أصدر الدكتور محمد بلحاج الفحصي، مؤخرا إصداره الجديد حول موضوع أحكام ممارسة الدعوى المدنية ونظامها الإجرائي في التشريع المغربي. وعمل الدكتور على دراسة أحكام ممارسة الدعوى المدنية ونظامها الإجرائي في التشريع المغربي، من خلال بابين اثنين، وذلك قصد الإحاطة بالموضوع من جميع جوانبه، كما يلي : الباب الأول : التنظيم التشريعي للدعوى والطلبات والدفوع الباب الثاني : الأحكام وطرق الطعن والأوامر الاستعجالية فأما الباب الأول فقد تناول الكاتب فيه حول تأصيل الدعوى ونظامها الإجرائي من خلال البحث في الأحكام العامة للدعوى كتحديد مفهومها وطبيعتها القانونية، مع إبراز رأيه الشخصي بخصوص تعريف الدعوى، وأيضا من خلال تحديد خصائص الدعوى وإجراءاتها المسطرية، كالشكل الإجرائي الملزم لرفع الدعوى. كما تطرقت في هذا الباب إلى صور الدعوى المتمثلة في الطلبات، سواء الطلبات الأصلية أو العارضة، والدفوع بما فيها الدفوع الشكلية والموضوعية والدفوع بعدم القبول. وأما الباب الثاني فقد حاول فيه الكاتب من خلاله أن يدرس الأحكام وطرق الطعن فيها والأوامر الاستعجالية، من خلال التطرق لنظرية الأحكام (مفهوم الأحكام وأنواعها وشروط صحتها)، وطرق الطعن في الأحكام(طرق الطعن العادية وغير العادية) والمساطر الاستعجالية (الأوامر المبنية على طلب و مسطرة الأمر بالآداء وقضاء الأمور المستعجلة). كما حاول من خلال هذه الدراسة التطرق إلى أهم مستجدات مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية، وهو ما أظفى على هذا الكتاب صبغة الجدة والتميز ومواكبة المستجدات التشريعية… محمد بلحاج الفحصي، من مواليد 1983 بمدينة البوغاز، حاصل على الدكتوراه في القانون الخاص بميزة مشرف جدا مع إلزامية النشر من كلية الحقوق بطنجة، ويعمل مديرا لمجلة المتوسط للدراسات القانونية والقضائية. ملخص مقتضب للكتاب.. إذا كانت المسطرة المدنية هي مجموعة من القواعد التي تمكن من تنظيم إجراءات الدعوى، وضمان سير العدالة، وأنها هي الوسيلة القانونية التي تمكن الأشخاص من اللجوء إلى المحاكم المختصة، حيث لا يمكن تحريك قواعدها الإجرائية إلا بعد أن ترفع إلى المحكمة دعوى من الدعاوى، فإن الهدف الرئيسي لهذا القانون الإجرائي يتمثل في المحافظة على حقوق الأفراد إلى جانب الحقوق العامة، ولذلك فإن إيجاد وسيلة تكفل وتحقق هذا الهدف من الواجبات الأساسية التي تلتزم بها السلطة القضائية التي كلفها الدستور بإحقاق الحق، وإنصاف المعتدى عليهم والمظلومين، ومادام ممنوعا على الأفراد أن يدافعوا عن حقهم بعيدا عن اللجوء إلى القضاء، فإن القانون أوجد عدة وسائل لهذا الغرض بالذات تتمثل في الدعوى والطلبات والدفوع. فالدعوى كما هو معروف وسيلة قانونية قررها القانون للمطالبة بحق من الحقوق أمام القضاء، ولتكون مقبولة لابد من احترام مجموعة من الشروط واتباع جملة من الإجراءات. وتعتبر دراسة الدعوى من أهم المواضيع التي خاض فيها رجال القانون والفقه ولم يتمكن أحد من وضع تعريف دقيق وشامل لها، وهذا ناتج أساسا من اقتراب مفهومها من عدة مفاهيم قانونية مشابهة، ولعدم وضع التشريع لتعريف خاص بها، وكذا لارتباطها بالوسائل والإجراءات المتبعة أمام القضاء، وبمعنى مغاير نظرا لتأرجحها بين المفهوم المجرد للحق في الدعوى وبين حق ممارستها أمام القضاء. وعليه، فالدعوى هي الإجراء الذي يباشره المدعي والذي يتقدم من خلاله بطلب حماية الحق الذي يدعي التوفر عليه من طرف القضاء أو التقرير بوجوده، ويرتبط قبول الدعوى بتوفر العديد من الشروط كما سبق القول. وقد تكون الدعوى في صورة طلب أصلي أو افتتاحي، أو في شكل طلب إضافي أو مقابل يقدم أثناء النظر في الدعوى، وهذا هو الأصل والقاعدة، لكن في بعض الحالات قد يكون الشخص مدعى عليه، أو لم يتقدم بالدعوى بداية فيلزم الحفاظ على مصالحه وإعطائه فرصة الدفاع عن نفسه لتجنب الحكم عليه في الدعوى المرفوعة ضده، ولن يكون له ذلك إلا عبر ممارسة حقه في تقديم الدفوع سواء الشكلية أو الموضوعية أو الدفوع بعدم القبول، وذلك تحقيقا للعدالة والإنصاف، حيث مكن المشرع الإجرائي المغربي المدعى عليه من الدفاع عن نفسه إما بواسطة الدفوع الشكلية التي تتعلق بمسطرة الدعوى وإجراءاتها، أو عن طريق الدفوع الموضوعية التي ترتبط بموضوع وجوهر النزاع، وأخيرا عبر الدفوع بعدم القبول التي ترمي إلى إعلان عدم توافر الشروط اللازمة لسماع الدعوى، ومما لا يتعرض للدفوع المتعلقة بشكل الإجراءات من جهة ولا بالدفوع المتعلقة بأساس الحق المدعى به. وبما أن الدفوع بمجملها لا تبرز إلا من خلال الدعوى، فإن هذه الأخيرة هي الأداة القانونية التي حددها القانون للأشخاص لحماية حقوقهم، كما أنها مجرد رخصة أو حق وليست واجب. والشخص حر في استعمالها أو في عدم استعمالها، واستعمال الدعوى يبقى أمر اختياري لصاحب الحق. وتمر الدعوى بمجموعة من الإجراءات قبل الوصل إلى الحكم فيها، حيث تبتدئ بتقديم المدعي أو وكيله لمقاله الافتتاحي للدعوى أو بتصريح شفوي يدلي به المدعي شخصيا، حيث يعمد رئيس المحكمة إلى تعيين القاضي المقرر أو القاضي المكلف بالقضية الذي سيبت في النزاع ومناقشة الطلبات والدفوع المقبولة قانونا قبل أن تصبح هذه الدعوى جاهزة وموضوعا للتأمل أو المداولة وإصدار الحكم أو القرار الفاصل في النزاع بين الطرفين المتنازعين، وهي الغاية التي يهدف إليها المتقاضون من مباشرتهم الدعوى، ليبقى في الأخير تنفيذ هذا الحكم أو الطعن فيه، على أن هذه المراحل الأخيرة لا تتأتى مرة واحدة، وإنما يجب أن تمر عبر قواعد وإجراءات خاصة تخص الأحكام أهمها كيفية إصدارها وبياناتها وآثارها. وبمعنى آخر يجب أن تفضي كل دعوى إلى إصدار المحكمة التي تنظر في النزاع لحكم بشأنها، وهو ما نص عليه المشرع الإجرائي المغربي في الفصل الثاني من ق.م.م، ولا يستثنى من هذه القاعدة إلا الحالة التي يتم فيها التشطيب على الدعوى وفقا لمقتضيات الفصل 47 من قانون المسطرة المدنية. والحكم في مفهومه الواسع هو كل مقرر يصدر عن المحكمة التي تنظر في الدعوى سواء هم موضوعها أو مسألة قبولها أو كان مرتبطا بها بأي شكل من الأشكال. والأحكام ليست واحدة، بل هناك أنواع مختلفة ومتنوعة، كالأحكام الحضورية، والغيابية، والابتدائية، والأحكام الانتهائية، والحائزة لقوة الشيء المقضي به، والنهائية، والأحكام القطعية وغير القطعية، وسواء تعلق الأمر بهذا النوع من الأحكام أو ذاك فلا مناص من توافر عناصر أساسية تتجلى في الوقائع والحيثيات أو التعليل ومنطوق الحكم. ونظرا لكون القاضي يبقى إنسانا، ومسألة وقوعه في الخطأ أو السهو تبقى مطروحة، مما قد يؤثر ذلك على حقوق الأفراد ومصالحهم، من أجل ذلك شرع المشرع طرق الطعن ليتمكن المتضرر من الحكم من تدارك الخطأ وإرجاع حقه. وفكرة الطعن في الأحكام جاءت للتوفيق بين اعتبار الثبات والاستقرار من جهة، وبين اعتبار إزالة الخطأ من جهة أخرى، وبذلك تعتبر طرق الطعن الوسائل القضائية الاختيارية التي ينظمها القانون لمصلحة المحكوم عليه إذا أراد الاعتراض على الحكم الصادر ضده بقصد إلغائه أو تعديله أو إزالة آثاره، ولمصلحة المحكوم لصالحه كذلك إذا لم يكن راضيا على الحكم أو غير مقتنع به رغم أنه صدر لصالحه، كأن يحكم القاضي بأقل مما طلبه المدعي في دعواه، أو حكم له بإرجاع الحالة دون التعويض وقس على ذلك… وطرق الطعن إما أن تكون عادية مثل التعرض والاستئناف، أو غير عادية كتعرض الغير الخارج عن الخصومة، وإعادة النظر، والطعن بالنقض، كما نظمها قانون المسطرة المدنية. فطرق الطعن إذن هي الوسائل التي وضعها القانون رهن إشارة المتقاضين والتي تمكنهم من عرض النزاع الذي صدر فيه مقرر قضائي سواء على نفس الجهة القضائية التي سبق لها البت فيه، أو على محكمة أخرى بغية تعديله، وتتم مباشرة طرق الطعن عن طريق مقال يتقدم به الطرف الذي له مصلحة في ذلك، والذي يدعي أن المحكمة التي أصدرت المقرر المطعون فيه جانبت الصواب. وإذا كان قانون المسطرة المدنية بشكل عام يهدف إلى حماية حقوق المتقاضين سواء كانوا مدعين أو مدعى عليهم من خلال سلوك مسطرة الدعوى، كما رأينا آنفا، فإن هذه الحماية لا تتحقق على الوجه الذي يريده هؤلاء المتقاضين، ويرجع عدم رضاهم هذا إلى طول الإجراءات وتأخرها، وخاصة وأنه في بعض الحالات لا يمكن انتظار الآجال التي ينص عليها القانون، لأن من شأن ذلك تفويت الحقوق على أصحابها وإلحاق أضرار بمصالحهم. ومن أجل ذلك كله نص المشرع المغربي في قانون المسطرة المدنية على قواعد خاصة ومتميزة لبعض النزاعات، حيث تساير هذه القواعد الطابع الاستعجالي لهذه القضايا، وهذه القواعد هي المساطر الاستعجالية. وتتميز المساطر التي تم إدراجها من طرف المشرع المغربي في هذا الصدد بطابعها الاستعجالي، ويمكن استعمال هذه المساطر من طرف المتقاضين في الحالات المحددة قانونا وعند اجتماع الشروط الضرورية لذلك، وينتج عن سلوكها صدور أمر قضائي. ويرجع اختصاص البت في الطلبات المقدمة في هذا الإطار لرئيس المحكمة الابتدائية، أو الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف في بعض الحالات التي يكون فيها النزاع معروضا على أنظار هذه المحكمة، وهذه المساطر الاستعجالية في القانون الإجرائي المغربي تنقسم إلى الأوامر المبنية على طلب، ومسطرة الأمر بالأداء، وقضايا الأمور المستعجلة.