نحن في حاجة حقيقية لإعلام قوي يواكب التطور الذي تشهده بلدنا.. لا يمكن أن نبقى في موقع التسول والتنديد والندب من وضع الهشاشة الذي تتخبط فيه أغلب المقاولات الصحفية الصغيرة والمتوسطة، بل يجب الانتقال الى مراحل أخرى من بناء وترميم مؤسساتنا الاعلامية بما يخدم مصالحنا الإنسانية ويخدم جمهورنا المتلقي عبر نقل الخبر بدقة وتحليل الأحداث بموضوعية والرقي بالذوق العام. في تجارب مقارنة للإعلام وقفت على التجربة الفلسطينية، والتي استطاعت فيها المقاولة الصحفية (خاصة الرقمية) ورغم ظروف الاحتلال القاسية، تجاوز المعيقات المادية بفضل تقديمها لمحتوى يحترم المتلقي ويجعله مرتبطا بها ومحترما لها.. وهذا الامر بالتأكيد يمكن لمقاولاتنا الصغيرة والمتوسطة الانطلاق منه على اعتبار أن مفتاح النجاح هو احترام الجمهور عبر تقديم محتوى جيد له. والوصول لمرحلة تقديم محتوى جيد للجمهور في قالب مهني يحترم الحد الادنى من المهنية والأخلاق يتطلب التكوين المستمر والاطلاع على التجارب المتقدمة وتبادل الخبرات والاجتهاد في الابداع بما يجعل الموقع او القناة مطلوبة للجمهور وليس العكس كما هو الحال في أغلب موادنا الاعلامية التي نتسابق من أجل إيصالها لذلك الجمهور بمختلف الوسائط حتى أصبحنا نحس أننا نقتحم ونفرض أخبارنا وموادنا المقدمة على المتلقي (مجموعات وتساب كمثال). من جهة أخرى آن الآوان لهدم صنم وعقدة "أنا هو الصحفي" خاصة أننا نعيش في عالم يتطور بسرعة لا نكاد نفطن لحجم المسافة التي نتأخر بها عن ركب تقدم التكنولوجيا، في عالم لم يعد فقط قرية صغيرة بل أصبح غرفة واحدة تتسع للجميع ويمكننا فيها ممارسة كل ما نريد عبر اكتساب المهارات والكفاءات والتقنيات في مختلف المجالات وتعلم اللغات والبرمجيات وصناعة الخوارزميات… ونحن جالسون على كرسي في مطبخ مسكننا. وبالتالي لم يعد الصحفي هو ذلك المتخرج من جامعة او معهد بدبلوم في الاعلام فقط بل تحول الصحفي الى كل شخص له القدرة على تنمية وتطوير مهاراته في التواصل والكتابة والتصوير والمونتاج… وهذا أمر جيد لأنه يعطي مساحات أكبر من الحرية والتنافس بين المشتغلين في قطاع الاعلام، خاصة أن النصوص التشريعية في بلدنا المغرب لا تمنع غير المتخرجين من المعاهد وكليات الاعلام من الولوج إلى مهنة الصحافة حيث يبقى فقط شرطا لذلك هو الحصول على حد أدنى من التحصيل العلمي يجب تطويره وتقويته عبر التدريب والتكوين واكتساب المهارات. الاعلام عمود أساسي من أعمدة الدولة القوية القادرة وهو سلاح فتاك في هندسة وتقويم وتوجيه سلوك الجمهور وقوة جبارة (غير نارية) في تمديد حجم جغرافيا الوطن والدفاع عن مصالحه وخدمة أجنداته الفضلى في السلم الدولي والاستقرار الاقليمي. تم نسخ الرابط