تُعتبر فلتات اللسان وزلات القلم، في التحليل النفسي، ترجمة أمينة لما تُكنّه النفس الانسانية من إحساس وشعور واعتقاد حقيقي؛ وهي كثيرة الحدوث "متى كان الانسان متعباً أو به صداع، أو على وشك أن تأخذه نوبة من نوبات وجع الرأس" كما يُوضح سيجمود فرويد ذلك في كتابه: " مدخل إلى التحليل النفسي". كل هذه المواصفات تنطبق على السيد وزير الداخلية المغربي ليلة الاعلان عن النتائج الرسمية المؤقتة لاقتراع 07 أكتوبر من السنة الجارية. لقد بدا الوزير، فعلاً ، متعباً وهو يتلو بيان النتائج ، وهو البيان الذي ختمه بتوجيه اللوم لحزب العدالة والتنمية الفائز لكونه قام بما يفيد تشكيكه في نزاهة الانتخابات وعدم ثقته في مؤسسات الدولة بما في ذلك وزارة الداخلية. طبيعي أن يكون السيد الوزير متعباً؛ لقد أتعبه العمل المضني الذي تتطلبه مهمة إدارة عملية الانتخابات التي عُهد إليه بالإشراف عليها. لكن ما زاد من تعبه تلك المهام الاضافية من مناورات وخطط للحيلولة دون تصدّر حزب العدالة والتنمية لنتائج الانتخابات، وهو الخبر الذي سارت بذكره الركبان. ولأنه فشل في مهمته هاته فقد بدا أمامنا متوتراً ومتبرماً حدّ ارتباك الخطاب. وقد تجسد ذلك في العبارة الحاسمة في كلمته، والتي كان ينتظرها الجميع إذ قال بالحرف: " ... أما على مستوى النتائج، فقد أسفرت عملية فرز وإحصاء الأصوات برسم الدوائر المحلية وعددها إثنان وتسعون على النتائج المؤقتة التالية (...): في المقدمة حزب "الأصا.. العدالة والتنمية ". الجملة الأخيرة من هذا المقطع من كلمة الوزير فلتة لسان لافتة أثارت انتباه الجميع. يقول فرويد: " إن فلتة اللسان التي تكون مُلفة للانتباه هي تلك التي يهفو فيها اللسان بعكس ما كان يريد النطق به تماماً". وهو قادم إلى مقر وزارة الداخلية لالقاء كلمته أمام الصحفيين والمنقولة مباشرة على الأثير، لاعلان خبر فوز حزب العدالة والتنمية بالاستحقاق الانتخابي للسابع من أكتوبر، لم يكن السيد وزير الداخلية يرغب في أن يزف هذا الخبر؛ بل كان يتمنى في قرارة نفسه أن تكون النتيجة خلاف ذلك. لقد نطق الوزير بعكس ما كان يريد النطق به؛ كان حاله كحال رئيس مجلس النواب، الذي تحدث عنه فرويد، والذي افتتح الجلسة بالقول: " سادتي، بالنظر إلى اكتمال النصاب، أعلن رفع الجلسة" بينما كان قصده افتتاحها. لم يكن رئيس مجلس النواب هذا يرغب في انعقاد هذه الجلسة ولا راغباً في تسييرها أو متحمساً لجدوى أشغالها. وهذا ما يفسر فلتة لسانه؛ لقد نطق، كما فعل الوزير حصاد، بعكس ما كان يرغب في النطق به. ولأنه يكره حزب العدالة والتنمية فقد نسي اسمه الذي يعرفه جيداً؛ فحين ينسى أحدهم اسم شخص يعرفه معرفة جيدة فمعنى ذلك أنه يضمر لحامل هذا الاسم بعض الضغينة، فلا يطيب له أن يفكر فيه. وهذا حال من ينسى باستمرار اسم الزوج السابق لزوجته . بناء عليه، فإن فلتات اللسان، تبعاً للتحليل النفسي، تنجم عن الاحساس بالكره الناتج بدوره عن تضارب قصدين مختلفين: الكراهية من جهة والحب من جهة أخرى. ربما كان الوزير يفكر في "العصا" عندما نطق "الأصا.."؛ لكن العبارة التي كان يحب النطق بها هي "الأصالة والمعاصرة"؛ الحزب الذي تم التعويل عليه، بدون جدوى، للعب وظيفة العصا للحيلولة دون تقدم عجلة "البجيدي" نحو الأمام.