وأنت تذكر اسم ‘‘عبد الإله ابن كيران'' يجول في خاطرك مواقف لم تر قط مثيلا لها لدى السياسيين بالمغرب، وتتبادر إلى ذهنك عبارات دخلت لأول مرة إلى القاموس السياسي المغربي، من قبيل ‘‘التماسيح''، ‘‘العفاريت''، ‘‘مسامير الميدة''، ‘‘التحكم''، وغيرها من المصطلحات والأساليب غير المألوفة في الخطاب السياسي المغربي لشرح تدبير الشأن الحكومي، وواقع الحياة الحزبية، كل هذه الأمور حببت للصغير قبل الكبير مُتابعة الشأن العام والسياسة عموما وصالحت فئة كبيرة من الشعب المغربي مع السياسة. وأنت تذكر اسم ابن كيران، تتذكر انتفاضته في وجه أعداء الديمقراطية وخصوم الإرادة الشعبية، وجيوب المقاومة، في جلسات المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة بالبرلمان، التي شهدت نسبة متابعتها عبر القناة الأولى الرسمية ارتفاعا مهولا، حيث يتابعها عموم الشعب بشغف كبير في القرى والمداشر والمدن وحتى خارج الوطن، بشكل جماعي بالمقاهي والبيوت كما لو أنهم يتابعون إحدى مباريات ‘‘الكلاسيكو '' بين الغريمين ‘‘الريال وبرشلونة''، بعدما كان الناس لا يعيرونها أي اهتمام في عهد الحكومات السابقة. طبع ابن كيران المشهد السياسي بالمغرب بطابع خاص، أحس المغاربة أخيراً أن لهم مسؤولا يتكلم لغتهم بعيداً عن لغة الخشب التي اعتادوا عليها لدى الغالبية العظمى من السياسيين المغاربة، يفكر تفكيرهم، يحزن لحزنهم ويفرح لفرحهم، مسؤول سياسي وحكومي يشبههم وجدوا فيه أخيراً ضالتهم، يقصدونه ببيته ويستجيب لهم، ويلتقون به دون وساطات، يتصلون به ويجيبهم بنفسه دون بروتوكول ويقضي حاجتهم متى تسنى له ذلك. شكّل الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس أول حكومة ما بعد دستور 2011، رمزا للديمقراطية وحماية الإرادة الشعبية، حيث دافع باستماتة على استقلالية القرار الحزبي، واحترام إرادة الشعب وعلى من يصوتون عليه، وكذا على كرامة الشعب المغربي، وعمل على حماية توجهاته واختياراته الانتخابية، كما دافع على مؤسسة ''رئاسة الحكومة'' وجعل الناس يهتمون بها، لدرجة ارتبط اسمه بمنصب رئيس الحكومة، وهنا تحضرني قصة الطفلة التي تساءلت غداة تعيين الدكتور سعد الدين العثماني رئيسا للحكومة مكلفا بتشكيلها خلفا لابن كيران، بقولها ''واش دابا العثماني غادي يرجع هو ابن كيران؟'' سؤال بريء لطفلة بريئة يجسد مدى الأثر الذي تركه الرجل في قلوب أبناء الشعب. صدق ابن كيران مع نفسه وحزبه والمواطنين، حتى ملك قلوبهم ووقتهم وعواطفهم وأصواتهم، حتى في أقاصي الجبال، حينما سئل أحد الشيوخ عن ميله الانتخابي يوم الاقتراع إذا كان سيصوت لصالح مرشح العدالة والتنمية، أجاب بكل ثقة ''لا، لحزب ابن كيران''، قصة هي الأخرى تعبر عن شعبية ابن كيران التي تنامت بشكل غير مسبوق، لم يعهده المغاربة، فالمعروف والمتداول بالمغرب، أن التدبير يأكل من رصيد شعبية الحزب المسير ورئيسه، إلا في حالة ابن كيران وحزبه حيث تزايد عدد الوافدين الراغبين في الانخراط التنظيمي في حزب المصباح بعد التجربة الحكومية، وكذا ارتفع عدد الحاضرين إلى المهرجانات الخطابية التي يؤطرها ابن كيران. تحوّل ابن كيران من زعيم حزب سياسي، إلى زعيم وطني كسب قلوب المئات الآلاف من المغاربة بمختلف مشاربهم وفئاتهم، وسيسجل التاريخ السياسي اسمه بمداد من ذهب بكل فخر وعزة وشموخ إلى جانب علال الفاسي وامحمد بوستة وغيرهم..، وبإعفائه يكون المغرب قد فقد رئيس حكومة من طينة الزعماء الكبار الوطنيين والغيورين، همهم أولا وأخيراً هو الشعب، يستمدون قوتهم منه وينحازون إليه، وسيشهد التاريخ أنه الرجل الذي لم يقبل تشكيل حكومة على المقاس يكون فيها مجرد رئيس صوري، وسيشهد أيضاً بأنه أول رئيس حكومة بنفس معارض.