لقد قام عدد من أعضاء جماعة الساحل الشمالي بتوقيع قائمة تحت مسمى "ملتمس" تطالب رئيس الجماعة بتقديم استقالته تطبيقا للمادة 70 من القانون التنظيمي 113.14، ليبدأ بعد ذلك سجال ونقاش بين العديد من المواطنين والفاعلين الجماعيين والمتتبعين لتدبير الشأن العام بالجماعات الترابية حول مصير رئيس هذه الجماعة بعد تقديم هذا "الملتمس"، وصار الكثير من الناس يتداولون فيما بينهم سؤالا واحدا، وهو هل سيتم إقالة رئيس جماعة الساحل الشمالي استنادا إلى المادة 70 من القانون التنظيمي 113.14 من قبل مجلس هذه الجماعة في دورة أكتوبر 2024؟ في هذا الإطار، تم الاتصال بي من قبل عدد من المواطنين والمسؤولين والمنتخبين للاستفسار عن مآل هذا الملتمس وطلب توضيحات بشأن حيثيات تطبيق المادة 70. ولما زادت هذه الاتصالات عن الحد اللازم، وكثرت طلبات التوضيح بشأن ذلك ارتأيت أن أنشر هذا الرأي المتعلق بحيثيات تطبيق المادة 70 من القانون التنظيمي 113.14 مع التركيز على حالة تقديم أعضاء جماعة الساحل الشمالي ملتمس مطالبة رئيس هذه الجماعة بتقديم استقالته راجيا من ذلك المساهمة في نشر قسط من المعرفة التدبيرية والثقافة الانتدابية بالجماعات الترابية ذات الصلة بهذا الموضوع، و تقاسمها مع كل من يهمه الأمر ولكل غاية مفيدة. تنص المادة 70 من القانون التنظيمي 113.14 على أنه بعد انصرام أجل ثلاث سنوات من مدة انتداب المجلس يجوز لثلثي الأعضاء المزاولين مهامهم تقديم ملتمس مطالبة الرئيس بتقديم استقالته، ولا يمكن تقديم هذا الملتمس إلا مرة واحدة خلال مدة انتداب المجلس. ويُدرج هذا الملتمس وجوبا في جدول أعمال الدورة العادية الأولى من السنة الرابعة التي يعقدها المجلس في حال رفض رئيس الجماعة تقديم استقالته. في حالة جماعة الساحل الشمالي، فقد تم توقيع هذا الملتمس من طرف 11 عضوا من أعضاء مجلس هذه الجماعة حيث تم إيداعه بقيادة سيدي اليمني يوم 2 شتنبر 2024 ليتم إرساله من قبلها إلى هذه الجماعة. وحيث إن الانتخابات الجماعية جرت يوم 8 شتنبر 2021 فإن هذا الملتمس قد احترم مدة انصرام أجل 3 سنوات من انتداب المجلس كما تنص على ذلك هذه المادة وفق تفسير مذكرة وزير الداخلية بتاريخ 4 أكتوبر 2018 حول " تطبيق مقتضيات المادة 70 من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات". كما احترم هذا الملتمس أيضا شرط ثلثي الأعضاء المزاولين مهامهم البالغ عددهم 11 عضوا من أصل 16 عضوا المزاولين لمهامهم. وعليه، فإن إصدار الرأي السديد بشأن قبول هذا الملتمس أو رفضه في ظل هذه المعطيات بقي رهينة لمسألتين مهمتين، أولهم مدى احترام هذا الملتمس الآجال القانونية بشأن تاريخ تقديمه وثانيهما خلوه من أي عيب شكلي، وعليه: فهل احترم هذا الملتمس الآجال القانونية المنصوص عليها في هذا القانون عند تقديمه؟ وهل تضمن هذا المتلمس عيوبا شكلية عند إعداده؟ 1. ما الآجال القانونية لتقديم هذا الملتمس؟ جاء في المادة 70 من هذا القانون أن هذا الملتمس يُدرج وجوبا كنقطة في جدول الأعمال لدورة أكتوبر 2024 في حال عدم تقديم الرئيس استقالته. وفي هذا الصدد، يُطرح سؤال جوهري: ما الأجل القانوني في الحد الأدنى الذي يتعين فيه إيداع هذا الملتمس احترامه قبل انعقاد دورة أكتوبر 2024؟ فهل هذا الأجل في الحد الأدنى هو على الأقل شهر قبل انعقاد هذه الدور أو عشرين يوما أو ثمانية أيام أو يوم واحد أو أي مدة أخرى؟ تشير مذكرة وزير الداخلية بتاريخ 4 أكتوبر 2018 حول تطبيق مقتضيات المادة 70 من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات إلى "إن التاريخ الواجب اعتماده هو تاريخ انعقاد الدورة ومدة انتداب المجلس وليس تاريخ تقديم الملتمس". بالتأمل الدقيق والتمعن العميق في هذه العبارة يتضح إن المقصود من " التاريخ الواجب اعتماده"، هو ما يلي: – إن مدة انتداب المجلس يجب مراعاتها عند تقديم هذا الملتمس في تاريخ معين (التاريخ الواجب اعتماده) لإدراجه كنقطة في جدول أعمال الدورة. مثلا لا يمكن تقديم هذا الملتمس في أي تاريخ كان من أجل إدراجه في جدول أعمال دورة ماي 2024 لأن مدة انتداب المجلس لم تتعد ثلاث سنوات عند تاريخ هذه الدورة (لأن تاريخ الانتخابات الجماعية هو 8 شتنبر 2021) ؛ – تاريخ تقديم الملتمس (التاريخ غير المعتبر وفق هذه المذكرة) في دورة أكتوبر 2024 ليس مشروطا بانصرام مدة ثلاث سنوات من انتداب المجلس، بل يتعين أن يكون قبل هذه المدة. مثلا يمكن أن يتم تقديم الملتمس في 1 غشت 2024، رغم أنه في هذا التاريخ لم تنصرم بعد مدة ثلاث سنوات ( لأن تاريخ الانتخابات الجماعية هو 8 شتنبر 2021). – إن تاريخ انعقاد الدورة (التاريخ الواجب اعتماده) يجب مراعاته عند تقديم هذا الملتمس باعتباره نقطة تُدرج في جدول أعمال دورة أكتوبر 2024 . مثلا لا يمكن تقديم هذا الملتمس بتاريخ 9 شتنبر 2024 لأن دورة أكتوبر 2024 تنعقد وجوبا في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر، أي ما بين 1 و 8 أكتوبر 2024 أكتوبر كما تؤكد ذلك المادة 33 من هذا القانون. وحيث إن هذا الملتمس هو عبارة عن أي نقطة تدرج في جدول الأعمال كما سلف ذكره، فإنه يجب إدراجها في هذا الجدول على الأقل قبل شهر كما تشير المادة 46 من هذا القانون، إذ تؤكد هذه المادة أن توجيه سؤال بشكل فردي، أو من قبل عدة أعضاء، إلى رئيس الجماعة لتسجيله أو إدراجه كنقطة في جدول أعمال أي دورة يجب أن يتم قبل شهر على الأقل من انعقادها. هذا، وتجدر الإشارة إلى أن القائلين بجواز تقديم هذا الملتمس في أي تاريخ قبل انعقاد دورة أكتوبر 2024 ولو قبل يوم واحد من هذه الدورة أو القائلين بضرورة انتظار انصرام ثلاث سنوات من انتداب المجلس لتقديم هذا الملتمس، أي بعد 8 شتنبر 2024 فقد وقعوا جميعا في خطأ. ذلك أن جدول الأعمال الذي يتضمن النقط المعروضة على أنظار المجلس (ومنها هذا الملتمس باعتباره نقطة في جدول أعمالها) يتعين وجوبا إخضاعه للمراقبة الإدارية القبلية من قبل والي جهة طنجةتطوانالحسيمة عامل عمالة طنجةأصيلة قبل مناقشتها من قبل أعضاء هذا المجلس كما يؤكد ذلك مفهوم المادة 115 من هذا القانون. ولإخضاع هذا الجدول لهذه المراقبة يتعين إرسال هذا الجدول وجوبا من طرف رئيس الجماعة إلى عمالة طنجةأصيلة على الأقل قبل 20 يوم من تاريخ انعقاد هذه الدورة كما تؤكد ذلك المادة 38 من هذا القانون. وبالتالي لا يستقيم قانونا – ولو نظريا- تقديم هذا الملتمس في أي تاريخ يتعارض مع مقتضيات المادتين السابقتين للذكر من هذا القانون بصرف النظر عن الشكليات الملزمة قانونا لذلك. بناء على ما سبق ذكره، فإن تقديم هذا الملتمس باعتباره نقطة في جدول الأعمال يجب أن يتم إيداعه بمكتب الضبط بالجماعة قبل شهر على الأقل من انعقاد دورة أكتوبر 2024. وحيث إن دورة أكتوبر تم تحديدها من قبل رئيس جماعة الساحل الشمالي بتاريخ 1 أكتوبر 2024 فإن تقديم هذا الملتمس بتاريخ 2 أكتوبر 2024 يعد خارج الآجال القانونية، وبذلك فقد كان آخر أجل لتقديم هذا الملتمس هو يوم الجمعة 30 غشت 2024 قبل 16:30 زوالا. 2. هل تضمن هذا الملتمس عيوبا شكلية أثناء إعداده؟ تشير المادة 40 من هذا القانون على أنه يمكن لأي عضو أو عدة أعضاء أن يقدموا لرئيس المجلس طلب إدراج نقطة في جدول أعمال الدورة بشرط أن تندرج ضمن صلاحيات هذا المجلس، وعليه فإنه يتعين وجوبا أن يتم إيداع هذا الملتمس بمكتب الضبط لهذه الجماعة وليس إيداعه لدى قيادة سيدي اليمني كما حدث من قبل الموقعين على هذا الملتمس على أساس أن تقوم هذه القيادة بإرساله للجماعة. ذلك أن إيداع هذا الملتمس في هذه القيادة عوض الجماعة يجعل منه مُوجها إلى جهة غير ذات الاختصاص وهو ما ستشير إليه هذه القيادة بالتأكيد بشكل ما في حال مراسلة رئيس الجماعة بشأن ذلك. كما أن إيداع هذا الملتمس من قبل الموقعين عليه لدى هذه القيادة من شأنه أن يؤدي إلى حدوث لبس وعدم تمييز بخصوص مصدر طلب إدراج نقطة في جدول أعمال الدورة، وهو والي جهة طنجةتطوانالحسيمة عامل عمالة طنجةأصيلة أو من ينوب عنه، ام غيره (هؤلاء الموقعين)، الشيء الذي يخالف روح مقتضيات المادة 39 من هذا القانون التي تشير إلى أنه يتم إدراج نقطة في جدول أعمال الدورة التي يتم إرسالها من قبل العامل أو من ينوب عليه قبل 8 أيام من انعقاد الدورة. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة أن الأصل هو إيداع هذا الملتمس بمكتب الضبط بالجماعة، وفي حال رفض تسلم هذا الملتمس من قبل هذه الجماعة بأي شكل من الأشكال، يمكن إثبات هذا الرفض عن طريق عون قضائي ثم تحرير محضر بشأن ذلك ثم مراسلة والي جهة طنجةتطوانالحسيمة عامل عمالة طنجةأصيلة بخصوص هذا المشكل (رفض رئيس الجماعة تسلم هذا الملتمس)، وبالتالي فإن الوالي سيلزم رئيس الجماعة بإدراج هذا الملتمس (إن كان مستوفيا لجميع الشروط) في جدول الأعمال، سواء من خلال مراسلة رسمية في الموضوع أو من خلال استصدار حكم قضائي عبر القضاء الاستعجالي. هذا، ويعد توجيه هذا الملتمس تحت إشراف السيد قائد قيادة سيدي اليمني أيضا عيبا شكليا لأن المراسلات الموجهة من القائد تحت إشرافه هي تلك المراسلات الواردة على القيادة من المؤسسات العمومية مثل العمالة وغيرها من المصالح اللاممركزة، وليس من أفراد ينتمون إلى جماعة ترابية معينة. وفي هذا الإطار، وجب التأكيد أن رئيس جماعة الساحل الشمالي هو في حل من أمره، إن شاء رفض التفاعل بشكل إداري مع هذا الملتمس المرسل إليه من قبل القيادة لأنه فاقد للاعتبارات الشكلية سالفة الذكر التي تظل ضرورية وملزمة قانونا، وان شاء تفاعل معها لكن دون التقيد بالشكليات الإدارية وأثارها القانونية. لكل هذه الأسباب أو جُلها، وفي جميع الأحوال فإن رئيس جماعة الساحل الشمالي سيرفض إدراج هذا الملتمس في جدول أعمال دورة أكتوبر 2024 دون أي حرج قانوني إن كان يرغب في الاستمرار في منصبه، لكنه ملزم بتقديم مبررات هذا الرفض يوم الدورة في 1 اكتوبر 2024 وفق المادة 40 من هذا القانون.