"المطارات" ينبه إلى التحقق من رحلات    خطيب العيد بتازة يوصي بالأرحام    ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال ميانمار إلى 2065 قتيلا    أمير المؤمنين يؤدي صلاة عيد الفطر بمسجد أهل فاس بالرباط    أسود تفترس حارسا في حديقة حيوانات بالجزائر    زلزال ميانمار: توقعات بارتفاع عدد الضحايا والخسائر تتجاوز الناتج المحلي الإجمالي للبلاد    مارين لوبان تواجه السجن ومنع الترشح بعد إدانتها باختلاس أموال عامة    الجيش الملكي في اختبار صعب أمام بيراميدز بالقاهرة    التسويف والتماطل يدفع مبرزي التربية الوطنية للإضراب والاحتجاج في أبريل المقبل    المصور محمد رضا الحوات يبدع في تصوير إحياء صلاة عيد الفطر بمدينة العرائش بلمسة جمالية وروحية ساحرة    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    ترامب يزور السعودية منتصف ماي المقبل    الادخار الوطني بالمغرب يستقر في 28,8 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي خلال الفصل الرابع من سنة 2024    ست حالات اختناق بسبب غاز أحادي أكسيد الكربون ليلة عيد الفطر    إيقاف خط جوي مع طنجة يُثير غضب ساكنة ورزازات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    نتنياهو يعين رئيسا جديدا ل "الشاباك"    منع مارين لوبن من الترشح 5 سنوات    ارتفاع الذهب لمستوى قياسي جديد    نبيل باها: الانتصار ثمرة عمل طويل    أجواء مهيبة في صلاة العيد بسلا    مصدرو المواشي الإسبان يشتكون من انخفاض الصادرات إلى المغرب    مرشد إيران يتوعد ترامب ب"رد حازم"    الملك محمد السادس يتوصل بتهانئ ملوك ورؤساء وأمراء الدول الإسلامية بمناسبة عيد الفطر المبارك    كان محكوما بالمؤبد.. العفو الملكي يشمل بلعيرج    وكالة بيت مال القدس تتوج عمليتها الإنسانية الرمضانية في القدس بتوزيع 200 كسوة عيد على الأيتام المكفولين من قبل المؤسسة    القضاء الفرنسي يدين زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن باختلاس أموال عامة    الملك محمد السادس يؤدي صلاة عيد الفطر المبارك بمسجد أهل فاس بالمشور السعيد بالرباط    كأس العالم لسلاح سيف المبارزة بمراكش: منتخبا هنغاريا (ذكور) والصين (سيدات) يفوزان بالميدالية الذهبية في منافسات الفرق    مزاعم جزائرية تستوجب رد مغربي صريح    جلالة الملك يصدر عفوه السامي على 1533 شخصا بمناسبة عيد الفطر السعيد    منتخب الأشبال يقسو على أوغندا بخماسية في مستهل كأس إفريقيا    صفقة ب367 مليون درهم لتنفيذ مشاريع تهيئة وتحويل ميناء الناظور غرب المتوسط إلى قطب صناعي ولوجستي    ترامب لا يمزح بشأن الترشح لولاية رئاسية ثالثة.. وأسوأ السينايوهات تبقيه في السلطة حتى 2037    آسفي تبلغ ثمن نهائي كأس العرش    فريق إحجاين بطلاً للدوري الرمضاني لكرة القدم المنظم من طرف جمعية أفراس بجماعة تفرسيت    مطالب لربط المسؤولية بالمحاسبة بعد أزيد من 3 سنوات على تعثر تنفيذ اتفاقية تطوير سياحة الجبال والواحات بجهة درعة تافيلالت    نقابة تدين تعرض أستاذة للاعتداء    ادريس الازمي يكتب: العلمي غَالطَ الرأي العام.. 13 مليار درهم رقم رسمي قدمته الحكومة هدية لمستوردي الأبقار والأغنام    ما لم تقله "ألف ليلة وليلة"    إشباع الحاجة الجمالية للإنسان؟    لماذا نقرأ بينما يُمكِننا المشاهدة؟    عفو ملكي عن عبد القادر بلعيرج بمناسبة عيد الفطر 1446 ه.. من هو؟    طواسينُ الخير    كأس إفريقيا U17 .. المغرب يقسو على أوغندا بخماسية نظيفة    المعهد العالي للفن المسرحي يطلق مجلة "رؤى مسارح"    الاتحاد الإسلامي الوجدي يلاقي الرجاء    الموت يفجع الكوميدي الزبير هلال بوفاة عمّه    دراسة تؤكد أن النساء يتمتعن بحساسية سمع أعلى من الرجال    منظمة الصحة العالمية تواجه عجزا ماليا في 2025 جراء وقف المساعدات الأمريكية    انعقاد الدورة الحادية عشر من مهرجان رأس سبارطيل الدولي للفيلم بطنجة    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    دراسة: النساء يتمتعن بحساسية سمع أعلى من الرجال    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    هيئة السلامة الصحية تدعو إلى الإلتزام بالممارسات الصحية الجيدة عند شراء أو تحضير حلويات العيد    أكاديمية الأوسكار تعتذر لعدم دفاعها وصمتها عن إعتقال المخرج الفلسطيني حمدان بلال    تحذير طبي.. خطأ شائع في تناول الأدوية قد يزيد خطر الوفاة    رحلة رمضانية في أعماق النفس البشرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كرة القدم الساحرة المتمردة.. لذة فوز المغرب التطواني..
نشر في شمال بوست يوم 05 - 06 - 2014


د. عبد الغني السلماني - مكون وباحث أكاديمي
في المتن :
لا نبالغ إذا قلنا أن كرة القدم تشكل ظاهرة متميزة ، صاحبت المجتمعات المعاصرة على اختلاف انتماءاتها الثقافية والسياسية والدينية والجغرافية…. فليست هناك رياضة لها هذا التأثير السحري والغريب على الأفراد والجماعات والأمم مثل كرة القدم. فالانفعالية القصوى والمثيرة التي تواكب الإستعداد قبل وبعد المباريات، خصوصا الحاسمة منها، هذا ما جعلنا بالفعل أمام ظاهرة قد تكون ثقافية بالمعنى الأنثروبولوجي بحيث تخترق كل التمايزات والاختلافات والحدود، وتتحول إلى ما يشبه أسطورة أو أفيون تغذي وتخدر حاجات الناس الباحثين عن الفرح والمتعة القادرة على مقاومة الرتابة وضنك العيش .ففي ظل الأزمات الاقتصادية والظروف السياسية المتوترة التي أصبحت تسيطر على تفكير الناس في مختلف دول العالم، أصبحت الرياضة هي المتنفس الوحيد للتعبير عن المشاعر وهي السبيل لنشر الفرح والابتسامة.
لذلك ،ثبتت كرة القدم أنها بالفعل أفيون الشعوب، لتأثيرها الكبير على مشاعر الناس ، حيث كانت ولا تزال بوابة الفرح والسعادة والطريق نحو إطلاق المشاعر المكبوتة والتعبير عن الفرح، وسط تلك الهالة الكبيرة من ضغوط الحياة وتراكمات الأزمات الاقتصادية والسياسية التي أصبحت هاجساً يسيطر على تفكير الشعوب في مختلف بقاع العالم.
حالة بوح :
أن تكتب عن الكرة ليس من السهل ، لابد من عشقها وتتبع أخبارها ونجومها … لكن علاقتي بكرة القدم لاأريدها أن تتحكم في برامجي وأوقاتي ، بل غالبا ما أتابع المباراة المصيرية سواء تعلق الأمر بالبطولة الوطنية المغربية أو الليغا الإسبانية وبالتحديد الكلاسيكو بين الريال والبارصا.
لذلك أنا عاشق للعبة والفرجة، استدرجها حيث أريدها لكن لاتتحكم في اختياراتي ، ربما هكذا أحس وأعتقد .هذه اللعبة تشد انتباهي ، وأحيانا كثيرة أعصابي ، لما فيها من سحر وجمالية وفرح وحزن. في مدينة تطوان ومعها باقي مدن الشمال، تشكل متابعة البطولة الإسبانية (الليغا) حيث تشكل طقسا إستثنائيا بكل المقاييس . فقلما تجد أحدا يقف موقف المحايد من الصراع التقليدي بين الريال والبارصا. لا بد من إختيار أحد المعسكرين لتكتمل الجلسة ومتعة المشاهدة أختار ولا زلت من محبي ريال مدريد الذي يمثل في المتخيل الكروي النبل والحس والرقي والمركزية الفكرية والثقافية على حساب البارصا الذي يعبر عن التمرد على الأقل في نظر المحبين ضد المركزية الإدارية الذي تحظى بها مدريد ،لكن دائما أتمتع بالكرة وأقول لأصدقائي ساخرا إنني من محبي المدريد وعاشق البارصا . هذا العشق للفريقين لم يقتصر على مناطق الشمال بل تزايد وتوسع وانتشر في كل المدن و القرى المغربية بفضل القنوات الفضائية.
عشق الكرة أفيون الكرة :
تعمل كرة القدم بكل ما فيها من فرجة وانفعالية على توحيد وإدماج الأفراد داخل جماعة معينة في مزيج من التماسك الذي يصل أحيانا حدودا غير متوقعة، وربما غير مفهومة، وليعطي بالتالي إحساسا لذيذا بالإنتماء. في البرازيل تشكل كرة القدم مكونا أساسيا في الهوية الثقافية والقومية لهذا البلد. هناك تتمفصل هذه اللعبة مع الاقتصاد والسياسة والإنتماء، وتطال مختلف فضاءات المجال العمومي. ، في المباريات المصيرية تنحبس الأنفاس في هذا البلد ويتأجج الشعور الوطني . فيصبح الانتصار بمثابة عيد وطني والخسارة بطعم النكبة التي تجرح كبرياء شعب بأسره .إنه الإحساس الذي تسرب إلى كل المجمعات وخاصة التي تعتبر الرياضة والتجمعات الكبرى شكل من أشكال التنفيس الإجتماعي . في ضوء ذلك ، غدت الكرة أكثر ارتباطا بدواليب الاقتصاد الذي لا يخضع إلا للغة الربح والكسب السريع. غدت الاعتبارات المالية والتجارية تتحكم في المباريات سواء على مستوى البرمجة والتوقيت وحقوق البث التلفزيوني والإشهار. أصبحت الفرق الكبرى (ريال مدريد،البارصا، مانشستريونايتد ، ميلان...) بمثابة إمبراطوريات مالية توازي ميزانياتها ميزانيات دول بحالها. إمبراطوريات تعمل من خلال نظام إداري ، في غاية الاحترافية، على التحكم فيما أصبحت تدره هذه الرياضة من أموال خيالية.أصبح ينظر إلى الكرة كنشاط تجاري لا بد أن يدر أرباحا. ويبدو أن إحتكار مؤسسات إعلامية ضخمة لحقوق البث التلفزيوني، وبالتالي حرمان ملايين البسطاء من متابعة المباريات ، سيؤشر على تحول كرة القدم من لعبة للفقراء إلى لعبة للأغنياء؛ لعبة تتحكم فيها نخبة كروية ضيقة لا يهمها إلا مصالحها.
البطولة جبلية من الشعار إلى المحاكاة :
يعتبر ملعب سانية الرمل أو " لامبيكا "، كما يسميه التطوانيون ، جزءا من الذاكرة الكروية لمدينة تطوان. فعلى أرضية هذا الملعب لعبت فرق إسبانية كثيرة أيام الحماية ، وهذا ما جعل اسم الفريق قريب من اسم أحد الفرق التي انتزعت الكأس وتصدرت البطولة . أصبحت رقعة الملعب تتزين بشعارات ولباس يحيل على الموروث الثقافي للمنطقة ، و أصبحت اللغة واللهجة مجال التقاطب والتوظيف المتميز للعب على نفسية المنافس فشعار "البطولة جبلية " ليس سوى مظهر من مظاهر هذا الصراع والذي وضف في مجالات التواصل الإجتماعي في توازٍ مع صراع الخطط والتكتيكات وموازين القوى . لذلك لم يكن تنافس المغرب التطواني على اللقب مجرد لعبة رياضية مسلية ، بل تحول إلى صراع ثقافي وظفت فبه كل الأساليب بما فيها الوشاية ………. لذلك فالخطاب التواصلي خطاب كثيف أو مكثف يحمل أبعادا مختلفة أكثر مما توحي بها الألفاظ المشكلة للمعنى. وبالتالي فهو يرسخ فكرة قوية مفادها أنه لا يوجد خطاب باستطاعته أن يحمل معنى واحدا ومُوحدا ، من هنا كانت عبارة " البطولة جبلية " ساحرة استطاعت أن تستقطب الكثير وما تمثله من مخزون ثقافي وجغرافي وتاريخي ،فتحولت إلى موقف جماعي يعبر عن الإنتماء ومن حق المناطق الجبلية أن تكتب أمجادها كما كتبتها مناطق من قبل في هذا المجال .
أمسية النصر التاريخي الذي حققه فريق المغرب التطواني على نهضة بركان في مباراة حاسمة والتي نجح من خلالها مباراة ماراثونية أشبه بمسلسل حرق الأعصاب، لتفرح بعدها الجماهير التي سهرت حتى الصباح ابتهاجاً واحتفالاً بذلك النصر والإنجاز التاريخي الذين لم يعد يفصلهم عن طرق أبواب المجد سوى محطة أخيرة.
مسيرات الفرح التي اجتاحت مناطق وشوارع، وأجواء الفرح التي سيطرت على الجماهير الشمالية ، لم يكن من السهل تحقيقها لولا كرة القدم التي أصبحت هي الوحيدة التي بإمكانها بث الفرحة في جميع بقاع العالم، وهي الوحيدة التي تملك القدرة على أن تنسي الشعوب أحزانها ومشاكلها وأزماتها .. إنها بالفعل أفيون الشعوب.
ورأت الجماهير التطوانية ان القدر والحظ أنصفا المغرب التطواني، الذي قاد قاطرة البطولة منذ الدورة الأولى بالرغم من بعض التعثرات ولحظات الفراغ ، التي مر منها في أوقات مرة من مسار البطولة الاحترافية ، معتبرة أن فوز المغرب التطواني ببطولة هذا الموسم يدخله من الباب الواسع الى نادي الفرق الوطنية الكبيرة، وهو ما يشكل ربحا للكرة الوطنية التواقة إلى الأمجاد والانتصارات . وكذا العالمية، مما يتيح له المشاركة في بطولة العالم للأندية التي سيحتضنها المغرب مستقبلا، ومقارعة فرق عالمية عتيدة من ضمنها نادي ر مدريد (الحائز على كأس دوري ابطال أوروبا)، والمشاركة في عصبة الأبطال الإفريقية .
كل التوفيق لهذا الفريق المتميز ولجمهوره الفاتن .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.