ينص الفصل 49 من قانون المسطرة المدنية على ما يلي: «يجب أن يثار في أن واحد وقبل كل دفاع في الجوهر الدفع بإحالة الدعوى على محكمة أخرى لتقديمها أمام محكمتين مختلفتين أو لارتباط الدعويين والدفع بعدم القبول وإلا كان الدفعان غير مقبولين. يسري نفس الحكم بالنسبة لحالات البطلان والإخلالات الشكلية والمسطرية التي لا تقبلها المحكمة إلا إذا كانت مصالح الطرف قد تضررت فعلا.» حول هذا الفصل تناولت دراسة للأستاذ صابر محمد، ننشرها أسفله بتصرف، أنواع الدفوع التي يجب على الأطراف إثارتها عند بداية المخاصمة القضائية، وذلك قبل النفاذ لمناقشة الجوهر، وتلك الدفوع يمكن تحديدها حسب، نفس المصدر المذكور، ووفق ما ورد بالفصل في ما يلي: الدفع بإحالة الدعوى على محكمة أخرى لتقديمها أمام محكمتين مختلفتين وهذا الدفع يجب أن يثار من قبل ذو المصلحة، وهو دفع يهدف أساسا إلى الحيلولة دون صدور أحكام متناقضة في نفس الموضوع وبين نفس الأطراف ولنفس السبب، إذ أن هذا الدفع يجب أن يكون مؤسسا وللمحكمة المثار أمامها هذا الدفع أن تنظر في جديته من خلال بسط رقابتها على موضع الدعوى المرفوعة أمام محكمة أخرى غيرها، وبسط هذه الرقابة يتمثل في التأكد مما إذا كانت الدعويين المرفوعتين أمام محكمتين مختلفتين لهما نفس الموضوع ونفس السبب ونفس الأطراف، إذ لا قيمة لهذا الدفع إذا كان هناك اختلاف في الموضوع، كما لو رفعت دعوى الإفراغ مثلا لعدم الأداء أمام المحكمة الابتدائية بالرباط بشأن العين المكتراة الموجودة بالرباط، ورفعت دعوى أخرى بالإفراغ للاحتياج أمام المحكمة الابتدائية بسلا بشأن عين أخرى مكتراة داخل الدائرة القضائية للمحكمة الابتدائية بسلا، ففي مثل هذه الحالات لا يمكن القول بوجود نفس الدعوى مرفوعة أمام محكمتين مختلفتين لأن كل دعوى تختلف من حيث الموضوع والسب عن الأخرى ولو اتحدتا في الأطراف، وعلى ذلك فالمحكمة يتعين عليها التأكد من توفر الشروط الثلاثة المذكورة في آن واحد ولا يمكن أن تلتفت لهذا النوع من الدفوع إذا اختل أحد تلك الشروط. الدفع بإحالة الدعوى على محكمة أخرى لارتباط دعويين وهذه الصورة لا يمكن تصورها إلا إذا ما توفر في الدعويين شرط أساسي متمثل في ضرورة وجود التزامات متقابلة أو متكاملة، إذ في مثل هذه الحالة يتعين على مثير الدفع أن يبين بوضوح للمحكمة الأساس القانوني الذي دفعه لإثارة الدفع، فمثلا إذا ما رفع زيد دعوى أمام المحكمة الابتدائية بسلا يطالب فيها عمرو بالتعويض عن الضرر الحاصل له من جراء عدم إتمامه لالتزامه المتمثل في إكمال البناء المتفق عليه، فإن للمدعى عليه في هذه الحالة أن يدفع أمام المحكمة الابتدائية بسلا بإحالة الدعوى على أنظار المحكمة الابتدائية بالرباط لكونها هي من وضعت يدها على الدعوى التي رفعها عمرو ضد زيد بشأن إكمال أداء المبلغ المتفق عليه مقابل البناء بحجة أن البناء تم وأن زيد لم يؤد ما تبقى في ذمته من مبالغ، ففي مثل هذه الحالات يتعين على المحكمة أن تتأكد من أمرين الأول أن تكون الدعويين تتعلقان بنفس الأطراف، والثاني أن تكون هناك التزامات متقابلة. وفي المثال المثار نجد أن التزامات الطرفين متقابلة ومتمثلة في كون الواجب الملقى على عاتق عمرو هو القيام بأشغال البناء بينما الذي ألقي على عاتق زيد فهو أن يؤدي الثمن المتفق عليه كمقابل للبناء، فوحدة الموضوع متوفرة والالتزامات المتقابلة متوفرة كذلك. ونفس الأمر بالنسبة للدعويين المرفوعتين أمام محكمتين مختلفتين بشأن دعويين موضوعهما متكاملين، كما هو الأمر بالنسبة للدعوى المرفوعة من أجل إتمام البيع بشأن عقار محفظ مع دعوى مرفوعة لإلزام السيد المحافظ على الأملاك العقارية بتضمين عقد البيع المتعلق بنفس العقار بسجلات المحافظة العقارية، ففي مثل هذه الحالة فالدعويين وإن كانا مختلفين من حيث الموضوع فهما متكاملين، وعلى من له المصلحة إن يثير هذا الدفع وفقا لمقتضيات الفصل موضوع الدراية. الدفع بعدم القبول هذا النوع من الدفوع يبقى عاما ومجردا من حيث صياغته، لكن هذا العموم والتجريد هل يعني أنه يمكن المدعى عليه أو من له المصلحة على وجه العموم في إثارة أي شيء خطر في باله واعتباره دفعا يجب إثارته قبل الدفاع في الجوهر؟. بالتأكيد فإن الجواب عن هذا التساؤل يكمن في المقتضيات القانونية التي تحدد وحدها ما هي الدفوعات التي يجب أن تثار قبل النفاذ لمناقشة الموضوع كما هو الأمر بالنسبة للدفوع المتعلقة مثلا بضبط هوية الأطراف بما يجعل الدعوى مقامة على النحو الصحيح قانونا، وكذا جميع الدفوعات التي يمكن أن تدخل في إطار مقتضيات الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية. وعليه فهذا النوع من الدفوع موكول لفطنة المحكمة التأكد مما إذا كان دفعا يجب أن تثار قبل الدفاع في الجوهر وبالتالي ترتيب الجزاء القانوني عليه دفوع تخضع للسلطة التقديرية للقاضي هذا النوع من الدفوع هو ما تم التنصيص عليه بالفقرة الثانية من الفصل 49 موضوع الدراسة، وهي دفوع يجب أن يتوفر فيها شرطان: الأول أن يتحقق الضرر من جراء خرق بعض المقتضيات القانونية، والثاني أن تقبل المحكمة تلك الدفوع بعدما تتأكد من تحقق الضرر. فهذا النوع من الدفوع يجب أن يثار من طرف ذو المصلحة الذي تضررت مصالحه بشكل محقق ويقيني، أي أن التشبث بخرق مقتضيات قانونية غير مؤثرة أو منتجة في الدعوى لا يمكن أن يشكل نوعا من الدفوع المنصوص عليها بالفصل 49 كما لا يمكن أن تدخل في نطاق مقتضياته، وفي هذا الاتجاه سار المجلس الأعلى في قراره عدد 348 الصادر بتاريخ 1984-04-27، والذي جاء فيه «إن الخطأ الذي لم يترتب عنه أي أثر على ما قضت به المحكمة لا يعد وسيلة لنقض القرار الواقع فيه». ذلك أن الخطأ المرتكز عليه لطلب النقض وإن كان قد اعتبر خرقا قانونيا من طرف طالب النقض، فهو غير ذلك بالنسبة للمحكمة التي ارتأت أنه غير مؤثر وغير منتج في الحكم الذي صدر، وبالتالي فلا يمكن الارتكان إليه لنقض القرار، وهو نفس الأمر بالنسبة للمقتضيات القانونية التي يمكن إغفالها ولا تؤثر في حقوق ومصالح الأطراف. وقد عدد المشرع بعض الأنواع الداخلة في هذا الصنف الرابع من الدفوع، وذكر حالات البطلان، والإخلالات الشكلية وكذا الإخلالات المسطرية. وهذا التعداد بدوره جاء عاما ومجردا بشكل يمكن أن ينضوي تحت أي نوع من أنواع الدفوع، فمثلا تلك الدفوع المتعلقة بالآجال المنصوص عليها بالفصول بالفصلين 40 و41 من قانون المسطرة الدنية يجب أن تخضع للمسطرة الواردة بالفصل 49 من نفس القانون والذي هو موضوع الدراسة، ذلك أن الفاحص لمقتضيات الفصلين 40 و41 من قانون المسطرة المدنية لا يمكن أن يثير انتباهه إلا الجزاء المترتب على عدم احترام المحكمة للآجال المنصوص عليه بالفصلين وإصدار الحكم تبعا لذلك غيابيا، ففي هذه الحالة رتب المشرع البطلان على ذلك الحكم، لكن لا يسري بالمفهوم المخالف نفس الأثر بالنسبة للأحكام الحضورية أو التي صدرت بمثابة حضورية، ففي هذا النوع من الأحكام لا يلتفت للدفوع المتعلقة بآجال الاستدعاء ما لم تثر قبل الدفاع في الجوهر والنفاذ لمناقشته، إذ لا يتصور أن ينفذ المدعى عليه لمناقشة الجوهر إلا إذا اعتبر أنه تجاوز تلك الشكليات والتي يكون هو نفسه قد قدر أنها لا تأثير لها على مسار الدعوى.... كما أن الدفوع المتعلقة بالتقادم يجب أن تثار أمام المحكمة المرفوعة إليها الدعوى قبل كل دفاع في الجوهر وبالتالي قبل النفاذ لمناقشة الجوهر، وعلى المحكمة أن ترد على هذا النوع من الدفوع وأن ترتب عليه الأثر القانوني الواجب، وذلك تحت طائلة بطلان الحكم الصادر في تلك الدعوى، وعليه فقد جاء في تطبيق هذه القاعدة قرار للمجلس الأعلى قضى ب»أن الدفع بالتقادم هو دفع يؤدي إلى عدم سماع الدعوى، يجب طبقا للفصل 49 من ق.م.م إثارته قبل كل دفع أو دفاع في الجوهر...» قرار عدد 6026 صادر بتاريخ 1998-10-07 في الملف المدني عدد 3399/93 منشور بالتعليق على قانون المسطرة المدنية لغاية سنة 2000 للدكتور عبد العزيز توفيق الطبعة الأولى مطبعة النجاح الجديدة ص 52. ...ووفقا لهذا القرار فجميع الدفوع الشكلية التي لا تتعلق بالنظام العام -كما هو وارد بالمسائل المنصوص عليها بالفصل الأول من قانون المسطرة المدنية والتي يمكن للمحكمة من تلقاء نفسها أن تثيرها- يجب أن تثيرها ذوو المصلحة قبل كل دفع أو دفاع ،وفقا لمقتضيات الفصل 49 من قانون المسطرة المدنية وإلا كانت تلك الدفوع غير مسموعة. موقع docdroit.com