لا يمكن إلا لجاحد أن ينكر الأهمية الكبرى للعفو الملكي عن زميلتنا هاجر الريسوني ومن معها، لاعتبارات خمسة هي؛ أولا، لأن العفو انتصار لقيمة الحرية، وهي قيمة القيم الإنسانية جمعاء. ثانيا، لأن العفو صحح كل الأخطاء التي ارتكبها أمنيون وأطباء ونيابة عامة وتلفزيون عمومي وصحافة تشهير… في حق هاجر بالأساس. ثالثا، لأن العفو احترم القضاء بالقدر نفسه الذي احترم به هاجر وخطيبها وطبيبها وقرينة براءتهما، عندما استعمل حرف «قد»، وهو في الإعراب «حرف تقليل» حين يأتي بعد الفعل المضارع. لقد جاء في نص بلاغ العفو: «رغم الخطأ الذي قد يكونا ارتكباه». فأين نحن من تعابير «جريمة الإجهاض» و«الفعل الجرمي الخطير» التي لم يتوقف ممثل النيابة العامة عن ترديدها. رابعا، لأن العفو، وبعدما لم يجزم بحدوث الأفعال موضوع المتابعة، أكد جازما خطبة هاجر من لدن خطيبها بقوله: «وحرص جلالته على الحفاظ على مستقبل الخطيبين اللذين كانا يعتزمان تكوين أسرة طبقا للشرع والقانون»، وهذا يعني أن الملك، إذا كان قد وقف موقفا وسطا بين هاجر وخطيبها وبين القضاء، فإنه انحاز إلى هاجر وخطيبها ضد صحافة التشهير التي نهشت لحم زميلة لها، وقدمتها منذ اليوم الأول -بتحامل مسموم- على أنها ضُبطت رفقة شخص «من جنسية عربية»، بما يوحي للقارئ وكأن هاجر ضبطت تمارس الرذيلة مع ثري خليجي. خامسا، لأن العفو، من حيث صياغته رفيعة الدقة، أكد في أول فقرة أن المعنية أساسا بالعفو هي هاجر: «أصدر صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره لله، عفوه الكريم عن الآنسة هاجر الريسوني، التي صدر في حقها حكم بالحبس، والتي مازالت موضوع متابعة قضائية». ثم أعقبتها فقرة ثانية طويلة جاء فيها: «ويندرج هذا العفو الملكي السامي في إطار الرأفة والرحمة المشهود بهما لجلالة الملك، وحرص جلالته على الحفاظ على مستقبل الخطيبين اللذين كانا يعتزمان تكوين أسرة طبقا للشرع والقانون…»، قبل أن يعود للقول في فقرة ثالثة: «وفي هذا السياق، فقد أبى جلالته إلا أن يشمل بعفوه الكريم أيضا كلا من خطيب هاجر الريسوني والطاقم الطبي المتابع في هذه القضية…»، وهذا لا يمكن تفسيره، كما قد يذهب البعض، باللياقة في التعبير، والتي تقتضي تقديم المرأة على الرجال، وإلا لكانت هناك فقرة واحدة تتحدث عن أن العفو الملكي شمل هاجر وخطيبها والطاقم الطبي، لكننا كنا أمام حديث عن هاجر، وحدها، في فقرة كاملة، تليها فقرة منفصلة لشرح السياق الذي اندرج فيه العفو، قبل العودة في فقرة ثالثة للحديث عن باقي المعنيين بالعفو. وهذا يعني، من جملة ما يعنيه، أن العفو الملكي جاء –أساسا- لإنصاف امرأة شابة استقوى عليها كثير من الشامتين، بالمعنى العربي والمغربي للكلمة، فنكلوا بها وشتموا وشمتوا في عائلتها… لقد جاء العفو الملكي مثل صرخة رجل نبيل مهاب الجانب في وجه شرذمة جبناء قليلي الحياء، ما إن سمعوا الصرخة الملكية حتى انفضوا ممتقعي الوجوه منكسي الرؤوس. وكما لا يمكن إلا لجاحد أن ينكر الأهمية الكبرى للعفو الملكي عن زميلتنا وابنتنا هاجر الريسوني ومن معها، سيكون من الجحود إنكار اهتمام الملك محمد السادس الكبير بحقوق النساء؛ وإن كان هذا الاهتمام قد استُغل، بشكل سيئ، أحيانا، من لدن بعض الجهات لتصفية الحسابات مع الأصوات النقدية، مثلما حدث مع زميلنا توفيق بوعشرين، الذي استُعمل «حريم التجريم» لإحراق مصداقيته وإقباره في السجن، بالرغم من أن أغلب النساء اللواتي جيء بهن للعب دور الضحايا برأنه من التهم التي ألصقت به، فأصبحن ضحايا للجهة التي لم يسايرنها، حيث غادر أغلبهن المغرب حتى لا يقدمن شهادة، رغم أنوفهن، ضد رجل لم يسئ إليهن، فيما اللواتي بقين في المغرب جُرجرن إلى المحاكم ومخافر الشرطة فقط لأنهن قلن: «بوعشرين لم يعتد علينا». وإذا كان هناك، اليوم، من لايزال يحبك السيناريوهات ليؤثر في القضاء بالقول إن ضحايا بوعشرين مازلن يحملن آثارا نفسية ويقدمن على الانتحار، فإننا نتساءل: من اعتدى على امرأتين من هؤلاء، عندما أظهرهما، في شريط فيديو، وهما تمارسان الجنس السحاقي؟ ألم يكن بإمكانه حجب هذا الفيديو كما حجب فيديوهات المشتكيات الرئيسات؟ الآن، عندما نرى بعض الذين لا يريدون لسماء المغرب أن تنجلي عنها الغيوم، يطالبون الملك بإنصاف أربع نساء مازلن يتابعن الصحافي توفيق بوعشرين، فإننا أيضا نطالب الملك بإنصاف وحماية ثماني نساء رفضن إدانته. وإنصاف زوجة بوعشرين التي طالتها آلة التشهير الخبيثة فقط لأنها لم تتخل عن زوجها. وإنصاف كثير من صحافيات «أخبار اليوم» تضامنن مع بوعشرين فوجدن أنفسهن بطلات في قصص من وحي خيال مريض لصحافة ضد الصحافة. دعنا نعود إلى العفو الملكي النبيل عن هاجر ومن معها، ونقول: كم سيكون مهما، وغير مكلف، لو حدث انفراج كالذي واكب مجيء الملك محمد السادس إلى العرش، في مجال الحقوق والحريات.. لو صدر عفو ملكي مماثل عن الصحافيين توفيق بوعشرين وحميد المهدوي ومعتقلي حراك الريف وكل معتقلي الرأي.. لو أطلقنا حوارا وطنيا للوصول إلى ديمقراطية بقيت معلقة منذ تجربة التناوب التوافقي لسنة 1998، فيما دولة مثل تونس، كانت، إلى عهد قريب، تحكمها مافيا عائلية، أصبحت، اليوم، تعطينا الدروس، وها هي الجزائر، التي كانت غارقة في الدم والشعارات، تضع خطوة أولى في مسار الديمقراطية، في الوقت الذي كانت كل المؤشرات تقول إن المغرب هو الأقدر، مغاربيا وعربيا، على تحقيق انتقال ديمقراطي سيتطور سريعا نحو ديمقراطية كاملة. صحيح أننا أحسن، تنمويا، من جارينا الشرقيين، لكن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، وإن كان الخبز مهما للحياة وللديمقراطية… في الختام، لا يسعني إلا أن أتمنى أن يعطي الملك دفعة في هذا الاتجاه. أقول هذا وأنا أردد مع مجموعة «العاونيات» الشهيرة: «زيد أ الملك.. زيد زيد»..