الموت نهاية كل شيء، نهاية الحياة، والحلم، والاحتجاج وبيع السمك... كل شيء ينتهي بموت الانسان، وتكون النهاية مثيرة وغريبة حين تأتي بين كماشات شاحنة لنقل النفايات.... يكون حينها الموت بطعم الموت، وبطعم الغصة التي تقف في حنجرة مترددة بين الانتحار والنحر... هي ليست مسألة معزولة، ولن تكون كذلك حين تتكرر في كل ممارسة حقيقية لمعنى السلطة كما يففهما الذين يمارسونها، وهي ليست معزولة لأن المسؤول الصغير يستحضر تعليمات رؤساءه بطحن المواطن المغلوب على أمره وأن لا يلتفت لثقافة حقوق الانسان، لأن هذه الثقافة موجهة إلى الخارج، نؤثث بها موائد طلب القروض ونزين بها فضاءات الكوب22 ونرصع بها دفاعنا على قضية الصحراء التي نخسرها يوما عن يوم بفعل هذا الفهم الغبي لحقوق الانسان... منذ سقوط الشهيد كريم العماري، وقبله احتراق شباب بوكالة إحدى البنوك إثر مسيرة عشرينية مرورا بكريم لشقر وابراهيم صيكا وغيرهم من شباب احتجوا وحلموا وعبروا عن رغبتهم في أن يكون لنا وطن آخر غير الذي يحتقرنا ويطحننا، منذ ذلك الحين ودولة الواجهة تتغول بدعم من أشباه مناضلين باعوا أرواحهم إلى شيطان الظلم مقابل مناصب في مجالس صورية وسفارات لا يجيدوا لغة البلاد التي يعينون فيها وصفقات في قطاعات حساسة وغيرها... كل ذلك مقابل تسويق الوهم داخل البلاد وخارجها... الأخبار الواردة من هناك تفيد أن القتيل محسن فكري اقتنى كمية السمك من المرسى، وهو فضاء مقيد بضوابط وقوانين محددة، لا يمكن الخروج من بابه، أي المرسى، دون الإدلاء بما يفيد قانونية الشحنة، وكان على محسن فكري أن يقف في هذا الباب وأن لا يخرج منه لو لم تكن شحنته قانونية.... وهو في الشارع، وتم توقيفه من طرف شرطة المرور، رقيب أو عقيد لا يهم، وتم الوقوف على لاقانونية الشحنة، مع ادلاء الفقيد بما يفيد اقتناءه إياها من المرسى، لأنه خارجه الآن، كان عليهم أن يستدعوا المسؤول عن هذا البيع، ويحرروا مخالفة ضده، ويمكنوا محسن فكري من ماله الذي صرفه في هذه البضاعة... وأخيرا، حتى والشحنة غير قانونية، هناك إجراءات إدارية محددة لكل حالة معينة، ولا نعتقد أن في القانون ما يستوجب استدعاء شاحنة القمامة وأمر العمال بإلقاء البضاعة فيها، وطبعا ليس هناك في القانون ما يسمح لمسؤول أمني أن يأمر سائق الشاحنة "بطحن ديمو"... الأحداث السالفة الذكر ليست معزولة بل تتكرر في حالات عديدة، وعدد لا يستهان به من رجال السلطة وهم يواجهون باعة متجولين محتجين ومهددين بإحراق ذواتهم يجيبنهم: واش نشري ليك ليصانص؟ أو كب ليصانص على راسك والولاعة من عندي... هي ثقافة الاحتقار اتجاه المواطن التي تعشش في تربية وسلوك وعقلية رجال السلطة وهي ثقافة يشجع عليها من أعلى مستوى في السلطة للأسف الشديد. ما وقع بالأمس في الحسيمة يساءلنا جميعا، باسم التاريخ الذي سنتركه للأجيال ونحن نراهن على استقرار طبقي تطحن فيه الفئات الضعيفة والفقيرة في غياب آليات تنظيمية وأحزاب قوية قادرة على قيادة تغيير نحو دولة الحق والقانون، ونحو فرض ثقافة حقوقية حقيقية، ونحو عيش المواطن بكرامة وعزة نفس... دون أن نكون محكومين بمن "سيطحن دين منا"