في خضم التحولات المتسارعة التي يشهدها مجال الإعلام والاتصال، ببروز قنوات جديدة لنقل المعلومة إلى المتلقي وما يلي ذلك من تحديات، أجمع فاعلون إعلاميون في ندوة نظمتها جمعية قدماء المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط على أن ثمة حاجة ماسة إلى إعادة ترتيب أوراق الإعلام المغربي. واعتبر رشيد الماموني، مدير الأخبار بوكالة المغرب العربي للأنباء، أن عماد الممارسة الصحافية هو المسؤولية؛ ذلك أن على الصحافي أن يحرص على تقديم معلومة مسؤولة وذات مصداقية إلى المتلقي، وأن يحرص على صيانة مسؤوليته حين يلعب دور الوسيط بين مصدر المعلومة وبين المتلقي. وشدد الماموني على ضرورة أن يتمسك الصحافي باحترام أخلاقيات مهنة الصحافة، محذرا من العواقب الخطرة للأخبار الكاذبة التي تنتشر بسرعة كبيرة في خضم "تسونامي الأخبار"، كما سمّاه المتحدث، وتخلف تداعيات سلبية على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي. من جهة ثانية، دعا مدير الأخبار بوكالة المغرب العربي للأنباء إلى جعل المتلقي في صلب أي إصلاح للمجال الإعلامي، والعمل على الاستجابة لتطلعاته، ومواكبة اختياراته، مشيرا في هذا السياق إلى أن إيصال المعلومة إلى المتلقي يقتضي أن تقدم إليه في شكل جذاب يدفعه إلى الإقبال على القراءة. عادل الزبيري، مراسل قناة "العربية" في المغرب، تحدث في مستهل مداخلته عن التطورات الهائلة التي يعرفها مجال الإعلام، خاصة في الشق التقني، لكن الصحافة، يردف المتحدث، ظلّت وستظل تمارس وفق القواعد المتعارف عليها أيّا كانت الوسائل التكنولوجية التي يتم بواسطتها إيصال المحتوى إلى المتلقي. وأضاف الزبيري أن وسائل التواصل الحديثة لم تأت بصحافة جديدة، بل وفّرت آليات جديدة لانتشار الصحافة التقليدية، كما حصل بعد ظهور التلفزيون والإذاعة، حيث اعتُقد أن الصحافة المكتوبة ستنقرض، لكن ذلك لم يحدث. ودعا الزبيري إلى التمسك أكثر بقواعد الصحافة التقليدية، والانفتاح على العالم الرقمي، أو ما سمّاه "الهجرة القانونية إلى المنصات الرقمية"، سيرا على نهج صحف عالمية كبرى سبقت إلى هذا المجال، واستطاعت أن تضمن لنفسها انتشارا أوسع عن طريق وسائل التواصل الحديثة وأن تستمر في شكلها التقليدي، عبر التركيز على الأجناس الصحافية الكبرى، كالتحقيق والاستطلاع والحوار. في السياق ذاته، قال محمد زواق، مدير نشر موقع "يا بلادي"، إن عددا قليلا فقط من المؤسسات الإعلامية المغربية هي التي واكبت التطور التكنولوجي وصنعت لنفسها مكانا في الأنترنت بعد انتشاره في المغرب، في حين إن مؤسسات أخرى لم تنخرط في هذا الرّكب، اعتقادا منها أنه لن تكون له مردودية مادية. وتوقف زواق عند تجربة هسبريس الإلكترونية، التي انطلقت سنة 2007، قائلا إن هذه التجربة بيّنت أن الصحافة الرقمية يمكن أن تكون نموذجا اقتصاديا ناجحا، وهو ما تأكد مع انتقال عدد من الصحافيين الذين كانوا يعملون في الصحافة الورقية إلى إنشاء مواقع إلكترونية انطلاقا من سنة 2010، والاستثمار في مجال الصحافة الرقمية. وتحدث مصطفى فكاك، المعروف ب"سوينكة"، وهو صاحب شركة إنتاج محتوى رقمي، عن تجربته في هذا المضمار؛ إذ يقوم بنقل المعلومة إلى المتلقي دون أن يكون صحافيا، "لكنني أحرص على أن تكون المعلومة التي أقدمها دقيقة، وهذا ما جعل المحتوى الذي أقدمه يحظى بإقبال كبير"، يقول المتحدث. وعزا فكاك سبب إقبال الجمهور على ما تقدمه بعض المنصات الرقمية إلى كون المشرفين عليها يتوجهون بخطاب مباشر وبسيط إلى المتلقي، ما يجعله قادرا على استيعاب الخطاب الموجه إليه بسهولة، والإحساس بتقارب مع مقدّم المعلومة، "بينما قد لا يحظى ما تقدمه وسائل الإعلام بالإقبال نفسه لأن هناك أصلا أزمة ثقة في المؤسسات، ولأنها لا تقدم المعلومة بطريقة مبسطة يمكن أن يفهمها الجميع". شامة درشول، مختصة في تحليل المحتوى الإعلامي، ركزت في مداخلتها على الصحافي، قائلة إن التطور التكنولوجي الهائل الذي يشهده العالم يقتضي من الصحافي، إن هو أراد أن يواكب مستجدات العصر، أن يغيّر نظرته إلى الواقع، وأن يتخلص من التفكير الذي يحصر آفاقه في الدراسة ثم التخرج والعمل من أجل اقتناء شقة وسيارة. وأضافت: "نحن في عصر الذكاء الاصطناعي، وبعد ثلاثين سنة من الآن سيتم تصنيع خمسين مليون روبوت، جزء منها سيعمل في مجال الصحافة، وحاليا تعتمد خمسة في المئة من الصحافة العالمية في إنتاج محتواها على الروبوتات"، مؤكدة أن هذه التطورات تفرض على الصحافي أن يطوّر مهاراته بشكل مستمر، ليتمكن من قراءة المعلومات التي يحصل عليها، وتحليلها، وإعادة كتابتها ونقلها إلى الجمهور.