نظمت بمحكمة الإستنئناف بتطوان يوم 31 دجنبر 2018 ندوة حول موضوع مدى مساهمة تحديد العمر الإفتراضي القضائي في تحقيق النجاعة القضائية، حيث إن هذه الندوة كان مقررا لها أن تنعقد قبل هذا التاريخ بأكثر من سنة، ماذا حدث بالفعل؟ هذا التأخير في الحقيقة، وبصفتي أنوب عن السيد النقيب الممارس، لا يد لهيئة المحامين بتطوان فيه، ففعلا عندما كنت نقيبا ممارسا وبتنسيق مع السيد الرئيس الأول لمحكمة الإستئناف بتطوان كنا قد قررنا تنظيم هذه الندوة سنة 2017 ، التي تأخرت لمدة سنة ونصف، وكما قلت سلفا لا يد لنا في هذا التأخير، وهذا راجع لأسباب يعرفها السيد الرئيس الأول للمحكمة وحده، مع العلم أنه سنة 2017 كنا قد أنشأنا لجنة مشتركة بين محكمة الإستئناف وهيئة المحامين يترأسها كل من المستشار احمد الفنيز عن المحكمة وعضو المجلس عبد المالك مرزاق. وكنت قد كلفت آنذاك الدكتور محمد عبكار المحامي بالهيئة بإعداد دراسة في الموضوع وهو ما تم بالفعل، إلا أنني فوجئت لمرتين وبعد تحديد تاريخ الندوة، وأن الرئيس الأول يؤجلها بدون إستشارة مؤسسة النقيب، وخلال هذه الفترة كذلك استغربت لماذا عقد هذه الندوة في آخر يوم من سنة 2018، فلربما للسيد الرئيس الأول إعتبارات شخصية، لا نعرفها ولكننا يمكننا أن نستنتج أنه أراد أن تكون ضمن حصيلة محكمة الإستئناف خلال سنة 2018، ولم يسعفه الوقت وبالتالي تدارك الأمر واختار آخر يوم من السنة لعقدها ولم توجه لنا الدعوات إلا في العمر الميت لعقدها، بالرغم من كوننا شركاء في تنظيمها. بالإضافة إلى الإرتباك الذي ذكرتموه بخصوص التحضير لهذه الندوة، هذه الأخيرة عرفت كذلك تأخرا على مستوى إنطلاق الأشغال وحضور باهت، حيث كان مقررا إنطلاق جلستها الإفتتاحية على الساعة الثالثة زوالا وتأخرت لأكثر من ساعة، ماذا حدث بالضبط ؟ بصفتي نقيب سابق وأنوب خلال هذه الفترة عن النقيب الممارس الأستاذ محمد كمال مهدي، أخبرت بعقد هذه الندوة من طرف عضو المجلس الأستاذ درجاج في نفس اليوم، وأن السيد النقيب الممارس وحسب برنامج الندوة سيحضر إلى جانب السيد الرئيس الأول والوكيل العام لمحكمة الإستئناف الجلسة الإفتتاحية وسيترأس الجلسة الثانية. ونظرا لتجربتي بخصوص مثل هذه الندوات التي تقام بشراكة مع محكمة الإستئناف في البداية عبرت عن موقفي الصريح بعدم المشاركة، ولكن ونظرا لكون الدعوات، التي تم توزيعها، تتضمن أنها نظمت بشراكة مع هيئتنا، قررت في الأخير أن أشارك فيها، إلا أنه تبين لي أن البرتكول غير محترم، ذلك أن الطريقة التي أعدت بها المنصة والكراسي للأطراف الثلاثة الذين سيفتتحون هذه الندوة بدت غير متساوية، حيث أن الرئيس الأول خصص لنفسه كرسي من نوع خاص يتوسط المنصة، في حين أننا أولا أمام ندوة علمية، وثانيا من الناحية البرتكولية فالرئيس الأول يتساوى مع السيد الوكيل العام والسيد النقيب، بدليل أن اللجنة الثلاثية على مستوى محكمة الإستئناف، التي تعالج القضايا الكبرى، يترأسها الأطراف الثلاثة، وهو ما جعلني أعترض على هذا الخطأ البرتكولي الذي تطلب تصحيحه أكثر من ساعة. وعموما هكذا ممارسات من طرف السيد الرئيس الأول تجاه الهيئة والأطراف الأخرى تتكرر غير ما مرة. ومن جهة ثانية ومن خلال التجربة والممارسة مع هذا المسؤول القضائي فإننا كهيئة لنا سوابق وتراكمات معه، حيث أنه خلال الأزمة التي حدث سابقا، عندما كنت نقيبا ممارسا، عندما قام أحد القضاة بطرد محام من داخل إحدى جلسات الحكم، كانت هيئة المحامين بتطوان قد قدمت بمقترحات وحلول وجيهة من أجل أن تضع حدا للنزاع الذي نشب آنذاك، غير أن السيد الرئيس الأول وبطريقة تدبيره لهذه الأزمة عقد المشكل بدل حله، حيث إنه تجاوز مؤسسة النقيب، الممثل والمخاطب الرئيسي والوحيد للهيئة، وتعمد إشراك أطراف أخرى بدون إستشارته وطالت الأزمة لفترة طويلة، ولم يتم التغلب عليها في الأخير إلا بمساعدة السيد الوكيل العام على المستوى المحلي، وعلى المستوى المركزي بالتدخل الإيجابي للسيد رئيس جمعية هيئات المحامين النقيب أقديم والسيد المفتش العام لوزارة العدل والسيد مدير الشؤون المدنية بنفس الوزارة، وكذا بفضل موقف السيد وزير العدل آنذاك الأستاذ مصطفى الرميد، الذي صرح خلال ترؤسه للجنة القضائية، والتي يحضرها المدراء المركزيون بوزارة العدل والمسؤولون القضائيون على مستوى محاكم الإستئناف بالمغرب ونقباء جميع هيئات المحامين بالمغرب، حيث صرح أمام الحضور وبعد الإستماع إلى كلمتي رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب ونقيب هيئة المحامين بتطوان، أن المحامي خط أحمر لا يمكن طرده من الجلسة. هذا بخصوص الجلسة الإفتتاحية، فبالعودة إلى برنامج الندوة كان مقررا خلال الجلسة الثانية أن يترأسها السيد نقيب هيئة المحامين بتطوان الأستاذ محمد كمال مهدي، والذي نبتم عنه في هذا اللقاء، غير أننا سجلنا إنسحابكم من الندوة مباشرة بعد الجلسة الإفتتاحية التي كنت أحد الأطراف الثلاثة التي ترأسوها، لماذا هذا الإنسحاب؟ أولا حضورنا كهيئة خلال الجلسة الثانية كان قائما في شخص النقيب محمد الحبيب الخراز، ولكن تعمدت أن لا أترأس هذه الجلسة لتوجيه رسالة للسيد الرئيس الأول، مفادها أننا بصدد جلسة علمية، وأنه من الناحية الأخلاقية والبرتكولية على الجهات المنظمة لهكذا ندوة الحضور ومواكبة أشغالها، منذ الإنطلاقة إلى غاية الإختتام، وذلك من أجل الإجابة على إستفسارات وتساؤلات القاعة والحضور، غير أن السيد الرئيس الأول إنسحب مباشرة بعد الجلسة الإفتتاحية، وكأنه فوق الجميع أو رئيس الجميع، وبالتالي إنسحبت بدوري وكلفت الأستاذ الحبيب الخراز ليأخذ مكان النقيب. هذه الندوة يمكن إعتبارها هي تلك الكتلة الجليدية العائمة على سطح البحر والتي أبانت عن وجود شرخ بين هيئة المحامين والمسؤول الأول عن محكمة الإستئناف بتطوان، هل لنا أن نغوص تحت سطح البحر ونعرف حجم الكتلة الجليدية ” إذا صح التعبير” ؟ أولا نحن ليس لنا خلاف أو صراع مع مؤسسة الرئيس الأول، لكن لنا خلاف مع شخص الرئيس الأول، وهذا بحكم التجربة والممارسة، أعتبر أن مؤسسة الرئيس الأول أصبحت حساسة في الظرفية الحالية وفي هذه المرحلة الإنتقالية، التي يعرفها جسم العدالة، خاصة وأن السلطة القضائية أصبحت سلطة مستقلة وأن دستور 2011 جاء بمعطى أساسي ورئيسي هو إستقلالية القاضي، وأننا كدفاع نرى أن معالجة البطء في البث في القضايا ضروري، ولكن دون المساس بإستقلالية القاضي، لأن القاضي هو وحده من يقدر متى يصبح ملف القضية جاهزا للبث فيه، وبالتالي لايمكن تقييده بجدول زمني محدد. من هنا نرى ضرورة خلق توازن بين الكم والكيف، وأن لا نقع في خطأ لايمكن تداركه مستقبلا، خاصة وأمام تكريس إستقلالية القاضي، لم يبق للمسؤول القضائي سواء على مستوى الإبتدائيات أو الإستئناف أوباقي المحاكم، من وسائل للتدخل فيه وذلك بصريح النص الدستوري. وبالتالي لم يعد بيد بعض المسؤولين، الذين تنعدم لديهم الكفائة العلمية والقانونية، سوى التدخل إداريا ومحاولة التأثير على القاضي من منطلق الإنتاجية، وهي نطقة حساسة يجب الإنتباه إليها. يستشف من خلال جوابكم أنكم تسجلون ملاحظات حول موضوع الندوة المشتركة ؟ أبدا ليس لنا إنتقادات حول موضوع الندوة بدليل اننا شركاء في “التنظيم”، ولكن لنا إنتقادات تنصب حول الطريقة التي أعدت بها الندوة، وثانيا نحذر من بعض المشاكل التي قد تطرح مستقبلا، ومن شأنها التأثير على جودة الأحكام، لأن الغاية في المنطلق والنهاية من اللجوء إلى القضاء هو إنصاف المتقاضي وإنصاف صاحب الحق، والضغط على القاضي بجدول زمني معين سيؤثر لامحالة على الجودة، خاصة إذا كان هذا القاضي يرأسه مسؤول ينحصر مفهومه للانتاجية في الكم فقط. في نهاية الحوار السابق الذي أجريناه معكم على صفحات موقعنا، قدمتم لنا وعدا بأنكم ستقدمون تقييما لوظعية المحاماة والقضاء بالدائرة القضائية لمحكمة الإستئناف بتطوان، هل يمكن إعتبار حوارنا الحالي منطلقا هذا التقييم؟ يمكن إعتبار هذا الحوار أول حلقة لتقييم العمل القضائي بالدائرة القضائية لمحكمة الإستئناف بتطوان، حيث بسطنا فيها ملاحضاتنا وطبيعة العلاقة مع المسؤول الأول بمحكمة الإستئناف بتطوان، على أن ننتقل إلى تقيم علاقتنا بالمسؤول الأول بالمحكمة الإبتدائية بتطوان في الحوار اللاحق إن شاء الله، ومنه إلى باقي المسؤولين بذات الدائرة القضائية. أما تقييم وظعية المحاماة بنفس الدائرة القضائية ستأتي لاحقا لدراسة عامة أنا بصدد إعدادها، تتعلق بالتحولات التي تعرفها مهنة المحاماة علاقة بالتطورات التي تعرفها الرأسمالية منذ بداية السبعينات مرورا بسقوط جدار برلين ومرورا أيضا بالأزمة المالية العالمية التي شهدها العالم لإنطلاقا من سنة 2007، ومدى تأثيرها على الصراعات، والصراع الرئيسي الذي كان بين الرأسمال والعمل “LE CAPITAL ET TRAVAIL “، موضحا أن الصراع لم يعد يدور داخل المقاولة “L'ENTREPRISE”، أي بين الأجير وصاحب المقاولة، ولكن هناك وجه جديد ” VISAGE” للصراع الذي إنتقل من مكان العمل، الذي كان في السابق محل صدام إلى حقل آخر، وبالتالي فإنه لم يبق للفئات المجتمعية ” محامين وأطباء وعمال…” سوى الصراع من أجل الوجود والإستمرارية، وذلك لن يتأتى لها إلا بمزيد من التضامن والتكافل وإستحضار المصلحة العليا للفئة والوطن قبل كل شيء.