام في تجاوزها والحفاظ على وحدته كما نجحت العدالة والتنمية ؟ ستظل أسئلة جوهرية !!! (*) كاتب محلي لحزب العدالة والتنمية بمقاطعة بني مكادة