الأستاذ : عمر أمزاوري يؤشر التفاعل الجماهيري مع شخصية الجوكر سواء في آخر ظهورها في باتمان فارس الظلام، أو في الفيلم الجديد لسنة 2019 وأصول الجوكر، ذلك المواطن الأميركي البسيط الذي يعيش الإقصاء المهني، ولا يمتلك المال لمعالجة والدته المريضة، ويحيى في بيئة إجرامية وفقيرة في الأحياء الشعبية والشوارع القذرة، وفي مدينة معاصرة يسودها التنمر اليومي ضد الفقراء وضعاف البنية من طرف الأقوياء والأغنياء.. قلت يؤشر هذا التفاعل على توسع دائرة الحرمان والفقر والبطالة في المجتمعات، لقد صارت كل مدن العالم وليست فقط المدن المغربية تعيش على إيقاع طبقتين (طبقة تملك كل شيء وطبقة لا تملك سوى القروض والرهون) تبتعدان عن بعضهما البعض، بينما الطبقة الوسطى منبع الأفكار الجميلة والفنون والعلوم والثقافة تختفي وتتلاشى بشكل خطير، ويتم محاربة رموزها الممثلة في الصحافيين والمثقفين والأطباء ورجال القانون والتعليم والهندسة والحط من قدرهم في الإعلام الجديد ووصمهم بالانتهازية.. إن إصلاح الرأسمالية ضروري لتجنب انهيار درامي لمؤسسات التنظيم البشري.. مقومات الجوكر كشخصية حقيقية موجودة بيننا الآن، حيث لن يحتاج الناس إلى فكرة نبيلة ليثوروا، بل قد يقومون بالتمرد لمجرد التمرد لانعدام الآمال، ولن يهتموا بالمال والأفكار بقدر رؤية العالم يحترق.. تصوروا الأمر شبيها بعدمية ثورية إجرامية، تتحول فيها الجريمة من عمل فردي إلى عمل سياسي خطير، وقد كتب باكونين أن الولع بالهدم لأمر خلاق.. فالإنسان المنغمس في الهدم يصاب برغبة دائمة في الهدم دون توقف.. مثل السعار الذي يصيب القاتل الذي يطلق النار بطريقة عشوائية، أو قائد عسكري سفاح في حرب الإبادة، أو رغبة مجنونة فقط في هدم المشروع البشري كله.. لقد صار الملايين يتألمون بسبب سوء الحظ، ولا يمكن لمدون أو دجال أن يلقي علينا المواعظ المتعلقة بأكاذيب التنمية البشرية وتطوير الذات. ولا يمكن للأحزاب القديمة بأفكار القرن العشرين أن تحل الأزمات الإقتصادية والإجتماعية التي يعيشها الأفراد في القرن الواحد والعشرين.. بل الأنكى من ذلك فالتكنولوجيا التي من المفترض أن تقلل من الشعور بالفقر والحسد صارت معززا له بشكل كبير.. ولا يمكن إعطاء دروس في الاشتراكية أو أي رؤية تمتحي من التوتاليتارية، لحل الإشكال العميق للأزمات الدورية للرأسمالية بسبب الطبيعة البشرية للمضاربين والمستهلكين والسلوك الاقتصادي بشكل عام.. هناك أمور أعمق من توزيع الثروات، هناك الطبيعة البشرية والكسل والرغبة في الربح، وتغير شكل الفقر من انعدام الموارد المائية والغذاء كما تصوره الماركسيون مثلا الى انعدام الفرص والحرمان النسبي من الرعاية الصحية مثلا، وليس أمامنا نحن المنتمون إلى الغالبية سوى تحقيق هدف أساسي وهو عدم إنجاب الأطفال في وضع اقتصادي صعب مثل الذي يعرفه عالمنا المعاصر والمترافق مع وضعية مناخية صعبة بسبب الاحتباس الحراري ونضوب الموارد المائية بسبب الهدر المائي أيضا، والذي لم يسببه الرأسمالي لوحده، بل سببته الطبيعة البشرية التواقة إلى الطمع والنمو الديمغرافي المفرط.. إن إصلاح الرأسمالية عملية ممكنة من خلال الانتقال إلى رأسمالية مستدامة لكن ذلك رهين بالصين والعالم الثالث أيضا ولا يمكن تحميل الغرب المسؤولية عن مائتي عام من ازدهار الاقتصاد الرأسمالي وتغيير الكوكب في ظل قرنين.