انتهت يوم أمس في الرباط الدورة الثانية عشرة للقاء القمة بين المغرب وإسبانيا، لقاء تأخر ثماني سنوات (الأخير في مدريد 2015) تخللتها العديد من الأزمات والتوترات بين البلدين آخرها استقبال زعيم البوليزاريو للإستشفاء سنة 2021 بجواز جزائري مزور، وانفرجت العلاقات الثنائية بين البلدين بعد الرسالة التي وجهها رئيس الحكومة الاسباني بيدرو سانتيش تعترف فيها إسبانيا بمغربية الصحراء واعتبار مقترح الحكم الذاتي الحل الوحيد والممكن والواقعي للنزاع المفتعل في الصحراء المغربية، واستقبل على إثرها الملك محمد السادس رئيس الحكومة الاسباني في الرباط وتوقيع الإعلان المشترك في 7 أبريل 2022 كخطة طريق لعلاقات جديدة تطبعها الشفافية والتعاون والشراكة الثنائية. Abdelhamid beyuki واجهت المبادرة الاسبانية والتعاون المغربي لاستعادة العلاقات الثنائية وتطويرها العديد من التحديات: تحديات داخلية في الجانب الاسباني كان أبرزها موقف حزب بوديموس اليساري الحليف الحكومي في حكومة بيدرو سانشيس وأحزاب جهوية انفصالية تدعم الحكومة (نمودج الحزب الجمهوري الكطلاني)، وانتقادات قياداته ووزرائه للمبادرة وللموقف الجديد للحكومة الاسبانية في ملف الصحراء. من جهته لم ينتقد حزب المعارضة الاسبانية الأول (الحزب الشعبي) مضمون قرار الحكومة الاسبانية الجديد من ملف الصحراء المغربية، واكتفى بانتقاد شكل وطريقة الإعلان عنه ، وغياب التشاور مع أحزاب المعارضة ومناقشته في البرلمان الاسباني، في حين عبّرت أغلب قيادات اليمين الاسباني والحزب الشعبي عن دعمها لعلاقات جديدة مع المغرب والتخلص من عقدة الصحراء والإسراع في الاهتمام بمصالح إسبانيا وميزان تبادلها التجاري والاستثمار والمزيد من الانفتاح على إفريقيا من خلال المغرب تحديات خارجية، بالإضافة إلى الجزائر كعدو تقليدي للمغرب وسيادته على صحرائه، بعض دول الاتحاد الأوروبي رأت في التقارب والتعاون والعلاقات الجديدة المغربية الاسبانية تهديدا لمصالحها في الإقليم ومع المغرب، ومنها بالخصوص اللوبي الفرنسي الذي يعتبر المغرب مجالا حيويا لفرنسا واستمرار وصايتها. هذه المؤشرات تؤكد أن السياسة الخارجية الاسبانية في علاقتها بالمغرب يؤطرها موقف دولة لن يتغير بتغيير الحكومات ، وهو في ذلك لا يختلف عن الموقف الأمريكي المُعترِف بمغربية الصحراء والذي رغم بعض التكهنات لم يتغير مع حكومة بايدن الديموقراطية، وأن حسابات جديدة جيواسترتيجية واقتصادية، إقليمية ودولية كانت وراء هذا التحول، بالإضافة إلى المصالح المشتركة بين البلدين والتعاون الاستراتيجي في مجالات حيوية بالنسبة لإسبانيا والاتحاد الأوروبي مثل الهجرة غير النظامية والأمن ومكافحة الإرهاب. رغم كل هذه التحديات وأخرى، استطاعت الدولتين بإصرار وفي خطوة غير مسبوقة تجاوز كل الخلافات التاريخية والحدودية وعقد قمة الرباط الرفيعة المستوى أيام 1 و2 فبراير الجاري، والتي انتهت بتوقيع عدد قياسي من الاتفاقيات (19 اتفاقية ثنائية ومذكرة تعاون) بحضور وفدين وزاريين رفيعين ومهمين بقيادة رئيسا الحكومتين، وانتهى لقاء القمة ببيان مشترك من 74 فقرة يضم أربعة أبعاد للشراكة بين البلدين: 1 بُعد االحكامة والشراكة الثنائية يُنظم تنزيل الإعلان المشترك الذي تم توقيعه في 7 أبريل 2022 مباشرة بعد انفراج الأزمة بين البلدين، ويشمل التعاون في مجال الضمان الاجتماعي والحماية الصحية والتنمية .. 2 البُعد الدبلوماسي والاستراتيجي المتعلق أساسا بمحاور التعاون التقليدية التقليدية وتطويرها أهمها الهجرة غير النظامية والأمن المشترك ومكافحة الإرهاب والاجرام الدولي ومحاربة العنصرية، ويضم 11 فقرة. 3 البعد الاقتصادي المتعلق بتطوير مستوى التبادل التجاري الذي تتبوأ فيه إسبانيا مرتبة الشريك الأول للمغرب، وكذلك في مجال الاستثمار باعتماد الحكومة الاسبانية لبروتوكول مالي للإستثمار في المغرب بقيمة 800 مليون أورو، ويضم الاتفاق الاستثمار في مجالات حيوية لها علاقة بالأوراش الكبرى التي يعرفها المغرب في مجال البنية التحتية كالسكك الحديدية والموارد المائية ومشاريع تحلية مياه البحر والطاقة المتجددة والصناعة والفلاحة والبيئة والنقل والسياحة.. ويضم هذا البُعد 21 فقرة. 4 البُعد الثقافي الذي انتبهت الدولتين لأهميته في بناء وتطوير العلاقة بين البلدين وتأمين استمراريتها واستقرارها بنقلها من مستوى العلاقة والتعاون بين الحكومات إلى مستوى العلاقة والتفاهم بين الشعبين وبالخصوص في مجال برامج التربية والتعليم على كل مستوياته من الثانوي إلى الجامعي والبحث العلمي والتكوين المهني والترجمة، من 24 فقرة.. الخلاصة أن البلدين مقبلين على مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية قوامها التعاون والشراكة في إطار الشفافية والاحترام والندية والمصالح المشتركة، وعبّر عن ذلك وزير الخارجية الاسباني اليوم 3 فبراير الجاري في حوار مع جريدة الباييس بما يلي : " المغرب شريك استراتيجي ويحتل المرتبة الأولى ضمن أولويات السياسة الخارجية لإسبانيا.." وتقديري أن البلدان مقبلان على مرحلة مستقرة من العلاقات الثنائية، وأنها ستتأثر لامحالة بالتوازنات الإقليمية والدولية الجديدة، إلى جانب الحضور الأمريكي المتسارع، كما ستواجه في مرحلتها الأولى مجموعة من التحديات والتنافس الأمريكي الفرنسي وتأثير دبلوماسية تنويع الشركاء التي تنتهجها مؤخرا السياسة الخارجية المغربية. تم نسخ الرابط